من وقت لأخر تطفو على السطح جرائم مجهولة بين قتل وسرقة وغيرها من الجرائم يدخل في نطاقها قضايا المخالفات والجنح أيضاً، تعجز الجهات والأجهزة المختصة عن كشف هوية مرتكبيها لعدم توافر أي دليل يقود إلى شخصيتهم، وهو ما يثير التساؤل حول مصير تلك الجرائم، وهل يتم تقييدها ضد مجهول كما يتردد في العديد من الأعمال السينمائية والدرامية وحفظ التحقيق بها من عدمه، وكيف تساهم مثل هذه الوقائع في زيادة المعاناة لدى المجنى عليهم وأسرهم.
فعادة ما يتردد على مسامعنا العديد من المبادئ أنه فى حال عدم ظهور الجاني خلال الفترة الخاصة بكل قضية لا يجوز فتحها مرة أخرى، وتسقط قضايا المخالفات بالتقادم بعد مرور عام واحد، وقضايا الجنح بعد مرور 3 أعوام، والجنايات بعد مرور 10 أعوام، وذلك من تاريخ ارتكاب الجريمة، بينما يرى آخرون أنه يمكن قبل انتهاء هذه المدة المقررة لكل قضية، يجوز إعادة فتحها من جديد بإذن من النيابة بناء على طلب المجنى عليه أو حال توصل الشرطة لمعلومات جديدة يتم على إثرها فتح باب التحقيق مرة أخرى.
"تقيد القضية ضد مجهول" بين التأويل والتطبيق
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الإجابة على السؤال.. ما هو مصير القضايا التى تقييد ضد مجهول؟ وما هو الوضع حال اكتشاف مرتكبها بعد مرور 10 سنوات أو 20 سنه؟ خاصة وأن العديد من الأراء تتباين وتختلف في تلك الإشكالية في أن "القضية التي تقيد ضد مجهول"، يجوز فتحها مرة أخرى وفقاً للمادة 61 من قانون الإجراءات الجنائية، إذا ظهرت معلومات قوية ويكون بطلب من النيابة، وبذلك يكون قيد القضية ضد مجهول قرار مؤقت ولو مر عليه عقود، فكم من جرائم تم اكتشاف فاعلها بعد مضي مدة زمنية طالت أو قصرت – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى.
في البداية - عند تحرير محضر بقسم الشرطة سواء أكان هذا المحضر يمثل جنحة أو جناية أو أي جريمة يعاقب عليها القانون، وإذا رأت النيابة العامة فى مواد المخالفات والجنح أن الدعوى صالحة لرفع بناء على الاستدلالات التى جمعت تكلف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة المختصة، وللنيابة العامة فى مواد الجنح والجنايات أن تطلب ندب قاضى التحقيق وإذا رأت النيابة العامة أن لا محل للسير فى الدعوى تأمر بحفظ الأوراق – وفقا لـ"الجعفرى".
ما هو المقصود بقرار النيابة بحفظ الأوراق؟
نصت المادة –61 من قانون الإجراءات الجنائية: "إذا رأت النيابة العامة أن لا محل للسير فى الدعوى، تأمر بحفظ الأوراق، ونصت المادة 62: "إذا أصدرت النيابة العامة أمرا بالحفظ، وجب عليها أن تعلنه إلى المجني عليه، وإلي المدعي بالحقوق المدنية، فإذا توفى أحدهما كان الإعلان لورثته جملة فى محل إقامته، والمراد من أمر الحفظ هو صرف النظر موقتا عن تحريك الدعوي لعدم صلاحية الأمر، كما هو وارد في محضر جمع الاستدلالات من عرضه علي المحكمة، وكذلك الأمر بعدم التحقيق، ويجب أن يكون أمر الحفظ مدون و مؤرخ وموقع عليه – الكلام لـ"الجعفرى".
هل يصدر أمر الحفظ من النيابة بعد التحقيق أم قبل التحقيق بالواقعة؟
أمر الحفظ هو أمر إداري تصدره النيابة باعتبارها سلطة استدلال "إدارية" لا تحقيق أو اتهام "لا قضائية" ويكون قبل التحقيق.
هل يجوز استخراج الأوراق من الحفظ بعد مرور فترة زمنية علي ارتكاب الجريمة؟
نعم - وذلك في حالة وجود أدلة جديدة لم تطرح علي بساط البحث ويعد من الدلائل الجديدة شهادة الشهود والمحاضر والأوراق الأخرى، ويكون ذلك بالتظلم للجهة الرئاسية المحامي العام ثم للمحامي العام الأول ثم النائب العام وأمر الحفظ ذو طبيعة إدارية، وعليه يجوز العدول عنه في أي وقت وهو عبارة عن ختام إجراءات الاستدلال التي جمعت – طبقا للخبير القانوني.
ماهي أسباب أمر الحفظ؟
تنقسم أسباب الحفظ الي قسمان:
الأول أسباب قانونية وتكون:
1-لعدم الجناية.
2-أركان الجريمة غير متوافره كالعدول الاختياري والشروع في جنحة غير معاقب عليها أو توافر سبب من أسباب الإباحة.
3-الامتناع عن العقاب لتوافر مانع من موانع العقاب.
4-لانقضاء الدعوي الجنائية بمضي المدة أو الوفاة أو التنازل أو الصلح.
5-لعدم جواز إقامة الدعوي الجنائية لعدم تقديم الشكوي أو الطلب أو الإذن أو لسقوط الحق فيهما.
الثاني: الأسباب الموضوعية وتكون:
1-لعدم كفاية الاستدلالات
2-احتمالات الإدانة لا تتوافر بنسبة معقولة.
3-لعدم معرفة الفاعل.
4-لعدم الصحة الاتهام "اتهام كيدي".
5-للاكتفاء بالجزاء الإداري إذا وقع جزاء إداري علي المتهم من أجل التهمة، ورأت النيابة كفاية الجزاء الإداري عن الجنائي.
6-لعدم الأهمية في هذا الفرض تكون الجريمة ثابتة متوافرة الأركان، ولكن تأمر النيابة بالحفظ ذلك أنه استقر العرف القضائي علي أن حيرة للنيابة العامة أن تأمر بالحفظ بناء علي عدم الأهميه أو الاكتفاء بالجزاء الإداري.
هل يجوز للنيابة حفظ الأوراق بعد فتح تحقيق قضائي بالواقعة؟
إذا قامت النيابة العامة بفتح تحقيق قضائي بالواقعة، ورأت عدم وجود جريمة ففي هذه الحالة يكون القرار الصادر في الدعوي ألا وجه لإقامة الدعوي، وهو بختلف عن أمر الحفظ ووفقا للمادة 197 من قانون الإجراءات الجنائية: "الأمر الصادر من قاضى التحقيق بأن لا وجه لإقامة الدعوى يمنع من العودة إلى التحقيق إلا إذا ظهرت دلائل جديدة قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية، ويعد من الدلائل الجديدة شهادة الشهود والمحاضر والأوراق الأخرى التى لم تعرض على قاضى التحقيق أو غرفة المشورة ويكون من شأنها تقوية الدلائل التى وجدت غير كافية أو زيادة الإيضاح المؤدى إلى ظهور الحقيقة ولا تجوز العودة إلى التحقيق إلا بناء على طلب النيابة العامة" .
ماهو تعريف القرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية؟
القرار بـ"ألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية" هو أمر قضائى تصدره سلطة التحقيق لتقرر عدم وجود مقتضى لإقامة الدعوى الجنائية لسبب من الأسباب التى بينها القانون ولابد أن يكون مسبب حيث نصت المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية: "إذا رأت النيابة العامة بعد التحقيق بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أن تصدر أمرًا بذلك ويجب أن يشتمل الأمر على الأسباب التى بنى عليها"، ويعتبر تسبيب الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى يعد بمثابة ضمانة لحسن سير العدالة وهو وسيلة لتريث المحقق فى تمحيص وقائع الدعوى وتطبيق صحيح القانون.
من المنوط به إصدار الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية؟
يجوز إصدار الأمر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة، حيث نصت المادة "154" إجراءات جنائية: "إذا رأى قاضى التحقيق أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن الأدلة على المتهم غير كافية يصدر أمر بألا وجه لإقامة الدعوى"، وبالنسبة للأمر الصادر من النيابة العامة فلم يقيد النص أسبابه بأى قيد كالتالي:
"إذا رأت النيابة العامة بعد التحقيق أنه لا وجه لإقامة الدعوى تصدر أمرا بذلك"، فلها أن تصدر الأمر لأسباب قانونية وموضوعية، وكذلك لها أن تأمر بأنه لا وجه لإقامة الدعوى بسبب موضوعى خاص بها وهو مجرد عدم الأهمية مع أن الواقعة تخضع للعقاب قانونا، وتوافر الأسباب القانونية التى يبنى عليها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية إذا رأى المحقق أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أى لا تشكل جناية ولا جنحة ولا مخالفة، وتعبير المشرع بأن "الواقعة لا يعاقب عليها القانون" فى المادة 154 إجراءات يتسع ليشمل:
1-توافر أحد أسباب انقضاء الدعوى الجنائية.
2-توافر أحد أسباب الإباحة.
3-توافر أحد موانع المسئولية.
4-توافر أحد موانع العقاب .
وأسباب الإباحة عبارة عن ظروف مادية تطرأ وقت ارتكاب الجريمة فترفع عنها الصفة الإجرامية، فرغم قيام الجريمة ركنيها المادى والمعنوى، ثم رابطة السببية لكن ارتكاب الفعل فى ظل هذه الظروف من شأنه إباحة الجريمة وعدم مسئولية مرتكبها، فالمشرع يرى فى ذلك تحقيق مصلحة أولى بالرعاية من مصلحة توقيع العقاب على الجريمة.
لذلك أسباب الإباحة تقررها نصوص قانونية تعد استثناء على نصوص الجريمة، وبالتالى يتم تجريد الصفة الغير مشروعة على الفعل الإجرامى فتجعله مباحا لا عقاب عليه، مما ينتج أثر إجرائى يتمثل فى وجوب وقف تحريك الدعوى تجاه المتهم، ومن ثم إذا كانت الدعوى مطروحة أمام المحقق وثبت له توافر أحد أسباب الإباحة فعليه التقرير بألا وجه لإقامة الدعوى فعليه أولا التحقيق من قيام أحد أسباب الإباحة وبعد ذلك التحقق من شروطه.
ما هى الآثار القانونية المترتبة على الأمر بالأ وجه لإقامه الدعوى الجنائية؟
الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لا يترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية، بل يوقف السير فى إجراءات الدعوى بحالتها، فإذا ما ظهرت أدلة جديدة أو إذا ألغى الأمر من الجهة المرفوع إليها الطعن أو من النائب العام تغيرت حالة الدعوى وجاز العودة إلى السير فى إجراءاتها، وكذلك يترتب على صدور الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أثر آخر يتمثل فى ضرورة الإفراج عن المتهم الصادر الأمر لصالحه متى كان محبوسا احتياطيا.
متى يلغى الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية؟
لقد حدد المشرع بعض الإجراءات للرقابة على سلطة التحقيق وما تصدره من أوامر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية حيث أجاز إلغاء هذا الأمر من النائب العام خلال الثلاثة أشهر التالية لصدوره إذا كان صادر من النيابة العامة.
وكذلك أجاز الطعن فى هذا الأمر بالاستئناف سواء كان صادر من النيابة العامة أو قاضى التحقيق ويكون لكل ذى مصلحة فى الطعن مباشرته، حيث نصت المادة 211 إجراءات جنائية أن: "للنائب العام أن يلغى الأمر بألا وجه فى مدة الثلاثة أشهر التالية لصدوره ما لم يكن قد صدر قرار من محكمة الجنايات أو من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة بحسب الأحوال برفض الطعن المدفوع فى هذا الأمر".
ماهو الفرق بين الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى وبين أمر الحفظ؟
أولا: كلا من الأمرين يصدران من النيابة العامة وهي صاحبة الاختصاص في كافة المحاضر والشكاوي التي يتم طلب تحريكها عن طريق الأفراد أو عن طريق الأشخاص المعنوي، ولكن يجب الأخذ في الإعتبار كالتالى:
أ-أمر الحفظ يصدر من عضو نيابة بدرجة وكيل نيابة.
ب- ويصدر الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى في الجنايات من رئيس نيابة ولا يكون نافداً إلا بعد التصديق عليه من النائب العام .
ج-أما الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الصادر في الجنح والمخالفات فيجوز صدوره من عضو نيابة بدرجة وكيل نيابة، وللنائب العام حق إلغاءه خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الصدور
ثانياً: أمر الحفظ ذوطبيعة إدارية وعليه يجوز العدول عنه في أي وقت وهو عبارة عن ختام إجراءات الاستدلال التي جمعت.
ثالثا: أما الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى فهو ذوطبيعة قضائية ولا يجوز العدول عنه إلا إذا ظهرت أدلة جديدة مثل شهادة الشهود أو تقديم أوراق لم تعرض على النيابة من قبل تقوي الأدلة التي كانت غير كافية او تحريات مباحث.
رابعا: الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى يجب أن يكون مسبب، كما أن الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى يجوز الطعن عليه بالاستئناف لأنه ذو طبيعة قضائية هذا بخلاف أمر الحفظ .
خامسا: الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى يقطع التقادم بخلاف الأمر بالحفظ .
الخلاصة:
يشار إلى أنه لا يوجد ما يسمى بتقييد القضية ضد مجهول، وأن هذا المفهوم الشائع عن إغلاق القضايا غير صحيح، حيث إن الأمر القانونى الصحيح الذى يدل على هذا المعنى هو أن يكون هناك أمر بأنه ليس هناك وجه بإقامة الدعوى الجنائية حسب ما نص عليه قانون الإجراءات الجنائية فى المادة رقم 61، كما أن أى قضية مهما كانت نوعيتها لا تغلق حتى بعد مرور عشرات السنين، لكنه يتم إغلاقها مؤقتا بعد التحقيق بها لعدم توافر أدلة، فإذا ما ظهر دليل أو قرينة أو معلومة من شأنها إفادة المحققين فى القضية يتم فتحها مرة أخرى وإعادة التحقيق بها.
وهناك أمرا آخر - وهو حفظ التحقيق فى القضية، لكنه يختلف عن الأمر الأول ويأتى بأمر صادر من النيابة العامة، وهو قرار إدارى يصدر لعدة أسباب، من بينها إذا رأت النيابة أنه لا أهمية للقضية، أو أن الفعل لا يعد جريمة، بالإضافة إلى عدة أسباب أخرى منها الحفظ لعدم المسئولية مثل أن يكون المتهم مجنونا أو صغيرا، وبمعنى أدق: هناك قضايا تقيد ضد مجهول وتغلق لفترة مؤقتة لحين التوصل لهوية الجانى، وذلك نظرا لاختفاء الأدلة والشواهد التى تساعد أجهزة الأمن فى كشف غموضها، إلا أن تلك النوعية من القضايا التى تقيد ضد مجهول أصبحت معدودة بسبب التطور الهائل فى عمليات البحث وإجراء التحريات، بالإضافة إلى استخدام أجهزة تكنولوجية حديثة فى تتبع الجناة وجمع المعلومات التى من شأنها كشف مرتكبى الجرائم والقبض عليهم.