- شراكة الدولة مع القطاع الخاص أحدثت تنمية اقتصادية جبارة فى الخمسينات وانتهت التجربة بالتأميم
- متفائل جدا بالمؤتمر الاقتصادى لأننى شعرت إننا نسمع بعض
- الجنيه اقترب من سعره الحقيقى بعد التعويم
- ليس مهما أن يصبح الدولار بـ23 جنيها أو بـ5 جنيهات لكن المهم الا نسمع أحد فى الشوارع يشكو من الأسعار
- "حياة كريمة" حلم مصرى عمره قرن
- كثير من أموال الديون تم استثمارها فى مشروعات ليست أولوية ولا تدر دخل
- الاستدانة ليست عيبا لكن العيب هو عدم القدرة على الوفاء بسداد الديون وفوائدها
منير فخرى عبد النور هو واحد من السياسيين القلائل فى مصر الذى مارس العمل الحكومى وزيرا للسياحة ثم وزيرا للتجارة والصناعة، بعد أن قضى سنوات ممارسا للعمل البرلمانى فى مجلس الشعب والعمل السياسى داخل حزب الوفد، لذلك فان الحوار معه هو مزيج بين السياسة والاقتصاد والفكر.. فى السطور القادمة استعرضنا معه مجمل المشهد فى مصر من زوايا مختلفة.
إلى نص الحوار...
هل كانت إجراءات تعويم الجنيه الأخيرة ضرورية؟
بالقطع.. للأسف لم يكن هناك أى اتساق بين أهداف السياسة الاقتصادية العامة والسياسات الاقتصادية الأخرى المرتبطة بها، أهداف السياسة الاقتصادية هى زيادة الإنتاج والتصنيع وزيادة الصادرات وتقليل حجم الواردات وحتى تتحقق هذه الأهداف، أضعف الإيمان أن تكون قيمة العملة حقيقية وواقعية، لكن قيمة العملة لأسباب مختلفة كانت أعلى بكثير من قيمتها الحقيقية، وبالتالى المنتج المصرى لم يكن قادرا على المنافسة، وهو ما يمثل قيدا على حجم الصادرات وقيدا على تخفيض الواردات وقيدا على جذب الاستثمارات سواء الداخلية أو الخارجية، وبالتبعية قيدا على زيادة الإنتاج الصناعى وغير الصناعى، ولم يكن يمكن أن يستمر الأمر هكذا، وكان لابد من تعديل قيمة العملة حتى تكون قيمة حقيقية تساعد على زيادة الصادرات وتخفيض الواردات وزيادة الإنتاج، والسبب فى أن سعر العملة لم يكن حقيقيا هو السياسات المالية الخاطئة التى أدت إلى عجز كبير فى الموازنة، والسبب الآخر هو زيادة المديونية الخارجية التى أصبحت عبء ثقيل على ميزان المدفوعات لخدمة هذا الدين، والحقيقة لابد أن نتعلم من التجربة وأن نعترف بإننا أخطأنا فى زيادة الاستدانة، وإن كنت أرى أن الاستدانة فى حد ذاتها ليست عيبا، لكن العيب ألا تكون قادرا على تحمل عبء خدمة هذا الدين، وأن يكون دخلك من العملات الأجنبية غير قادر على الوفاء بسداد أصل الدين وفوائده فى المواعيد المحددة.
هل الأزمة فى طبيعة الديون والقروض؟
للأسف هذا الدين لو كان طويل الأجل أو هناك فترة زمنية أطول للسداد لن تكون هناك أزمة، لكن ما حدث أن مواعيد السداد تراكمت علينا سواء الأصول أو الفوائد خلال 3 سنوات متتالية، وللأسف كثير من أموال هذه الديون تم استثماره فيما هو ليس أولوية ولا يدر دخل مباشرة مثل مشروعات الإسكان او مشروعات البنية الأساسية، وليس فى مشروعات إنتاجية تدر دخل يساعد فى سداد أصل الدين وخدمته.
ألا ترى أن هذه المشروعات تساعد على تحسين مناخ الاستثمار؟
ليست كلها.. مثلا مشروعات الطرق والكبارى والموانئ والمطارات ومشروع تطوير الريف المصرى "حياة كريمة" لابد أن تكون أولوية، بل إنى أعتبر مشروع "حياة كريمة" حلم مصرى عمره قرن، وهو أن يتم توفير خدمات تنموية وإنسانية فى الريف، لكن هناك مشاريع أخرى كان يمكن أن تؤجل أو تنفذ على فترات أطول حتى لا يتم تحميل ميزانية الدولة بكل هذه الأعباء.
هل الجنيه الآن يقيم بسعره الحقيقى بعد إجراءات التعويم الأخيرة؟
اقتربنا جدا من السعر الحقيقى، ربما يرتفع قليلا، لكن حتى لو حدث هذا سينخفض السعر مرة أخرى.
هل تتوقع إجراءات أخرى لتخفيض سعر العملة؟
لو اتبعنا نفس السياسات التى اتبعناها فى 2016، ربما يحدث تعويم آخر، لكن المهم الآن أن نلتقط ونستغل الفرص المتاحة اليوم بشرط اصلاح السياسات الاقتصادية المختلفة، وحل كل المشاكل التى تعوق الاستثمار المحلى والأجنبى من سياسات مالية وضرائب وإجراءات إدارية، وأن يكون لدينا سياسات اقتصادية ومالية سليمة، وأن نتوقف عن ارتكاب الأخطاء التى ارتكبناها من قبل وتسببت فى المشكلة الحالية، وبالمناسبة ارتكاب الخطأ ليس جريمة، كلنا نخطأ لكن المهم أن نتعلم من الخطأ ولا نكرره.
هل تقلق من ارتفاع سعر الدولار؟
لا يهمنى أن يصبح سعر الدولار 23 جنيها أو حتى 5 جنيهات، ما يهمنى هو مستوى الأسعار بالمقارنة بالدخول والأثار الاجتماعية لأى اجراء يتخذ، وأن أسير فى الشوارع لا أسمع أحد يشكو.
ما رأيك فى حزم الحماية الاجتماعية التى اتخذتها الدولة لمواجهة هذه الآثار؟
هل تعتقد أن 300 جنيه كافية؟!.. الناس تعبانة.
ما هو الانطباع الذى خرجت به من المؤتمر الاقتصادى؟
خرجت من المؤتمر الاقتصادى متفائل جدا، لأنى شعرت أن هناك حوار وإننا سنسمع بعض، والحقيقة كل الوزراء ورئيس الوزراء بالتحديد كان رائعا خلال الأيام الثلاث التى انعقد فيها المؤتمر.. كان منصتا مستمعا مستجيبا مناقشا بطريقة احترافية "كان راجل بياخد وبيدى"، وأملى أن يستمر هذا الحوار لأنه لا يوجد أحد معصوم من الخطأ ولا يوجد أحد يحتكر الحقيقة.
هل ترى أن التوصيات التى صدرت عن المؤتمر تعبر عن سير المناقشات؟
جزئيا على الأقل.
كنت متحدثا فى جلسة مناقشة وثيقة ملكية الدولة ما تقييمك لحجم مشاركة الدولة فى النشاط الاقتصادى؟
الدولة موجودة فى كل المجالات ولابد أن تنسحب، الدولة تستثمر أرقام خيالية فى مشروعات إنتاج "بسكويت " و"شيكولاتة" وحلاوة طحينية" "ودى مش شغلانة الدولة" والا ماذا ستترك للقطاع الخاص؟...هناك منافسة غير عادلة، فنحن لا نعرف إذا كانت مشروعات الدولة تدفع ضرائب أم لا، ولا نعرف إذا كانت تدفع نفس الرسوم التى يتحملها المستثمر فى القطاع الخاص ولا نعرف إذا كانت الدولة تتحمل رواتب العمالة أم أن العاملين فى مشروعات الدولة مكلفين ولا يتقاضون أجرا.. فضلا عن أن جزء كبير من السلع التى تنتجها الدولة ليست سلع استراتيجية، ولا سلع تخص الأمن القومى ولا هى صناعات ذات أولوية، وبالتالى أعتقد أن ما جاء فى وثيقة ملكية الدولة سليم بنسبة 100%.
كيف ترى شكل مساهمة الدولة الاقتصادية فى ضوء وثيقة ملكية الدولة؟
هناك قطاعات يجب أن تنسحب منها الدولة كاملة، وهناك قطاعات يجب أن تظل الدولة فيها شريكة تبيع حصة وتحتفظ بجزء من مساهمتها، وقطاعات أخرى لابد أن تتولى الدولة مباشرتها بالكامل مثل الصناعات المستقبلية والقطاعات التى لا يمكن أن يقبل عليها القطاع الخاص، فمن حيث المبدأ أوافق تماما على ما جاء فى الوثيقة لكن العبرة بالتنفيذ .
ما تقييمك لمشاركة القطاع الخاص فى المشروعات الخدمية والبنية الأساسية؟
القطاع الخاص لن يقدم على المشاركة فى مشروعات البنية الأساسية الصعبة جدا والصناعات المستقبلية التى تحتاج الى استثمارات كبيرة جدا، والقطاع الخاص ليست لديه خبرة فيها، وهنا يجب أن تتقدم الدولة وتكون القاطرة التى تسحب وراءها مستثمر القطاع الخاص لكى يشارك أو يتعلم.
ما رأيك فى حجم الشراكة حاليا بين الدولة والقطاع الخاص؟
فى الفترة بين 1953 وحتى 1960 قبل التأميم كانت الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص هى الصيغة التى تقود الاستثمار فى مصر، وشهدت هذه السنوات تنمية اقتصادية جبارة وتم انشاء شركات عمالقة من خلال هذه الشراكة مثل الحديد والصلب وكيما للبتروكيماويات، والشركة القومية للاسمنت وشركة البلاستيك الأهلية، وستلاحظ أن عدد الصناعات التى نشأت ونمت من خلال هذه الشراكة كانت عظيمة جدا، وخلال هذه المرحلة كانت مشروعات مثل الحديد والصلب والبتروكيماويات متقدمة جدا وتتطلب دخول الدولة كشريك بهدف تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار فى هذه القطاعات، وللأسف هذه التجربة انتهت عندما تم التأميم واستبعاد القطاع الخاص والقضاء على أهم حافز للاستثمار وهو حافز تحقيق الربح، لكننا استفدنا من التجربة واليوم أصبحت شركات القطاع الخاص تنفذ مشاريع فى هذه المجالات وحدها وبدون شراكة مع الدولة، والآن ننتظر من الدولة أن تقود القطاع الخاص للمشاركة فى الصناعات المتطورة وقد نكرر هذه النجاحات مرة أخرى.
تحدثت عن بيع هذه الشركات.. كيف تنظر لهذا الأمر؟
قلت رأيى فى المؤتمر الاقتصادى، وتم الأخذ به ضمن التوصيات، وهو أن تكون الأولوية لبيع هذه الشركات من خلال البورصة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين من عملية الشراء.. أريد أن نصل إلى 100 مليون مصرى مساهم فى الأصول المصرية حتى يشعر المواطن انه يمتلك هذا الوطن وأن له مصلحة فى عملية التنمية، وأن له مصلحة فى رقابة هذه الشركات من خلال الجمعيات العامة.
أما الأولوية الثانية، تكون للاستثمار المباشر سواء كان مصرى أو أجنبى المهم أن يهدف إلى زيادة الإنتاج وضخ رؤوس أموال إضافية وجلب تكنولوجيات جديدة ومتقدمة وإدخال أساليب إدارية متطورة تساعد على زيادة الإنتاج، وبالتالى يصبح هذا الاستثمار إضافة للإنتاج المحلى، وهذا يختلف عن استثمار "المحفظة" الذى يأتى فيه المستثمر، لشراء أسهم من شركة معينة ويكتفى بذلك دون أن يضيف شئ بل على العكس هو حملنى عبء الالتزام بتسديد الأرباح طوال فترة مساهمته فى هذه الشركة هذا النوع من الاستثمار يكلفنى أكتر من الدين.
ما رأيك فى الشراكة بين القطاع الخاص والحكومة فى المشاريع الخدمية مثل التعليم والصحة وغيرهم ؟
الشراكة كمبدأ لازم القطاع الخاص يرحب به، لأنه عندما تشارك الدولة ستزال كل العوائق الإدارية والبيروقراطية ..وبالتالى قطعا القطاع الخاص لابد أن يرحب بهذه الشراكة لكن بشرط أن يكون حق الإدارة للقطاع الخاص، وأن تكون الإدارة على أسس اقتصادية، بمعنى اننى حين أشارك الدولة فى إدارة مستشفى لابد أن يتم تحديد مستوى هذه المستشفى مرتفع أم متوسط أم منخفض، لأن التكلفة الاستثمارية ستختلف بحسب مستوى المستشفى وبالتالى أسعار الخدمة ستختلف لكن لا يجوز أن استثمر بمستوى مرتفع وأقدم الخدمة بأسعار منخفضة جدا.
لماذا لم يقدم القطاع الخاص على الاستثمار فى هذا النوع من الخدمات؟
لا نستطيع أن نتهم القطاع الخاص بذلك، لأن الباب لهذه الشراكة لم يفتح بعد.
ما رأيك فى الدعوة للحوار الوطنى؟
أرجو أن تكون الدعوة للحوار الوطنى دعوة جادة مثلما كان المؤتمر الاقتصادى جادا.
ما رأيك فى الشواهد الأولية للحوار؟
لا توجد شواهد.. إحنا بقالنا 6 أشهر عشان نعمل حوار.
تم تشكيل لجنة العفو الرئاسى واتخاذ خطوات فى ملف الشباب المحبوسين.. ألا ترى أن هذا الملف كان مزعجا ويثير دائما تعليقات من مسؤولين أجانب ضد الأوضاع فى مصر؟
دعنى أصحح السؤال.. إنت استخدمت فعل "كان"، والحقيقة أنه "مازال" مؤرقا وبدون داعى.. لنفترض أن شخص مختلف معى فى الرأى، وانتقدنى وبعنف ماذا يمكنه أن يفعل؟.. فلنتركه يتحدث.. الدولة يجب أن تثق فى قوتها وشعبيتها وتمسك الناس بها ..أنا عن نفسى لدى استعداد أن انتقد السياسات المطبقة كثيرا، لكنى أعبر عن هذا النقد تمسكا بالدولة وبهذا النظام، لأن البديل لهذا النظام كارثى..أنا اتمسك بالسيسى وأدافع عنه وعن بقاءه بكل ما لدى، وفى نفس الوقت أوجه نقدى بدافع الحفاظ عليه والتمسك به.
هل تنزعج من عدم فهم وتقدير أهمية النقد؟
أعتقد أن عدم تقدير النقد يشكل خطر، لأنه لا يوجد أحد معصوم من الخطأ، ولابد أن نستمع للنقد ونختلف فى إطار الوطن، أما من خرج على الوطن ولا يعترف بالدستور ولا القانون ولا الدولة فسنعاديه إلى آخر المدى.
هل لديك تخوف من تحول جلسات الحوار الوطنى إلى مجرد مساحة للحديث؟
أخشى فعلا أن تتحول الجلسات إلى مكلمة .. إذا لم يسفر هذا الحوار عن قرارات محددة تنفذ "فكأنك يا أبو زيد ما غزيت".
كيف يمكن نضمن استمرارية الحوار الوطنى؟
لا يجب أن يكون الحوار الوطنى حدثا استثنائيا ..المفروض أن الحوار فى دولة ديمقراطية حدث دائم ومستمر من خلال المؤسسات المختلفة، وأولها البرلمان بيت الشعب، حيث يلتقى ممثلو الشعب ليتحاوروا فى أمور من انتخبوهم ويدبروا أحوالهم، بالإضافة إلى المؤسسات الإعلامية بشرط توافر حرية التعبير.
ما رأيك فى اتساع مجالات الحوار على هذا النحو والا تكون قاصرة على السياسة فقط؟
أتصور انه حينما طرح السيد الرئيس فكرة هذا الحوار كان الهدف سياسى بدليل حضور سياسيين يمثلون المعارضة، وبالتالى فإن التوجه كان سياسيا ثم فتح الباب للحوار حول الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، لكن أنا أتصور أن الحوار يجب أن يركز حول السياسة، وإذا تفرع يمكن أن يتناول الشأن الاقتصادى ويمكن البناء على هذه القاعدة.
ما رأيك فى عودة بعض السياسيين الذين سافروا فى الخارج بالتزامن مع بدء الترتيبات للحوار مثل عمرو حمزاوى؟
هذه كانت رسالة سياسية بان هناك رغبة لفتح أبواب الحوار مع الآخر، والمعارضة والمتواجدين فى الخارج، لكن "مش كلهم" فلا يمكن أن نتحاور مع من لا يؤمن بالوطن ولا يعترف به ولا بالدولة ولا بالنظام السياسى ..الحوار فقط مع من يؤمن بالوطن ومن يرضخ للدستور والقانون.
قبل أيام كنت تدلى بصوتك فى انتخابات الهيئة العليا لحزب الوفد.. أين منير فخرى من الوفد؟
منير فخرى عبد النور طوى صفحة الحزبية والسياسة لأسباب مختلفة، لكن لازال الوفد فى قلبى، لأنى أرى الوفد تراث وفكر ووطنية واحب أن أحافظ على هذا التراث التاريخى وهذا الفكر الليبرالى وهذه الوطنية، لكنى للأسف أرى أن الحزب فى خطر، واعتقد أن هناك قوى مضادة وخارجة عن الوفد ..قوى شر تريد أن تسيطر على هذا الحزب.
أين رموز الحزب فى مواجهة هذه المحاولات؟
العواجيز ابتعدوا بحكم السن، والعمل الحزبى يحتاج إلى شباب وحماس واندفاع، لكن هناك جيل كنا نسميه جيل الوسط جاهز لتولى القيادة هذا الجيل تعلم على يد الأجيال السابقة وتشرب فكر الوفد وتاريخه وتوجهاته، للأسف هذا الجيل لأنه نظيف وقدراته المالية محدودة يزاح الآن بقوة المال.
ما رأيك فى الموقف السياسى للوفد؟
الوفد يتراجع لأنه غير قادر على التعبير عن قيمه وأهدافه وفكره وليبراليته ووطنيته.