في العديد من القضايا تأذن النيابة العامة بعد الحصول على إذن القاض الجزئي أو من تلقاء نفسها في بعض الجرائم لرجل الضبط القضائي بمراقبة المحادثات الهاتفية الدائرة بين المتهمين على أرقام هواتفهم المحددة في محضر التحريات، وذلك نظرا لتوافر دلائل كافية على ارتكاب جريمة معينة، طالما تلك المراقبة تفيد في كشف الحقيقة في شأن الجريمة محل المراقبة.
وفى أعقاب تنفيذ رجل الضبط القضائي إذن المراقبة بالتنصت على محادثات المتهمين المحددين في الإذن – أو المشكوك فيهم - يتكشف لرجل الضبط المأذون له بالمراقبة أمورًا وحقائق لم تكن في الأسباب أو وجود متهم آخر ضالع في الجريمة لم يشمله الإذن بالتنصت، أو يتكشف له جريمة أخري كانت مجهول، فهل يجوز الاعتداد أو الأخذ بما تكشف من تنفيذ الإذن؟
هل يعتد بما تكشف عنه مراقبة المكالمات التليفونية من متهمين جدد؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في مدى جواز الاعتداد بتسجيلات مراقبة الأحاديث التليفونية من اكتشاف متهمين لم يصدر بشأنهم إذن المراقبة، حيث إن العديد من الدفوع التي تقدم لهيئة المحكمة تخص مسألة أن إذن المراقبة لم يشمل موكليهم، باعتبار أن هذه التسجيلات غير مشروعة، ورغم ذلك تم ضمهم في القضية، ورأى محكمة النقض المصرية في تلك الأزمة – بحسب أستاذ القانوني الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - ترى محكمة النقض بأن اكتشاف جرائم عرضا ومتهمين آخرين أثناء التنصت علي المحادثات المأذون بها إجراء مشروع، وطبقت ذلك في واقعة ثبت فيها أن أحد أطراف المحادثة الملتقطة مصادفة مسئولاَ مرتشيا، فعرضت النيابة العامة محضر بالإجراءات، وحصلت علي إذن مجلس القضاء الأعلى باستمرار التنصت، فذهبت محكمة النقض إلي صحة الإجراءات مادام أن نيابة أمن الدولة العليا هي من قامت بتنفيذ إذن المجلس بالتنصت بمعاونة رجال الرقابة الإدارية، وذلك في الطعن المقيد برقم 6202 لسنة 79 جلسة 21 فبراير 2020 – وفقا لـ"فاروق".
ما يتولد عن إجراء مشروع يكون بدوره "مشروعا"
وهذا القضاء صحيح عملا بقاعدة أن ما يتولد عن إجراء مشروع يكون بدورة "مشروعا"، ويتفق مع نص المادة 50 من قانون الإجراءات الجنائية التي نصت على أنه: "لا يجوز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات أو حصول التحقيق بشأنها، ومع ذلك إذا ظهر عرضا أثناء التفتيش وجود أشياء تعد حيازتها جريمة، أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى، جاز لمأمور الضبط القضائي أن يضبطها"، وطالما أن الجريمة المكتشفة قد ظهرت – عرضا أو مصادفة - أثناء تنفيذ المراقبة المشروعة ودون سعي من رجل الضبط القضائي المأذون له بالمراقبة، فإن الاجراءات تكون صحيحة ولا يشوبها البطلان – الكلام لـ"فاروق".
ولكن يجب هنا أن نأخذ في الاعتبار – ألا يكون رجل الضبط القضائي قد خرج عن نطاق وحدود الإذن، بمعني أدق: ألا يكون الإذن قد صدر بمراقبة محادثات المتهمين التي تجري من هواتفهم المحددة أرقامها مع بعضهم البعض، إذ ذلك لا يخول لرجل الضبط المأذون له مراقبة محادثتهم مع الغير فإن تنصت رجل الضبط القضائي علي تلك المحادثات كانت الاجراءات باطله، ويبطل معه ما أسفرت عنه تلك المحادثات من اكتشاف متهمين جدد أو جريمة أخري، إذ من المقرر أن نطاق الإذن بمراقبة الأحاديث الخاصة ينحصر فيما حدده المحقق الأمر بالمراقبة، فإن إذن بالتنصت علي محادثات المتهمين مع بعضهم البعض، فلا يجوز التنصت على أحاديثهم مع الغير، وإلا اعتبر ذلك تجاوزا لحدود الإذن بما يبطله.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 2257 لسنة 82 جلسة 26 ديسمبر 2012، حيث قالت في حيثيات الحكم إنه عن الدفع ببطلان إذن النيابة العامة لتجاوز مأمور الضبط القضائي حدود الإذن الصادر له فإن هذا الدفع قد جاء مرسلاً لا يحمل سببه فضلاً عن أنه بمطالعة الإذن الصادر من السيد المحامى العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا بتاريخ 17 فبراير 2020 الساعة الثانية مساء، يبين أنه قد أذنت فيه لأى من مأمورى الضبط القضائي المختصين قانوناً ومن يعاونهم من المختصين فنياً بتسجيل وتصوير الأحاديث واللقاءات التى تتم بين المتهمين الأول والثانى والثالث في الأماكن العامة والخاصة، وكذا مراقبة تسجيل الاتصالات التليفونية بينهم من خلال الهواتف المبينة بالإذن، وذلك خلال ثلاثين يوماً تبدأ من ساعة وتاريخ إصدار ذلك الإذن.
وكذلك بمطالعة الإذن الصادر بتاريخ 16 مارس 2010 الساعة الخامسة والنصف مساء يبين أن النيابة العامة أذنت بامتداد سريان الإذن الأول سالف الذكر بالنسبة لجميع الأسماء الواردة به وأذنت النيابة كذلك بتسجيل وتصوير الأحاديث واللقاءات التى تتم بين جميع المتهمين الستة من خلال أرقام الهواتف الأخرى الثابتة به، وكذا ضبط أية مبالغ مالية أو عطايا على سبيل الرشوة من أى من المتهمين الثالث والرابع والخامس والسادس، وبمطالعة محاضر الضبط التى قام بتحريرها مأمور الضبط القضائى يبين أنه لم يتجاوز حدود الإذنين الصادرين من النيابة العامة سالفى البيان، ومن ثم يكون هذا الدفع على غير أساس من القانون أو الواقع ويتعين رفضه.
رأى الدستور المصرى في حرية المحادثات
وقالت المحكمة في حيثيات الحكم - لما كان ذلك، وكان الدستور المصرى الذى جرت الواقعة في ظل سريان أحكامه قد نص في المادة 41 منه على أن: "الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مضمونة لا تمس..."، ونص في المادة 45 منه على أن: "لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقاً لأحكام القانون".
كما جاء المشرع في قانون الإجراءات مسايراً لأحكام الدستور، فاشترط لإجازة المراقبة والتسجيلات قيوداً إضافية بخلاف القيود الخاصة بإذن التفتيش نص عليها في المواد 95 ، 95 مكرراً ، 206 منه وهذه القيود بعضها موضوعي وبعضها شكلى، وهى في مجموعها أن تكون الجريمة المسندة إلى المتهم جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة تزيد على 3 أشهر، وأن يكون لهذا الإجراء فائدة في كشف الحقيقة، وأن يكون الأمر الصادر بالمراقبة أو التسجيل مسبباً وأن تنحصر مدة سريانه في 30 يوماً قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة.
الإذن بالمراقبة أو التسجيل من أخطر إجراءات التحقيق
وكل هذه الضمانات كفلها المشرع باعتبار أن الإذن بالمراقبة أو التسجيل، هو من أخطر إجراءات التحقيق التى تتخذ ضد الفرد وأبلغها أثراً عليه، لما يبيحه هذا الإجراء من الكشف الصريح لستار السرية وحجاب الكتمان الذى يستتر المتحدثان من ورائه والتعرض لمستودع سرهما، من أجل ذلك كله وجب على السلطة الآمرة مراعاة هذه الضمانات واحترامها، وأن تتم في سياج من الشرعية والقانون، ولا يحول دون ذلك أن تكون الأدلة صارخة وواضحة على إدانة المتهم، إذ يلزم في المقام الأول احترام الحرية الشخصية وعدم الافتئات عليها في سبيل الوصول إلى أدلة الإثبات.