في كثير من الأحيان ما يلجأ الكثير من المتهمين الى تقديم "طلب رد لهيئة المحكمة"، وذلك من أجل اطالة أمد التقاضي والمماطلة لعلمهم بأن نظر الدعوى يتوقف بمجرد تقديم هذا الطلب، وغالبا ما يتم رفض معظم هذه الطلبات لأنها قائمة على أسباب غير جدية أو حقيقية، فمنذ عشرات السنين لم تستجب محكمة الاستئناف سوى لـ "4 طلبات رد"، وإجراء "رد المحكمة" من الناحية القانونية يلجأ إليه المحامين للخروج من مأزق الطريق المسدود مع هيئة المحكمة.
وفى الحقيقة - لا يجوز من الناحية القانونية للقاضي أن يفصل في الدعوى استناداً إلى معلوماته الشخصية وإن كان له الاستعانة بالمعلومات المستقاه من الخبرة بالشئون العامة، وإذا تحدث في وسائل الإعلام عن رأيه في قضية سوف ينظرها فهي سبب من أسبابه رده، وأن استشعار الحرج قد يرجع لأسباب شخصية، منها؛ أن أحد القضاة الذين ينظرون الدعوى لهم علاقة مودة أو خصومة مع أحد المتهمين، أو لأسباب أخرى يرى القاضي الحرج فيها، وينحّي نفسه بنفسه عن نظر الدعوى.
مدى جواز رد المحكمة حال تحدث القاضي لوسائل الإعلام عن طبيعة عمله فى نظر القضايا؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بالإجابة على السؤال.. مدى جواز رد المحكمة حال تحدث القاضي لوسائل الإعلام عن طبيعة عمله فى نظر القضايا؟ حيث إن الدستور والقانون أعطيا القاضي الحق في التنحي عن نظر الدعوى حال توافر أحد الأسباب المنصوص عليها في القانون، وبالتالي هذا حق قانوني لكافة القضاة، كما أن القانون أجاز للقاضي التنحي عن نظر قضية أسندت إليه إذا استشعر الحرج وكان هناك شئ يعوقه عن نظره لها، ولم يلزمه بذكر أسباب التنحي فهي مسألة تقديرية للقاضي – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض هانى صبرى.
في البداية - إذا استشعر القاضى الحرج يقدم خطاباً لرئيس محكمة الاستئناف يطلب منه تحديد دائرة أخري لنظر القضية، والقاضي وحده صاحب القرار ولا سلطان عليه سوي ضميره والقانون، ويستفاد ذلك من نص المادة "150" من قانون المرافعات أنه: - للقاضي في غير أحوال الرد إذا استشعر الحرج من نظر الدعوي لأي سبب أن يعرض أمر تنحيه على المحكمة في غرفة المشورة أو علي رئيس المحكمة للنظر في إقراره علي التنحي، وحددت نص الفقرة الأولى والثالثة من المادة 151 من قانون المرافعات أن خصومة رد القاضي ذات طبيعة خاصة يتعين فيها على طالب الرد أن يقدم طلبه قبل إبداء أى دفع أو دفاع في الخصومة الأصلية التي يطلب رد القاضي عن نظرها أو الفصل فيها – وفقا لـ"صبرى".
4 أسباب لرد المحكمة
وسواء تعلق الدفع أو الدفاع بأصل الخصومة أو بمسألة فرعية فيها، ما لم تكن الأسباب التي قام عليها طلبه قد حدثت بعد إبداء دفاعه أو حدثت قبله واستطاع أن يثبت أنه لم يعلم بها إلا عند تقديم الطلب، فإذا لم يتحقق أي من الاستثنائيين وجب إعمال جزاء سقوط الحق في طلب الرد، وأن تقدير توافرها من المسائل الموضوعية التي تخضع لسلطة قاضى الموضوع يستقيها من الوقائع المطروح عليه، دون رقابة من محكمة النقض متى أقام قضاءه على اسباب سائغة تكفى لحمله، وهناك حالات يمتنع فيها القاضي عن نظر الدعوي والفصل فيها، وذلك وفقاً لنص "247" من قانون الإجراءات الجنائية سواء تمسك أطراف الدعوي بهذه الأسباب أم لم يتمسكوا به وهي – الكلام لـ"صبرى":
1- إذا كانت الجريمة قد وقعت عليه شخصياً.
2- إذا كان قد قام في الدعوي بعمل مأمور الضبط القضائي أو بوظيفة النيابة العامة أو الدفاع عن أحد الخصوم.
3- أدي شهادة أو باشر عملا من أعمال الخبرة.
4- إذا كان قد قام في الدعوي بعمل من أعمال تحقيق أو إحالة أو أن يشترك في الحكم.
الحالات التي لا ينظر بها القاضي الدعوى
وأن من أسباب الرد وتنحي المحكمة عن نظر القضية هي إذا كانت هناك صلة قرابة أو مصاهرة سواء لرئيس الدائرة أو عضو فيها، وكذلك انتدابه بجهة تتعلق بالقضية، أو مرضه وغيرها من الأسباب التي يري القاضي أنها تعوقه أو تؤثر علي سير القضية، وعن الحالات التي لا ينظر بها القاضي الدعوى؛ فقد حددت المادة (146) من قانون المرافعات الحالات على سبيل الحصر ولو لم يرده أحد الخصوم في الأحوال الآتية:
1-إذا كان قريبا أو صهرا لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة.
2-إذا كان له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته.
3-إذا كان وكيلا لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو وصيًا عليه أو قيما أو مظنونة وراثته له أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة يوصي أحد الخصوم أو بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصة أو بأحد مديريها وكان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوى.
4-إذا كان له أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو صهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلا عنه أو وصيا أو قيما عليه مصلحة في الدعوى القائمة.
5-إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضيا أو خبيرا أو محكما أو كان قد أدى شهادة فيها.
نص المادة "147" مرافعات
وإذا قام أي سبب من هذه الأسباب علي القاضي أن يتنحي من تلقاء نفسه عن نظر الدعوي وإلا كان حكمه باطلاً، ونصت المادة "147" مرافعات يقع باطلاً عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال السابقة ولو تم اتفاق الخصوم وإذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب فيها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى، وفي تقديري أنه لا يوجد فارق بين أسباب عدم صلاحية القاضي وأسباب رده فجميعها تجعل القاضي غير صالح لنظر الدعوي والفارق الوحيد أن الأولي لا تحتاج إلي أن يتمسك بها أحد من الخصوم لأنها من النظام العام أما الثانية فيجب أن يتمسك بها الخصوم وكذلك فإن المادة (248) إجراءات جنائية تعتبر المجني عليه فيما يتعلق بطلب الرد بمثابة خصم في الدعوي.
أن الأصل فى التشريع أن القاضى غير خاضع فى نطاق عمله للمساءلة القانونية، والاستثناء أن الشارع جوزها وحصرها فى نطاق ضيق محكم بالنص على أسبابها فى المادة 494 من قانون المرافعات، وقد وازن المشرع بهذا التشريع بين حق القاضى فى توفير الضمانات له فلا يتحسب فى قضائه إلا وجه الحق ولا يهتز وجدانه من مظنة النيل منه أو يستنفذ الجهد فى الرد على من ظن الجور به وآثر الكيد له، وبين حق المتقاضى فى الاطمئنان بأن قاضيه مقيد بالعدل فى حكمه فإن جنح عنه لم تغلق الأبواب فى وجهه، فله أن ينزله منزلة الخصومة يدين بها قضاءه ويبطل أثره، وهذا كله يجد حده الطبيعى فى أن القضاء ولاية تقدير وأمانه تقرير وأن مجرد الخلاف أو الخطأ لا يسقط بهما منطق العدل وإنما يسقطه الجور والانحراف فى القصد.
رد القضاة له قواعد تحكمه
أن رد القضاة له قواعد تحكمه وبالرجوع إلى قانون الاجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، وقانون المرافعات المدنية رقم 13 لسنة 68 نجد أنهما قد تضمنا وضع تنظيم دقيق لقواعد رد القضاة، والمادة "148" فى قانون المرافعات حددت الحالات التى يجوز فيها رد القضاة، وأخصها أن يكون بين القاضى وأحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل، وما تقدم بشأن الرد يختلف عن التنحي، حيث أجازت المادة "150" مرافعات للقاضى إذا قامت لديه أسباب يستشعر معها الحرج فى نظر الدعوي، فانه يعرض أمر تنحيه عن نظر الدعوى على رئيس المحكمة، ولما كان القانون لم يحدد هذه الحالات، فهى متروكة لضمير القاضي، وعلاقته بالعلى القدير.
أما عن اجراءات الرد فقد تضمنت المادة (153) مرافعات النص على أن الرد يحصل بتقرير يكتب بـ"قلم كتاب المحكمة" على أن يوقع عليه الطالب بنفسه، أما بالنسبة لوكيله فيجب أن يكون لديه توكيل خاص يتيح له طلب الرد، واشترطت هذه المادة أن يشتمل طلب الرد على أسبابه ومبرراته التي دعت إلى الاعتقاد بأن القاضي له وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل، ويجب أن يرفق بطلب الرد الأوراق والمستندات المؤيدة له، وأن يودع أيضا مائتين وخمسين جنيها على سبيل الكفالة.
إجراءات طلب "رد المحكمة"
أما المادة (154) فقد أجازت الرد بمذكرة تسلم لكاتب الجلسة عند نظر الدعوي، وعلى طالب الرد تأييد الطلب بـ"قلم الكتاب" فى اليوم نفسه أو فى اليوم التالي، وإلا سقط حقه فيه، ووفقا لأحكام المادة (153) مرافعات فان الذى ينظر فى طلب الرد المتعلق بأحد السادة المستشارين بمحكمة الاستئناف أو بمحكمة النقض، دائرة بمحكمة الاستئناف أو بمحكمة النقض، غير الدائرة التى يكون السيد المستشار المطلوب رده عضوا فيها، وتحكم الدائرة فى طلب الرد بعد دراسة مبرراته وأسانيده وأدلته، ويكون ذلك فى موعد لا يتجاوز شهرين، ولا يجوز استجواب القاضي، لكن له أن يبدأ ملاحظاته عند الاقتضاء، ويتم تلاوة الحكم الصادر فى طلب الرد فى جلسة علنية، ولا يجوز الطعن على هذا الحكم، إلا مع الطعن فى الحكم الصادر فى الدعوى الاصلية.
وقد تضمنت المادة (162) النص على أنه يترتب على تقديم طلب الرد وقف الدعوى الاصلية إلى أن يحكم فى الطلب، ومع ذلك يجوز لرئيس المحكمة ندب قاض بدلا ممن طلب رده، إلا إذا خشي مثلا ـ أن يؤدى هذا إلى اضطراب الأمور، ووفقا لأحكام المادة 159 مرافعات فإن المحكمة عندما ترفض طلب الرد، فإنها تحكم أيضا بغرامة لا تزيد على الالف وخمسمائة جنيه على طالب الرد مع مصادرة الكفالة، ولا يخل هذا بحق القاضي فى رفع دعوى تعويض على طالب الرد وذلك وفقا لنص المادة (165) مرافعات، وفى هذه الحالة تزول صلاحيته للحكم فى الدعوي.
القاعدة العامة أن المدعى لا يختار قاضيه
القاعدة العامة أن المدعى لا يختار قاضيه، وإنه لا يجوز الاخلال بهيبة المنصة من خلال التشكيك فى القضاة، وإلا لفقد المواطنون الثقة فى القضاء، ويئس الناس من الحصول على حقوقهم، فتنهار العدالة التى هى إحدى مقومات الدولة، والمشرع حرص فى ذات الوقت على أن يضع القوانين التى تطمئن المدعين على حياد المنصة، والتأكيد على أن القاضى الذى يتولى الفصل فى المنازعة ليست له أية دوافع شخصية تجعله يميل الى هذا الطرف أو ذاك، وحتى يتم ضبط الأمور ولا يسارع المدعى بطلب رد القاضي لأسباب قد تقوم على مجرد الهواجس والوساوس والظنون، فإن قانون المرافعات المدنية المصرى رقم 13 لسنة 1968 تضمن النص على خمس حالات محددة على سبيل الحصر تؤدى بذاتها الى عدم صلاحية القضاة لنظر الدعوى، كما حدد ذات القانون أربع حالات أخرى تبيح طلب رد القضاة.
وأهم حالات عدم صلاحية القضاة لنظر الدعوي، ما تضمنته المادة "146 مرافعات" من أن يكون القاضى قريبا لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة وكذلك إذا كان القاضى قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم فى الدعوى ذاتها أو كتب فيها، ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظر هذه الدعوى قاضيا أو خبيرا أو محكما، وقد ورد هذا النص بعبارات محددة منضبطة، فلا يجوز القياس عليها أو التوسع فيها أما عن أهم الحالات التى تبيح طلب رد القاضي، ما تضمنته المادة "148 مرافعات" أن توجد للقاضى - أو لزوجته - دعوى مماثلة للدعوى التى ينظرها، إذا وجدت له خصومة مع أحد الخصوم.
المطالبة بتدخل تشريعى لتحديد مدة معينة للبت فى طلبات الرد
ونظرا لما يحدثه طلب رد القاضي من اضطراب فى سير العدالة، سيما وأن البعض قد يستخدمه للمماطلة أو للكيد أو لتأخير الفصل فى الدعوى وضع المشرع العديد من الضوابط والقيود حتى لا يساء استخدام طلب الرد ومن ذلك اشترط القانون، على طالب الرد أن يودع كفالة مالية مع طلبه، على أن تصادر هذه الكفالة فى حالة رفض الطلب أوجب القانون أن يحكم على طالب الرد بغرامة مالية إذا لم يقبل طلبه أو إذا رفض، كما أن القانون بالمادة 165 مرافعات أتاح للقاضى إذا حكم برفض طلب رده أن يقيم دعوى تعويض على طالب الرد.
وفى هذا الإطار – لابد من التدخل التشريعي لتحديد مدة معينة للبت فى طلبات الرد المقدمة من المتهمين وتحديد وقت قصير لإعادة تشكيل الهيئة الجديدة إذا قبلت المحكمة طلب الرد على ألا تزيد على أسبوعين حتى لا تكون وسيلة للتعطيل والمماطلة، فيجب الاضافة للنص الحالى بتحديد الوقت في فحص الطلب واعادة التشكيل، ومن الممكن استخدام اساليب أخرى لتقليص حجم هذه الطلبات والتضييق على المتهمين حتى لا يلجأوا اليها إلا فى أضيق الحدود وفى الظروف الحقيقية البحتة، وذلك بفرض عقوبة الغرامة التي فرضها القانون قى حالة رفض رد الهيئة على أن تتم مضاعفتها حتى يكترث المتهم ويعلم أنه بحالة العبث فى استخدام تلكم الضمانة سيتكبد دفع غرامة مغلظة وهذا من شأنه تحجيم الأمر ولو بنسبة معقولة إلى حد ما.