أحكام الأحوال الشخصية في مصر تُستمد من الشريعة الإسلامية، ومنذ بدايات القرن العشرين والمشرع المصري لم يتوقف عن تعديل قوانين الأحوال الشخصية، وذلك في محاولة جادة لمسايرة التطور في العلاقات الاجتماعية، وإقرار المزيد من الحقوق الإنسانية للمرأة، ومحاولة إقامة التوازن العادل بين الرجل والمرأة في مجال العلاقات الأسرية، وكانت تلك الجهود تواجه بالكثير من العقبات التي ينجم أغلبها عن سوء الفهم لطبيعة ومضمون المساواة بين الجنسين، أو عن ثقافات تعتنق مفهوم التمييز وتحاول ترسيخه عن طريق محاربة كل تغيير في القوانين يهدف إلى إنصاف المرأة ورفع بعض الظلم عنها، أو عن خلط متعمد بين الأحكام الشرعية الملزمة والآراء الفقهية الاجتهادية في المسائل الاجتماعية المتغيرة بطبيعتها.
ومؤخرا – كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي بفتح ملف "قانون الأحوال الشخصية" الذى يضعنا أمام العديد من المقترحات والرغبات من كلال الطرفين "الرجال – النساء"، حيث جاء التكليف للقاضي الجليل عبدالله الباجا بتشكيل فريق من القضاة الاجلاء لتدشين حوار وطني مجتمعي قانوني حول قانون الأحوال الشخصية، وامكانية تعديله بما يخدم الأسرة والمجتمع ويزيد الوعي الأخلاقي وينهي صراعات الرؤية والنفقة والطلاق، هو أمر محترم وحلقة هامة من حلقات الحوار الوطني الذي بدأه الرئيس بحوار مائدة الإفطار ولجنة العفو الجديدة وخطوات الإصلاح السياسي داخليا وخارجيا، حيث بدأت الهيئات والجمعيات والمنظمات الحقوقية ورجال الفقه والقانون تقديم الرغبات والمقترحات ومناقشاتها عبر وسائل الاعلام المختلفة.
دوامة "النفقة" داخل أروقة المحاكم
في التقرير التالى، يلقى موقع "برلمانى" الضوء على إشكالية تنفيذ أحكام النفقات وصدورها بسبب تكدس المحاكم بقضايا الأحوال الشخصية، فضلا عن عدم وجود آلية سريعة، وبسبب عدم تفعيل بعض نصوص القانون، وذلك على الرغم أن المحامين والجهات المختصة يعلمون علم اليقين أن هناك نصا قانونيا يخص فرض نفقة مؤقتة فورية للزوجة والأطفال بمجرد رفع الدعوى ولحين الفصل في القضية إلا أن هذا النص لم يعد مفعلاَ – كما كان في السابق – حتى أصبح "حبر على ورق" والمحاكم لا تصدر أحكاما طبقا لهذا النص – بحسب الخبير القانوني والمحامى محمد رشوان.
في البداية - مازالت المئات من النساء، إن لم يكن الآلاف من المتضررات وتحديداَ الحاضنات – تعاني معاناة لا يتحملها بشر داخل أروقة المحاكم والنيابات بسبب مشاكل النفقات الخاصة بالأطفال ومن جحود الآباء على أبنائهم، الأمر الذي يتطلب أشهر متعددة تصل إلى "السنة" حتى تتمكن من الحصول على حكم "نفقة" لأبنائها أو تسترد مصاريف مدرسة سددتها من قبل أو حتى تحكم لها المحكمة بمصاريف علاج ابنها أو ابنتها التي صرفتها عليهم أو بمعنى أدق صرفها – والد الزوجة – على أحفاده من معاشه الذي يعيش به – وفقا لـ"رشوان".
كيفية التخلص من معاناة تأخر "أحكام النفقات"؟
وفى تلك الأثناء – لا تستطيع الزوجة الحصول على حكم إلا بعد مرور "سنة" ومن الممكن أن تتحصل على تلك المصاريف بـ"الأقساط"، وتكون الزوجة أو الحاضنة قد عانت الأمرين – طلع عنيها وصرف دم قلبها – من خلال التنقل في المحاكم ورفع القضايا ويكون الأبناء في ذلك الوقت هم الآخرين قد أصبحوا محل شفقة وعطف ممن حولهم رغم أن والدهم على قيد الحياة، وهو الأمر الذى يؤدى بعد ذلك على مزيد من ارتكاب الجرائم في المجتمع نتيجة ضياع الأبناء – الكلام لـ"رشوان".
وفي السابق كان حكم النفقة الصادر من محكمة أول درجة مشمول بنفاذ معجل بمعنى أدق يتم تنفيذه حتى لو هناك طعن عليه، أما الآن فأن التنفيذ يطلب من الزوجة شهادة عدم حصول استئناف وفى حال وجود استئناف يتم وقف الصرف لحين الانتهاء من نظر الاستئناف والحكم فيه - وقد يستغرق الأمر عام في المحكمة دون مبالغة – كما أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يأخذ أيضاَ شهرين آخرين حتى تصدر إجراءات الصيغة التنفيذية للحكم، وفى تلك الفترة تكون الحاضنة – المطلقة – والأبناء قد دخلوا في دوامة ليس لها أول من أخر – هكذا يقول "رشوان".
بنك ناصر يصرف 500 جنيه فقط لا غير
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد – حيث تقرر الزوجة التنفيذ في بنك ناصر، التابع لصندوق الأسرة المؤسس وفق للقانون، فيقرر البنك صرف حد أقصى 500 جنيه فقط، تشمل مصاريف مدارس ومصاريف علاج ومتعة ومؤخر، وذلك في حال الحكم بهم فقد لا تحكم المحكمة بهم، وهذا الأمر واقع معاش يخلق العديد من المشاكل والأزمات، ونحن هنا لا نتحدث عن حق الزوجة بقدر ما نتحدث عن حق الأبناء الذين ليس لهم أي ذنب في معركة الأب والأم، ولذلك نقترح على السلطة التشريعية وعلى الحكومة تعديل القوانين ذات الصلة بالمقترحات الأتية – الكلام لـ"رشوان":
1- رفع حد صرف أحكام النفقة من بنك ناصر شهرياَ من 500 جنيه إلى 1200 جنيه لدخول شريحة أكبر من المحكوم لهم بالنفقة والأولوية لتحقيق نفقة الصغير ثم الزوجية مع تدبير الموارد اللازمة لهذا الأمر، والجهات المعنية تستطيع أن تفعل ذلك الآن.
2- تنفيذ أحكام المصروفات المدرسية ومصاريف العلاج من خلال المجلس القومي للأمومة والطفولة أو صندوق حكومي خاص ينشأ لهذا الغرض على غرار صندوق تعويضات الحوادث الموجود بالفعل، وينفذ أحكام المصروفات المدرسية الحومية فيما لا يجاوز 1000 جنيه سنويا لكل طفل، ويتم الرجوع بعد ذلك على المحكوم ضده عن طريق الجهات الحومية أو الصندوق.
مقترح لحل الأزمة في خطوتين و4 حالات
الخطوتان السابقتان ستحل معهما شريحة تتجاوز 40 ٪ من أحكام محكمة الأسرة تحفظ للأطفال كرامتهم وتسد لهم رمقهم لحين انتهاء النزاع القضائي، ولا تجعل الأطفال عرضة للشتات أو الهروب إلى الشوارع وارتكاب الجرائم، أما عن ثمة حل جذري لتلك المشكلة فهناك مقترح بسيط جدا وهو فرض وديعة مالية تفرض على أهل الزوج والزوجة ولتكن مبلغ بسيط 5 آلاف جنيه، ولتفرض على الزوج والزوجة إن كانا يعملا قبل الزواج، ويتم إيداع تلك الوديعة بأحد البنوك الرسمية، وترتبط شرائحها بقيمة المؤخر وقيمة قائمة المنقولات - إن وجدت - ولا يحق لأي من الزوجين صرفها وتودع في البنك باسم الزوجين، ولحساب الأسرة بموجب قسيمة الزواج ولا تصرف الوديعة أو أي ريع ادخاري لها إلا في الحالات الآتية:
1-وفاة أي من الزوجين.
2-صدور حكم نفقة زوجية أو صغار أو علاج للأطفال.
3-الطلاق بحيث تصرف الوديعة وريعها مناصفة.
4-ظروف أخرى يراها المشرع مناسبة.
اقتراحات لتنفيذ الرؤية بغرف إقامة
ويضيف "رشوان": أتوجه بطلب لرئيس الحكومة بتكليف وزير الشباب والرياضة بتجهيز مراكز الشباب والنزل الشبابية والفنادق التابعة الوزارة بغرف أقامة تخصص لتنفيذ أحكام الرؤية للرجال وتحقق الفوائد العديدة وتغير مفهوم الرؤية وتحقق الأمان والسلام الاجتماعي للأطفال وللأسرة وتمنع الاحتكاك، فمن المعروف أن الأب المكلوم ينفذ حكم الرؤية لطفله أو طفلته الصغيرة في مركز الشباب والرياضة لمده ساعتين أو 3 ساعات كل أسبوع في طرقات مراكز الشباب وبشكل همجي ومن بعيد وبطريقة تدمي القلوب وتسبب الصراعات.
فماذا لو تم تجهيز مراكز الشباب بغرف صغيرة ما بين فندقية بمقابل زهيد وما بين متوسطة بفرش بسيط ومجهزة بلعبة أو لعبتين للأطفال الصغار وبها شاشة تلفزيون صغيرة وصالون أو حتى ركنه بسيطة، بحيث يستطيع الأب الانفراد بأبنائه خلال الساعتين في باب مغلق عليهم يحكي لهم ما يعن له، ويأخذهم بين يديه، ويعطيهم ما يريد، ويتناول معهم الطعام في هدوء وسكينة وباب مغلق وليس أمام العامة في منظر يقشعر له البدن، حتى وإن كانت هذه الغرف بمقابل بسيط نواجه به تجهيزها وفرشها.
وأخيرا يقول "رشوان": ونخلق من ذلك فرص عمل لعمال نظافة وتمريض وأطباء نفسيين وخدمات وخلافه، وذلك بالطبع توازيا مع تعديل القانون بإضافة الاستضافة، وربط الرؤية بصرف النفقة وتقديم شهادة بذلك، وأرجو أن يشمل هذا الاقتراح رعاية الحكومة والرئيس وأن يتم ضم هذا الي مبادرة "حياة كريمة"، وأعتقد أن هذا الأمر هو أقل حق الأطفال وأن هذه الفكرة قابلة للتطوير جدا.