أصدرت الدائرة الجنائية "ج" – بمحكمة النقض – حكما قضائيا في غاية الـأهمية ينسف القاعدة الأصولية التي تقرر بأن "الاعتراف سيد الأدلة"، حيث قضت بالبراءة في جناية احراز وإتجار المخدرات مستندة على أنه لم يعد الاعتراف وحده هو سيد الأدلة بل أن المحكمة حللت الاعتراف نفسه وفندته وانتهت الى بطلانه حتى لو كان أمام النيابة العامة.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 13538 لسنة 87 القضائية، برئاسة المستشار سعيد فنجرى، وعضوية المستشارين سيد الدليل، ومحمد قطب، وحمزة إبراهيم، وطارق مصطفى، وبحضور كل من رئيس النيابة لدى محكمة النقض محمد رفاعي، وأمانة سر هشام موسى إبراهيم.
الوقائع.. اتهام شخصين بحيازة والاتجار في المخدرات
اتهمت النيابة العامة كلا من "ل. م"، "ر. ك" في جناية مخدرات بأنهما في يوم 15 من ديسمبر سنة 2016 بدائرة قسم شرطة الاسماعيلية ثانى في حى السلام – محافظة الإسماعيلية – أحرزا بقصد الاتجار جوهرا مخدرا "الحشيش" في غير الأحوال المصرح بها قانونا، وأحالتهما إلى محكمة جنايات الإسماعيلية لمعاقبتهما طبقا للقيد والوصف الورادين بأمر الإحالة، والمحكمة قضت ببراءة المتهمين مما نسب إليهما وبمصادرة المخدر المضبوط، فطعنت النيابة العامة على هذا الحكم بطريق النقض.
محكمة أول درجة تقضى بالبراءة.. والنيابة تطعن
تتحصل وقائع النزاع في أن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد الاتجار قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه أطرح اعتراف المطعون ضده أمام النيابة العامة على الرغم أنه منبت الصلة عن التفتيش الباطل بما لا يسوغ اطراحه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه ببراءة المطعون ضده على قوله: "وحيث أن المحكمة بعد أن محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفى داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات، فإنها ترجح دفاع المتهم وترى أن للواقعة صورة أخرى غير تلك التي قال بها ضابط الواقعة أحجم عن ذكرها لإسباغ الشرعية على الواقعة الأمر الذي يجعل المحكمة تتشكك في صحة إسناد التهمة للمتهم.
النيابة تستند في طعنها على اعتراف المتهمين
وبحسب المحكمة: آية ذلك أن المحكمة ترى في دليل الاتهام أنه قاصر عن حد الكفاية لبلوغ ما قصد إلية في هذا المقام ولا تطمئن إلى أن الواقعة قد جرت على الصورة التي قدمها شاهدها ويساور وجدانها الشك فيما ردده تأييدا لمزاعمه ذلك بأنه مما لا يستقيم مع منطق ولا يتأتى مع المجرى العادي للأمور أن يبادر المتهم وهو في حالته إلى الجهر بما معه والكشف عما يخفيه من مخدر عامدا إلى كشف مستوره أمام الضابط معلنا عنه وداعيا إلى ضبطه وهو ما يجافى طبائع الأشياء وغريزة الحرص والتوقى سيما وكان في إمكان المتهم التخلص منها بعيدا عن أعين رجال الشرطة.
ووفقا لـ"المحكمة": ومن ثم فلا تقيم المحكمة قدرا لهذه الرواية وترفض هذه الصورة وترى فيها مجرد مجادلة لإسباغ شرعية زائفة على إجراءات تمت على خلاف أحكام القانون وفى غير موجباته اختلافا لحالة تلبس لا يصادفها الواقع وتناقض الحقيقة قادته لقبض باطل، فيتعين اطراحها وعدم التعويل على شهادة من قال بها ولا على ما أثبته بمحضره من أقوال واعترافات مقول بحصولها أمامه نسبت للمتهم، أما فيما يتعلق باعترافه بتحقيقات النيابة العامة فهو وليد إجراء باطل وما بنى على باطل وقع باطلا.
النقض تؤيد البراءة وتؤكد: الاعتراف لم يعد وحده هو سيد الأدلة
لما كان ذلك – وكان تقدير قيمة الاعتراف الذى يصدر من المتهم على أثر قبض وتفتيش باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بالقبض، وهو من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما ينكشف لها من ظروف الدعوى، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى عدم اطمئنانه إلى الاعتراف المنسوب إلى المطعون ضده لأنه بنى على القبض والتفتيش الباطلين، للأسباب السائغة التي أوردها، وهو مصيب في ذلك، وكان يكفى في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكى يقضى بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة – كما هو الحال في هذه الدعوى – التي رجحت المحكمة فيها دفاع المتهم وداخلتها الريبة والشك في عناصر الاثبات ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المطعون ضده فأطرحتها، ومن ثم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.