نالت الصورة الاهتمام والمكانة فى المجتمعات الإنسانية، وخاصة فى التاريخ الإنسانى القديم، حيث عرف الإنسان أهمية وقيمة الصورة من خلال الرسم بواسطة الحجارة والأتربة والأخشاب المحروقة، واستمر الأمر على هذا النحو حتى أوائل القرن 18 إذ انتقل الإنسان بهذه الوسائل من الرسم أو النقش باليد إلى الرسم اليدوى باستخدامه للقلم أو الفرشاة أو الرسم على الورق أو القماش أو الألواح من الخشب، وبقى الأمر على حاله إلى عام 1835 إذ تم اختراع أو لآلة تصوير فوتوغرافى.
وخلال كل هذه الفترة كان الاهتمام منصبا على استخدام الصورة فى مجال الصحافة خاصة بعد التطور الحاصل فى مجال صناعة الورق وطباعته، الأمر الذى ساعد على استخدام الصور فى الصحف على نطاق واسع، لذلك ظهر ما يسمى بالصورة الصحفية أو التصوير الصحفى، ثم بدأ بعد ذلك الاهتمام بالصورة يأخذ منحى آخر، وخاصة الصور الشخصية وما تمثله من أهمية لصاحبها لأنها جزء من ذاته وكيانه المادى والمعنوى.
لملايين الهواة.. الحماية الجنائية لحق الإنسان فى صورته الشخصية
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية الحماية الجنائية لحق الإنسان فى صورته الشخصية، حيث أنه للإنسان الحق فى صورته الشخصية، ويتعرض هذا الحق فى كثير من الأحيان للانتهاك متى أخذت صورته دون رضاه أو كان قد رضى بالتقاطها، ولكن قام الغير بنشرها أو بثها دون رضاه، والإشكال أن تم التقاط الصورة فى مكان خاص، إذ يعد فعل الالتقاط أو النشر جريمة طبقا للمواد 309 مكررا عقوبات وما بعدها، إذ نصت على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص فى مكان خاص – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
فى البداية - مع ظهور التصوير الفوتوغرافى وما ينطوى عليه من إزعاج لراحة الإنسان وسكينته، وتعرض ملامح وجهه لعدسات التصوير دون إذن منه، ظهر فى عالم القانون ما يعرف بالحق فى الصورة، وذلك لحماية صورة الإنسان من كل الاعتداءات أو الانتهاكات التى يمكنها أن تمس شرفه واعتباره، كأن يتم استخدام الصورة لتشويه شخصية صاحبها أو يجرى استغلالها للترويج لفكرة معينة أو منتج معين، مما أدى إلى ضرورة الاعتراف بوجود حق الإنسان فى صورته يخوله منع الآخرين من تصويره أو نشر صورته دون موافقته – وفقا لـ"فاروق".
المشرع لم يجيز نشر أى صورة التقطت لشخص إلا بإذنه
وعلى الرغم من أهمية الصورة بالنسبة لصاحبها، وما تجسد من كيانه المادى والمعنوى، فهى تعكس طبيعة انفعالاته، فقد بات من اللازم حماية صورة الشخص من الاعتداءات التى تستهدف صورته، فينبغى وضع القانون الجنائى جنبا إلى جنب مع القانون المدنى قصد خلق الآليات القانونية لحماية الأشخاص ضد التقاط ونشر صورهم، كما نجد أن أغلب الدساتير العالمية ومنها الدستور المصرى أقر حماية جنائية بصفة عامة قصد تجريم وعقاب كل مساس بحرمة الحياة الخاصة ومنها حق الإنسان فى صورته، ولا يغيب عن الذهن كذلك أن القضاء قد لعب دورا بارزا فى بناء صرح متين للدفاع عن هذا الحق، وذلك من خلال تطبيق نصوص قانونية صريحة تعترف بحق الشخص فى صورته وحمايتها من كل اعتداء عن طريق الالتقاط أو التسجيل أو النشر قصد المس بسمعته و شرفه – الكلام لـ"فاروق".
والحديث عن الحماية الجنائية للحق فى الصورة، لا يقتصر فقط المعالجة للشق الخاص المتعلق بالتجريم، بل كذلك الشق الخاص المتعلق بالضمانات الإجرائية لتكتمل صورة حماية هذا الحق فى القانون الجنائى من جهة، ومن جهة أخرى، إعمال الموازنة بين حرية الفرد وبين نظام المجتمع وأمنه، إذ أمام التحديات الراهنة والمستقبلية التى صارت تبرز خطورة على الحقوق والحريات الفردية للإنسان، فنجد بذلك الوسائل العلمية الحديثة كالكاميرات وأدوات التصوير صغيرة الحجم التى يمكن وضعها فى أماكن لا تخطر على بال الشخص المراد إلحاق الضرر به، وحتى الهواتف الذكية التى صارت اليوم تسجل وتنقل صورة الشخص ولو فى منزله من أبرز الأعمال الماسة بالحق فى الخصوصية، كما يمكن إرسالها من شخص إلى آخر قصد الانتقام والتشهير به لغرض التسلية، وهذا من شأنه إثارة مشاكل اجتماعية ونفسية وأخلاقية، كما يعتمد فصل الانتهاك للأشخاص ذو مكانة عالية، كأصحاب الفن والرياضة والسلطة بل وقد يشمل أمر الإيذاء على أفراد عائلتهم كذلك – هكذا يقول "فاروق".
المشرع استثنى حالتين فى نشر الصور
وكما ذكرنا من قبل قد يتعرض حق الإنسان فى التصوير للانتهاك متى أخذت صورته دون رضاه أو كان قد رضى بالتقاطها، ولكن قام الغير بنشرها أو بثها دون رضاه، والإشكال أن تم التقاط الصورة فى مكان خاص، إذ يعد فعل الالتقاط أو النشر جريمة طبقا للمواد 309 مكررا عقوبات وما بعدها، إذ نصت على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص فى مكان خاص"، فإذا صدرت الأفعال المشار إليها فى الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين فى ذلك الاجتماع، فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضاً – بحسب "فاروق".
ويعاقب بالحبس الموظف العام الذى يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته ويحكم فى جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها، مما يكون قد استخدم فى الجريمة، كما تحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها، ونصت المادة 309 مكرر (أ) على أن يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو فى غير علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان بغير رضاء صاحب الشأن، ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 5 سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التى تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه، ويعاقب بالسجن الموظف العام الذى يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته، ويحكم فى جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم فى الجريمة أو تحصل عنها، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها.
العقوبة تصل للحبس 3 سنوات
ولكن يدق الأمر أن التقطت الصورة فى مكان عام سواء برضا من الشخص من عدمه، ولكن قام الملتقط بنشرها أو بثها دون ارادة الشخص فهل هذا الفعل يعد جريمة؟ بالرجوع إلى قانون الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 نجد أن المادة 178 نصت على أن لا يحق لمن قام بعمل صورة لأخر أن ينشر أو بعرض أو يوزع اصلها أو نسخا منها دون إذنه أو إذن من فى الصورة جميعا ما لم يتفق على خلافه، ومع ذلك يجوز نشر الصورة بمناسبة حوادث وقعت علنا أو إذا كانت الصورة تتعلق بأشخاص ذوى صفة رسمية أو عامة أو يتمتعون بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام وبشرط الا يترتب على عرض الصورة أو تداولها فى هذه الحالة مساس بشرف الشخص أو بسمعته أو اعتباره.
ويجوز للشخص الذى تمثله الصورة أو يأذن بنشرها فى الصحف وغيرها من وسائل النشر حتى ولو لم يسمح بذلك المصور ما لم يتفق على غير ذلك، وتسرى هذه الأحكام على الصورة أيا كانت الطريقة التى عملت بها من رسم أو حفر أو اية وسيلة أخرى، كما فرضت المادة 181 من ذات القانون على مخالفة الحظر سالف الذكر عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن شهر ولا تجاوز 3 سنوات وبغرامة مالية أو أحدى العقوبتين، إذ نصت على أنه مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد فى قانون أخر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تجاوز 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب أحد الأفعال الآتية:
- بيع أو تأجير مصنف أو تسجيل صوتى أو برنامج إذاعى محمى طبقا لأحكام هذا القانون أو طرحه للتداول بأية صورة من الصور بدون اذن كتابى مسبق من المؤلف أو صاحب الحق المجاور.
- نشر مصنف أو تسجيل صوتى أو برنامج إذاعى أو اداء محمى طبقا لأحكام هذا القانون عبر اجهزة الحاسب الألى أو شبكات الانترنت أو شبكة المعلومات أو شبكات الاتصالات أو غيرها من الوسائل بدون اذن كتابى مسبق من المؤلف أو صاحب حق المجاور.
- الاعتداء على أى حق ادبى أو مالى من حقوق المؤلف أو من الحقوق المجاورة المنصوص عليها فى هذا القانون، وتتعدد العقوبة بتعدد المصنفات أو التسجيلات الصوتية أو البرامج الإذاعية أو الأداءات محل الجريمة.
وفى حالة العود تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر والغرامة التى لا تقل عن 10 الاف جنية ولا تجاوز 50 ألف جنيه، وفى جميع الأحوال تقضى المحكمة بمصادرة النسخ محل الجريمة أو المتحصلة منها وكذلك المعدات والادوات المستخدمة فى ارتكابها، ويجوز للمحكمة عند الحكم بالإدانة ان تقضى بغلق المنشأة التى استغلها المحكوم عليه فى ارتكاب الجريمة مدة لا تزيد على 6 أشهر ويكون الغلق وجوبيا فى حالة العود فى الجرائم المنصوص عليها فى البندين (ثانيا، ثالثا) من هذه المادة، وتقضى المحكمة بنشر ملخص الحكم الصادر بالإدانة فى جريدة يومية أو أكثر على نفقة المحكوم عليه.
ومفاد ذلك أنه لا يجوز نشر أى صورة التقطت لشخص إلا بإذنه ولكن استثناء من ذلك يجوز النشر متى كان الشخص ذو صفة رسمية أو عامة أو يتمتع بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام وبشرط ألا يرتب على عرض الصورة مساس بشرفه أو بسمعته أو اعتباره وأن مخالفة ذلك جريمة ولو كان الالتقاط فى مكان عام برضا الشخص طالما لم يوافق على هذا النشر.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدى لمثل هذه الأزمة، وذلك فى الطعن المقيد برقم 9542 لسنة 91 قضائية حيث ذكرت فى حيثيات الحكم بأنه لا يجوز نشر أى صورة التقطت لشخص إلا بإذنه، ولكن استثناء من ذلك يجوز النشر متى كان الشخص ذو صفة رسمية أو عامة أو يتمتع بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام وبشرط ألا يرتب على عرض الصورة مساس بشرفه أو بسمعته أو اعتباره، وجاء بهذا الحكم أن مفاد النص فى المادة 178 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 يدل على أن من عمل أو التقط أى صورة لشخص آخر بأى شكل من الأشكال أيًا كانت الطريقة التى عُملت بها سواء كانت صورة فتوغرافية أو متحركة فلا يجوز له نشر أصلها أو توزيعها أو عرضها أو أى نسخ منها دون إذن من التقطت له الصورة، واستثنى المشرع من ذلك حالة واحدة وهى إذا كان ما عُملت أو التقطت له هذه الصورة هو شخص ذو صفة رسمية أو عامة أو يتمتع بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام وبشرط ألا يترتب على عرض هذه الصورة فى هذه الحالة الأخيرة أى مساس بشرف هذا الشخص أو بسمعته أو اعتباره.