مازالت الجريمة البشعة التى شهدتها محافظة الإسماعيلية تتصدر المشهد حيث أصاب المجتمع غيام من الحزن إثر وفاة شاب أربعينى - هشام زكريا - بسبب مزاح مجموعة من الأطفال قرروا اللهو بطريقة ساخرة معه، ما نتج عنها مصرعه فى الحال متأثرا بإصابته بأزمة قلبية، حيث كان يجلس فى كافيتريا بمنطقة الجامعة القديمة، وفوجئ بقيام أطفال بإلقاء أكياس المياه عليه، ثم يقوم ليحاول أن يمسك بأحدهم، ويتعرض لأزمة صحية تتسبب فى وفاته فى الحال، القصة التى أصبحت قضية رأى عام عاشتها أسرة "زكريا"، بوجه خاص والمجتمع المصرى بوجه عام.
وبيّنت التحريات وجمع المعلومات من تحديد وضبط مرتكبى الواقعة، الصبية مرتكبى الواقعة 5 أحداث، مقيمين حيث ألقت أجهزة الأمن القبض على الصبية وأولياء أمورهم، وبمواجهتهم أقروا بارتكابهم الواقعة أثناء قيامهم باللهو – على الفور - أمرت النيابة العامة بحبس الأطفال الخمسة - تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشر والثامنة عشر- أربعة أيام احتياطيًّا على ذمة التحقيق معهم؛ لارتكابهم جريمة ضرب المجنى عليه/ هشام زكريا عمدًا مما أفضى إلى موته، واستعراضهم القوة واستخدامها ضدَّه بقصد إلحاق الأذى به؛ مما أدى لتكدير أمنه وسكينته وطمأنينته وتعريض حياته وسلامته للخطر والمساس باعتباره.
سيناريوهات عقوبة الأطفال الخمسة بعد وفاة الشاب هشام زكريا
مأساة المجنى عليه/ هشام زكريا أدت إلى حالة من الغضب الشديد بين رواد مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك، وتويتر" وظهور هاشتاج على منصات التواصل الاجتماعى بعنوان "هشام زكريا شهيد المزاح"، زلزل السوشيال ميديا، وذلك نظرا إلى أن ما تعرض له هشام زكريا قد يتعرض له أى شخص يمر بالشارع خاصة وأن هذه الطريقة القاتلة من المزاح قد سبق التحذير منها منذ فترة ليست بالقصيرة باعتبار أن هذا المزاح يكدر أمن وسلم وسكينة وطمأنينة المواطن أثناء سيره فى الشارع كما يعرض حياته وسلامته للخطر والمساس باعتباره، كما طالب رواد مواقع التواصل بالقصاص من هؤلاء الأطفال، ومعاقبة أولياء أمورهم بسبب الإهمال فى تربيتهم والسؤال هنا حول المسئولية الجنائية لهؤلاء الصبية عن واقعة وفاة هذا الشاب.
فى البداية – يقول الخبير القانونى والمحامى سامى البوادى – أن مناط المسئولية الجنائية هو القدرة على التمييز أو الاختيار فإن فقد الشخص أحدهما أو كلاهما امتنعت مسؤوليته، وهذا حال الصغار دون السابعة، إذ قرر المشرع فى قانون الطفل الصادر سنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 فى المادة 94 منه امتناع مسؤوليتهم الجنائية عن أى جريمة تعزوا إليهم بل حظر كذلك بدلالة الإشارة توقيع اى تدابير احترازية أو اجتماعية حيالهم، ثم قرر المشرع بعض التدابير التى توقع على الطفل ما بين السابعة والثانية عشر إذا ارتكب جناية أو جنحة، وقد بينت المادة 94 هذا التدابير وهى التوبيخ أو التسليم أو الإيداع فى إحدى المستشفيات المتخصصة أو الإيداع فى إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
8 عقوبات تنتظر الأطفال الخمسة المتهمين
وبحسب "البوادى" فى تصريح لـ"برلمانى": أما الطفل الذى تجاوز الثانية عشر ولم يبلغ الخامسة عشرة أن ارتكب جريمة فيحكم عليه طبقا للمادة 101 بأحد التدابير الآتية:
1- التوبيخ.
2- التسليم.
3- الإلحاق بالتدريب والتأهيل.
4- الإلزام بواجبات معينة.
5- الاختبار القضائى.
6- العمل للمنفعة العامة بما لا يضر بصحة الطفل أو نفسيته، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون أنواع هذا العمل وضوابطها.
7- الإيداع فى إحدى المستشفيات المتخصصة.
8- الإيداع فى إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
وعدا المصادرة ورد الشيء إلى أصله لا يحكم على هذا الطفل بأى عقوبة أو تدبير منصوص عليه فى قانون آخر، ثم قرر المشرع فى المادة 111 العقوبات التى توقع على الطفل ما بين الـ 15 و الـ 18 سنة، فقرر لا يحكم بالإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا بالسجن المشدد على المتهم الذى لم يجاوز سنة الـ 18 سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة، ومع عدم الإخلال بحكم المادة (17) من قانون العقوبات، إذا ارتكب الطفل الذى تجاوزت سنة 15 سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن، وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر – الكلام لـ"البوادى".
بدائل السجن أو الحبس
ويجوز للمحكمة بدلاً من الحكم بعقوبة الحبس أن تحكم عليه الإيداع فى إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية، أما إذا ارتكب الطفل الذى تجاوزت سنة 15 سنة جنحة معاقباً عليها بالحبس جاز للمحكمة، بدلاً من الحكم بالعقوبة المقررة لها، أن تحكم بأحد التدابير الاتية الاختبار القضائى أو العمل للمنفعة العامة بما لا يضر بصحة الطفل أو نفسيته، أو الإيداع فى إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية، ونصت المادة 112 لا يجوز احتجاز الأطفال أو حبسهم أو سجنهم مع غيرهم من البالغين فى مكان واحد، ويراعى فى تنفيذ الاحتجاز تصنيف الأطفال بحسب السن والجنس ونوع الجريمة – هكذا يقول "البوادى".
أولياء الأمور يعاقبون بقانونين تصل فيها العقوبة للحبس 6 أشهر
أما بالنسبة لأولياء أمور الأطفال الخمسة الذين كانوا على علم بلعب أبنائهم هذه اللعبة دون التنبيه عليهم أو منعهم – بحسب "البوادى" – فمن المقرر معاقبتهم بقانونين وهما القانون المدنى وقانون الطفل، حيث أن أولياء الأمور من المقرر معاقبتهم بقانون الطفل بالحبس لمدة 6 أشهر لعدم رعاية أبنائهم وتقويمهم، كما يعاقبهم القانون المدنى على نوعين من الخطأ وهما "المفترض"، وذلك لسوء التربية، والخطأ الثانى هو عدم المتابعة والملاحظة ويكون هنا التعويض عن الضرر كما تقرره المحكمة، فقد نصت المادة 173 من القانون المدنى :
1- كل من يجب عليه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص فى حاجة إلى الرقابة، بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية يكون ملزما بتعويض الضرر الذى يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع، ويترتب هذا الالتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز.
2- ويعتبر القاصر فى حاجة الى الرقابة إذا لم يبلغ خمسة عشرة سنة، أو بلغها وكان فى كنف القائم على تربيته، وتنتقل الرقابة على القاصر إلى معلمه فى المدرسة أو المشرف فى الحرفة، ما دام القاصر تحت إشراف المعلم أو المشرف، وتنتقل الرقابة على الزوجة القاصر الى زوجها أو إلى من يتولى الرقابة على الزوج.
3- ويستطيع المكلف بالرقابة أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة، أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغى من العناية.
سامى البوادى الخبير القانونى والمحامى
مراحل تدريج المسؤولية الجنائية:
وعن المانع من المسؤولية الجنائية فى هذه الحالة المعروضة – يقول "البوادى" - هو فقد التمييز، وينطبق على الطفل الذى لم يتم السابعة من عمره، فلا تقام الدعوى الجنائية بحق من لم يكمل السابعة من عمره وقت ارتكاب الجريمة، ولا يمنع ذلك قيام جهات التحقيق ومحاكم الأحداث باتخاذ الإجراءات التربوية أو العلاجية المناسبة لحالة هذا الحدث متى رأت ضرورة لذلك.
مرحلة انعدام المسؤولية: وهى المرحلة التى يكون الطفل فيها غير مسؤول جنائياً عن أى فعل يصدر منه وذلك لانعدام حرية الاختيار التى تقوم على عنصرين مهمين، وهما الأدراك والتمييز، وتبدأ هذه المرحلة منذ لحظة ولاته حتى بلوغه سن الـ12.
مرحلة مسؤولية الحدث الناقصة: وهى المرحلة التى يكون الحدث فيها مسؤول عن أفعاله الجرمية ولكن بما يتناسب ومرحلته العمرية، بحيث يكون الإدراك والتميز لديه ناقصا، نتيجة لتأثير مرحلة المراهقة التى قد تدفعه الى تصرفات متهورة، فالمشرع اخذ ذلك بعين الاعتبار، وتبدأ هذه المرحلة منذ بلوغه سن الثانية عشر حتى الـ 18.
مرحلة المسؤولية الكاملة: وهى المرحلة التى يصل فيها الشخص سن الرشد وفى هذه المرحلة يفترض أن يكون الشخص كامل التميز، ويسأل عن أفعاله بحسب ما نص القانون، وتبدأ هذه المرحلة عند بلوغه سن الـ 18.
والحدث، كما عرّفه القانون بشأن الأحداث الجانحين والمشردين، هو الطفل الذى لا يتجاوز الـ18 سنة ميلادية وقت ارتكابه الفعل محل المساءلة أو وجوده فى إحدى حالات التشرد.
وتنقسم المسؤولية الجنائية للحدث إلى مرحلتين، الأولى انعدام المسؤولية، وهى المرحلة التى يكون فيها الطفل غير مسؤول جنائياً عن أى فعل يصدر عنه لانعدام الإدراك والتمييز لديه، وتبدأ هذه المرحلة منذ ولادته وحتى بلوغه سن الـ 7.
والثانية هى المسؤولية الناقصة التى تنتهى ببلوغ الطفل 18 عاماً، ويكون فيها مسؤولاً عن أفعاله بما يتناسب مع مرحلته العمرية، إذ يكون الإدراك والتمييز لديه ناقصاً نتيجة لتأثير حالة المراهقة التى قد تدفعه إلى تصرفات متهورة، لذا أخذ المشرع ذلك بعين الاعتبار.
مال المقصود بالطفل؟
وعن إجراءات المحاكمة – يقول الخبير القانونى والمحامى حسام حسن الجعفرى، نصت المادة 2 من قانون الطفل المصرى رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008: "يقصد بالطفل فى مجال الرعاية المنصوص عليها فى هذا القانون كل من لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة سنة ميلادية كاملة"، كما نصت المادة 122 فقرة 2: "تختص محكمة الطفل دون غيرها بالنظر فى أمر الطفل عند اتهامه فى إحدى الجرائم أو تعرضه للانحراف، كما تختص بالفصل فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد من 113 إلى 116 والمادة 119 من هذا القانون".
ما هو تشكيل محكمه الطفل؟
ويتكون قضاء الأحداث من:
أولاَ: محكمة جنح الأحداث: يتولاها قاض ينظر فى المخالفات والجنح وفى حماية الأطفال المعرضين للخطر.
ثانياَ: محكمة جنايات الأحداث: وهى غرفة ابتدائية تتكون من رئيس وعضوين وتنظر فى القضايا الجنائية المعروضة على محكمة الأحداث.
مدى جواز الحكم على الطفل بالإعدام؟
وأما عن مدى جواز الحكم على الطفل بالإعدام، يؤكد "الجعفرى" فى تصريح خاص - فقد نصت المادة 111 من قانون الطفل: "لا يحكم بالإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا بالسجن المشدد على المتهم الذى لم يجاوز سنه الثامنة عشرة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة "، ومع عدم الإخلال بحكم المادة "17" من قانون العقوبات، إذا ارتكب الطفل الذى تجاوزت سنه خمس عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن، وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر.
- ويجوز للمحكمة بدلاً من الحكم بعقوبة الحبس أن تحكم عليه بالتدبير المنصوص عليه فى البند "8" من المادة "101" من هذا القانون، أما إذا ارتكب الطفل الذى تجاوزت سنه خمس عشرة سنة جنحة معاقباً عليها بالحبس جاز للمحكمة، بدلاً من الحكم بالعقوبة المقررة لها، أن تحكم بأحد التدابير المنصوص عليها فى البنود 5 و6 و8 من المادة 101 ومن هذا القانون.
- ونصت المادة 121: تشكل محكمة الأطفال من ثلاثة قضاة ويعاون المحكمة خبيران من الأخصائيين أحدهما على الأقل من النساء ويكون حضورهما إجراءات المحاكمة وجوبيا، وعلى الخبيران أن يقدما تقريرهما للمحكمة بعد بحث ظروف الطفل من جميع الوجوه، وذلك قبل أن تصدر المحكمة حكمها.
- ويعين الخبيران المشار إليهما بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص بالشئون الاجتماعية، ويكون استئناف الأحكام الصادرة من محكمة الأطفال أمام محكمة استئنافية تشكل بكل محكمة ابتدائية من ثلاث قضاة، اثنان منهما على الأقل بدرجة رئيس محكمة، ويراعى حكم الفقرتين السابقتين فى تشكيل هذه المحكمة.
هل يجوز محاكمة أمام محكمه الجنايات؟
الأصل هو انعقاد الاختصاص لمحكمة الطفل المستبدلة بمحكمة الأحداث، إلا أن هناك استثناءان: الأول: هو جواز مُحاكمة الطفل أمام محكمة الجنايات أو محكمة أمن الدولة العليا بحسب الأحوال شريطة توافر أربعة شروط لا استثناء فيهم أو قياس عليهم أو تقريب إليهم.
1- أن تكون الواقعة جناية "شرط الجريمة".
2- أن يُجاوز سن الطفل خمسة عشرة سنة وقت ارتكاب الجريمة "شرط السن".
3- أن يُساهم الطفل مع بالغ فى ارتكاب الجناية "شرط المُساهمة".
4- أن يقتضى الأمر رفع الدعوى الجنائية على البالغ مع الطفل "شرط الاقتضاء".
أما إذا كان هناك مع الأطفال الحدث آخرين بلغ أقتضى الحال إقامة الدعوى عليهم الضرب المفضى للموت، فإن محكمة الجنايات تكون مختصة بنظر الدعوى المتهم فيها الطفل الحدث والآخر البالغ المتهمين فيها ويحكمهم فى ذلك نصوص قانون العقوبات المصرى فى المادة 230 وما بعدها، وهى موضحة للعقوبة المستوجب تطبيقها.
وفى تلك الأثناء - تكون العقوبة فى حدها الأقصى السجن المؤبد وحق للقاضى إعمال نص المادة 17 من قانون العقوبات بالتخفيف عن المتهم، أما إذا كان المتهم حدث فيكون اختصاص نظر موضوع الدعوى باتهام الضرب المفضى للموت من اختصاص محكمة الأحداث "شريطة أن لا يكون الحدث قد تم عمره خمسة عشر سنة وقت ارتكاب الواقعة"، وتحدد بذلك مدة العقوبة طبقا لما هو ثابت بقانون الأحداث التى قد تصل إلى تسليم الحدث أحد دور الرعاية أو إلى ذويه أو حبسه، وعلى كل حال هذا الموضوع محكوم بنصوص المواد 227 و 228 و 230 من قانون الإجراءات الجنائية.