توالت خلال الساعات الماضية وقائع في منتهى العجب والغرابة لزوجات حملن لمدد أطول من 9 أشهر وصلت إحداهن وصلت لـ 16 شهرا، بينما زوج أخر يُشير إلى أن زوجته حملت لمدة 18 شهرا، كل هذه الوقائع أثارت الرأي العام، وبالأخص رواد مواقع التواصل الإجتماعى، ما أدى لمناشدات وعودة الحديث عن ضرورة الاستعانة بتحليل البصمة الوراثية -dna- لإثبات النسب، طبقا للأساليب الطبية الحديثة، وليس مجرد الاعتماد على اللعان كما أمر الشرع، حيث أن اللعان وحده لا يكفى، والأمر يفتح الباب للخيانة الزوجية والشك، باعتبار أنها وقائع تنافى المنطق والعقل.
كيفية اللعان وتعريفه
فاللعان من اللعن، بمعنى الطرد والإبعاد، وفي اصطلاح الفقهاء ما يجري بين الزوجين من الشهادات والإيمان المؤكدة في حالة مخصوصة، وهي إذا رمى الزوج زوجته بالزنا، ولم تكن له بينة على ذلك، وأنكرت الزوجة ذلك، أو ادعى الزوج أن ولد زوجته ليس منه، وأنكرت هي تلك الدعوى ولا بينة، فإنهما يلجآن إذ ذاك للملاعنة على الصفة التي بين الله تعالى حيث يقول: "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" – "النور: 6-9" - فإن تم اللعان بينهما، حصلت الفرقة بينهما على التأبيد، ويدرأ الحد عنهما، وتنتفي نسبة الولد الذي لاعن فيه عن الزوج زوجته.
وفى الحقيقة سُجلت أطول مدة حمل في التاريخ لسيدة بعمر 25 عامًا تُدعى "بيولا هنتر"، في لوس أنجلوس عام 1945، وقد استمر حملها مدة 375 يومًا "سنة و10 أيام"، وهو ما يزيد بمقدار 100 يوم تقريبًا عن مدة الحمل الطبيعية، حيث تتراوح مدة الحمل الطبيعية ما بين 259 - 287 يومًا، وعلمت "بيولا" بحملها للمرة الأولى حين كانت في شهرها الثاني من الحمل، واستمرت أعراض الحمل لديها حتى شهرها الثالث، إلا أن الأعراض توقّفت - حسب وصفها- حتى الشهر السادس، وسُمع نبض جنينها للمرة الأولى في شهره السابع، وقد مرت شهور حملها بشكل طبيعي نوعًا ما، لكنها عانت من بعض المضاعفات في أسابيعها الأخيرة، وفي النهاية أنجبت طفلة بوزن 3.14 كيلوجرامًا.
منعا للشك.. أطول مدة للحمل بين الشرع والطب والقانون
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية أطول مدة للحمل بين الشرع والطب والقانون، خاصة وأن قضية "أطول مدة للحمل"، مما اختلفت أقوال العلماء فيها، ولا شك أنه قد بني على الخلاف فيها شر عظيم، ومنه ارتكاب الفحشاء من بعض النساء بعد وفاة زوجها وحملها منه وادعاء أن ذلك كان من زوجها، ولو فعلت ذلك بعد موته بسنوات على اعتبار القول بطول مدة الحمل وأنها قد تصل إلى 5 سنوات، كما ورد في بعض الأراء الفقهية الشاذة، وهناك وقائع تم الإعلان عنها منذ أيام لأزواج سافروا للعمل خارج البلاد وبعد مرور أكثر من سنه أخبرتهن زوجاتهن بأنهن "حامل".
وفى هذا الشأن - يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمد رشوان – أن إشكالية أطول مدة للحمل من الإشكاليات الخطيرة التي تحتاج تدخل من لجان متخصصة طبية وفقهية وقانونية لغلق الباب على تلك الثغرة وتفويت فرصة دخول الشك بين الأسر، وكما يمكن للجنين أن يولد قبل تمام مدة الحمل المعتادة فإنه قد يمكث في رحم أمه أطول من هذه المدة، وهناك خلاف في تحديد أطول مدة للحمل بين أهل الفقه، وأهل الطب، وأهل القانون على التفصيل الآتي: فبعض الفقهاء يرون أن مدة الحمل قد تطول إلى سنتين "الأحناف"، ويرى بعضهم أنها قد تصل إلى 4 سنوات "المالكية والشافعية وبعض الحنابلة"، ويرى آخرون أنها يمكن أن تصل إلى 5 سـنوات "المالكية، ورواية عند الحنابلة".
ابن حزم الأندلسى حدد المدة 9 أشهر ولا تقل عن 6 أشهر بين الزيادة والنقصان بأيام
وبحسب "رشوان": وقد فنَّد الفقيه الأندلسي ابن حزم هذه الآراء حيث قال: "لا يجوز أن يكون الحمل أكثر من 9 أشهر، ولا أقل من 6 أشهر، لقول الله تعالى: وحملُهُ وفِصالُهُ ثلاثونَ شهراً، وقوله تعالى: "والوالدات يُرْضِعْنَ أولادَهُنَّ حولَيْنِ كاملينِ لِمَنْ أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ"، فمن ادعى حملاً وفصالاً في أكثر من ثلاثين شهراً فقد قال بالباطل والمُحال، وردّ كلامَ اللهِ عزَّ وجلَّ جهاراً، ثم قال رحمه الله تعالى عن الأخبار التي تروى عن نساء حملن لعدة سنين: "وكلُّ هذه أخبارٌ مكذوبةٌ راجعةٌ إلى مَنْ لا يَصْدق ولا يُعرف من هو، ولا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا".
الخبير القانونى والمحامى بالنقض محمد رشوان
ووفقا لـ"رشوان": أما الأطباء فيرون أن الحمل لا يتأخر عن الموعد المعتاد إلا فترة وجيزة لا تزيد عن أسبوعين أو ثلاثة غالباً، وأن "الولادات التي تحصل بين الأسبوعين 39 و 41 تتمتع بأفضل نسبة سلامـة للأجنة، فإذا تأخرت عن الأسبوع 42 نقصت وأصبح الجنين في خطر حقيقي، وكذلك إن حصلت مبكرة عن وقتها نقصت نسبة السلامة، فهي قبل الأسبوع 37 أقل منها في تمام الحمل وهي قبل الأسبوع 35 أقل بوضوح ، والوليد الذي يولد قبل ذلك يحتاج إلى عناية خاصة للمحافظة على حياته"، ومن النادر أن ينجو من الموت جنين بقي في الرحم 45 أسبوعاً ولاستيعاب النادر والشاذ فإن هذه المدة تمدد أسبوعين آخرين لتصبح 330 يوماً.
والمشرع المصرى والسورى توسعوا لمدة سنة
ويضيف "رشوان": أما أهل القانون فقد توسعوا في الاحتياط مستندين إلى بعض الآراء الفقهية بجانب الرأي العلمي فجعلوا أقصى مدة للحمل سنة شمسية واحدة، وقد ذكرت روايات عن حالات حمل دامت أكثر من ذلك، ولكن تلك الروايات كلها روايات صحفية لا يمكن الاطمئنان إليها من الوجهة العلمية، وهي ترجع غالباً إلى توهم المرأة بأنها حامل وما هي في الحقيقة بحامل، وهذا ما يعرف طبياً باسم: الحمل الكاذب، وقد تبقى المرأة على ظنها الخاطئ بأنها حامل لمدة سنة أو أكثر، فإذا حملت حملاً حقيقياً بعد ذلك ظنت أن مدةَ حملها من بداية وهمِها هذا بصحيح، ومع تطور علوم الطب صار التأكد من عمر الحمل بدقة أمرا يسيرا، ومن هنا فإن أحكام الحمل يجب أن تبنى على الحقائق، وليس على الظن أو الروايات التي لا أساس لها من الصحة.
وفى سياق أخر – يقول عبد الحميد رحيم، الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى - نصت المادة 128 من القانون السوري على أن أقل مدة للحمل 180 يوماً، وأكثرها سنة شمسية، ونصت المادة 15 من القانون المصري رقم 15 لسنة 1929 على أنه: لا تُسمع عند الإنكار دعوى النسب لولدِ زوجةٍ ثبت عدمُ التلاقي بينها وبين زوجها من حين العقد ولا لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها، ولا لولد المطلقة والمتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة، وطبقا للقانون لا تسمع دعوي النسب لزوجه توفي عنها زوجها وثبت ولادة الولد بعد مضي أكثر من سنه ميلادية من تاريخ الوفاه عملا بالفقرة الأخيرة من نص المادة، وتحسب مدة الحمل طبقا لنص المادة بالتقويم الميلادي والمذكرة الايضاحية للقانون ما أوردته يعتبر فترة 365 يوما تشمل جميع الأحوال النادرة للحمل.
المشرع المصرى والسورى حددوا أقصى مدة للحمل "سنه"
ويؤكد "رحيم" في تصريح لـ"برلماني": فثبوت النسب وإن كان حقاً أصلياً للأم لتدفع عن نفسها تهمة الزنا أو لأنها تعير بولد ليس له أب معروف، إلا أنه فى نفس الوقت حق أصلى للولد لأنه يرتب له حقوقا بينها المشرع والقوانين الوضعية، كحق النفقة والرضاع والحضانة والإرث، ويتعلق به أيضا حق الله تعالى لاتصاله بحقوق وحرمات أوجب الله رعايتها فلا تملك الأم إسقاط حقوق ولدها أو المساس بحقوق الله تعالى وقاعدة الولد للفراش ليست مطلقة على عمومها بل لها ضوابط وشروط فاذا خالف شرط نص المادة 15 فلا نسب بتلك القاعدة.
الخبير القانونى المتخصص فى الشأن الأسرى عبد الحميد رحيم
ويوضح الخبير القانوني: فمن المقرر وفقا لحكم النقض رقم الطعن رقم 0104 لسنة 59 مكتب فنى 42 صفحة رقم 398 أن ثبوت النسب وإن كان حقاً أصلياً للأم لتدفع عن نفسها تهمة الزنا أو لأنها تعير بولد ليس له أب معروف، إلا أنه فى نفس الوقت حق أصلى للولد لأنه يرتب له حقوقا بينها المشرع والقوانين الوضعية، كحق النفقة والرضاع والحضانة والإرث، ويتعلق به أيضا حق الله تعالى لإتصاله بحقوق وحرمات أوجب الله رعايتها فلا تملك الأم إسقاط حقوق ولدها أو المساس بحقوق الله تعالى، وإن كان هناك بعض الآراء الفقهية التي تخالف نص المادة فمنهم من عدها بعامين ومنهم بأربع، ولكن كان دافع المشرع في نص المادة الأخذ برأي الامام أبي حنيفة ليمنع من سماع بعض الدعاوي التي يشاع فيها التزوير والاحتيال، ومن حق ورثة المتوفي هنا أن يطالبوا بنفي نسب المولود لمورثهم طبقا لنص المادة 15 من القانون 25 لسنة 1929 .
مطالبات بضرورة تطبيق الـ dna بديلا للعان ومواكبة التطور العلمى
من ناحية أخرى – علقت الخبير القانوني والمحامية رحاب سالم على تلك الأزمة بقولها: نحن فى مصر نتبع الشريعة الإسلامية فى نصوص مواد قانون الأحوال الشخصية وغير المسلمين أيضا يتبعوا شريعتهم سواء مسيحية أو يهودية أو حتى بلا ملة ولا دين لو لهم شريعة متفق عليها، لكن إذا كانوا متحدى الشريعة أو الملة والطائفة وفى حال الإختلاف فإن الشريعة الإسلامية تحكم، لذا نتناول موضوع أقصى مدة لحمل الزوجة المطلقة أو التى مات عنها زوجها من خلال الشريعة الإسلامية، فلو طلقت المرأة أو مات عنها زوجها، أو كان مسافرا لمدة أطول من سنه، فلم تنكح حتى أتت بولد بعد طلاقها أو موت زوجها أو سفره بأربع سنين، فإن الولد يلحقه وتنقضي عدتها بوضعها الحمل، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.
وتضيف "سالم" في تصريحات صحفيه: وقال الحنفية أقصى مدة الحمل سنتان، وحجة الجمهور أن ما لا نص فيه يرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد من تحمل 4 سنين، فروى الدارقطنى عن الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك ابن انس عن حديث عائشة قالت: لا تزيد المرأة في حملها على سنتين، فقال: سبحان الله، من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق، وزوجها رجل صدق، حملت ثلاثة أبطن في اثني عشر سنة، وقال الشافعى: بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين، وقال احمد: نساء ابن عجلان تحمل أربع سنين – وعليه - فمن ولدت على رأس سنتين، فإن الولد يلحق زوجها الذي طلقها أو مات عنها إن لم تكن تزوجت بغيره، وهذا محل اتفاق بين أهل المذاهب المتبوعة.
وتابعت: وقال شيخ الإسلام زكرياء الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب": فإن طلقها بائنًا وكذا رجعيًا أو فسخ نكاحها ولو بلعان ولم ينف الحمل فولدت لأربع سنين فأقل من وقت إمكان العلوق قبيل الطلاق أو الفسخ لحقه، وبان أن العدة لم تنقض إن لم تنكح المرأة آخر أو نكحت ولم يمكن كون الولد من الثاني لقيام الإمكان، سواء أقرت بانقضاء عدتها قبل ولادتها أم لا، لأن النسب حق الولد فلا ينقطع بإقرارها، أما بالنسبة للحالة المعروضة علينا فهى تطور للعلم والتكنولوجيا فى استخدام الحقن المجهرى للإنجاب وهو يمكن علما الاحتفاظ بالحيوانات المنوية المسؤلة عن الإنجاب لدى الرجل وتلقيحها بعد عشرات السنون ليس فقط 16 شهرا، وهنا أتى مطلب مهم تشريعى فى الاحتكام للعلم وللـ DNA لمعرفة نسب الطفل لوالدة من عدمه، وذلك في حال إنكار النسب وألا يكن الطفل للفراش لأن ذلك أصبح غير منطقى ولا علمى فى عصرنا وهذا ما رأيناه فى قضايا إنكار نسب واعتراف الأم أن الأبناء ليسوا أبناء زوجها، والأحكام تحكم طبقا للشرع أن: "الإبن للفراش".
الخبير القانونى والمحامية رحاب سالم
أقل مدة الحمل في بعض قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة
ذهبت قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة ومشروعات قوانين الأحوال الشخصية في كثير من البلاد الإسلامية إلى أن أقل مدة الحملة ستة أشهر، ومن ذلك ما يلي:
1-القانون السوري: قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم "59" وتاريخ 7 سبتمبر 1953، والمادة "128" منه: "أقل مدة الحمل مائة وثمانون يوما".
2- القانون الأردني: قانون الأحوال الشخصية رقم "61" لسنة 1976، المادة "148": "ولد الزوجة من زواج صحيح أو فاسد بعد الدخول أو الخلوة الصحيحة إذا ولد لستة أشهر فأكثر من تاريخ الدخول أو الخلوة الصحيحة يثبت نسبه للزوج ..."، والمراد بالأشهر في هذا القانون الأشهر القمرية "الهجرية".
3-القانون الكويتي: قانون الأحوال الشخصية رقم "51" لسنة 1984، والمادة "166": "أقل مدة الحمل ستة أشهر قمرية ...".
4-القانون المغربي: ففي شرح مدونة الأحوال الشخصية المغربية -طبعة فريدة ومنقحة مع تعديلات سنة 1993 م-: الفصل الرابع والثمانون: "أقل مدة الحمل ستة أشهر".
5-القانون السوداني: ففي قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لسنة 1991م "قانون رقم 42 لسنة 1991 م"، نص المادة "100": "أقل مدة الحمل هي ستة أشهر".
6-قانون الأحوال الشخصية الإماراتي: قانون اتحادي رقم "28" لسنة 2005 في شأن الأحوال الشخصية، المادة "91": أقل مدة الحمل مائة وثمانون يوما"، وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون: "حددت هذه المادة أقل الحمل وأكثره بالأيام، منعا للخلاف الذي يحصل احتمالا إن حددت بغير ذلك".
7-مشروع القانون العربي الموحد لمجلس وزراء العدل العربي: ففي المادة "80" منه: "أقل مدة الحمل ستة أشهر".
8-مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون الخليجي: ففي المادة 74: "أقل مدة الحمل ستة أشهر".
ويلاحظ على أقل مدة الحمل في القوانين السابقة ما يلي:
1-أن القوانين ومشروعات القوانين المشار إليها متفقة على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وهي في هذا قد أخذت بما اتفق عليه الفقهاء والأطباء.
2-حددت غالب القوانين السابقة أقل مدة الحمل بستة أشهر، ولم تحدد هذه الأشهر هل هي قمرية أو شمسية، باستثناء القانونين الأردني والكويتي الذين نصا على كونها أشهرا قمرية.
3-أن القانونين السوري والإماراتي قد حددا أقل مدة الحمل بالأيام، وهو الأفضل، لكونه أضبط عند التطبيق من التحديد بالأشهر.