تهدف الأديان السماوية من تشريعاتها للزواج إلى بناء مجتمع كامل وإيجاد أسرة متماسكة، ووصف عقد الزواج بـ"الميثاق الغليظ"، وإلى تحصين الزوجين وقضاء غريزتهما الفطرية ضمن الحدود والضوابط الشرعية، وبالتالي تحقيق السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، فأوجدت الأديان السماوية عقد الزواج ليضبط ذلك كله، لكن لاختلاف الطباع قد تحصل بين الزوجين مشاكل لا تتحقق معها المقاصد المرجوة من عقد الزواج، لذا وضعت الحلول لكل المشاكل التي قد تحدث بين الزوجين بعد العقد.
ومن أبرز ما وضع الإسلام له حلا ذلك الضرر الواقع على الزوجة من قبل الزوج لأي سبب من الأسباب، والأسباب متعددة منها عدم إنفاق الزوج على زوجته، وعدم إنفاقه قد يكون متعمدا بإرادة الزوج، وقد يكون قهريا رغما عنه، وذلك كإعسار الزوج بالنفقة، وفى كل الحالات يقع الضرر على الزوجة نتيجة عدم الانفاق عليها، والأديان السماوية جاءت لرفع الحرج والمشقة والضرر عن الناس، وتعد "النفقة" كابوسًا يطارد الرجال بعد وقوع الطلاق، وتشتعل الصراعات بين الزوجين ليدخلا فى معركة تصفية الحسابات.
لمواجهة ألاعيب الزوج.. خطوات القانونية لتنفيذ أحكام النفقات
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكاليات مواجهة ألاعيب الزوج لتنفيذ أحكام النفقات، خاصة بعد أن كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤخرا بفتح ملف "قانون الأحوال الشخصية" الذى يضعنا أمام العديد من المقترحات والرغبات من كلال الطرفين "الرجال – النساء"، حيث جاء التكليف للقاضي الجليل عبدالله الباجا بتشكيل فريق من القضاة الاجلاء لتدشين حوار وطني مجتمعي قانوني حول قانون الأحوال الشخصية، وامكانية تعديله بما يخدم الأسرة والمجتمع ويزيد الوعي الأخلاقي وينهي صراعات الرؤية والنفقة والطلاق – بحسب الخبير القانوني والمحامية المتخصصة في الشأن الأسرى يارا أحمد سعد.
في البداية - آلاف الأحكام التي تصدر فى المحاكم المصرية، بعد أن يمضي كلا الزوجين في طريق الانتقام، فتصدر الأحكام لصالح الزوجة أو الأبناء بالنفقة، إلا أن الأسر المصرية تعاني من إشكالية عدم اتخاذ الجهات التنفيذية أياَ من الإجراءات الحاسمة لسداد أحكام النفقات، على الرغم من أن المشرع قرر أن "دين النفقة" من الديون التي لها الآولوية في السداد عند تزاحم الديون، حيث أن قضايا النفقة من أكثر القضايا بؤسًا لما لها من علاقة بحياة أطفال يتعرضون يوميًا للخطر، بسبب الإجراءات الطويلة حتى يصدر حكم بـ"النفقة"، وهو الأمر الأهم الذى سيدور حوله تعديلات قانون الأحوال الشخصية الفترة المقبلة حيث بدأت الهيئات والجمعيات والمنظمات الحقوقية ورجال الفقه والقانون تقديم الرغبات والمقترحات ومناقشاتها عبر وسائل الاعلام المختلفة – وفقا لـ"سعد".
فقد تم رصد عدة طرق يمكن للصادر لصالحه حكم النفقة اتخاذها لتنفيذ الحكم تتمثل في التالي: "عن طريق جهة عمله إذا كان موظفاَ بالحكومة، وعن طريق بنك ناصر الاجتماعي إذا كان المحكوم عليه لا يعمل بالحكومة وما فى حكمها، والتنفيذ عن طريق المحضرين بالمحكمة، وإقامة دعوى حبس، وإقامة جنحة الامتناع عن سداد النفقة طبقا لنص المادة 293 عقوبات"، وتأتى هذه الطرق على التفاصيل كالتالى:
أولا: عن طريق جهة عمله إذا كان موظفاَ بالحكومة:
ويقوم الصادر لصالحه الحكم بإعلان الصيغة التنفيذية لجهة عمله، والتي تقوم بدورها بخصم المبالغ المحكوم بها في الحدود التي يجوز الحجز عليها من المرتبات حسب النسب المقررة قانونا والتي يجوز خصمها وهي كالتالي:
- 25 % للزوجة أو المطلقة وتكون 40 % فى حالة أكثر من واحدة.
- 25 % للوالدين أو أحدهما.
- 35 % للولدين أو أقل.
- 40 % للزوجة أو المطلقة ولولد أو اثنين والوالدين أو أيهما.
- 50 % للزوجة أو المطلقة وأكثر من ولدين والوادين أو أيهما وفى جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد النسبة التى لا يجوز الحجر عليها على 50 % تقسم بين المستحقين بنسبة ما حكم به لكل منهم.
ثانيا: عن طريق بنك ناصر الاجتماعي إذا كان المحكوم عليه لا يعمل بالحكومة وما فى حكمها:
ويقوم البنك بالتنبيه عليه بالوفاء بالمبلغ المحكوم به لصالح المحكوم له وايداعه بخزانة بنك ناصر الاجتماعي أو أحد فروعه وذلك فى مدة لا تتجاوز الأسبوع الأول من كل شهر فور وصول التنبيه إليه، على أنه فى حالة امتناع المحكوم عليه عن أداء النفقة للبنك فى الميعاد المحدد يكون للبنك الحق فى استيفاء ما قام بأدائه من نفقات وأجور وما فى حكمها، مضافا إليه كل ما تكبده من مصاريف فعلية أنفقها بسبب امتناع المحكوم عليه عن أداء النفقة – الكلام لـ"سعد".
ثالثا: التنفيذ عن طريق المحضرين بالمحكمة:
بالحجز على أمواله أو ممتلكاته أو أمواله بالبنوك سدادا لدين النفقة.
رابعا: إقامة دعوي حبس:
وذلك طبقا لنص المادة 76 مكرراً من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن الأحوال الشخصية، والتي تنص على أنه: "إذا امتنع المحكوم عليه عن تنفيذ الحكم النهائي الصادر في دعاوى النفقات والأجور وما فى حكمها، جاز للمحكوم له أن يرفع الأمر إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو التى يجرى التنفيذ بدائرتها، ومتى ثبت لديها أن المحكوم عليه قادر على القيام بأداء ما حكم به وأمرته بالأداء ولم يمتثل حكمت بحبسه مدة لا تزيد عن ثلاثين يوما".
خامسا: إقامة جنحة الامتناع عن سداد النفقة طبقا لنص المادة 293 عقوبات:
والتي تنص على: "كل من صدر عليه حكم قضائي واجب النفاذ بدفع نفقة لزوجه أو أقاربه أو أصهاره أو أجرة حضانة أو رضاعة أو مسكن وامتنع عن الدفع مع قدرته عليه مدة 3 شهور بعد التنبيه عليه بالدفع يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا ترفع الدعوى عليه إلا بناء على شكوى من صاحب الشأن، وإذا رفعت بعد الحكم عليه دعوى ثانية عن هذه الجريمة فتكون عقوبته الحبس مدة لا تزيد على سنة، وفى جميع الأحوال إذا أدى المحكوم عليه ما تجمد في ذمته أو قدم كفيلا يقبله صاحب الشأن فلا تنفذ العقوبة.
كيفية تنفيذ أحكام النفقات؟
1ـ النفقة المؤقتة: تنفذ بموجب صورة رسمية من محضر الجلسة عليها الصيغة التنفيذية، وتعلن للزوج وبعد ذلك إما تسلم لجهة العمل أو يتم اتخاذ إجراءات الحجز التنفيذي على ما يملك الزوج، وتظل الزوجة تنفذه حتى يصدر حكم موضوعي في النفقة -بحسب «يارا»-.
2 ـ نفقة الزوجية: حكمها مشمول بالنفاذ المعجل بقوة القانون دون الحاجة للنص عليها في الحكم أى أن الطعن بالاستئناف لا يوقف تنفيذها ويتم اتخاذ إجراءات التنفيذ بالحكم الابتدائي ويتم تنفيذها مثل حكم النفقة المؤقتة، إما بإقامة دعوى حبس بالمتجمد بعد صدور حكم الاستئناف.
3ـ سداد النفقة: قد يقوم الزوج بأداء المفروض عليه بالوفاء بإنذار رسمي على يد محضر أو بعرض البلغ المتجمد بجلسة دعوى الحبس أمام المحكمة، فالمقرر قانونًا أنه فى دعوى الحبس إذا بادر الملتزم بالنفقة بأداء الدين المستحق حال تداول الدعوى انتفى أحد شروط الحبس وللمحكمة أن تقضى بانتهاء الدعوى.
4ـ دعوى الحبس في متجمد النفقات للصغار أو الزوجية ومصاريف المدارس والعلاج:
ـ وحيث أن المقرر بالمادة 76 مكرر من القانون 1 لسنة 2000 المضافة بالقانون 91 لسنة 2000 أنه: "إذا امتنع المحكوم عليه عن تنفيذ الحكم النهائي الصادر في دعاوى النفقات والأجور وما في حكمها جاز للمحكوم له أن يرفع الأمر إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو التي يجرى التنفيذ بدائرتها ومتى ثبت لديها أن المحكوم عليه قادر على القيام بأداء ما حكم به وأمرته بالأداء ولم يمتثل حكمت بحبسه مدة لا تزيد على ثلاثين يومًا فإذا أدى المحكوم عليه ما حكم به أو أحضر كفيلاً يقبله الصادر لصالحه الحكم فإنه يخلى سبيله".
ـ ويستند فى ذلك الى حديث الرسول "على الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته"، ومن ثم جعل الأحناف امتناع المدين بعد ثبوت الدين وأمر القاضى بالأداء عن الوفاء من مماطلة يكون الحبس زجر له ـ وكذلك تسمع عن المبالغ التى تأخذ حكم النفقات، عدا المؤخر والمتعة.
ـ وشروط التنفيذ بالحبس هي:
1ـ أن يحصل طالب التنفيذ على حكم نهائي في دعوى نفقة أو أجور وما في حكمها.
2ـ أن يكون الحكم نهائيًا أو انتهائيًا وفقًا للنصاب.
3ـ أن يثبت قدرة الصادر ضده الحكم على الوفاء.
4ـ أن يمتنع الصادر ضده الحكم عن الوفاء بعد أن تأمره المحكمة بذلك لحبس مدته ثلاثون يوم ويتم وقف التنفيذ بناء على ما يفيد السداد.
ـ وإذا استحقت النفقة بموجب حكم نهائى، ووقفت المحكمة على قدرته على الدفع، وحيث يثبت من تحريات الشرطة مقدرة المدعى عليه على الوفاء، وقدرت المحكمة يسار المدعى عليه وقدرته على الدفع، فأمرته بالوفاء وامتنع عن الوفاء، ومن ثم تحققت شروط الحبس وبه تقضى المحكمة.
5 ـ المتعة ومؤخر الصداق لا تسمع فيهما دعوى الحبس.
ـ ومن حيث أنه من المقرر وفقاً لنص المادة 76 مكرر من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية أنه: "إذا امتنع المحكوم عليه عن تنفيذ الحكم النهائى الصادر فى دعاوى النفقات والأجور وما فى حكمها جاز للمحكوم له أن يرفع الأمر إلى المحكمة التى أصدرت الحكم أو التى يجرى التنفيذ بدائرتها، ومتى ثبت لديها أن المحكوم عليه قادر على القيام بأداء ما حكم به وأمرته بالأداء ولم يمتثل حكمت بحبسه مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً".
ـ مؤدى هذا النص أن دعوى الحبس لا تقام إلا فى دعاوى النفقات، ومنها نفقة الزوجية والعدة والصغار والأقارب والأجور لأنها فى حكم النفقات، وكذلك المصاريف الثابتة كمصاريف المدارس والعلاج ويقضى بالحبس عند الامتناع رغم يساره.
ـ أما عن المتعة فهى لا تعد من النفقات ولا تأخذ حكمها، وكذلك الحال لمؤخر الصداق فإن البين من استقراء نص المادة 76 مكرر من القانون رقم واحد لسنة 2000 أنه أجاز للمحكوم لهن اللجوء للمحكمة التى أصدرت حكماً فى ثمة دعوى من دعاوى النفقات والأجور أو للمحكمة التى يقع التنفيذ بدائرتها لأمر المحكوم عليه بالأداء وحبسه عند الامتناع، ولما كان هذا النص قد خصص الدعاوى التى يجوز معها للمحكوم لهن إقامة دعوى الأداء والحبس عند قصور المحكوم عليها عن تنفيذ الأحكام الصادرة فيها ولم يكن من يبنها الأحكام الصادرة بأداء مؤخر صداق المطلقات أو اللاتى توفى عنهن أزواجهن .
6ـ إبطال مفروض نفقة زوجية للنشوز:
المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 أنه: "إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها"، وموقف الزوجة من إنذار الزوج إياها للدخول فى طاعته لا يخرج عن 3 فروض:
الأول: حالة عدم قيام الزوجة برفع دعوى الاعتراض على إنذار الزوج إياها بالدخول فى طاعته، ففى هذه الحالة توقف نفقة الزوجة على الزوج من تاريخ انتهاء مدة الـ 30 يوماً الممنوحة لها للاعتراض خلالها بقوة القانون دون حاجة إلى استصدار حكم قضائي بذلك لأن الامتناع معتبر قانوناً بحكم النص.
الثاني: إذا أقامت الزوجة الاعتراض إلا أنها قامت بقيده بعد ميعاد الـ 30 يوماً المنصوص عليها حكمت المحكمة بعدم قبول الاعتراض شكلاً لرفعه بعد الميعاد فتوقف نفقة الزوجة من تاريخ انتهاء مدة الثلاثين يوماً المقررة للاعتراض أيضاً، ولا تسقط نفقة الزوجة إلا باعتبارها ناشزاً بموجب حكم نهائى بذلك.
الثالث: قيام الزوجة برفع الاعتراض فى الميعاد فإذا رفضت الدعوى أوقفت نفقة الزوجية من تاريخ إنذار الزوج وليس من تاريخ الحكم فى الدعوى باعتبار أن الحكم ذو طبيعة كاشفة وليست منشئة.
7ـ نشوز الزوجة لا يسقط حق الزوجة فى المؤخر أو المتعة:
ـ نشوز الزوجة لا يمنع حق الزوجة فى حضانة صغيرها، إنما يسقط حقها فى النفقة الزوجية المقررة لها ولا يسقط حقها فى المؤخر أو المتعة عند طلاقها.
8ـ تسليم صورة تنفيذية ثانية في حالة ضياع الأولى:
وحيث أنه وفقاً لنص المادة 183 من قانون المرافعات على أنه: "لا يجوز تسليم صورة تنفيذية ثانية لذات الخصم إلا في حالة ضياع الصورة الأولى"، وتحكم المحكمة التي أصدرت الحكم في المنازعات المتعلقة بتسليم الصورة التنفيذية الثانية عند ضياع الأولى بناء على صحيفة تعلن من أحد الخصوم إلى خصمه الآخر، وإذا ثبت فقد الصورة التنفيذية الأولى من الحكم طبقاً للشهادة المستخرجة من قسم الشرطة بشأن تحرير مذكرة "محضر" بفقدها، والذى تطمئن به المحكمة من ضياع الصورة التنفيذية الأولى، الأمر الذى يكون من حق المدعى الحصول على صورة تنفيذية ثانية من الحكم.