في الواقع تحرص الدول بمختلف نظمها القانونية على حماية مواطنيها وتنظيم أسواقها، سواء كان ذلك في مجال التجارة والخدمات من خلال قوانين حماية المستهلك والأجهزة الرقابية التي قد تنشأ لهذا الغرض أو في مجال الأنشطة المالية مثل البنوك والتأمين والتمويل العقارى والتمويل متناهى الصغر، وفى الحقيقة مع الوضع الاقتصادى الذى يمر به العالم أجمع تصدر مشهد التجارة والاستثمار مسألة "البيع بالتقسيط" الذى لا تخلو منه مؤسسة تجارية أو مستثمر باعتبار أن طبيعة السوق تتطلب ذلك.
و"البيع بالتقسيط" فهو من جانب نشاط تجارى يقدم سلعة أو خدمة وإن كان البائع يتقاضى المقابل المالى على مدى فترة زمنية من خلال سداد المشترى لأقساط، ومن جانب آخر يعتبره البعض إحدى صيغ منح التمويل الاستهلاكى من البائع للمشترى بما يتيح له السداد الآجل، ومع ارتفاع الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية للجنية يدور السؤال..هل يجوز أن يشترط البائع على المشتري سداد أقساط الثمن بحسب سعر الدولار وقت ميعاد القسط؟
مدى جواز اشتراط البائع على المشتري سداد أقساط الثمن بحسب سعر الدولار وقت ميعاد القسط؟
للإجابة على هذا السؤال يقول الخبير القانوني والمحامى مختار عادل، أن المادة 134 من القانون المدني تنص على: "إذا كان محل الإلتزام نقوداً، إلتزم المدين بقدر عددها المذكور في العقد دون أن يكون لإرتفاع قيمة هذه النقود أو لإنخفاضها وقت الوفاء أي أثر"، وجاء في المذكرة الإيضاحية أو مذكرة المشروع التمهيدي:
1- إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود فكثرة تقلبات سعر القطع تجعل تعيين السعر الذي يجب الوفاء على أساسه أهمية خاصة عند اختلاف هذا السعر في وقت الوفاء عنه في وقت نشوء الالتزام، وينبغي التفريق في هذا الصدد بين فروض مختلفة.
أ- فإذا كان الدين مقوما بالنقود المصرية فلا يكون المدين ملزماً إلا بقدر عددها المذكور في العقد دون أن يكون لارتفاع قيمة هذه النقود أو لانخفاضها أي أثر في الوفاء وعلى هذا النحو يربح الملتزم من جراء انخفاض قيمة النقود ويصاب من وراء ارتفاعها بالخسارة .
ب- وإذا كان الدين مقدراً بنقد أجنبي المدين بالخيار بين الوفاء بالعدد المذكور في العقد من هذا النقد الأجنبي وبين الوفاء بنقود مصرية تحتسب على أساس سعر القطع في الزمان والمكان الذين يتم الوفاء فيهما على أن المدين إذا تخلف عن الوفاء في ميعاد الاستحقاق بتقصير منه فيلزم بالوفاء على أساس أعلى السعرين: سعر القطع يوم حلول الأجل أو سعره يوم الوفاء كل هذا دون إخلال بحق الدائن في المطالبة فوائد التأخر من يوم رفع الدعوى .
شرط الوفاء بالذهب
2- على أن القواعد المتقدمة لا تتعلق بالنظام العام فهي تطبق مالم يتفق المتعاقدان على ما يخالفها، فيجوز الاتفاق على أن يكون الوفاء بالذهب أو بالنقد الورقي محسوباً بسعر الذهب "شرط الوفاء بالذهب" إذا كان الدين قد عقد بنقود مصرية، فإذا كان الدين مقدراً بنقد أجنبي جاز الاتفاق على أن يكون الوفاء بالعملة الأجنبية مع مراعاة قيمتها بالنسبة لسعر القطع.
وبحسب "عادل" في تصريح لـ"برلماني": تظل هذه الاتفاقات جميعها على حكم الإباحة مادام أن سعراً إلزامياً لم يقرر بالنسبة لورق النقد فهي في هذه الصورة لا تلحق ضرراً بالمدين، لأن النقد الورقي يحتفظ بقيمته بالنسبة للذهب ما لم يقرر له سعر إلزامي ثم انها لا تخالف نصاً من نصوص القانون، إذ المفروض أن القانون لم يحدد للعملة الورقية قيمة معينة .
ووفقا لـ"عادل": يختلف الحكم إذا تقرر العملة الورقية سعر إلزامي، فكثيراً ما تطرأ على قيمة النقود الورقية في صلتها بالذهب تقلبات، وبهذا يستهدف المدن الأخطار الجسيمة أضف إلى ذلك أن القيمة الاسمية للنقد الورقي تصبح مفروضة بمقتضى نص قانوني آمر بعدم الخروج عليه باتفاق المتعاقدين، ولهذا يعتبر اشتراط الدفع بالذهب أو على أساس قيمة الذهب باطلا في حالة تقرير سعر الزامی "حتى في المعاملات الدولية - المرسوم بقانون رقم 45 لسنة 1935، قارن القانون الفرنسي الصادر في 25 يونية سنة 1928 التقويم السنوي للتشريع الفرنسي سنة 1928"، ويترتب على بطلان الشرط، بطلان العقد بأسره إذا كان الشرط هو الدافع الحافز على التعاقد .
ومع ذلك فيجوز الاتفاق على أن يتم الوفاء بنقود أجنبية تحسب بسعر قطعها إذا كان الدين قد عقد بنقد أجنبي، وليس في هذا مساس بنص في القانون لأن النقد الأجنبي ليس له سعر إلزامي أصلاً ثم إن العدل يقضي من ناحية أخرى بأن يتم الوفاء في المعاملات الدولية على أساس سعر القطع الذي يمثل العلاقة بين النقد الوطني والنقد الأجنبي.
رأى محكمة النقض في الأزمة
وفى هذا الشأن سبق لمحكمة النقض التصدي لهذه الأزمة في الطعن المقيد برقم 6278 لسنة 63 قضائية – جلسة 27 نوفمبر 1995 – حيث قالت في حيثيات الحكم الأصل فى الإلتزام قضاء بأداء مبلغ من النقود أن يكون بالعملة الوطنية وكان الثابت بالأوراق أن الحكم المطعون فيه قد ألزم الطاعن بأداء قيمة التعويض بالدولار الأمريكى دون أن يكون هناك اتفاق بين الخصوم على أداء التعويض بالعملة الأجنبية قد أخطأ فى تطبيق القانون.
الخلاصة:
عن الوفاء بسعر الدولار، يجوز اشتراط البائع على المشتري سداد أقساط الثمن بحسب سعر الدولار وقت ميعاد القسط، وذلك طبقا لنص المادة 134 من القانون المدني، شريطة وجود اتفاق مكتوب بالعقد فقط، أما في حال عدم وجود اتفاق لا يجوز المطالبة أمام القضاء بالعملة الأجنبية، ولكن فيه اتفاق تصح المطالبة.