ظهرت فى الأونة الأخيرة العديد من قضايا إثبات النسب التي أصبحت تعج بها المحاكم والنيابات نتيجة غياب الذمم وضياعها، ويمكن أن نلخص إثبات النسب فى القانون المصرى في أنه تنص المادة الرابعة من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 على أن: "للطفل الحق في نسبه إلى والديه الشرعيين والتمتع برعايتهما، وله الحق في إثبات نسبه الشرعي إليهما بكافة وسائل الإثبات بما فيها الوسائل العلمية المشروعة"، وتبدأ إجراءات دعوى إثبات النسب بالتقدم لمكتب التسوية الموجود بمحكمة الأسرة، عملاً بالمادة 6 من القانون رقم 10 لسنة 2004، ليمثل الزوجان أمام الخبيرين الاجتماعي والنفسي بمكتب التسوية.
وتنص المادة 15 من القانون رقم 25 لسنة 1920 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على أنه: "لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجة تثبت عدم التلاقي بينها وبين زوجها من حين العقد ولا لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها ولا لولد المطلقة والمتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة"، ولثبوت النسب سبب ووسائل، أما السبب فهو الزواج أو كما يسميه الشرعيون "الفراش"، ويقصد بالفراش علاقة الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة سواء كانت تلك الزوجية صحيحة أم فاسدة وسواء كان الزواج مكتوباً أو شفوياً.
دعوى إثبات النسب من مكتب التسوية بمحكمة الأسرة لمحكمة النقض
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكاليات دعوى إثبات النسب، والإجابة على حزمة من الأسئلة تتمثل في ماذا يحدث لو أنكر الزوج ادعاءات الزوجة بنسب الصغير؟ ومتى تحكم المحكمة للزوجة بإثبات نسب الصغير لأبيه؟ وشروط صحة دعوى إثبات النسب بموجب قانون الأحوال الشخصية، والأوراق المطلوبة لتسجيل دعوى إثبات النسب، وراى محكمة النقض في الأزمة، خاصة أنه يشترط لثبوت النسب سواء بالنسبة للرجل أو المرأة الاستناد إلى ثبوت وجود فراش قائم عند ولادة الصغير – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمد يسرى باظة.
في البداية - إثبات النسب يختلف عن إنشائه، فالنسب لا ينشأ إلا بالزواج "الفراش" بصرف النظر عن طبيعته أو وصفه "موثق أو عرفي وصحيح أو فاسد.. إلخ"، أما إثبات النسب أي إثبات أن الصغير هو ابن لأبيه، فيتحقق بإثبات الزواج أو بالإقرار الذي لا يتضمن نفى الزواج أو بشهادة الشهود على قيام الزوجية والرزق بالصغير أو على سبق الإقرار بالنسب غير منكور فيه الزواج، ويكفي دليلاً على الفراش معاينة واقعة الولادة أو حضور مجلس العقد أيهما ويقبل في إثبات واقعة الولادة شهادة الطبيب المولد أو القابلة أو امرأة واحدة – وفقا لـ"باظة".
الإقرار كوسيلة من وسائل إثبات النسب نوعان
والإقرار كوسيلة من وسائل إثبات النسب نوعان إقرار بنسب أصلي وإقرار بنسب فرعي، والإقرار بالنسب الأصلي أو أصل النسب هو الإقرار بالبنوة والأبوة ولا يكون فيه حملاً للنسب علي الغير، ويجوز أن يكون الإقرار من الأم، فيثبت به نسب الذي تقر الأم بأمومتها له، وإذا كانت المرأة متزوجة أو في عدة من زواج – لا يكفي لثبوت النسب هنا مجرد إقرارها بل يتعين أن يصادقها زوجها أو مطلقها حتى ينسب الولد إليه أيضاً، واثبات النسب بالشهادة أقوي من إثباته بالإقرار ولو تعارضا رجح الإثبات بالشهادة، فلو أقر الرجل بأبوته لولد قام غيره بإثبات أبوته له بشهادة الشهود رجح قول الثاني عن الأول وكان أحق بنسبه من الأول لأنه أثبت دعواه بالبينة وهي أقوي من الإقرار – الكلام لـ"باظة".
الأوراق المطلوبة لتسجيل دعوى إثبات النسب:
تشتمل الأوراق المطلوبة لتسجيل دعوى إثبات النسب على عقد الزواج للطرفين إن كان موجودًا، طلب بإحالة الأطفال إلى اللجنة الطبية لتقدير أعمارهم، إقرار المدعى عليه بادعاء المدعية وحال عدم وجوده يتم إحالة الأطفال إلى لجنة طبية بمصلحة الطب الشرعي، لفحص البصمة الوراثية "DNA".
ماذا يحدث لو أنكر الزوج ادعاءات الزوجة بنسب الصغير؟
أما في حال أنكر الزوج أمام مكتب تسوية نسب الصغير له، تتقدم الزوجة بطلب آخر لإقامة دعوى قضائية أمام نفس المحكمة، ويرفق بها صورة لقيد الصغير لبيان إذا كان مسجلا بدائرة الأحوال المدنية من الأم على اسم الأب.
متى تحكم المحكمة للزوجة بإثبات نسب الصغير لأبيه؟
ويتم الحكم لإثبات نسب الصغير حال حدوث التصادق بين الطرفين على الزوجية والدخول وبنوتهم للأطفال، أو إذا جاء تقرير مصلحة الطب الشرعي، بتطابق الحامض النووى مع الأب، فيقضى بالحكم بثبوت نسب الصغير إلى أبيه المدعى عليه من فراش الزوجية للمدعية.
شروط صحة دعوى إثبات النسب بموجب قانون الأحوال الشخصية:
يشترط لصحة دعوى إثبات النسب أن يكون الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية، كما يشترط وجود شهود، واستيفائه أركانه وسائر شروط صحته الشرعية، سواء وثق رسميًا أو أُثبت بمحرر عرفي أو كان بعقد غير مكتوب، وذلك وفق الطعن رقم 44 لسنة 51 أحوال شخصية، ومن أسباب سقوط دعوى إثبات النسب التالى:
- تسقط الدعوى الخاصة بالنسب في حالة إثبات عقم الزوج.
- كما تسقط أيضا عند ثبوت عدم إلتقاء الطرفين على الإطلاق.
- هذا بالإضافة إلى سقوط هذه الدعوى إذا تم ميلاد الطفل والزوج محبوس، مع شرط مرور عام على حبس الزوج.
- أيضا ترفض الدعوى عند عدم مرور 6 أشهر من الزواج الرسمي، في حالة عدم وجود وثيقة للزواج العرفي.
ونصت المادة 81 من القانون في الفقرة "ج"، على أنه يثبت النسب بالطرق العلمية في حالات إنكار من ينسب إليه الطفل شرعا أو حالات التنازع حول مجهول النسب أو حالات تشابه الأطفال واختلاطهم، كما نصت مواد القانون الخاصة بالنسب على المادة "77" من الباب الرابع من مشروع قانون الأحوال الشخصية، أن أقل مدة للحمل يثبت بها النسب ستة أشهر ميلادية من وقت الدخول بالزوجة أو الخلوة الشرعية وأكثرها سنة ميلادية ويحتسب جزء اليوم الذي وقعت فيه الولادة يوما كاملا.
3 شروط لثبوت النسب
وحرص المشرع الاٍسلامى فى اٍثبات النسب حرص خاص ، فكل ما يعنيه هو اٍقرار الحق فيه شأنه فى ذلك شأن سائر الحقوق، ولم ينص الفقهاء على التسامح فى اٍثبات النسب، أما وسائل إثبات النسب ثلاثة أولها ثبوت الزوجية بكافة طرق الإثبات، وثانيهما بالإقرار، وثالثهما بالبينة الشرعية، ويشترط حتى يكون الزواج صحيحا سببا لثبوت النسب أن تتوافر له ثلاثة شروط هى:
1- أن يأتى الولد بعد مضى مدة لا تقل عن ستة أشهر من وقت الزواج.
2- أن يكون الزوج ممن يتصور أن يكون الحمل منه.
3- أن يكون من المتصور التلاقى بين الزوجين فعلا دون اشتراط الدخول أو الخلوة، ولا يكفى لإنكار الفراش قيام الزوج بإبداء مجرد الدفع بالإنكار المحض وإنما يتعين أن يدفع الزوج الدعوى بالإنكار لأحد الأسباب الثلاثة الواردة بالمادة ثم يقوم بإثبات السبب.
وأن الأقرار يعد سببا منشأ للنسب إذا صدر مجردا، البينة الشرعية أو شهادة الشهود تعد من طرق إثبات النسب وهي حجة متعدية، حيث لا يقتصر الحكم الثابت بها على المدعى عليه بل يثبت في حقه وحق غيره بخلاف الإقرار الذي يعد حجة قاصرة علي المقر وحده لا يتعداه إلى غيره، إلإ أنه يكفى على العموم في الشهادة على النسب السماع استثناء عدا إثبات واقعة الولادة وتحديد المولود، وإثبات النسب بالشهادة أقوى من إثباته بالإقرار ولو تعارضا رجح الإثبات بالشهادة فلو أقر الرجل بأبوته لولد قام غيره بإثبات أبوته له بشهادة الشهود رجح قول الثاني عن الأول وكان أحق بنسبة من الأول لأنه أثبت دعواه بالبينة وهى أقوى من الإقرار.
ومن المستقر عليه فقها أن النص يستند إلى قوله تعالى (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ...) من الآية 5 من سورة الأحزاب، وقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (ومن إدعى اٍلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام)، والمقصد الأول من الزواج هو التناسل، ومن أجل هذا عنى الإسلام بإثبات نسب الولد إلى أبيه وحرم على الآباء أن ينكروا أبناءهم أو يدعو أبوه غيرهم كما حرم على الأولاد أن ينسبوا إلى غير آبائهم، والقاعدة الأصولية أن النسب يخاطر فى اٍثباته أو يحتال لاٍثباته ما أمكن، وذلك طبقا للقاعدة الشرعية القائلة بحمل حال المرأة على الاٍصلاح وإحياء للولد وحفظا له من الضياع.
وعن شروط ثبوت النسب بالفراش يجب أن تتوافر 4 شروط الأول: إمكان حمل الزوجة من زوجها حيث يأتي ذلك بأن يكون بالغاَ أو مراهقاَ وجود عقد زواج، ولا يشترط لإثبات النسب وجود وثيقة زواج رسمية، ثانياَ: أن يكون الزواج ممن يتصور أن يكون الحمل منه عادة أي بالغاَ أو قريباَ من البلوغ وقدر سن الجماع 10 سنين، والشرط الثالث: أن تمضى أقل مدة الحمل وأقل مدة الحمل هي 6 أشهر قسرية وتحسب من تاريخ العقد ومن وقت الدخول في الزواج الفاسد أو الوطء بشبهة، ولا يثبت النسب إذا آتى الولد في مدة أقل من ذلك، ولو كان العلوق من نفس الزوج بالزنا، والشرط الرابع: أن تلد المرأة لأقل من أقصى مدة الحمل عند الحنفية سنتان.
أحكام محكمة النقض حول أزمة أثبات النسب
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لعدة إشكاليات حول دعاوى النسب أبرزها الطعن المقيد برقم 142 لسنة 58 قضائية، والذى جاء فيه: "شهادة الميلاد لا تعد دليلاً علي النسب وإنما قرينة عليه باعتبار أنها لم يقصد منها ثبوته وإنما جاء ذكره فيها تبعاً لما قصد منها ووضعت له لأن القيد في الدفاتر لا يشترط فيه أن يكون بناء علي طلب الأب"، و"أن شهادة الميلاد بمفردها ليست حجة في إثبات النسب، وإن كانت تعد قرينة عليه، إذ لم يقصد بها ثبوته وإنما جاء ذكره فيها تبعاً لما قصد منها، ووضعت له، ولأن القيد بالدفاتر لا يشترط فيه أن يكون بناء علي طلب الأب أو وكيله بل يصح الإملاء من القابلة أو الأم، فلا يعتبر نسبة الطفل فيها إلي شخص معين حجة عليه طالما لم يقر بصحة البيانات المدونة بها".
حكم أخر للنقض
فمن المستقر عليه بقضاء محكمة النقض أنه: لمحكمة الموضوع إستخلاص صحة النسب طالما كان استخلاصها سائغا وله أصله الثابت بالأوراق ويؤدى إلى النتيجة التى إنتهت إليها، طبقا للطعن المقيد برقم 52 لسنة 62 قضائية، وأنه من المستقر علية أيضا بذات القضاء أن: "الفراش الذي يثبت به النسب يكون مقصودة قيام الزوجية بين الرجل والمرأة عند ابتداء الحمل لا عند حصول الولادة"، طبقا للطعن رقم 69 لسنة 63 قضائية.
ومن المستقر علية أيضا بذات القضاء أن: "النسب فى الفقة الحنفى يثبت الفراش والبينة والإقرار، وأن صدور الإقرار بالنسب مستوفيا شروطه يكون أثره لا يحتمل النفى ولا ينفك بحال سواء كان المقر صادقا أم كاذبا، أما علة ذلك فهو الاقرار بالنسب فى مجلس القضاء أو فى غيره فهو صحيح"، طبقا للطعن رقم 197 لسنة 61 قضائية.
حكم محكمة أسرة فريد من نوعه حول إثبات النسب
وفى نوفمبر 2020 - أصدرت محكمة كفر الزيات لشئون الأسرة، بإثبات نسب الصغير لأبيه بعد انكاره له وطلب الأم المحكمة تعديل طلباتها من إثبات زواجها العرفي لإثبات نسب طفلها بأبيه الذى سبق له تطليق الزوجة مرتين وفى الثالثة تزوجها عرفي ثم ادعى أنه غير متذكر بأنه قام بمعاشرة المدعية معاشرة الأزواج من عدمه، وذلك في الدعوى المقيدة برقم 612 لسنة 2019.