عشرات اللاعبين إن لم يكن المئات على مستوى العالم منهم يتعرضون لأزمات متكررة وشبه دورية بشأن رفضهم عدم ارتداء شارة دعم المثليين، وذلك من خلال فرض عقوبات صارمة عليهم من أنديتهم سواء بالإيقاف عدد من المباريات أو التغريم، وقد يصل الأمر أحيانا إلى "فسخ العقد"، وهو الأمر الذى يجعلنا نطرح عدة تساؤلات من الناحية القانونية أبرزها هل العقود التى يتم إبرامها مع اللاعبين في فرنسا أو غيرها تعطى الحق للاعب رفض ارتداء تيشرت الفريق إذا كان يحتوي علي علامات أو إشارات لدعم فئة من الفئات؟
ويدخل ضمن حزمة الأسئلة هذه هل الالتزام بالرعاة والاعلانات ينطبق علي الشعارات المجتمعية في عقود اللاعبين؟ بمعنى أدق: هل تكون عناصر مكتوبة إلزامية كذلك أنه يدعم توجه النادي الفكري والديني والمجتمعي في العقد؟ وهل العقود تلزم اللاعبين بتنفيذ ما يطلبه مجلس الإدارة وما يفرضه؟ وهل الفيصل هنا هو العقد الذى يتم إبرامه مع اللاعب؟ خاصة وأن الأمر حينما يتعلق بالرياضة ينبغي أن تكون الرياضة فقط هي محوره لكن كرة القدم لم تعد مجرد رياضة فقط، بل أصبحت حدثًا ثقافيًا يتأثر به كل المحبين والمتابعين في جوانب العالم بأسره.
هل عقود اللاعبين تلزمهم بارتداء شارة المثليين؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية من خلال الإجابة على حزمة الأسئلة سالفة الذكر، خاصة وأن لعبة كرة القدم والرياضة بشكل عام تدعو الإنسان إلى السُّمو لمراتب الأخلاق الحسنة الرياضية والطهر والإنسانية، وتنتشله من براثن الانحطاط والفساد الأخلاقي الذي ترفضه الفطرة السليمة، كما تساعد علي تهذييب حيوانيته إلى إنسانيته، لكن هناك في هذه الفترة من يرفض كل ذلك لتتبناه مؤسسات تستغل كرة القدم الجميلة وبشعارات برَّاقة تتخفّى خلفها، ولا يقتصر علي اتحاد معين أو نادي وحده يدعم فكر جديد أو غير تقليدي (شاذ) – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض سامى البوادى.
في البداية – الواقع يؤكد أن ملاعب الرياضة كانت مسرحاً على امتداد التاريخ لنجوم رياضيين، مارسوا الظهور بمعتقد سياسي أو ثقافي غصباً عن الجماهير، حيث يستغلون المباريات الحاسمة التي تحظى بمتابعة كبيرة، ليكشفوا عن أفكار ومواقف لا علاقة بها بالرياضة وأهدافها النبيلة، فالرياضة تهدف إلى تعميق أواصر الأخوة والصداقة بين شعوب العالم في إطار التنافس النزيه بكل روح رياضية، وترنو إلى تمتين العلاقات بين مختلف الأجناس، بعيداً عن التصنيفات السياسية والدينية والجغرافية، لكنها كانت في كل مرة تغتصب وتنتهك حرمتها، بإشارات فئوية او تعصبية، تدعو في الغالب إلى تقسيم الشعوب – وفقا لـ"البوادى".
الاتحاد الدولي لكرة القدم يمنع إجبار اللاعبين الدخول في صراعات
فلا خلاف على أن النقاشات المسموح بها وذات الأبعاد السياسية يجب أن لا تحمل على ظهور اللاعبين في الملاعب الرياضية ولا خلاف أنه كما تريد أن يحترم الأخر معتقدات الأقلية، فإنه عليك احترام عقائد ومعتقدات لاعبيك وعدم اجبارهم علي الانصياع لرغبات وتأييد معتقداتك فأنت بحكم العلاقة التعاقدية التي تربطك به ولا تجبره علي دعم فئة ترى أن ضرورة دعمها لا سيما وقواعد الاتحاد الدولي للعبة تمنع ذلك وترفض، وهو ما يجب احترامه وتطبيقه خاصة إذا ما علمنا أن عدد أعضاء الاتحاد الدولي لكرة القدم 211 عضوا؛ أكثر من نصفهم هم إما دول إسلامية أو تلك التي لا تسمح شرائعها السماوية والوضعية بتبني مثل هذه الممارسات أو الشعارات – الكلام لـ"البوادى".
ما معنى شارة دعم المثليين؟
هذه الشارة ظهرت لأول مرة عام 2020 في إطار حملة أطلقها الاتحاد الهولندي لكرة القدم لدمج جميع الأطياف بزعم أن الاتحاد الهولندي يرفض التمييز على أساس العرق أو لون البشرة أو التوجه الجنسي أو الثقافة أو العقيدة أو الجنسية أو النوع أو السن وجميع أشكال التمييز الأخرى وكانت الشارة مصممة بألوان "علم قوس قزح" على شكل "قلب" يتوسطه رقم "1" وتحيطه من الجانبين عبارة "حب واحد"، وأسفله عبارة "كرة القدم تربطنا" بخط مقوس – هكذا يقول "البوادى".
وبحسب لوائح الفيفا، يجب ألا تتضمن ملابس الفرق وأغراضها أي شعارات أو عبارات أو صور ذات مدلول سياسي أو ديني أو شخصي وأن يرتدي قادة الفرق خلال مباريات النهائيات التابعة للفيفا "شارة" قادة الفريق التي يوفرها الفيفا وفي مخالفة ذلك تفرض الفيفا غرامات مالية علي الفرق المخالفة لكن عندما رأي الاتحاد الدولي لكرة القدم استعداد بعض الاتحادات القارية أو المحلية لدفع هذه الغرامات المالية عن طيب خاطر من أجل دعم هذه الفئة، قرر الاتحاد الدولي حينها فرض عقوبات إدارية مثل الإيقاف علي اللاعبين الذين يرتدون مثل هذه الشارات ويروجون لمثل هذه المعتقدات في ملاعب كرة القدم – طبقا للخبير القانوني.
والفيفا يواجه الفعل بعقوبات صارمة تصل للإيقاف مدى الحياة
فعلى مدار سنوات عارض "فيفا" أي احتجاجات أو شعارات سياسية خلال المباريات أو داخل الملاعب وتوجد القواعد المقيدة لرفع شعارات على القمصان أو ما تحتها من ملابس في المادة الرابعة من قوانين اللعبة، لكن القواعد الأوسع المتعلقة بالإشارات السياسية واردة في قواعد الانضباط والقيم ومع ذلك، فإن القواعد أقل وضوحاً فيما يتعلق بالملابس التي يرتديها اللاعبون قبل المباريات مباشرة، وقد تطور موقف "فيفا" والاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" بشأن هذا الموقف بشكل عام بمرور الوقت.
وجديرا بالتأكيد عليه أن القوانين الرياضية في كل الاتحادات تمنع خلط الرياضة بالسياسة أو الدعوة لمعتقد ديني أو ثقافي، وعليه فإن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" كان واضحاً جداً بالأمس القريب عندما لوح بأنه سيفرض عقوبات رياضية إذا ارتدى اللاعبين شارات "داعمة للمثليين" في الملعب أثناء مونديال قطر 2022 كذلك فلا يلزم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "ويفا" اللاعبين بدعم المثليين ولا يفرض عليهم ارتداء شارات تمثل مجتمع "الميم"، أو أي شيء من هذا القبيل، حتى أنه رفض في 22 يونيو 2021 طلباً من ميونخ لإضاءة ملعبها بألوان قوس قزح خلال لقاء بين ألمانيا والمجر في بطولة كرة القدم الأوروبية.
ليس مطلوبا من اللاعبين نقل "رسائل جماعية"
وفى غضون يونيو 2021، قرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أن يفتح تحقيقًا مع نظيره الألماني بشأن ما حدث في مواجهة الفريق ضد البرتغال عقب ظهور الحارس مانويل نوير مرتديا شارة قيادة عليها ألوان علم قوس قزح الذي يشير لدعم المثليين، حيث يرى الاتحاد الأوروبي أن ما بدر من قائد الفريق يعد إشارة سياسية، ولوائح الفيفا لا تسمح لأي لاعب بارتداء شارات أو علامات مصممة للتعبير عن التضامن مع الأشخاص المهمشين، بما في ذلك مجتمع المثليين في ملاعب مباريات كرة القدم.
وطبقا لعقود استقدام اللاعبين والبنود التي يسمح بها الاتحاد الدولي فليس مطلوبا من اللاعبين نقل "رسائل جماعية"، والغريب مطالبة الأندية للاعبين بذلك التصرف، مثلما حدث مع اللاعب مصطفى محمد، لاعب الزمالك وجالاتا سراي التركي، المعار لنادي نانت الفرنسي، الذى رفض ارتداء شارة "المثليين" ما ترتب عليه معاقبته بالتغريم والتهديد بفسخ العقد، فلابد أن تبقى كرة القدم بعيدة عن التوظيف السياسي وهذا ما تتضمنه المبادئ الأولمبية، والاتحاد الدولي يرفض أي شعارات تحمل توظيفات ذات نزعة سياسية وطائفية من شأنها أن تشرع للتفرقة وللعنصرية أو تمرر مضامين لحزب سياسي أو تيار ديني أو فئوي بعينه.
قواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم
وترفض قواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم أي استعمال للشعارات التي ترسخ العنصرية، وتواجه ذلك بعقوبات صارمة من قبل "الفيفا"، حتى تبقى كرة القدم بعيدة عن الصراعات السياسية ولا تفسح المجال لتوتر العلاقات بين الأندية والمنتخبات المتنافسة، وقانون الإتحاد الدولى ينص أنه لا يجوز أن تحمل الملابس أي إشارات، وبالتالى فالعقود لا تستطيع أن تجبر لاعب محترف علي أمور تخالف قوانين الإتحاد الدولي وإلا أصبح العقد غير مطبق فيما يخص هذه البنود المخلة بقوانين الاتحاد، وكل ما يستطيع النادي فعله هو توقيع استبعاد اللاعبين كعقوبة فنية أو انضباطية ولا علاقة لها ببنود العقد القانونية.
خلاصة القول: يحظر المجلس العالمي لكرة القدم المسؤول عن سن قوانين اللعبة الشعبية على اللاعبين وضع أي شعارات أو رسائل أو صور على ملابسهم والكشف عنها خلال المباريات والشعارات والرسائل على الملابس الخارجية للاعبين محظورة فلا تسمح القواعد واللوائح أن تلزم العقود اللاعبين المحترفين بوجود أي شعارات أو صور أو ما شابه على الملابس الرياضية حتى وإن كانت هذه الرسائل أو الصور لها طبيعة طيبة – هكذا يقول "البوادى".