"توفى والدي عام 2021 وكانت والدتي تسكن مع أختي الغير متزوجة في شقتنا الإيجار القديم والعقد باسم والدي، ثم توفت والدتي التى كنا نتردد عليها بشكل شبه يومى بسبب أحوال مرضها، وانتقلت أختي إلى شقتها التمليك، وأنا كنت متزوجة ثم انفصلت عن زوجي، وحدثت العديد من المشاكل بيني وبين طليقي وهناك قضايا بيننا منظورة أمام المحاكم – وفى تلك الأثناء – قررت العودة لشقة العائلة التي لازالت مغلقة ولم يقم المالك باستردادها لأن الأحداث توالت وراء بعضها البعض فى فترة زمنية قصيرة".. بهذه الكلمات بدأت "أميرة.ج"، 38 سنة، محافظة القاهرة، سرد مأساتها لـ"برلمانى" فى محاولة لإيجاد حلول قانونية.
مدى استفادة البنت المتزوجة والمطلقة من الإقامة مع والدها قبل وفاته
وتابعت: "عند العودة لشقة العائلة اعترض المالك ليس ذلك فقط بل إن شقيقتي قررت العودة معي إلى الشقة على الرغم من أنها متزوجة ولديها شقة بحجة أن هذه الشقة هي ميراث من والدنا، الأمر الذي أدى إلى إقامة دعاوى قضائية بيننا بعد أن أقنعني المحامى بأنني الوحيدة التى لها الحق فى الإقامة وامتداد عقد الإيجار دون شقيقتى لأننى مطلقة وهى متزوجة، فما هو الحل فى تلك الإشكالية القانونية؟".
للإجابة على هذا السؤال – يقول الخبير القانوني والمحامى مختار عادل – إن القول الفصل فى تلك الإشكالية ما حدده المشرع فى أن البنت المتزوجة انتقالها للإقامة مع والدها المستأجر الأصلي قبل وفاته لرعايته تعتبر إقامتها معه عرضية – مؤقتة - ولا يمتد إليها عقد الإيجار لتحقق إقامتها المستقرة بمسكن زوجيتها، أما الإبنة المطلقة يمتد إليها عقد الإيجار لإقامتها المستقرة مع والدها بانحلال رابطة زواجها وعدم جواز إقامتها مع طليقها بمسكن واحد، حيث أنه إذا كان النزاع يدور حول استمرار عقد الإيجار لأقارب المستأجر الذين كانوا يقيمون معه قبل وفاته وهو ما يحكمه نص المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن إيجار الأماكن - ولما كانت الإقامة المستقرة المعتادة هي المناط في استمرار عقد الإيجار لهؤلاء الأقارب فإن النزاع يكون بطبيعته قابلاً للتجزئة، إذ الفصل فيه يحتمل القضاء لأحدهم دون الآخرين ممن لم يتحقق بالنسبة لهم شرط الإقامة.
المتزوجة إقامتها عرضية لا يحق لها امتداد العقد
ووفقا لـ"عادل" فى تصريح لـ"برلمانى" - النص في المادة 29/ 1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 سالف الإشارة أن عقد الإيجار لا ينتهي كأصل عام بوفاة المستأجر بل يمتد إلى زوجته وأولاده الذين يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك، وأن الإقامة التي يترتب عليها مزية الامتداد القانوني بعد وفاة المستأجر الأصلي أو تركه العين هي تلك الإقامة المستقرة المعتادة مع المستأجرين بالعين المؤجرة أياً كانت مدتها وبدايتها بشرط أن تستمر حتى تاريخ الوفاة أو الترك ولا تعد الإقامة العرضية والعابرة كذلك وأن الإقامة المستقرة هي من أمور الواقع التي تدخل فى سلطة محكمة الموضوع متى كان استخلاصها سائغاً.
إذ كان الطلاق البائن هو رفع القيد الثابت شرعاً بالزواج أي حل رابطة الزوجية في الحال أو المال، ويؤدي الطلاق البائن إلى انحلال هذه الرابطة في الحال عقب صدور الطلاق خلافاً للطلاق الرجعي الذي لا تنحل به العلاقة الزوجية إلا بعد انقضاء العدة ويكون الطلاق بائناً إذا كان نظير مال تدفعه الزوجة لتفتدي به نفسها من قيد الزواج أو إذا طلبت الطلاق على أن تبرئه من مؤخر مهرها، أو من نفقة عدتها ولا يجوز للزوج أن يعيد المطلقة بائناً، بما دون الثلاث إلى عصمته إلا بعقد ومهر جديدين ومنذ وقوع هذا الطلاق فإن المطلقة تعتبر أجنبية عن زوجها لا يجوز له الإقامة معها في مسكن واحد – الكلام لـ"عادل".
رأى محكمة النقض فى الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 6095 لسنة 64 القضائية حيث قالت فى حيثيات الحكم لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن الطاعنة الثانية ركنت في إثبات طلاقها من زوجها إلى إشهاد طلاق صدر عن يد مأذون يفيد طلاقها من زوجها على الإبراء من حقوقها الشرعية بتاريخ 12 يوليو 1986 وأن المستأجر الأصلي قد توفى في 25 يوليو 1986 أى بعد الطلاق البائن وأنها كانت بعد طلاقها إلى حين وفاته تقيم مع والدها على النحو الثابت بمحضر الشكوى الإدارى رقم 347 لسنة 86 إدارى الدقى.
وبحسب "المحكمة" - ومن أقوال شاهديها أمام محكمة أول درجة، مما مؤداه أن إقامة هذه الطاعنة مع والدها واستمرارها في المنزل محل النزاع بعد طلاقها بائناً وحتى وفاته تتسم بالاستقرار، مما يخول لها الاستفادة من امتداد عقد الإيجار إليها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر إقامتها بعد الطلاق البائن غير مستقرة فإنه يكون قد خالف القانون، كما أن استخلاص انتهاء الحكم الطعون فيه من أقوال شاهدي الطاعنة الأولى أن إقامتها المستقرة هي بمنزل الزوجية وأنها كانت تتردد على والدها بالمنزل محل النزاع لمراعاته أثناء مرضه، وأن إقامتها قبل الوفاة لمدة 7 أشهر ينحسر عنها وصف الإقامة المستقرة مناط الامتداد القانوني لعقد الإيجار وهي أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتدخل في سلطته التقديرية فإن مجادلة الطاعنة الأولى في ذلك لا تعدو أن تكون مجادلة موضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز التحدي بها أمام محكمة النقض.
المحكمة في حيثيات الحكم رسخت لـ 5 مبادئ قضائية هامة كالتالى:
1-امتداد عقد الإيجار للبنت المطلقة لإقامتها مع والدها إقامة مستقرة بعد طلاقها بائناً حتى وفاته.
2-استمرار عقد الإيجار لصالح أقارب المستأجر المقيمين معه قبل الوفاة طبقا للمادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 يعود للإقامة المستقرة المعتادة، يترتب عليه النزاع المتعلق بامتداد العقد لمن لهم الحق وقابليته للتجزئة .
3-عقد الإيجار عدم انتهائه بوفاة المستأجر للعين المؤجرة مع استمراره لصالح المستفيدين طبقا للمادة 29 من القانون 49 لسنة 1977، والإقامة المستقرة تكون حتى الوفاة أو الترك، أما الإقامة العرضية والعابرة لا تعد كذلك حيث أن تقديرها من سلطة محكمة الموضوع طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة .
4-الطلاق لابد أن يكون طلاقا بائنا بمعنى انحلال رابطة الزوجية، الذى من أثاره صيرورة الزوجة أجنبية عن زوجها وعدم جواز إقامته معها في مسكن واحد، وأن قضاء الحكم المطعون فيه برفض دعوى الطاعنة الثانية بامتداد العقد إليها لإقامتها مع والدها إقامة مستقرة بعد طلاقها بائناً حتى وفاته استناداً إلى أن إقامتها بعد الطلاق غير مستقرة يكون خطأ .
5-وانتهاء الحكم المطعون فيه سائغاً إلى رفض دعوى الطاعنة الأولى بامتداد عقد الإيجار إليها استناداً إلى أن إقامتها المستقرة بمنزل الزوجية وإقامتها مع والدها لظروف مرضه ينحسر عنها وصف الإقامة المستقرة يكون صحيحا والنعي عليه جدل موضوعي يترتب عليه عدم جواز التحدي به أمام محكمة النقض .
تطورات جديدة وهامة سيشهدها ملف الإيجار القديم
يشار إلى أن هناك تطورات جديدة وهامة سيشهدها ملف الإيجار القديم، وذلك بعد إعلان الحكومة تشكيل لجنة مشتركة تمثل الملاك والمستأجرين بهدف العمل على صياغة مشروع قانون، يتم طرحه أولا على الرأي العام، بهدف إجراء حوار مجتمعي بشأنه، قبل إقراره من البرلمان، بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، وفي الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعي، باعتباره أحد أهم القضايا التاريخية المعقدة، وهو ملف الإيجارات القديمة.
وتعتبر أزمة الإيجار القديم من الأمور التي ستظل تشغل بال الملايين بين المالك – المؤجر – والمستأجر في الوقت الذي لاتزال تتوالى ردود الأفعال حول التعديلات المرجوة، الأمر الذي يزيد معه الحالة ترقبا لما سوف تقره اللجنة المشتركة المرتقبة من تشريعات جديدة خلال الفترة المقبلة، مع مراعاة أهمية وحساسية وخطورة هذا القانون، فضلاَ عن مراعاة التوازن بين مصلحة الطرفين المالك والمستأجر.