أصدرت الدائرة الجنائية بمحكمة النقض – حكما قضائيا في غاية الأهمية – أرست خلاله مبدأ قضائيا جديدا حول إنشاء الصيدليات، قالت فيه: "لا عقاب على من أدار صيدلية دون أن يكون مرخصا له بذلك طالما أنه لم يقم بتركيب أو تجهيز أي دواء، حيث أن القانون قصر مهنة الصيدلة على أفعال تجهيز الدواء أو تركيبه او تجزئته وليس على إدارة الصيدلية".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 20631 لسنة 89 قضائية، برئاسة هانى مصطفى كمال، وعضوية المستشارين إبراهيم عبدالله، وعبد النبى عز الرجال، وخالد عبد الحميد، ومحمود عاصم درويش، وبحضور كل من رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض أحمد جلال، وأمانة سر حازم خيرى.
الوقائع.. القبض على متهمين لإدارة صيدلية بدون ترخيص
اتهمت النيابة العامة كل من "ل. ن"، و "ك. س" في قضية الجناية رقم 760 لسنة 2015 مركز أرمنت، بوصف أنهما في يوم 1 ديسمبر سنة 2014 – بدائرة مركز أرمنت، محافظة الأقصر، حازا جوهرا مخدرا "ترامادول" بقصد الاتجار وفى غير الأحوال المصرح بها قانونا، وعرضا للبيع أدوية ومستحضرات طبية لم يصدر قرار من وزير الصحة باستعمالها، وزاولا مهنة الصيادلة بدون الحصول على ترخيص.
وفى تلك الأثناء – أحالتهما النيابة العامة إلى محكمة جنايات الأقصر لمعاقبتهما طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضوريا، وفى 28 يناير سنة 2019، وعملا بالمواد 1، 58، 59، 64، 65، 78، 81/ 2,1 من القانون رقم 127 لسنة 1955 المعدل بالقانونيين رقمي 360 لسنة 1956، 167 لسنة 1998، أولا: بمعاقبة المتهم الأول بالحبس عامين وتغريمه مبلغ 200 جنيه، وأمرت بإغلاق الصيدلية المخالفة، وإلغاء الترخيص الممنوح لها لما نسب إليه من الاتهام الثالث، وثانيا: ببراءة المتهم الثاني مما نسب إليه من اتهامات ومصادرة المضبوطات.
المحكمة تقضى بحبس المتهم.. والأخير يطعن
وعقب صدور الحكم طعن المتهم على الحكم لإلغائه، حيث استندت مذكرة الطعن على عدة أسباب أبرزها الخطأ في تطبيق القانون، والفساد في الاستدلال، ذلك أنه أعتبر ما اسند إليه من قيامه بإدارة الصيدلية مزاولة لمهنة الصيدلة في حين أن القانون رقم 127 لسنة 1955 الذى يحكم الواقعة قد عرف مهنة الصيدلة في مادته الأولى بأنها تجهيز أو تركيب أو تجزئة أي دواء أو عقار أو نبات طبى أو مادة صيدلية، وهو ما لم يتوافر في الدعوى المطروحة سيما وأن الطاعن لم يضبط متلبسا حال ارتكابه للجريمة، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: إنه يبين من مطالعة القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة أنه عرف ما يعتبر مزاولة لتلك المهنة في الفقرة الثانية من مادته الأولى بأنها تجهيز أو تركيب أو تجزئة أي دواء أو عقار أو نبات طبى أو مادة صيدلية تستعمل من الباطن أو الظاهر أو بطريق الحقن لوقاية الانسان أو الحيوان من الأمراض أو علاجه منها أو توصف بأن لها هذه المزايا، وواضح من تعريف القانون لمزاولة مهنة الصيدلة أنه قصرها على أفعال تجهيز الدواء أو تركيبه أو تجزئته.
النقض ترسى مبدأ قضائيا جديدا
لما كان ذلك – فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر مجرد إدارة الطاعن للصيدلية محل الضبط والتفتيش مزاولة لمهنة الصيدلة وعاقب الطاعن تبعا لذلك بعقوبة الحبس المقررة في المادة 78 من القانون رقم 127 لسنة 1955 لمزاولة تلك المهنة دون الحصول على ترخيص، يكون قد أخطأ في تطبيق صحيح القانون، لما كان ما تقدم، وكانت الدعوى بحالتها حسبما حصلها الحكم بالنسبة للطاعن خلت من دليل أخر على ارتكابه جرائم أخرى يمكن نسبتها غليه، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه، وبراءة الطاعن مما أسند إليه، عملا بالفقرة الأولى من المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
وفى هذا السياق – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض ميشيل حليم – أن الحكم كشف عن ثغرة في غاية الخطورة يجب التصدي لها من قبل السلطة التشريعية "مجلس النواب" أو الحكومة بتقديم مشروع قانون لغلق الثغرة أو الثقب بالفقرة الثانية بالمادة الأولي بتعديل القانون بإضافة الإدارة إلى مزاولة مهنة الصيدلي، وإعادة النظر في بعض مواد القانون وإضافة الجزاءات الإدارية مثل غلق الصيدلية عقب الجزاء الجنائي، وذلك من أجل أن يحقق قانون مزاولة مهنة الصيدلي أقصي درجات العدالة والانضباط في آن واحد بما يعين الصيادلة على أداء دورهم كأحد الأعمدة الرئيسية في بنيان القطاع الصحي بشكل خاص وصحة وسلامة المواطنين وإيقاف معدل ارتفاع القتل الخطأ عن طريق الإهمال الطبي الصيدلي.
وخبير: الحكم كشف عن ثغرة يجب التصدي لها بتعديل القانون
وبحسب "حليم" في تصريح لـ"برلماني": الجرائم التي ترتكب ممن يديرون الصيدليات كثيرة ولا تتوقف نشاهد أطرافها في تحقيقات النيابات العامة ووقائع القتل الخطأ من إداري الصيدلية نختصرها في وقائع شهيرة مثل "حقنة هتلر" التي تسببت في وفاة بعض الناس، وهى عبارة عن توليفة من أدوية مضادات حيوية وكورتيزون يعطيها المتواجد في الصيدلية للمصابين بنوبة البرد، وفى هذه الحالة الكورتيزون يؤدي إلى إضعاف المناعة والخطورة الأكبر عندما يتعاطاها مريض حساسية الصدر لأنه المفترض عدم تعرضه لمثل هذه الأدوية، وتلك التركيبة الكوكتيل يُقبِل عليها الكثيرون وذلك لرخص ثمنها، وخطورة الحقنة أنها تؤدي إلى الوفاة لبعض من يعانون من أمراض حساسية الصدر والامراض المزمنة، وقد تم تقديم العديد من طلبات الإحاطة بمجلس النواب بسبب هذه الحقنه.
ووفقا لـ"حليم": هناك فرق بين الملكية والإدارة ومدير الصيدلية لابد أن يكون صيدليا وإلا ستزيد الفوضى والقانون يحتاج تعديل، والطامة الكبرى تكمن في عدم تواجد شخص غير مؤهل علميًا في الصيدلية يؤدي بالطبع إلى دخول أي شخص للحصول على أدوية منها ما يستخدم في أغراض غير قانونية منها مواد وأدوية في جداول المخدرات ويتعاطى بعض الناس الحقن داخل الصيدلية أو حقن وأدوية شراب بدون روشتة، وكارثة إدارة صيدلية لغير صيدلي منتشرة في المناطق الريفية وبالمناطق الشعبية بمدن مصر بجميع أنحاء الجمهورية وتفاقمت الخطورة بخداع الناس بجلسات الإنترنت ووصفات العلاج عن طريقها.