تشهد البلاد حالياً طفرة ملموسة فى مشروعات البنية التحتية والعشرات من مشروعات توسعة الطرق وإنشاء الكبارى سواء للمشاه أو السيارات أو حتى تمهيداً لسير وسائل المواصلات الحديثة كالمونوريل والقطار الكهربائى، وما يستتبعه ذلك من نزع ملكية مساحات من الأراضى أو المبانى لصالح الدولة، حيث يعد قانون نزع الملكية للمنفعة العامة أحد أهم أدوات الحكومة فى تخطيط المشاريع العمرانية وتنفيذها بالشكل الملائم.
وقانون نزع الملكية للمنفعة العامة للدولة يتيح لها استثناء شراء الأراضى والعقارات التى تتعارض مع تنفيذ مشاريع لها نفع على قطاع واسع من السكان، بشكل إجبارى من مُلاكها بعد دفع تعويض عادل، وهذا القانون ليس وليد المشرّع المصرى، وإنما تم استيراده من الدول الأوروبية مع تطور نظم الملكية الخاصة فى أواخر القرن التاسع عشر، وهو قانون خلق قدرا ليس بالقليل من الجدل فى العديد من الدول، من بينها مصر.
لو تم بناء مشروع أمام عقارك وأدى لتغير المنظر الحضارى.. ما الحل؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الإجابة على السؤال.. حال انخفاض قيمة العقار نتيجة تنفيذ مشروعات حكومية أو نزع ملكية عقارات مجاورة.. هل يستحق صاحبه التعويض؟ فمن الغنى عن البيان استحقاق ملاك هذه العقارات للتعويضات المناسبة وفقاً لإجراءات محددة فضلاً عن إمكانية الطعن على تقدير التعويض، وكل ذلك وفقاً لقانون نزع الملكية رقم 10 لسنة 1990، والمعدل حديثاً بالقانون رقم 187 لسنة 2020 – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض سامى البوادى.
في البداية - القانون نزع الملكية رقم 10 لسنة 1990، والمعدل حديثاً بالقانون رقم 187 لسنة 2020 تضمن أن يكون تقرير المنفعة العامة بقرار رئيس الجمهورية أو من يفوضه، وأن يتم تقدير التعويض بواسطة لجنة تشكل بكل محافظة بقرار من وزير الموارد المائية والري من مندوب عن هيئة المساحة رئيسا، وعضوية مندوب عن كل من مديرية الزراعة ومديرية الإسكان والمرافق ومديرية الضرائب العقارية بالمحافظة بحيث لا يقل المستوى الوظيفي لأي منهم عن المستوى الأول (أ) ويتم تغيير أعضاء هذه اللجنة كل سنتين - وفقا لـ"البوادى".
إجراءات وطريقة تحديد مبلغ التعويض عن نزاع الملكية
وإذا كان العقار واقعا في نطاق ولاية هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة أو أجهزة المدن التابعة لها يقدر التعويض طبقا للأسعار السائدة وقت صدور قرار المنفعة العامة مضافا إليه نسبة (20%) عشرين في المائة من قيمة التقدير، وتودع الجهة طالبة نزع الملكية كامل مبلغ التعويض خلال مدة لا تجاوز 3 أشهر من تاريخ صدور القرار في حساب يدر عائدا لدى أحد البنوك المملوك أسهمها بالكامل للدولة باسم الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية على أن يؤول فائض الحساب بعد تمام صرف التعويضات والعوائد المشار إليها بالمادة (13) من هذا القانون إلى الجهة طالبة نزع الملكية – الكلام لـ"البوادى".
لم يتم نزع الملكية ولكن ترتب على إنشاء المشروع تغير المنظر الجمالى وانخفاض قيمة العين.. ما الحل؟
وفي حالة تأخر الجهة طالبة نزع الملكية عن إيداع مبلغ التعويض في الموعد المشار إليه، تسدد هذه الجهة تعويضا إضافيا عن مدة التأخير بنسبة الفائدة المعلنة من البنك المركزي، ويصبح هذا التعويض حقا لأصحاب الشأن، ولكن يبقى السؤال مطروحاً، ما الحل إذا لم يتم نزع ملكية العقار ولكن ترتب على إنشاء المشروع فى حد ذاته ترتب عليه ضرر بالعقار أو انخفاض قيمته أو التأثير على النشاط الخاص بالعقار؟
حكم لمحكمة النقض يتصدى للأزمة
يُجيب "البوادى": الأمثلة على ذلك عديدة، كأن يتم إنشاء مدخل أو مخرج الكوبرى مثلاً بطريق تؤثر على الدخول للعقار والاستفادة من النشاط الخاص به، أو أن تكون قيمة العقار مرتفعة بسبب أنه يطل على منظر معين "بحر أو حديقة مثلاً"، وتسبب إنشاء المشروع فى اختفاء هذه الميزة الخاصة بالعقار، بل والأكثر من ذلك فقد استقرت محكمة النقض أن مد كابلات كهرباء ذات ضغط عالى فوق العقار المكون من طابق واحد، مما أدى إلى حرمان الطاعن من تعليته ورفض الجهات المختصة توصيل التيار الكهربائى للعقار بالإضافة إلى انخفاض قيمة العقار يترتب عليه التعويض، طبقا للطعن 2335 لسنة 73 قضائية.
وبالتالى فما هو السند القانونى الذى يمكن لصاحب العقار المتضرر الاستنداد إليه للحصول على تعويض رغم أنه لم يتم نزع ملكية العقار ولكن فقط نقصت قيمته؟ يؤكد "البوادى": الواقع أن طلب التعويض فى هذه الحالة لا يستند إلى قانون نزع الملكية، وإنما يستند إلى المسئولية التقصيرية فى حالة حدوث خطأ يتسبب عليه ضرر للغير، حيث نصت المادة 163 من القانون المدنى أنه: " كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض "، ونصت المادة 802 من ذات القانون أنه: "لمالك الشيء وحده، في حدود القانون، حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه "، كما نصت المادة 805 أنه: "لا يجوز أن يحرم أحد ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون، وبالطريقة التي يرسمها، ويكون ذلك في مقابل تعويض عادل".
المشرع أجاز التعويض بالاستناد للمسئولية التقصيرية
وبالتالى فالمعول عليه هو توافر الخطأ فى تنفيذ أو اختيار موقع المشروع أو تصميمه بحيث يترتب عليه ضرر محقق بقيمة العقار وانتقاص قيمته أو الإقلال من منفعته أو حتى الإضرار بأرباحه إن كان مشروع تجارى، وأبرز الأمثلة على ذلك أن يتم حال إنشاء الكوبرى سد جميع الطرق المؤدية إلى العقار أو الدخول إليه بالسيارة "وكان العقار عبارة عن محطة وقود مثلا"، أو أن يترتب على المشروع سد الواجهة بالكامل للعقار رغم أنها كانت ميزته الأساسية "شقة سكنية أو مطعم مثلاً يعتمد على مناظر سياحية معينة" – هكذا يقول "البوادى".
وتقدير توافر الخطأ وحجم الضرر هو من قبيل السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتى تلجأ فى سبيل التحقق منها إلى ندب خبير فنى متخصص لفحصها، وبالتالى فإن الأحقية فى التعويض تكون متوافرة لمالك العقار المتضرر، مع الأخذ فى الاعتبار أن تقدير التعويض يشمل كل ما نقص فى قيمة العقار وأيضاً كل ما لحق المدعى من خسارة أو فاته من كسب بسبب تضرره من إنشاء المشروع ويختلف حسب كل حالة على حدة بالنظر لتوافر الخطأ من عدمه .
حكم قضائى يتصدى للأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة الجيزة الابتدائية التصدي لمثل تلك الإشكالية في الدعوى المقيدة برقم 4905 لسنة 98 مدنى حكومة الجيزة، حيث قضت بالتعويض المستحق لمالك محطة وقود بعد أن تم إنشاء كوبرى بعرض الطريق السريع دون ترك حارة أو ممر لعبور السيارات إلي المحطة، مما أدى نقص قيمة العقار، واقامت المحكمة قضاءها على توافر ركن الخطأ فى حق الهيئة العامة للطرق والكبارى المنفذة للمشروع.
رأى محكمة النقض في الأزمة
وقد سبق لمحكمة النقض أيضا التصدي لواقعة مشابهة في الطعن المقيد برقم 6361 لسنة 90 قضائية، جاء في حيثيات الحكم أن تقدير التعويض عن نزع الملكية للمنفعة العامة في غير مشروعات التنظيم داخل المدن، وجوب مراعاة ما قد يطرأ على قيمة الجزء الذى لم تنزع ملكيته من نقص أو زيادة بخصمه أو إضافته لثمن الجزء المستولى عليه، يستوى أن يكون العقار المستولى عليه جزءاً من أرض مبنية أو معدة للبناء أو جزءاً من أطيان زراعية، طبقا للمادة 17 من القانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة .