5 أشهر بالتمام والكمال مضت على تاريخ ارتكاب "هناء. م"، المعروفة إعلاميا بـ "سيدة فاقوس" جريمتها النكراء، بقتل طفلها وتقطيع جثته وطهي جزء منها، داخل منزلها بمحافظة الشرقية، حتى أصدرت محكمة جنايات الزقازيق بعد انعقاد 12 جلسة، السبت الماضى، حكمًا ببراءة الأم من التهمة المنسوبة إليها، وهو الحكم الذى آثار العديد من التساؤلات عن سبب حصولها على مثل هذا الحكم، وما الذى تضمنه تقرير الطب الشرعى في تلك الواقعة البشعة.
تقريراللجنة الطبية الخماسية
تفاصيل ما جاء في تقرير اللجنة الطبية الخماسية المشكلة لتوقيع الكشف الطبي على الأم، قاتلة طفلها في الشرقية تضمن العديد من المفاجأت، وهو التقرير الذى أجاب على حزمة من التساؤلات وبيان دى مسئولية المتهمة عن أفعالها الإجرامية وإذا ما كانت تعانى من أمراض عقلية مزمنة أو عارضة من شأنها إفقادها إرادتها أو التأثير عليها من عدمه.
جاء في نص التقرير بالقضية التي حملت رقم 8619 لسنة 2023 جنايات مركز فاقوس والمقيدة برقم 844 لسنة 2023 كلي شمال الزقازيق ضد هناء محمد حسن، أن اللجنة الخماسية تشكلت من كل من: فاطمة محمد شريف خليل - أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي - جامعة الزقازيق، وائل محمد أحمد أستاذ الطب النفسي- جامعة الزقازيق، محمد جمال سحلو أستاذ الطب النفسي- جامعة الزقازيق، أسامة محمود يوسف أستاذ الطب النفسي- جامعة الزقازيق، وفاء عبد الحكيم محمود البهانى أستاذ الطب النفسي- جامعة المنصورة.
مناظرة الأم القاتلة
بدأت اللجنة الطبية مباشرة عملها وناظرت المتهمة في مناسبتين الأولى منها يوم الخميس الموافق 3 أغسطس 2023 داخل محكمة جنايات الزقازيق واستمرت المناظرة لمدة ساعتين ونصف في الفترة من من 12 ظهرا إلى 2.30 مساء، وكانت المناسبة الثانية يوم الاثنين الموافق 14 أغسطس 2023 داخل عيادة الطب النفسي بمبنى العيادات الخارجية بمستشفيات جامعة الزقازيق واستمرت المناظرة لمدة 3 ساعات في الفترة من 10 صباحا إلى الواحدة ظهرا، وتم تعريف المتهمة بأعضاء اللجنة وإعلامها أن الغرض من الفحص والمناظرة هو تقييم حالتها العقلية والنفسية، وتقديم تقرير للمحكمة بذلك، وأن أقوالها وإجابتها على أسئلة اللجنة سيتم استخدامها في كتابة هذا التقرير، وقد تفهمت المتهمة ذلك، وأبدت موافقتها على إجراء المناظرة.
نص التقرير
أولا: المناظرة وفحص الحالة العقلية للمتهمة: عند مناظرة المتهمة فى المناسبتين بدت سيدة في منتصف العقد الرابع ضئيلة الحجم، مهندمة ومهتمة بنظافتها الشخصية تجلس متزنة ولا يوجد لديها إضطراب في الحركة، واعية، يقظة، ومنتبهة، وبدت متبلدة العواطف حيث لم تبد جزعا، حزنا، أو ندما يتناسب مع بشاعة ما حدث حتى وهى تصف تفاصيل الجريمة، فيما أحتوى تفكيرها على ضلالات الإضطهاد مثل (زوجة الاخ وزجة العم يتعمدان إيذائها وإيذاء إبنها بالعمولات والسحر ووضع السم في الأكل، كما أن زوجة العم وإثنين من معارفها يقمن بإيذائها بدنيا عن بعد بقوة السحر بالتنغيز تحت إبطها)، ولديها هلاوس جسدية (لمسية)، مثل قولها: (فيه تنغيز تحت باطى حاسة بصوابعهم بالتنغيز تحت إبطها).
وبحسب "تقرير اللجنة الخكماسية": المتهمة تعى الزمان والمكان والأشخاص، وذاكرتها جيدة للأحداث القريبة والبعيدة وذكاؤها أقل من المتوسط بالتقدير الإكلينيكي، وكانت متعاونة مع أعضاء اللجنة وتجيب عن الأسئلة الموجهة اليها، وإن كانت تجيب بردود مقتضبة على الأسئلة التى تتعلق بتفاصيل الجريمة وأسبابها (تكرر دائما كلمتين غلطة، أنا معمولى عمل)، وكان هناك خللا في الإستبصار ( أنا مش مجنونة، أنا معمولى عمل )، وكان هناك إعتلالا في الحكم على الأمور وعدم تقدير لفداحة موقفها فهى ترى ما ارتكبته من جرم مجرد غلطة لا تستحق عقابا قاسيا، وأنه يكفى أن تدفع بعض المال ( الدية) ليتم الإفراج عنها لتستكمل حياتها.
ثانيا: قراءة ملف القضية والإطلاع على أقوال المتهمة والشهود:
أظهر الإطلاع على ملف القضية أن المتهمة كانت تعانى من إضطراب في التفكير خاصة في الفترة التى تلت طلاقها وكانت تتصرف بغرابة مدفوعة بمخاوف مرضية على ولدها، وطالت الشكوك المرضية طليقها، ووالدتها وزوجة أخيها تركت بيت أهلها بعد الطلاق وفضلت الإقامة وحدها في منزل مهجور يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الأدمية، وذلك خوفا من أن يتم وضع السم له من قبل الأم وزوجة الأخ، وإمتددت الشكوك المرضية الى العم الذى ذكر إنها نهرت إبنها وعنفته عندما تناول بعض الطعام من يديه وأنها منعتة من ذلك، وأن ذات الفعل كان يتكرر مع كل من يتعامل معهم.
الاستخلاص:
وستخلص التقرير الحالة بقوله: بفحص الحالة العقلية أظهر محدودية ذكاءها وهو ما أكده إختبار الذكاء الذي أجرى لها، كما أوضح إفتقادها للبصيرة والحكم الصائب على الأمور، كما تبين من الفحص أن المتهمة لديها ضلالات الإضطهاد وهلاوس، وعلى الرغم من أن المتهمة لم تفصح صراحة عن محتوى تلك الضلالات التي ترتبط بارتكابها للجريمة حيث كانت تتعمد إخفاء ذلك وترد باقتضاب فيما يخص دوافعها إلا إن ما ورد على لسان الشهود فى التحقيقات وما تم التأكد منه من خلال مناظرتهم أن المتهمة كانت لديها ضلالات الإضطهاد فيما يخص ولدها المجنى عليه تلك الضلالات صورت لها أنه فى خطر شديد وصور لها تفكيرها المضطرب أنها بدفنة وإياها داخل حفرة يمكنهما الهرب، كما أن ضلالات التفكير أوصلتها لتفسير مختل للآية الكريمة (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ) وبناءا على ذلك فإنهما لن يموتا وسيعودان للحياة مرة أخرى، كما سبق وأن عاد للحياة بعد ذبحه.
ويضيف "التقرير": تلك الأفعال والأقوال لا يمكن أن تصدر عن عقل سليم، وهنا يجدر الذكر أن تصرف المتهمة بصورة طبيعية في باقي مناحي حياتها مثل مباشرتها لمسار القضايا التي رفعتها على طليقها ومتابعة بناء منزلها الجديد لا يتنافى مع وجود هذا الخلل في التفكير، حيث تركزت الضلالات الفكرية حول ولدها والخوف من فقده ولم تصب باقى مسارات التفكير بالعطب، ومن هنا يمكننا أن نستنتج أن ذلك العقل المريض بالضلالات في ظل محدودية الذكاء دفعها إلى إرتكاب تلك الجريمة البشعة بنفس المنطق المختل قتله هو الوسيلة الوحيدة لإخفاءه وحمايته وأنه سيعود مرة أخرى للحياة، وتعاظمت تلك المخاوف المرضية والتي ترقى إلى درجة الضلالات عندما قامت بحفر حفرة وطلبت من جارتها "زينب" دفنها بها بصحبة إبنها وأن ذلك لن يؤدى إلى موتهما وإن إبنها سبق وأن مات وعادة مرة أخرى من الموت.
ثالثا: مناظرة اللجنة لبعض الشهود ممن ورد ذكرهم في التحقيقات
أكد الشهود على ما ورد على لسانهم في التحقيقات، وأضافت الجارة (زينب) أنها عندما ناقشت المتهمة فى سبب الطلب الغريب بدفنها وإبنها في الحفرة، أجابت المتهمة أن ذلك لن يؤدى إلى وفاتهما وإن زوجة أخيها (هدى) سبق وأن ذبحت إبنها بالسكينة، وأنها رأت السكينة والملابس الملوثة فى الدولاب وإن ابنها عاد بعد ذلك إلى الحياة، كما أضافت الشاهدة (زينب) أن المتهمة كانت تعانى من سخرية ومضايقات الصبية في القرية حيث كانوا يقذفونها بالحجارة ويتعمدوا إستفزازها لعلمهم إنها سريعة الغضب وغريبة الأطوار، كما أكدت على أن المتهمة كانت تتصرف بغرابة شديدة منذ صباح يوم الجريمة، وكانت تتصرف بغرابة أكبر بعد إكتشاف الجريمة وحضور الشرطة حيث كانت تتحرك بصورة طبيعية داخل المنزل وتعيد ترتيب الملابس وتضعهم داخل الدولاب وكأن شيئا لم يحدث، وأضاف الأخ (هاني) أن اخته كانت تتحدث الى نفسها عندما كانت تجلس منفردة، وأضافت (الأم) أنها حاولت عرض إبنتها على طبيب نفسي ولكن المتهمة كانت ترفض بشدة.
رابعا نتائج الفحوصات الطبية
وبفحص صورة الدم ووظائف الكلى والكبد في الحدود الطبيعية، ورسم المخ الكهربي لم يرصد أى إختلال، وبتصوير الرنين المغناطيسي على الدماغ أظهر بؤر متعددة لتغيير الإشارات، قد تشير إلى الإصابة بمرض التصلب المتعدد تحتاج إلى مزيد من التقييم الإكلينيكي والمتابعة من قبل مختصين في أمراض المخ والأعصاب لتأكيد التشخيص ومن المعروف أن الإصابة بهذا المرض قد يؤدى إلى أعراض عقلية ونفسية كالضلالات والهلاوس وتبلد المشاعر، وإن الاضطراب العقلى هو التفسير الوحيد لغرابة هذا الجرم وشذوذه فكيف لأم إتفق جميع الشهود على حبها الشديد لإبنها أن تقوم بقتله، وإذا كان الغرض من قتله هو الانتقام من والده وحرمانه منه فلما تقطيعه لأجزاء؟؟، وإذا كان تقطيعه الأجزاء بغرض إخفاء معالم الجريمة فلما طهيه وتناول لحمة ؟، وهذا ما نعنيه بغرابة الجرم وشذوذه.
الرأي:
من مناظرة المتهمة في مناسبتين ومراجعة ما أجرى لها من فحوصات والإطلاع على ملف القضية وما تضمنه ومناظرة بعض الشهود ومناقشتهم في أقوالهم، إرتأت اللجنة أن المذكورة كانت تعالى وقت ارتكاب الجريمة من أعراض إضطراب ذهاني افقدها الإستبصار والحكم الصائب على الأمور مع وجود قصور في القدرات العقلية، وأنها ارتكبت جريمتها تحت تأثير حالتها المرضية وهي فاقدة للإدراك والإرادة وعليه فهى تعتبر غير مسؤولة عن فعلها الإجرامي المذكور.
تعاني من اضطراب ذهني
ونصّ تقرير اللجنة الخماسية على: "الاضطراب العقلي هو التفسير الوحيد لغرابة هذا الجرم، وإن كان الغرض الانتقام من والده وحرمانه لماذا تم تقطيعه لأجزاء؟"، وأضاف التقرير: "وإن كان تقطيعه لأجزاء لإخفاء معالم الجريمة فلما طهيه وتناوله؟، المتهمة كانت تعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب ذهني، وأن المتهمة لديها قصور في القدرات العقلية، وارتكبت الجريمة تحت تأثير حالتها المرضية، وكانت فاقدة للإدراك والإرادة وغير مسئولة عن فعلها الإجرامي، وأنها كانت تعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب ذهاني، أفقدها الاستبصار والحكم على الأمور مع وجود قصور في قدراتها العقلية".
أحالت جهات التحقيق "هناء.م"، 37 عاما، مقيمة قرية شلبي التابعة لمركز فاقوس، إلي محكمة جنايات الزقازيق لاتهامها بأنها في يوم 27 أبريل من العام الجاري، قتلت المجني عليه الطفل 'سعد م س' ابنها وقطعت جثته إلى 9 أجزاء وطهت جزء منه وأكلته، وذلك عمدًا مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتت النية على إزهاق روحه.
اعترافات المتهمة
واعترفت المتهمة بقتل ابنها أمام جهات التحقيق حول دوافع القتل لديها قائلة: 'عايزة أريّحه وأرتاح.. عايزة أنتقم من أبوه وأرتاح من كل شوية ييجي أبوه عايز ياخده'، مضيفة أنها قامت بقتل ابنها باستخدام يد فأس خشبية وسكين وضربه على رأسه 3 ضربات وهو يستنجد تحت يديها ويتوسل لها أن ترحمه، ثم قامت بذبحة وتقطيع جسده وتشفيته بفصل اللحم عن العظم داخل الحمام، ثم وضعت إناء على النار وبه كمية من المياه ووضعت بها أجزاء من جسده ورأسه وسلختها وعبثت بها حتى أخفت معالمها.
تعليقا على ذلك، يقول عبد الحميد رحيم المحامي بالنقض لـ"برلمانى" إن اللجنة الخماسية التي تم تشكيلها لفحص الحالة الصحية والعضلية والنفسية للمتهمة والتقرير الذي أعدته يؤكد أن هناك جهات مساعدة للقضاء في أداء رسالته لإحقاق العدل، موضحا أن التقرير ومنطوق حكم المحكمة أصابا صحيح القانون.