تحل اليوم الموافق 30 أغسطس 2022 الذكرى الـ16 لرحيل الأديب العالمى نجيب محفوظ، الحاصل على جائزة "نوبل" في الأدب عن روايته "أولاد حارتنا"، بعدما توفى عن عمر يناهز 95 عاما إثر قرحة نازفة بعد عشرين يوما من دخوله لمستشفى الشرطة، وبالتزامن مع ذكرى رحيله تحتفى كافة الأوساط الثقافية والأدبية فى مصر والعالم العربى بذكراه، وفى مثل هذا اليوم لا يفوتنا أن نتذكر أصعب يوما مربه به نجيب محفوظ في حياته وهو يوم محاولة الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها، من قبل الجماعات الإرهابية التى أصدرت فتوى بإهدار دمه.
وفى الحقيقة يواجه بعض الأدباء والمفكرون اتهامات بالكفر والردة من جانب المتطرفين والمتشددين، وتخطت في بعض الأوقات الفم إلى محاولة الاغتيال وهو تعرض له أديب نوبل نجيب محفوظ، ونجا من القتل وبقيت آثار المحاولة تؤرق جسديا ومعنويًا، حيث أن الخطة كانت في البداية أن يتم اغتيال الأديب نجيب محفوظ بشكل تقليدى كما كان يحدث حينذاك باستخدام القنابل والأسلحة النارية، لكن اقتراحا من قبل أحد أعضاء التنظيم غيّر الأمور تمامًا، ليتحول الأمر طعنا بالسكين.
أصعب يوم في حياة الأديب العالمى نجيب محفوظ
فى يوم 14 من شهر أكتوبر من عام 1995، تعرض الأديب العالمى وصاحب نوبل "نجيب محفوظ" للطعن بسكين في عنقه على يد شابين قد قررا اغتياله، لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل "أولاد حارتنا"، ولم يمت نجيب محفوظ كنتيجة للمحاولة، ولكن أعصابه على الطرف الأيمن العلوي من الرقبة قد تضررت بشدة أثر هذه الطعنة، كان لهذا تأثيرٌ سلبي على عمله، حيث إنه لم يكن قادرًا على الكتابة سوى لبضع دقائق يوميًا، وفيما بعد أُعدم الشابان المشتركان في محاولة الاغتيال رغم تعليقه بأنه غير حاقدٍ على من حاول قتله، وأنه يتمنى لو أنه لم يُعدما، وخلال إقامته الطويلة في المستشفى زاره محمد الغزالي، والذي كان ممن طالبوا بمنع نشر أولاد حارتنا.
البداية – حينما أقدم المتهم الأول على جريمته بفتوى صادرة من قادة الجماعة الإسلامية بمصر، بإهدار دم نجيب محفوظ بحجة تعرضه للدين الإسلامى فى رواية "أولاد حارتنا"، وتم نقل "محفوظ" إلى مستشفى الشرطة بـالعجوزة، وتبين إصابته بطعنة فى عضلات الرقبة من الجهة اليمنى وتهتك بالأوردة، وفى اليوم الثانى نجح الأمن فى القبض على اثنين من الإرهابيين المشتبه فى ارتكابهم للجريمة، بينما لقى اثنان آخران مصرعهما فى اشتباك مع الشرطة داخل وكر للإرهابيين بمنطقة عين شمس شرق القاهرة، كما تم القبض على كل المجموعة المكلفة بارتكاب هذه الجريمة، وتبين أنهم ينتمون للجناح العسكرى فى تنظيم "الجماعة الإسلامية" المحظورة، وتعرف الشاهد الرئيسى فى القضية الدكتور فتحى هاشم، على صورة المتهم الأول محمد ناجى مصطفى، ويعمل كهربائيا، منفذ الجريمة خلال عرض مجموعة من الصور عليه.
تحقيقات النيابة في محاولة اغتيال نجيب محفوظ
التحقيقات مع خلايا التنظيم الإرهابى كشفت عن أنهم خططوا لتفجير معرض القاهرة الدولى للكتاب، المقرر عقده فى يناير 1995، وأن خطتهم الأصلية نحو نجيب محفوظ كانت اختطافه داخل سيارة أجرة واحتجازه كرهينة داخل وكرهم بـ"الخانكة"، مقابل الإفراج عن عدد من قياداتهم المحتجزين بالسجون، إلا أن تأخر المتهمين فى إحضار السيارة حال دون تنفيذ عملية الاختطاف، وأدى لتعجل المتهم محمد ناجى بطعن نجيب محفوظ، وحسب حواره مع صحيفة الأهرام حينها يوم 26 أكتوبر 1994، قال: "لم نقرأ الرواية ولكن تكليفًا صدر إلينا بقتل مؤلفها بعد قيام الجماعة باغتيال فرج فودة"، وأضاف أنه ليس نادمًا على ما فعل ولو قدر له الخروج من السجن فسيعيد ارتكاب المحاولة".
وثائق وأوراق القضية كشفت أن حسين علي بكر الذي اتهم في قضية اغتيال أديب نوبل، اعترف في تحقيقات النيابة العسكرية، أنه خطط مسبقا لاغتيال نصر أبوزيد، بتعليمات من مصطفى صديق أحد أعضاء تنظيم الجماعة الإسلامية، قال: "ورغم الاتفاق على عملية الاغتيال مع بعض أعضاء التنظيم إلا أنني لم أعرف السبب وراء اغتياله، لقد وضع صديقي مصطفى صديق خطة الاغتيال بأن يذهب إلى مسكنه في الهرم ويطعنه بسكين"، وردد قائلًا: "الكاتب سب الله ورسوله وأمهات المؤمنين في قصة من قصصه وأعتقد أنها زقاق المدق أو أولاد حارتنا، ولكن لم أقرأ أي قصة من قصص الأديب، كما شرح لنا حديث لا أتذكره ولكن معناه أن من سب الرسول أو أهل بيته يجب أن يقتل".
كيف خطط المتهمون لاغتيال الأديب العالمى؟
محمد المحلاوي وباسم خليل لقتل "محفوظ" ووضع "المحلاوي" الخطة، بقتل من يتدخل من رجال المرور أو الشرطة عند تنفيذ العملية حتى يتمكنوا من الهروب، قال "بكر" في اعترافاته "كنا سنستخدم في ذلك القنابل التي أعدها باسم خليل والطبنجات، وكان اقتراح باسم في بداية الأمر اغتيال بالقنابل والطبنجات، لكن المحلاوي اعترض وقال يجب أن ننفذ العملية بسلاح لا يصدر صوتا حتى لا نلفت انتباه الشرطة أو المارة".
حسين بكر، اعترف أنه يوم تنفيذ العملية لم يصلوا جميعا صلاة الجمعة " ظروفنا منعتنا من ذلك"، وفي طريقهم لتنفيذ الاغتيال أشار "المحلاوي" لبقية التنظيم تجاه فيلا بالمهندسين يحرسها اثنان من جنود الأمن أحدهما يحمل سلاحا والآخر لاسلكيا، ولفت انتباههم إلى قدوم شخص سيحضر إليهم بسيارة لتنفيذ العملية بإطلاق الرصاص على الحارسين، واعترف "بكر" للنيابة أنهم اتفقوا على تأجيل عملية قتل الحراس وسرقة سلاحهم إلى ما بعد تنفيذ عملية اغتيال الأديب نجيب محفوظ.
محاولة اغتيال رئيس المحكمة العسكرية بعد "محفوظ"
بعد فشل اغتيال الأديب نجيب محفوظ تناقش أعضاء الجماعة على محاولة اغتيال رئيس المحكمة العسكرية العليا وقتل الحارسين اللذين يقفان أمام منزله، لكن أحدهم أشار يوم تنفيذ العملية إلى شقة بمنطقة "الدقي" يسكنها مستشار وقال لهم: "سوف نقتل ابنه لأنه يعمل ضابطا في أمن الدولة"، والمتهم محمد عبد القاهر السيد علي، حاول التنصل من مشاركته في محاولة اغتيال أديب نوبل، لكن المتهمين، أكدوا أنه أحد أهم العناصر، ففي اعترافات عشرى عبد الحميد أبو زيد، قال إن "عبد القاهر" سلمه جهاز فاكس وعشرة أجهزة تلفزيون لاسلكية وطلب منه تسليمها لـ"المحلاوي" بالمدينة الجامعية.
واعترف "المحلاوي"، أنه كان يستشير "عبد القاهر" في العمليات الجهادية، ومنها عملية اغتيال نجيب محفوظ وسرقة السلاح وتدبير الأموال بل وأكد أنه اشترك معه في رصد تحركات ومنازل بعض الشخصيات العامة ورصد الحراسات على المنازل لسرقة سلاحها، كما طلب منهم إخفاء مواد متفجرة وتليفونات لاسلكي بمسكنه، بينما محمد ناجي اعترف لـ"النيابة" أنه قام برصد تحركات الأديب نجيب محفوظ لمدة ثلاثة أيام منذ خروجه من المنزل حتى عودته وتم الاتفاق على الاغتيال داخل شقته بعد شراء باقة ورد ودخول الشقة على أنهم معجبون بكتاباته.
أحد المتهمين يكتب لنجيب محفوظ رسالة اعتذار من محبسه
ارتدى المتهم باسم محمد خليل، زيا عربيا، ولكن الخطة لم تتم، للتأخير في شراء الورد ورغم ذلك طرقوا الباب واعتذرت ابنة الأديب الراحل بأنه لا يلتقي بأي شخص في منزله وأشارت عليهم بالتوجه لندوته الأسبوعية في الكازينو وتم الاتفاق على تنفيذ الجريمة يوم الجمعة في طريقه إلى الندوة الأسبوعية، وتم الاعتداء بسكين وهربوا والتقوا بالقرب من كوبرى أكتوبر.
ملحوظة: كتب "عمرو إبراهيم" أحد المتهمين بقتل نجيب محفوظ من محبسه رسالة اعتذار إلى الأديب الراحل، لطلب العفو والمصافحة وحملت والدته الرسالة إلى الأديب الكبير، وبدوره قبل اعتذار أحد مرتكبى اغتياله، وتأثر نجيب محفوظ بالرسالة، والتمس له العذر.
أحكام بالإعدام والسجن والبراءة على المتهمين
فى يوم 1 نوفمبر 1994 أحيل 16 متهمًا بارتكاب الجريمة إلى القضاء العسكرى، وعقدت المحكمة العسكرية العليا أولى جلساتها يوم 6 ديسمبر، واستمعت إلى 25 شاهد إثبات ومرافعات 16 محاميًا من بين 25 محاميًا أثبتوا حضورهم كموكلين عن المتهمين، وفى يوم 11 يناير 1995 قضت المحكمة بإعدام كل من المتهم الأول محمد ناجى محمد مصطفى، والمتهم الثالث محمد خضر أبو الفرج المحلاوى، وبالسجن المؤبد لكل من المتهم الثانى عمرو محمد محمد إبراهيم، والمتهم الرابع حسين على بكر، وبالأشغال الشاقة لمدة 7 سنوات لكل من المتهم العاشر ياسر أبو عطية، والثانى عشر عبدالحميد محمد أبو زيد، وبالسجن 5 سنوات على المتهم السادس على جمعة على، وبالسجن 3 سنوات على كل من المتهم الثامن مصطفى عبدالباقى والتاسع أحمد حسن أحمد، والثالث عشر محمد معوض عبدالرحمن، والخامس عشر فيصل شحاتة محمد، كما قضت ببراءة كل من المتهم السابع عبدالناصر جمعة على، والرابع عشر على حسن سباق، والسادس عشر صلاح محمد محروس.