"ليس الموت مناسبة للشماتة ولا لتصفية الحسابات، بل هو مناسبة للعظة والاعتبار، فإن لم تسعفك مكارم الأخلاق على بذل الدعاء للميت والاستغفار له، فلتصمت ولتعتبر، ولتتفكر في ذنوبك وما اقترفته يداك وجناه لسانك، ولا تعين نفسك خازناً على الجنة والنار، فرحمة الله عز وجل وسعت كل شيء".. هذا هو تعليق دار الإفتاء المصرية على "الشماتة في الموت" حيث يعمد البعض إلى الشماتة في الموت وتجاوز الأعراف بالإساءة إليه بعد أن صار المتوفى بين يدي الله عز وجل ولم يعد قادراً على الرد على الشامتين.
والشماتة لغة هي: "فرح العدو ببلية تصيب من يعاديه وهي سرور النفس بما يصيب غيرها من الأضرار"، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ممارسة هذا السلوك وتضمنت العديد من آيات القرآن الكريم ذماً له كما ذمته السنة النبوية المطهرة، "وقد ورد نهي المسلم أن يشمت بأخيه المسلم ويفرح أو يضحك مما ينزل به من بلاء أو مكروه، لما في ذلك من إحزانه وأذيته بغير حق"، كما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أنه قال: "لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك"، فكيف بالشماتة بالميت؟
هل للموت شماتة؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على أزمة الشماتة في الموت، خاصة بعد شماتة وجدى العربى فى ابن الفنان القدير حسن يوسف والفنانة المعتزلة شمس البارودى، وهى عادة الجماعات المتطرفة ذات الفكر المتشدد، كعادتهم في الشماتة والتشفي بل والانتقام من مخالفيهم في الرأي والفكر، وكما حدث منهم سابقا عند وفاة الإعلامي وائل الإبراشي، والكاتبة نوال السعداوي، والكاتب الصحافي ورئيس جهاز تنظيم الإعلام السابق مكرم محمد أحمد، عبر عناصر وموالون للجماعة الإرهابية ومحسوبون عليهم، عن شماتتهم في وفاة نجل الفنان المصري الكبير حسن يوسف، والسؤال.. هل أصبحت الشماتة فى الموت سمة من سمات الإخوان الإرهابية؟
في البداية - بمناسبة شماتة الفنان الهارب وجدى العربى فى المرحوم عبد الله ابن الفنان القدير حسن يوسف والفنانة المعتزلة شمس البارودى غرقاً بالساحل الشمالى بالإسكندرية، هل أصبحت الشماتة فى الموت سمة من سمات الإخوان الإرهابية؟ فهناك حكما قضائيا سابق يؤكد منهج شماتة الجماعة الإرهابية فى الموت يصفه بأنه مفسدة لتعاليم الأديان ومجلبة للشر والاَثام للمستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة.
حكم قضائى: "شماتة الموت" مفسدة لتعاليم الأديان ومجلبة للشر والاَثام
ذلك الحكم الذى عاقب مُدرسة تنتمى للجماعة الإرهابية تُدعى "وفاء. م"، بمدرسة 6 أكتوبر الابتدائية بدكرنس محافظة الدقهلية بخصم شهر من رتبها، وذلك لأنها تظهر الفرحة والشماتة عند حدوث أية عمليات إرهابية وهى تهمة ثابتة فى حقها ثبوتا يقينيا من خلال الشهود الذين اطمأنت المحكمة لشهادتهم، وقد أجابت المحكمة عن النهى عن فعل الشماتة فى الكتاب الكريم وهم يحرفونه؟
وبحسب حيثيات الحكم: إن سلوك الشماتة سخرية وهمزا ولمزا واستهزاء وقولاً وفعلاً وإشارة ليس من الأخلاق الحميدة الكريمة، والشيم المرضية التي أمر الله عباده بها التى تُقوِم السلوك ليستقيم على الفطرة السوية من حُسن المعتقد، وحب الخير للناس، واجتنابِ الشحناء، والتهاجر، والتباغض، والسباب، والتنابز بالألقاب، فالشماتة وصفا ولفظا فيه تنقُّصٌ، أو حطُّ مكانة، أو احتقارُ، أو ذمٌ، أو طعنٌ، أو تعدٍ على كرامة بفرحٌ ببليةِ مَن تُعاديه، والسرورُ بما يكره من تجافيه فإذا رأى نعمة بُهت، وإذا رأى عثرة شمت ومن يتصف بهذا الخلق الذميم الشامت، محروم من المحامد الجميلة، والمسالك الراقية، والشعور الإنساني النبيل.
المحكمة تجيب: النهى عن فعل الشماتة فى الكتاب الكريم وهم يحرفونه؟
ووفقا لـ"المحكمة": أن القرآن العظيم نهى عن فعل الشماتة بقول الله – عز وجل : "إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ " الاَية 120 من سورة آل عمران، وفي غزوة اُحد فرح المنافقون بما أصاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين من جراحات فأنزل الله عز وجل قوله: "إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " الاَية 140 من سورة آل عمران.
وقال هارُون لأخيه موسى - عليهما السلام - في محكم التنزيل العزيز:" فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ " الاَية 150 من سورة الأعراف، وروى البخاري ومسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء"، ويقول الشوكانيُّ - رحمه الله - "استعاذَ النبى - صلى الله عليه وسلم - من شماتة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها، لعِظَم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفُس البشرية، ونُفور طِباع الناس منها، وقد يتسبَّبُ عُمقُ ذلك والاستِمرارُ عليه تعاظُم العداوة المُفضِية إلى استِحلال ما حرَّم الله".
المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة
الدستور فى المادة "16" التزام بتكريم شهداء الوطن
وأشارت "المحكمة" إلى أن الثابت أن الطاعنة "وفاء. م" بأنها تظهر الفرحة والشماتة عند حدوث أية عمليات إرهابية من خلال الشهود الذين اطمأنت المحكمة لشهادتهم وهى مخالفة ثابتة فى حقها ثبوتا يقينيا بشهادة "محمود. أ"، ناظر مدرسة 6 أكتوبر الابتدائية بدكرنس محافظة الدقهلية وزملائها "فايزة. أ"، و"أميمة. أ"، و"بهيج. ع" المدرسين بذات المدرسة، كما نسب إليها أنها تعدت بالقول على "محمود. ا"، ناظر مدرسة 6 أكتوبر الابتدائية بدكرنس محافظة المنصورة بقولها: " حسبى الله ونعم الوكيل فيه دة متخلف، واللى فيا يجى فيه وربنا ينتقم منه ويعود له فى عياله"، وقد اعترفت الطاعنة ببعض هذه المخالفات بقولها لناظر المدرسة على نحو ما ورد بمذكرة دفاعها المقدمة وهو ما ثبت ثبوتا يقينيا بشهادة زميلاتها المُدرستين بذات المدرسة وما أدلى به الناظر ذاته، مما يشكل في حقها إخلالا جسيما بكرامة الوظيفة، وإثماً تأديبيا يستوجب العقاب .
وانتهت المحكمة إلى أنها تسجل في حكمها أن الشماتة فى شهداء الوطن من رجال الجيش أو الشرطة يعد تصرفا مذموما مدحورا وسلوكا ملوما محسورا وفعلا مخذولا محظورا، وبهذه المثابة تعد الشماتة فى الشهداء مفسدة لتعاليم الأديان ومجلبة للشر والاَثام، ذلك أن من يستشهد دفاعا عن حماية البلاد والحفاظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه أو دفاعا عن توفير الطمأنينة والأمن للمواطنين يعد حاميا لشرف وكرامة الأمة المصرية التى تصون لها الدستور فى المادة "16" منه بالتزام الدولة بتكريم شهداء الوطن.
الدستور فى المادة "16" تعهد برعاية مصابي الثورة، والمحاربين القدماء والمصابين، وأسر المفقودين في الحرب وما في حكمها، ومصابي العمليات الأمنية، وأزواجهم وأولادهم ووالديهم، وأن تعمل على توفير فرص العمل لهم، وتشجع الدولة مساهمة منظمات المجتمع المدني في تحقيق هذه الأهداف وهو ما كان موضع اهتمام فعلى من المشرع العادى بإصداره القانون رقم 16 لسنة 2018 بإصدار قانون إنشاء صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودى ومصابى العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم، وما قد يلحق به من تعديلات ضامنة لما نص عليه الدستور .
مقترح بسن تشريع بمعاقبة الشماتة
وفى غضون فبراير 2020 - تقدم النائب فرج عامر، رئيس لجنة الصناعة بالبرلمان، بمشروع قانون لتعديل قانون العقوبات يكون فيه عقوبة اللفظ الخادش بما فيها الشماتة من سنة إلى 3 سنوات سجن وجوبي بدلا من 500 جنيه العقوبة الحالية، موضحًا خلال تقدمه بمشروع القانون أن أغاني المهرجانات بها ألفاظ لا يجب أن تقال بالإضافة للانحدار الثقافي واللغوي وانحدار وإسفاف كبير للغة التي تربينا عليها ونشأنا عليها، وغياب الثقافة وترك المجال للإسفاف، وأصبحنا نردد هذه الأغاني وبدأنا نشجع عدد منهم فبدأت تنتشر في المجتمع وللأسف ستتحول إلى لغة سائدة على المجتمع، بما في ذلك الشماتة في الموت، فيجب أن نظهر بمظهر حضاري راقي، وكذلك الالتزام بقيم والمجتمع والبعد عن الإسفاف بكل أشكاله.
سجن وغرامة بسبب الشماتة فى الموت
وطالب "عامر" في مشروع القانون بتطبيق المادة 34 بالدستور بنمع تداول الألفاظ الخادشة للحياء، كما شدد على تعديل المادة 76 في قانون العقوبات، بتغليظ العقوبة على متداول الشتائم والسب والقذٌف، لذا طالب في مقترحه برفع العقوبة لـ 3 سنوات سجن، وغرامة تزيد عن 5 آلاف، أو السجن سنة، لأن العقوبة الحالية غير مُجدية، فى تتعدى غرامة 500 جنيه فقط، فقد لاقى المقترح استجابة واسعة من النواب والتفافهم حوله، وذلك بعد عدة وقائع شهدها المجتمع المصري تعكس حالة الإسفاف والشماتة والتقليل من القيم والأخلاق والرموز المصرية، باعتباره بمثابة مصلحة أدبية كبرى، فيجب أن نقف ضد أي شخص يسيء للمجتمع وللقيم.
دار الإفتاء تحذر من الشماتة وعواقبها
هذا وقد سبق وأن حذرت دار الافتاء المصرية من الشماتة في الموت وبيان عواقبه، وقالت عبر صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "إنه لا يجوز شرعًا للإنسان أن يَشْمَت في نزول المصائب على أحد سواء في الموت أو غيره، فهى خَصلةٌ ذَميمة، تأْبَاهَا النفوس المستقيمةُ، ويترفَّع عنها أصحاب المُروءات، ولذا نهت عنها الشريعة الإسلامية، فعن وَاثِلَةَ بن الأَسْقَعِ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: "لا تُظْهِرِ الشَّمَاتةَ لأخيك فَيَرْحَمَهُ اللهُ ويَبْتَلِيَكَ" رواه الترمذي، وإنَّنَا نُذَكِّرُ مَن يمارس هذه العادة السيئة مع خلق الله أنَّ سنَّة الحياة التي قرَّرها الله تعالى قاضيةٌ بأنَّ الإنسان لا يَثْبُت على حال واحدة.
وأوضحت إنَّما يعيش الحياة يومًا حزينًا، وأيامًا مسرورًا؛ قال الله تعالى: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 140] - ومما ذكر يُعلم الجواب عن السؤال، ويذكر أن هذا التحذير جاء ضمن مبادرة أعرف الصح، التي بدأتها دار الافتاء منذ فترة على مواقع التواصل الاجتماعي.