الواقع يؤكد أن لكل إنسان شخصيته المستقلة التي تميزه عن غيره من البشر، ليس هذا فقط فإن لكل إنسان صفات ومميزات خلقية معينة تفرقه عمن سواه من البشر، حتى أنه ليتعجب البعض من عدم تشابه اثنين من بين المليارات من الجنس البشري في العالم كله، ومن المتعارف عليه أن هناك عدة بصمات مميزة بكل إنسان في هذا الكون لا يشاركه فيها أحد حتى إن كان فذلك الشخص هو توأمه المتماثل.
ويظن البعض أن البصمة تتمثل في بصمة الأصابع فقط التي تساهم بشكل كبير في الكشف عن الجناة عند ارتكاب جرائمهم، إلا أننا سبق الحديث من خلال علوم مسرح الجريمة الحديث عن عدة أنواع أخرى من البصمات مثل: "بصمة الرائحة، وبصمة الشفاه، وبصمة العين، وبصمة الصوت"، واللسان عضو عضلي موجود داخل الفم يرتبط بالفك عبر سبع عشرة عضلة تؤمن له حركته وعمله، ويغلف سطح اللسان غشاء مخاطي تغطيه آلاف الحليمات الصغيرة التي تحتوي في أطرافها على نهايات عصبية بمثابة حاسة التذوق ويكون سطحه مبللاً باللعاب مما يبقيه رطب بصورة دائمة.
أهمية بصمة اللسان في تحديد هوية الأشخاص
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على أهمية بصمة اللسان في تحديد هوية الأشخاص فإذا كنت من محبي الأفلام خاصة أفلام الخيال العلمي والتجسس، فقد رأيت الكثير من الطرق المختلفة للتعرف على الأشخاص، وربما تكون قد خضت اختبارات بصمات الأصابع بنفسك، وربما تكون قد صادفت أحد هذه "اختبارات قزحية العين"، اعتمادًا على الصناعة أو التصريح الأمني، ومع ذلك، فهناك لاعب آخر في الساحة ربما لم تسمع به من قبل إلا وهو بصمة اللسان - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانونى الدولى محمد أسعد العزاوى.
في البداية - يعرف اللسان بأنه عضو داخلي حيوي، مغلق في تجويف الفم ومحمي من البيئة الخارجية، واللسان عبارة عن مجموعة من العضلات المتحركة، غنية بالدم والأعصاب، ويؤدي وظائف مختلفة، مثل التعبير عن الكلام وإدراك التذوق وتشكيل البلعة، وتشكل خصائص السطح والمورفولوجيا صفات لكل شخص، ويمكن استخدام هذه الخصائص كدليل على التمييز الإجرامي، ويمتلك اللسان شكلًا فريدًا وملمسًا سطحيًا فريدًا في كل فرد ويختلف شكل ولون وملمس اللسان عند التوائم، بالإضافة إلى أن خصائصه الفريدة تجعله أداة قيمة لطب الأسنان، لذلك ومع مزيد من التطوير، يمكن استخدامه كطريقة جديدة لتحديد الهوية الشخصية – وفقا لـ"العزاوى".
لا يوجد لسان يشبه الآخر تماما مثل بصمات الأصابع
وتجدر الإشارة إلى أن قياس الصفتين الرئيسيتين لبصمة اللسان يتم من خلال الصفة الأولى وهي شكل اللسان، حيث إن شكل اللسان فريد من نوعه للجميع، وبعض الناس لديهم ألسنة طويلة والبعض الآخر لديهم ألسنة قصيرة، وهذه ليست سوى الأنواع الأساسية، ولكن هناك أنواع مختلفة من الألسنة؛ وفي الواقع أن الميزة البارزة الأخرى هي نسيج اللسان، وتتكون الألسنة من عدد من النتوءات والتجاعيد والدرزات والعلامات التي تنفرد بها كل فرد، ويتم تسجيل هذه السمات المادية باستخدام "جهاز الحصول على صورة اللسان"، وهو عبارة عن كاميرا رقمية عالية التقنية، تتم معالجتها لاحقًا باستخدام برنامج تشخيص اللسان – الكلام لـ"العزاوى".
فالقياسات الحيوية هي المقياس والتحليل الإحصائي للسمات الجسدية والسلوكية للشخص، والتي تستخدم في المصادقة يعتمد بشكل أساسي على نتيجة المطابقة، كلما زادت درجة المطابقة بين المداخلات، وقاعدة البيانات، زادت فرص مطابقة العينتين، وفي الطب الصيني التقليدي، تم إجراء فحص اللسان للتعرف على الأمراض المختلفة وفقًا لأميت بادي وآخرون، فإن استخدام بصمات اللسان لتحديد هوية الشخص في عام 2007 وكان (Zhi Liu) هو أول من اقترحه.
ويصعب تزويره لأنه داخل الفم
وبما أن بصمات اللسان، فريدة من نوعها، فلا يمكن تزويرها وهذا ما يجعل الطبيعة الفريدة للسان أداة ممتازة لتحديد الهوية الشخصية والقياسات الحيوية، ويمكن أن تكون الصورة الفوتوغرافية اللغوية التي يلتقطها طبيب الأسنان بمثابة دليل لتحديد الهوية الشخصية، وهذا ما يجعل بصمات اللسان تتمتع بمستقبل واعد في هذا العالم الرقمي كأداة لطب الأسنان الشرعي، ومن الجدير بالملاحظة فقد طوَّر فريق من خريجي التصميم من الكلية الملكية للفنون، وجامعة إمبريال كوليدج لندن، جهازاً يمكن ارتداؤه مخبّأً في الفم كطريقة جديدة للمصادقة البيومترية.
ويصف المطورون جهازهم المسمى "Stealth" (ستيلث)، بأنه سيحافظ على معلومات المستخدمين الحساسة والرقمية آمنة، فهو غير قابل للاختراق، ويمكن أن يحل محل بصمات الأصابع ونظام التعرف على الوجه، حيث يتم وضع الجهاز على سقف الفم، ويعمل بشكل مشابه لنظام التعرف على بصمات الأصابع، إذ يمكنه تحديد الفرد من خلال الأنماط الفريدة من نتوءات أو ثنايا الجلد الموجودة على سقف الفم، وذلك بحسب ما نشره موقع "ديزاين".
وفي نفس المقام وفي إحدى القضايا وأثناء الفرار من مكان الحادث بعد عملية سطو على بنك حاولت امرأة مجهولة الهروب من المبنى لكنها لم تتمكن من فتح الباب بالسرعة الكافية، وواجهته عن طريق الخطأ ومع ذلك فإن الجزء الذي اصطدمت به من الباب كان له سطح واضح، مما ترك بقايا مميزة من وجهها عندما اتصل الاثنان، وقد أظهرت الكاميرات الأمنية أن فمها كان مفتوحًا عندما اصطدم وجهها بالباب، مما دفع المحققون إلى استنتاج أن البقايا المتبقية كانت في الواقع من لسانها، وبعد التحليل الدقيق، أكد الخبراء أنه يمكن رفع بصمة لسانها عن سطح الباب، والتي تعتبر مثل بصمات الأصابع فريدة تمامًا ومقيدة بشكل حصري بشخص واحد فقط.
وإجراء دراسات لتطوير تقنية تعتمد على تصوير اللسان بتقنية 3D للتوصل إلى تحديد الهوية
وبعد تعقب الخيوط الأخرى في القضية، قام المحققون بتضييق قائمة المشتبه بهم، وقارنوا بصمات ألسنتهم بالبصمة الموجودة على الباب، وها هو لسان أحد المشتبه بهم يطابق تمامًا مع البصمة الموجودة في مسرح الجريمة، والتي انتهى بها الأمر إلى أن تكون العمود الفقري في المحكمة التي أدت إلى إدانتها.
الخلاصة:
في الحقيقة لا يوجد لسان يشبه الآخر تماما مثل بصمات الأصابع، فبصمات اللسان فريدة من نوعها وكل شخص لديه محاذاة فريدة وعدد من الحليمات وبراعم التذوق، بالإضافة إلى اختلافات في الحجم والشكل والمرونة، وفي مقابل ذلك فإنه يصعب تزوير بصمة اللسان لأنه داخل الفم، كما أنه يمثل واحدة من أكبر العضلات في جسم الإنسان، وهذا يجعل بصمته شبيها جدًا بجودة بصمة الأصابع، ويمكن أيضًا استخدام بصمات اللسان كطريقة قياسية لجمع البيانات، ويمكن استخدام البيانات المجمعة من بصمات اللسان كقاعدة بيانات التعرف المهني لتسهيل التعرف على الأشخاص وتجنب عمليات الاحتيال في المستقبل، يضاف إلى ذلك أنه بالإمكان أن يجمع طبيب الأسنان عندما يقوم بممارسة عمله أكبر قدرا من البيانات فيما يتعلق بهذه البصمة، والتي ستكون مرجعا مفيدا يستفاد منها في حال أن تطلب الأمر في أحد القضايا الرجوع لها، وهناك علماء متخصصون يجرون دراسات لتطوير تقنية تعتمد على تصوير اللسان بتقنية 3D للتوصل إلى تحديد الهوية.
أستاذ القانون الجنائى والخبير القانونى الدولى محمد أسعد العزاوى