أصدرت الدائرة التجارية والإقتصادية – بمحكمة النقض – حكما قضائيا يهم ملايين المتقاضين، رسخت فيه عدة مبادئ قضائية، قالت فيه: "1- تطبيق القانون على وجهه الصحيح واجب على القاضى دون طلب من الخصوم، بل هو واجب القاضى الذى عليه ومن تلقاء نفسه، أن يبحث عن الحكم القانونى المنطبق على الواقعة المطروحة عليه، وأن ينزل هذا الحكم عليها أياً كان النص القانونى الذى استند إليه الخصوم فى تأييد طلباتهم أو دفاعهم فيها .
2- لا تملك المحكمة توقيع الجزاء باعتبار الدعوى (كأن لم تكن) لعدم تعجيل الدعوى من الوقف الجزائي خلال الموعد القانوني أو عدم تنفيذ قرار المحكمة، لأنه غير متعلق بالنظام العام وهو جزاء مقرر لمصلحة الخصم وحده.
3- الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن طبقا للمادة 99 مرافعات المعدلة بقانون 76 لسنة 2007 جزاء مقرر لمصلحة المدعى عليه وعدم تعلقه بالنظام العام يكون أثره عدم جواز قضاء المحكمة به من تلقاء نفسها، ولا يغير من ذلك توقيع هذا الجزاء بقوة القانون متى توافرت شروطه.
ملحوظة: ولو لم يقم الخصم بإبداء هذا الطلب أمام المحمكمة "وهو اعتبار الدعوى كأن لم تكن للعلة والسبب المذكورين"، فما دور المحكمة حيال هذه الدعوى وما هو قرارها الصواب قانونا؟ تكون الإجابة إما أن تمهله المحكمة مرة أخرى لتقديم المستند، وإما أن تحكم في الدعوى بحالتها.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 2132 لسنة 76 قضائية، برئاسة المستشار محمد أبو الليل، وعضوية المستشارين أمين محمد طموم، وراغب عطيه، ومحمد عبد العزيز أبازيد، ومحمد أحمد إسماعيل، وبحضور كل من رئيس النيابة لدى محكمة النقض عبدالرحمن ثابت، وأمانة سر إبراهيم عبدالله.
الوقائع.. نزاع منذ 20 سنه بين بنك وعميل بأداء المبلغ المدين به
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المصرف الطاعن بعد أن رفض طلبه باستصدار أمر الأداء أقام على المطعون ضده دعوى قضائية بطلب الحكم بالزامه بأن يؤدي له مبلغ 15600 جنيه، على سند من أنه يداينه بهذا المبلغ بموجب كمبيالتين مظهرتين للمصرف الطاعن من شركة "....."، وقد امتنع المطعون ضده عن سداد قيمتهما فكانت الدعوى، وبتاريخ 10 ديسمبر 2003 حكمت المحكمة بوقف الدعوى لمدة شهر عملا بالفقرة الثانية من المادة 99 من قانون المرافعات وبعد أن عجل المصرف الطاعن الدعوى من الوقف حكمت المحكمة بتاريخ 2 يونيو 2005 بإعتبار الدعوى "كأن لم تكن"، ثم استأنف المصرف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة، والتي قضت بتاريخ 28 ديسمبر 2005 بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن المصرف الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
المحكمة تقضى باعتبار الدعوى "كأن لم تكن" لهذا السبب
وفى يوم 23 فبراير 2006 طعن بطريق النقض، وذلك بصحيفة طلب فيها الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، وفي اليوم نفسه أودع الطاعن مذكرة شارحة وحافظة بمستنداته، وفي 7 مارس 2006 اعلن المطعون ضده بصحيفة الطعن، ثم أودعت النيابة مذكرتها وطلبت فيها رفض الطعن، وبجلسة 7 ديسمبر 2022 عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة، فرأت أنه جدير بالنظر فحددت لنظره جلسة للمرافعة، وبجلسة 18 يناير 2023 سمعت المرافعة أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صممت النيابة على كل ما جاء بمذكرتها، والمحكمة أصدرت الحكم.
البنك يطعن على الحكم بمذكرة تستند على عدة أسباب لإلغاءه
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن مما ينعاه المصرف الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن محكمة أول درجة قضت من تلقاء ذاتها باعتبار الدعوى "كأن لم يكن" المادة 99 من قانون المرافعات لعدم تعجيلها خلال الخمسة عشر يوما التالية لانتهاء مدة الوقف، رغم أن هذا الجزاء لا يتعلق بالنظام العام ولم يطلب المطعون ضده توقيعه، إلا أن الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر وقضى بتأييد الحكم الابتدائي في هذا القضاء على سند من أن توقيع الجزاء باعتبار الدعوى "كأن لم تكن" يتعلق بالنظام العام وتقضي به المحكمة تلقاء ذاتها متى توافرت شروطه ودون الحاجة إلى أن يتمسك به المطعون ضده، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
النقض تقرر: تطبيق القانون على وجهه الصحيح لا يحتاج إلى طلب من الخصوم
المحكمة في حيثيات الحكم قالت أن تطبيق القانون على وجهه الصحيح لا يحتاج إلى طلب من الخصوم، بل هو واجب القاضي الذي عليه - ومن تلقاء نفسه - أن يبحث عن الحكم القانوني المنطبق على الواقعة المطروحة عليه، وأن ينزل هذا الحكم عليها، وأنه وإن كان قضاء المحكمة باعتبار الدعوى كأن لم تكن إعمالا لحكم المادة 99/ 3 من قانون المرافعات هو جزاء يوقع على المدعي لإهماله في اتخاذ ما تأمره به المحكمة قصد به تأكيد سلطتها في حمل الخصوم على تنفيذ أوامرها، إلا أن النص في المادة 99 من قانون المرافعات - بعد تعديلها بالقانون رقم 18 لسنة 1999 - على أن تحكم المحكمة على من يتخلف من العاملين بها أو من الخصوم عن إيداع المستندات أو عن القيام بأي إجراء من إجراءات المرافعات في الميعاد الذي حددته له المحكمة بغرامة لا تقل عن أربعين جنيها ولا تجاوز أربعمائة جنيه.
النقض تؤكد: لا تملك المحكمة توقيع الجزاء باعتبار الدعوى (كأن لم تكن) في هذه الحالة
وبحسب "المحكمة": ويجوز للمحكمة بدلا من الحكم على المدعي بالغرامة أن تحكم بوقف الدعوى لمدة لا تجاوز شهرا بعد سماع أقوال المدعى عليه، وإذا مضت مدة الوقف ولم يطلب المدعي السير في دعواه خلال الخمسة عشر يوما التالية لانتهائها، أو لم ينفذ ما أمرت به المحكمة حكمت المحكمة باعتبار الدعوى كأن لم تكن يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن لعدم تعجيلها خلال الخمسة عشر يوما التالية لانتهاء مدة الوقف أو عدم تنفيذ ما أمرت به المحكمة هو جزاء مقرر لمصلحة المدعى عليه ليتفادى إطالة أمد النزاع وبقاء الدعوى منتجة لآثارها القانونية لمدة طويلة نتيجة تراخي المدعي - عمدا أو تقصيرا - عن موالاة السير في الخصومة فلا يتصل بالنظام العام ولا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء ذاتها ولا يغير من ذلك أن هذا الجزاء يقع بقوة القانون بمجرد انقضاء الخمسة عشر يوما بعد انتهاء مدة الوقف دون تعجيل الدعوى أو عدم تنفيذ ما أمرت به المحكمة إذ يقتصر أثر ذلك على إلزام القاضي بتوقيع ذلك الجزاء متى طلبه صاحب المصلحة وتوافرت شروط تطبيقه.
النقض تلغى الحكم وتحيل الدعوى لمحكمة أول درجة
لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الحكم المطعون فيه قضى بتأييد الحكم الصادر من محكمة أول درجة في قضائها باعتبار الدعوى كأن لم تكن لعدم تعجيلها في الميعاد إعمالا لنص المادة 99/ 3 من قانون المرافعات من تلقاء ذاتها ودون طلب من المطعون ضده، فإنه يكون معيبا بالخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
ووفقا لـ"المحكمة": وحيث إن الإستئناف صالح للفصل فيه، ولما تقدم، فإنه يتعين إلغاء الحكم المستأنف في قضائه باعتبار الدعوى "كأن لم تكن"، ولما كانت محكمة أول درجة بهذا القضاء لم تستنفذ ولايتها في نظرموضوع الدعوى، وكانت محكمة الاستئناف لا تملك التصدي لهذا الموضوع لما يترتب على ذلك من تفويت إحدى درجتي التقاضي على الخصوم باعتبار أن مبدأ التقاضي على درجتين - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من المبادئ الأساسية لنظام التقاضي التي لا يجوز مخالفتها ولا يجوز للخصوم النزول عنها، وكان الحكم المستأنف بقضائه المشار إليه قد وقف عند حد المظهر الشكلي للدعوى ولم يجاوز النظر فيما عدا ذلك، فإنه يتعين إحالة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل فيها.
فلهذه الأسباب:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه والزمت المطعون ضده المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وحكمت في موضوع الاستئناف رقم .... لسنة 122 ق القاهرة بإلغاء الحكم المستأنف وبإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها والزمت المستانف ضده بمصاريف الاستئناف ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.