الواقعة والحقيقة يؤكدان أن إثبات الواقعة الجرمية هو المحور الذي تدور عليه عملية البحث والتحري من قبل الأجهزة الأمنية والنيابة العامة وصولا إلى المحكمة عن مرتكب الجريمة منذ وقوعها، وحتى إنزال العقاب بالجاني، وكلما قل الوقت المطلوب للقبض على الجاني أو إثبات الجرم، وسهلت عملية الوصول إليه زادت الطمأنينة لدى المجتمع بالأمن والعدالة، لذلك يجب على أجهزة العدالة ألا تدخر وسعا في استخدام أي تقنية جديدة تساهم في هذه العملية.
والهدف الأساسي الذي تسعى إلى تحقيقه أجهزة العدالة في المجتمع من ناحية الجريمة، هو عنصر الإثبات لكي يُصار إلى تحقيق العدالة، وإثبات وقوع الجريمة ونسبة الجريمة إلى الفاعل وبالتالي إنزال العقوبة الرادعة بحق الفاعل الحقيقي للجريمة، ونظرية الإثبات في القانون تقوم على عدة مبادئ صاغها فقهاء القانون لمساعدة السلطات المختصة للاستعانة بها في القضايا الجزائية المعروضة عليهم.
لملايين المتقاضين.. أدلة الإثـبات في القانون المصري
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بأدلــة الإثبات في القانون المصري، وذلك في الوقت الذى يعرف فيه الإثبات بإقامة الدليل على وقوع الجريمة، وعلى نسبتها إلى المتهم، فيراد به إثبات الوقائع لا بيان وجهة نظر الشارع، وحقيقة قصده، ويعرف أيضا بأنه إقامة الدليل لدى السلطات المختصة على حقيقة معينة بالطرق التي حددها القانون وفق القواعد التي تخضع لها، ونلاحظ من خلال تعريف الإثبات أن الإثبات ينصب على ثبوت وقائع الجريمة بركنيها المادى والمعنوى، وليس على تطبيق القانون على هذه الجريمة، وما هي العقوبة التي تستند إلى الفاعل؟ - بحسب الدكتورة سها حماده عمران، الخبير القانونى والمحاضر بجامعة حلوان.
في البداية - حدد القانون وسائل اثبات في القانون المصري وبين قيمة كلاً منها، وهذه الوسائل هي: الكتابة وشهادة الشهود والقرائن وحجية الامر المقضي والاقرار واليمين والمعاينة والخبرة – وفقا لـ"عمران":
أولاَ: الكتابة
يقصد بها الورقة المكتوبة المثبتة لواقعة قانونية معينة، وقد جعل القانون الكتابة هي الاصل في إثبات التصرفات القانونية، والكتابة التي تستخدم كدليل للإثبات إما أن تكون كتابة رسمية أو كتابة عرفية كالتالي:
والكتابة الرسمية:
هي الورقة التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه، ومثالها العقود الرسمية.
والورقة الرسمية تعتبر حجة على الكافة، ولا يمكن انكار حجيتها إلا عن طريق الطعن فيها بالتزوير.
أما الكتابة العرفية:
فهي أي محرر مثبت لواقعة قانونية بشرط أن يكون موقعاً ممن يثبت عليه المحرر حقاً.
ثانياً: شهادة الشهود "البينة"
هي إخبار شخص أمام القضاء بواقعة حدثت من غيره، ويترتب عليها حق لغيره، والشهادة يجب أن تكون مباشرة بمعنى أن يخبر الشاهد بما وقع من الغير تحت سمعه أو بصره، كمن يشهد تعاقداً أو حادثة فيروي ما رآه أو ما سمعه، أما إذا كانت الشهادة غير مباشرة، أو سماعية كأن يشهد الشخص بما سمعه رواية عن شخص آخر، فلا تكون هذه الشهادة بالمعنى الصحيح ولا تكون لها حجية الشهادة.
وشهادة الشهود دليل أقل قوة من الكتابة، فلا تثبت بها إلا الوقائع المادية كالفعل الضار، ويعترف القانون للقاضي إزاء الشهادة بسلطة أوسع من تلك التي يتمتع بها بالنسبة للكتابة، فالكتابة تكون ملزمة للقاضي طالما أن الخصم لم ينكرها ولم يدعٍ تزويرها، أما الشهادة فهي تخضع لتقدير القاضي.
ثالثاً: القرائن وحجية الامر المقضي
يقصد بالقرينة: استنباط أمر مجهول من آخر معلوم، وهذا الاستنباط قد يقوم به المشرع نفسه وقد يقوم به القاضي، فإذا تم الاستنباط عن طريق المشرع فإنه يورده في نص قانوني وعندئذ تسمي القرينة بالقرينة القانونية، وقد يتم الاستنباط بمعرفة القاضي وعندئذ تعرف القرينة بالقرينة القضائية.
أما حجية الامر المقضي:
فيقصد بها أن الحكم النهائي في قضية معينة يكون حجة قاطعة بالنسبة لما تم الفصل فيه، فلا يجوز التشكيك فيما تم الفصل فيه ولا يجوز العودة لمناقشة المسائل التي تم الفصل فيها.
رابعاً: الاقرار
هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة مدعي بها عليه، وذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة، والاقرار بهذا المعنى يكون حجة على المقر فيلتزم به القاضي ولا يجوز للمقر أن يرجع في إقراره، وينتج الإقرار أثره بمجرد صدوره من المقر ودون حاجة الى قبول من جانب المقر له، ولا يحتاج الإقرار إلى شكلية خاصة يصدر فيها، فيصح أن يكون شفوياً أو مكتوباً وهو قد يكون صريحاً أو ضمنياً.
خامساً: اليمين
اليمين دليل يلجأ إليه الخصم إذا عجز عن إثبات حقه، فيحتكم إلى ذمه خصمه، وذلك بأن يوجه إليه اليمين الحاسمة طالباً منه أن يحلف على واقعة تؤدي إلى ثبوت حقه أو زواله، فإذا حلف من وجهت اليه اليمين ثبت حقه وخسر من وجه اليمين دعواه، أما إذا نكل من وجهت اليه اليمين خسر حقه وحكم لمن وجه اليمين بما يدعيه.
سادساً: المعاينة والخبرة
يقصد بالمعاينة: انتقال المحكمة أو انتداب أحد قضاتها لمعاينة الشيء المتنازع عليه، والمحكمة تقوم بذلك إما بناء على طلب أحد الخصوم أو من تلقاء نفسها إذا رأت ضرورة للانتقال ومعاينة الشيء المتنازع عليه.
أما الخبرة: فهي انتداب واحد أو أكثر من أهل الخبرة الفنية لمعاونة المحكمة في مسألة لا يفترض في القاضي أن يلم بها، كمسألة طبية أو هندسية، ورأي الخبير لا يقيد المحكمة فهو رأي استشاري تستطيع المحكمة أن تأخذ به أو تطرحه وفقاً لاقتناعها أو عدم اقتناعها به.