في خضم الأمواج المتلاطمة التي أصبحت تعصف يومياً بقيم وثوابت المجتمع المصري الراسخة لأسباب اجتماعية واقتصادية ودينية يضيق المقام بسردها، إلا أن من أبرزها دون جدال هو إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وقد فوجئنا منذ أيام قليلة بواقعة غريبة على مجتمعنا كذلك، وهي قيام طفلة صغيرة ونجلة لاعب كرة قدم دولي سابق بالخروج في بث مباشر لمهاجمة والدها والادعاء ضده بوقائع أسرية متعددة.
خلاصة الواقعة:
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لابنة لاعب الإسماعيلي السابق حسني عبد ربه، توجه له انتقادات لاذعة، حيث كشفت ابنة مدير الكرة الحالي بالنادي الإسماعيلي، أن والدها يعاملها بشكل سيء ويتنمر عليها أمام أصدقائه بسبب وزنها الزائد، ما عرضها لأضرار نفسية - على حد قولها - وزعمت ابنة "عبد ربه"، أن والدها يرسل نفقة شهرية قيمتها 20 ألف جنيه مصري بعد انفصاله عن والدتها، لكنه لم يلتزم بالأمر على مدار عام كامل، وتطور الحال به إلى تعديه بالضرب عليها، عندما طلبت منه الحصول على 200 جنيه فقط بحسب روايتها.
المسئولية الجنائية لولى الأمر عن جرائم الأطفال
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على ادعاءات ابنة اللاعب السابق حسنى عبد ربه من الناحية القانونية من خلال التطرق للمسئولية الجنائية لولى الأمر عن جرائم الأطفال، والإجابة على السؤال.. هل من الممكن معاقبة والدة الطفلة قانونا عما تلفظت به ابنتها؟ ويثور التساؤل أيضا: يثور التساؤل – بعيداً عن تناول أى حالة بعينها ـ هل قيام أحد الأطفال بالتشهير بأحد والديه بناء على إيعاز أو توجيه من الطرف الآخر يمكن أن يشكل مسئولية جنائية؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامى سامى البوادى.
في البداية - الفصل فى مدى صحة هذه الادعاءات أو كذبها من عدمه أمر لا يمكن أن نتطرق إليه من قريب أو بعيد، ولكن ما يهمنا في هذا السياق من الناحية القانونية – مع كامل الاحترام للاعب الشهير وأسرته بالكامل – هو مدى المسئولية للجنائية للطفل في حالة إجباره أو تحريضه من جانب شخص آخر بالغ على التشهير بشخص آخر - أو بصفة عامة - على ارتكاب أى جريمة، وهنا يجب أن نفهم أن قانون العقوبات المصري قد حدد فى المادة 39 منه من يعتبر فاعلاً للجريمة بأنه: "يعد فاعلا للجريمة – وفقا لـ"البوادى":
أولا: من يرتكبها وحده أو مع غيره.
ثانيا: من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أعمال فيأتي عمدا عملا من الأعمال المكونة لها".
المشرع حدد 3 أنواع للمحرض والشريك
وبالتالي فإن الأصل في القانون المصري أن الفاعل هو من يرتكب الركن المادي للجريمة بنفسه، إلا المشرع لم يكتفى بذلك واعتبر أن الشريك يعاقب بذات العقوبة المقررة للفاعل الأصلي للجريمة وحدد أنواع الاشتراك والمساهمة الجنائية فى المادة 40 من ذات القانون بأنه: "يعد شريكا في الجريمة:
أولا: كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض.
ثانيا: من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق.
ثالثا: من أعطى للفاعل أو الفاعلين سلاحا أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها".
ـ ومن ثم فإن صور الاشتراك في القانون المصري ثلاث وهي: التحريض ـ الاتفاق ـ المساعدة:
إلا أن المشكلة تثور في أن تطبيق القواعد العامة للاشتراك يتطلب أن يكون الفاعل الأصلي للجريمة لديه الوعي والإدراك بل والعقل، ولحل هذه الإشكالية تدخل قانون العقوبات المصري بنص صريح وحاسم حين نص فى المادة 42 منه أنه: "إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال أخرى خاصة به وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانوناً" – الكلام لـ"البوادى".
وبالتالي فإنه حتى فى حالة كون الفاعل الأصلي غير معاقب لأي سبب – كما في حالة الأطفال دون سن الـ 12 أو فاقدى العقل – وجب عقاب الشريك وهو تطبيق لما يعرف في الفقه الجنائي بنظرية "الفاعل المعنوي"، وهي نظرية مأخوذة عن القانون الألماني بهدف معاقبة من يسخر غيره - سواء كان معدوم المسئولية الجنائية أو حسن النية - فيكون مجرد أداة فى يده لارتكاب جريمة وعدم إفلاته من العقاب.
وإعمالاً لذلك حاول المشرع حماية الطفل عديم المسئولية، ومن ناحية أخرى معاقبة من يستخدمه لارتكاب الجريمة حيث نص فى المادة 100 قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 أنه: "إذا وقع الفعل المكون للجريمة تحت تأثير مرض عقلي أو نفسي أو ضعف عقلي أفقد الطفل القدرة على الإدراك أو الاختيار أو كان وقت الجريمة مصاباً بحالة مرضية أضعفت على نحو جسيم إدراكه أو حرية اختياره، حُكم بإيداعه أحد المستشفيات أو المؤسسات المتخصصة".
وهل من الممكن معاقبة والدة الطفلة قانونا عما تلفظت به ابنتها؟
ولم يكتفى القانون المصري بذلك وإنما قام بتشريع مادة تفصيلية فى هذا الشأن لسد أى ثغرات قد تؤدى إلى إفلات المستغل للطفل من العقاب حيث نص فى المادة 116 من قانون الطفل أنه: "مع عدم الإخلال بأحكام المساهمة الجنائية، يعاقب كل بالغ حرض طفلاً على ارتكاب جنحة أو أعده لذلك أو ساعده عليها أو سهلها له بأي وجه ولم يبلغ مقصده من ذلك بما لا يجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة لتلك الجريمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر إذا استعمل الجاني مع الطفل وسائل إكراه أو تهديد أو كان من أصوله أو من المسئولين عن تربيته أو ملاحظته أو كان مُسلماً إليه بمقتضى القانون، أو كان خادماً عند أي ممن تقدم ذكرهم".
وفى الختام يثور التساؤل – بعيداً عن تناول أى حالة بعينها ـ هل قيام أحد الأطفال بالتشهير بأحد والديه بناء على إيعاز أو توجيه من الطرف الآخر يمكن أن يشكل مسئولية جنائية؟ باستقراء نصوص قانون الطفل نجد المشرع قد نص فى المادة 96 من قانون الطفل أنه: "يعد الطفل معرضاً للخطر، إذا وجد في حالة تهدد سلامة التنشئة الواجب توافرها له، وذلك في أي من الأحوال الآتية: .....،
11- إذا كان سيء السلوك ومارقاً من سلطة أبيه أو وليه أو وصيه أو متولي أمره، أو من سلطة أمه في حالة وفاة وليه أو غيابه أو عدم أهليته.
ولا يجوز في هذه الحالة اتخاذ أي إجراء قبل الطفل، ولو كان من إجراءات الاستدلال، إلا بناء على شكوى من أبيه أو من وليه أو وصيه أو أمه أو متولي أمره بحسب الأحوال ".
إذا وجد الطفل في إحدى حالات التعرض للخطر
ونص فى المادة 98 منه على الإجراءات الواجبة فى هذه الحالة أنه: "إذا وجد الطفل في إحدى حالات التعرض للخطر المنصوص عليها في البندين (1) و(2) والبنود من (5) إلى (14) من المادة (96) من هذا القانون، عرض أمره على اللجنة الفرعية لحماية الطفولة لإعمال شؤونها المنصوص عليها في المادة (99 مكرراً) من هذا القانون، وللجنة، إذا رأت لذلك مقتضى، أن تطلب من نيابة الطفل إنذار متولي أمر الطفل كتابة لتلافي أسباب تعرضه للخطر، ويجوز الاعتراض على هذا الإنذار أمام محكمة الطفل خلال 10 أيام من تاريخ تسليمه، ويتبع في نظر هذا الاعتراض والفصل فيه الإجراءات المقررة للاعتراض في الأوامر الجنائية، ويكون الحكم فيه نهائياً "، أما في حالة عدم امتثال ولى أمر الطفل – من له الولاية أو الوصاية أو الحضانة عليه – فقد حدد المشرع عقوبته فى المادة 113 من القانون بغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه في حالة الإهمال فى مراقبة الطفل بعد إنذاره وفقاً للمادة السابقة.
هذا وقد سبق لحسنى عبد ربه نشر صور وفيديوهات تكشف مدى ارتباط حسني عبدربه نجم منتخب مصر الأسبق ومدير الكرة الحالي فى الإسماعيلي مع ابنته نور الله، وهو ما يضع معه علامات استفهام عدة حول هذه الادعاءات، وتظهر نور الله مع حسنى عبد ربه فى مناسبات عديدة، سواء أثناء الاحتفال بعيد ميلادها، وظهرت نور الله على موقع تيك توك مع زوجة والدها بجانب أشقائها فى فيديو عائلي للغاية يؤكد تميز العلاقة بين نور الله وزوجة والدها، كما ظهر حسني عبد ربه فى تجمع عائلي على رأسه أولاده الثلاثة من زوجته الأولي، كما حرص القيصر على الظهور مع نور الله فى فيديو كوميدى عبر "تيك توك" فى السيارة بجانب ابنته الأخرى ليثاء وولده الوحيد مازن.