بعد دخول الثورة الصناعية في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ باتت تلك الثورة تطول كافة مناح الحياة، وامتدت إلى مجال الحاسب الآلي، الذي أدى بظهوره إلى إحداث ثورة علمية هائلة، وأصبح تقدم الدول وتطورها ترتبط تماماً بتقدم تلك الثورة في هذا المجال، ويعد الحاسب الآلي من أبرز التطورات في العصر الحديث، وقد ساعدت تلك الثورة في تطور تكنولوجي وصل في زماننا هذا إلي قمته؛ ليصبح داعما مهما في التطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي؛ وقد كان داعما للباحثين في شتي مجالات البحث العلمي، فحقق الكثير من الاستفادات، وأهمها سهولة ويسر البحث العلمي والوصول إلي الدراسات والمعلومات في شتي المجالات بمجهود بسيط وبتكلفة زهيدة.
لكن الأمر لم يقتصر علي هذا النفع فقط وإنما ساعد هذا التطور التكنولوجي في الإنحراف السلوكي لدي البعض، فأصبح يُساء استعمال واستخدام هذا التطور حتي أصبح منهجا في الجرائم لتصبح الجرائم أكثر تطورا؛ وتزيد صعوبة مكافحة تلك الجرائم المتطورة عن الجرائم العادية التقليدية نظرا لما يتمتع به مرتكب الجريمة بقدر كبير من التخفي والمراوغة سواء باستخدام حسابات وهمية أو باستخدام خدمة انترنت من هواتف وارقام وهمية.
المخاطر الإلكترونية على التماسك المجتمعي
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على الورقة البحثية المقدمة لجلسات الحوار الوطنى من الدكتور عصام أحمد الحموري، المحامي المتخصص فى الجرائم الإلكترونية وقضايا الإبتزاز الإلكتروني، المتمثلة في نتائج ومقترحات لهذا الملف الخطير الخاصة بالإبتزاز الإلكترونى وهتك العرض والتحرش الإلكترونى، وأهمها التعديل التشريعي الواجب للتصدي لتلك الجريمة، فمع انتشار الجرائم الإلكترونية بدأ المشرع في تنظيم قانوني لتلك الجرائم؛ فكانت الخطوات الأولي بالقانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات حينما جرم في المادة "76" فعل تعمد ازعاج ومضايقة الناس عن طريق إساءة استخدام وسائل الاتصالات.
في البداية - اقتصرت المكافحة التشريعية لهذا النوع من الجرائم علي ذلك القانون سالفة الذكر بالإضافة إلي قانون العقوبات والذي يفتقد التقنين الصحيح لهذا النوع من الجرائم الإلكترونية وخاصة جريمة الابتزاز الالكتروني والتي تفتقد إلي تنظيم عقابي خاص وصريح، فيطبق عليها قانون العقوبات "جريمة التهديد العادي" في 3 مواضع في المواد "309 مكرر أ، 326، 327 من قانون العقوبات"، ولا تنظم تلك المواد جميع صور التهديد؛ بالتالي لا ينطبق على أغلب صور الابتزاز الالكتروني النموذج القانوني للجريمة كما نظمتها تلك المواد، ما يترتب عليه عدم معاقبة الكثير من مرتكبي جرائم الابتزاز بالعقوبة الرادعة الواردة في تلك النصوص – بحسب "الحموري".
المشاكل وسبل حلولها
وفي عام 2018 جاء المشرع المصري بالقانون 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات لينظم تجريم خاص للكثير من الجرائم الإلكترونية كالتعدي علي القيم الأسرية المصرية، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، واختراق وسرقة الحسابات، وكذلك إنشاء وإدارة واستخدام حساب خاص بهدف ارتكاب جريمة والبعض منها عقوباتها ليست رادعة؛ ولكن للأسف الشديد جاءت مواد هذا القانون خالية من تنظيم عقابي خاص لجريمة الابتزاز الإلكتروني رغم أنها أخطر صور الجرائم الإلكترونية، وأكثرها انتشارا وأكثرها تأثيرا وتهديدا للمجتمع في ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل، وكذا جاءت مواد القانون سالف البيان من تنظيم عقابي خاص لجرائم أخرى شديدة الخطورة "هتك العرض الإلكتروني ـ التحرش الجنسي الإلكتروني ـ الدعارة الإلكترونية ـ النصب الإلكتروني" – وفقا لـ"الحمورى".
فلم يتغير الأمر بالنسبة لجرائم الابتزاز الالكتروني، وهتك العرض الالكتروني والتحرش الجنسي الالكتروني منذ ظهور تلك الجريمة رغم بزوغ الكثير من التشريعات الخاصة، ورغم تعديل الكثير من مواد قانون العقوبات بشأن بعض صور الجرائم الإلكترونية، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، ولكن الأمر الآن بات خطيرا يستلزم تدخلا تشريعيا لانتشال المجتمع من السقوط في حافة الهاوية، وفي أيامنا هذه أصبحت الجرائم الإلكترونية خاصة – جريمتي الابتزاز الالكتروني وهتك العرض الالكتروني – تُرتكب جهارا نهارا وتضاعفت أعداد ضحايا تلك الجرائم بشتي صورها؛ في ظل ضعف وقصور النصوص العقابية في هذا الشأن؛ ولم يقف الأمر على تعرض الضحايا لتلك الجرائم فقط بل أصبحت نتائجه تهدم بيوتا وتدمر حياةً ومستقبلا - الكلام لـ"الحمورى".
قانونا العقوبات وتقنية المعلومات لم يتعرضا لسد ثغرات تلك الجرائم
بل وصل الأمر إلى أن الإبتزاز الإلكتروني أصبح ينهي حياة بعض ضحاياه واغلبيتهم من النساء والأطفال وما أكثر الحالات التي لم تجد مفرًا من الخلاص من الابتزاز الالكتروني إلا الانتحار؛ وهناك الكثير من الحالات والأمثلة علي ذلك أشهرها قضية ابتزاز الطفلة بسنت "طفلة الغربية" التي انتحرت هروبا مما تتعرض له من المبتزين إلكترونيا خاصة أنهم قاموا بتنفيذ تهديداتهم ونشروا صور تسئ إليها وتدمر سمعتها وشرفها، ونري ضرورة الربط ما بين انتشار حالات الانتحار "بحبوب الغلة"، وما بين جرائم الابتزاز الالكتروني، فيفاجئ الأهالي ما بين اليوم والآخر بانتحار الفتيات دون معرفة السبب – طبقا للخبير القانونى.
ولم يعد الأمر ما بين الغرباء فقط بل انتشرت الجرائم الالكترونية بشكل عام وجرائم الابتزاز الالكتروني بشكل خاص في الخلافات الأسرية ما بين الأزواج بعضهم البعض وما بين المنفصلين منهم، فأصبحنا نري زوجا يقوم بتصوير زوجته أثناء العلاقة الحميمة، ويقوم بتهديدها بفضحها ونشر ما تحت يده من صور وفيديوهات مقابل التنازل عن حقوقها الزوجية، بل انتشر ما بين المخطوبين في خلافاتهم فأصحبنا نرى تبادل للصور غير اللائقة بحجة الخطوبة ومع أول خلاف نجد الخطيب يساوم خطيبته ويهددها ويبتزها.
ضرورة تدخل تشريعى عاجل لسد الثغرات
ونرى أنه لابد من أن يتدخل المشرع بتعديلات تشريعية علي قانون العقوبات، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ليفرد بنصوصه تنظيما خاصا ومستقلا لجريمة الابتزاز الالكتروني ليعالج الضعف والقصور في النص الذي يطبق علي هذا النوع من الجرائم علي أن يراعي تشديد العقوبة بقدر جسامة الفعل الإجرامي وجسامة نتائجه التي تقع علي الضحية "المجني عليه"؛ بأن يكون التأثيم لفعل التهديد والابتزاز علي إطلاقه وبكافة صوره دون أن يقتصر فقط علي التهديد بالكتابة أو شفاهة بواسطة شخص آخر.
وذلك كما هو الوضع في جريمة التهديد بالمادة 327 عقوبات؛ علي أن يتم تشديد العقوبة حسب جسامة التهديد والابتزاز لتصل العقوبة للسجن المؤبد إذا نفذ الجاني تهديده، وقام بفضح ضحيته وأفشي أمور خادشة تهدر كرامتها وتؤثر علي سمعتها؛ وكذلك التشديد العقابي إذا ترتب علي التهديد والابتزاز الإلكتروني انتحار الضحية، علي أن يتم تشديد العقوبة أيضا إذا كانت جريمة التهديد والابتزاز الإلكتروني ما بين أطراف العلاقات الأسرية "زواج – انفصال – خطوبة" – هكذا يقول "الحمورى".
7 نتائج حول هذا الملف الخطير
نتائج ومقترحات، ورقتنا البحثية لهذا الملف الخطير وأهمها التعديل التشريعي الواجب للتصدي لتلك الجريمة، وتتمثل النتائج في التالى:
1- الابتزاز الإلكتروني وهتك العرض الإلكتروني من سلبيات التقدم التكنولوجي.
2- الابتزاز الالكتروني وهتك العرض الإلكتروني يهدد أمن وسلامة آلاف المواطنين.
3- الابتزاز الالكتروني وهتك العرض الإلكتروني أغلب ضحاياه من النساء والأطفال والأكثرية منهم يتعرضون لما قد يدفعهم للانتحار.
4- إفلات الكثير من مرتكبي جرائم الابتزاز الإلكتروني من العقاب الذي يستحقونه وإفلات البعض الآخر من العقاب عن تلك الجرائم.
5- قصور وضعف وعجز النصوص العقابية التي تناولت جريمة التهديد والابتزاز الإلكتروني، إما لعدم النص صراحة علي تجريم التهديد والابتزاز علي إطلاقه وبكافة صوره، وإما لعدم ملاءمة العقوبة مع ما ينتج عنه خاصة إذا أودي بحياة ضحاياه، وبالتالي ضرورة التدخل التشريعي في قانون العقوبات وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لمعالجة ذلك القصور والضعف والعجز.
6- صعوبة وضعف الملاحقة والمكافحة الشرطية لتلك الجرائم الخطيرة وذلك لانشغال الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية بمئات البلاغات يوميا عن جرائم تقل أهمية وخطورة عن جرائم الابتزاز الإلكتروني وهتك العرض الإلكتروني.
7- ضعف الوعي المجتعي والإعلامي لهذا النوع المستحدث من الجرائم.
أما التوصيات فتتمثل في التالى:
1-إصدار تعديلات تشريعية لمعالجة القصور والضعف والعجز في النصوص العقابية التي تنظم تلك الجرائم:
- بإضافة مواد جديدة لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 لتضع تعريف واضح وصريح شامل لكافة صور الابتزاز والتهديد الإلكتروني، وتعديل النصوص القديمة بقانون العقوبات المتعلقة بجرائم الابتزاز والتهديد العادية خاصة المادة 327 ليكون التأثيم لفعل التهديد والابتزاز علي إطلاقه، وبكافة صوره دون أن يقتصر فقط علي التهديد بالكتابة أو شفاهة بواسطة شخص آخر حتي لا يفلت مبتز بجريمته لعدم وجود نص عقابي يعاقبه علي جريمته كما يحدث حاليا؛ على أن يتم وضع ظروف مشددة للجريمة بشقيها العادي والالكتروني حسب جسامتها وفق الحالات التالية:
أ- تنفيذ الجاني تهديداته بفضح ضحيته وافشاء أمور خادشة تهدر كرامتها وتهدر سمعتها.
ب- إذا ترتب علي التهديد والابتزاز الإلكتروني انتحار الضحية .
ج- إذا وقعت الجريمة ما بين أطراف العلاقات الأسرية "زواج – انفصال – خطوبة".
د- كذا إضافة مواد جديدة تنظم جرائم: "هتك العرض الإلكتروني - التحرش الجنسي الإلكتروني - الدعارة الإلكترونية - النصب الإلكتروني".
2- إنشاء إدارة مستقلة لمكافحة جرائم الابتزاز الإلكتروني تتبع الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية.
3- إنشاء دوائر جنائية تختص بقضايا الابتزاز الإلكتروني أسوة بقضايا الإرهاب فهي لا تقل خطورة وتأثيرا علي المجتمع.
4- تشجيع ضحايا الابتزاز الإلكتروني علي الإبلاغ عن الجريمة للحصول علي حقهم وفق القانون، وذلك بأن تكون تحقيقات وجلسات قضايا الابتزاز الإلكتروني جلسات سرية لا علنية؛ حفاظا على سمعة الضحايا دون خوف من ملاحقتهم بعار أو فضيحة.
5- تنظيم حملات وفاعليات توعية قانونية واجتماعية وتقنية بصور الابتزاز الإلكتروني وأسبابه ومخاطره وطرق الحد من ذلك، وتكثيف دور الإعلام والمؤسسات الدينية والتعليمية والجامعية في حملات التوعية.
6- توفير آلية للدعم النفسي لضحايا تلك الجرائم قبل توفير الدعم القانوني.
7- توفير آلية للحماية التقنية للضحايا تحميهم من الرضوخ لطلبات المبتزين.