" أرض بلا شعب.. إلى شعب بلا أرض" مقوله روج لها زعماء الحركة الصهيونية حتى صدقوها وفرضوها بمنطق الأمر الواقع، ومنذ قيام دولتهم على أرض فلسطين وحتى اليوم الحالي يعملون على محو كل ماهو فلسطيني من ثقافة وتراث وتاريخ وأرض، ورغم أن دولتهم بقيت بدون دستور مكتوب حتى الأن، إلا أنهم استطاعوا وضع ترسانة من التشريعات محت الحقوق الفلسطينية في الحياة.
وداخل مبنى الكنيست - السلطة التشريعية في إسرائيل – تم صياغة وتمرير الكثير من التشريعات التي تٌكرس ليهودية الدولة، وتهمش كل الفلسطينيين الذين مازالوا يعيشون في الداخل ورفضوا كل محاولات التهجير القسرى والطرد من أرضهم، ولكن بقائهم هذا ظل على حساب حقوقهم في الحياة، التي سلبتها منهم القوانين العنصرية للدولة اليهودية.
ويبلغ تعداد السكان العرب في إسرائيل حتى نهاية عام 2020، 1,957,270 أي حوالي 21.1% من إجمالي السكان، يشمل هذا الرقم حوالي 362,000 عربي في القدس الشرقية والباقى في جبال الجليل، المثلث، وشمالي النقب وحوالي 23,000 عربي في الجولان، يحمل معظمهم صفة "مقيم دائم"، دون أن يحصلوا على الجنسية الإسرائيلية.
وخلال العقدين الماضيين كرست إسرائيل مجموعة من التشريعات العنصرية التي تستهدف العرب داخلها، كان أعنفها قانون "الدولة القومية" والذى أقره الكنيست في 18 يونيو 2018، قوالذى يحمل عنوان : "إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي"، وشهد تصويت بأغلبية 62 نائباً من جميع كتل الائتلاف، ومعارضة 55 نائباً، منهم 13 نائباً عربياً، وينص القانون على أن إسرائيل هي دولة قومية للشعب اليهودي وكذلك اسمها، رمزها ونشيدها. وحسب القانون، فإن القدس كاملة وموحدة هي عاصمة دولة إسرائيل وأن اللغة العبرية هي اللغة الرسمية للدولة. ولا يمكن تعديل القانون إلا من خلال أغلبية أعضاء الكنيست.
وتكمن مخاطر القانون ليس فقط في محو الواقع الفلسطيني، ولكنه يلغى حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجّروا منها العام 1948، وهذا يخالف بوضوح قرار 194 الذي أصدرته الأمم المتحدة، وكافة القرارات الأممية بشأن وضع مدينة القدس، ويلغي اللغة العربية كلغة رسمية.
وقبل قانون الدولة اليهودية أقر الكنيست في إبريل 2017 قانون كمينتس في جلسة استثنائية، والذي يسهل إجراءات هدم البيوت العربية بذريعة عدم الترخيص، وصوت الى جانب القانون 43 عضو كنيست، فيما عارضه 33 نائبا، وأتاح هذا التشريع تسريع إجراءات هدم البيوت في البلدات العربية، عبر الانتقال من الإجراءات القضائية إلى الإجراءات الإدارية، كما يقضي القانون، بموجب التعديل في البند 109 من القانون، على إتاحة الإمكانية لإصدار أمر إداري لوقف "مخالفة البناء"، واعتبارها إدارية، ما يتيح فرض غرامات مالية تصل إلى 700 شيكل يوميا، بدلا من الإجراءات القضائية في المحاكم.
لم تكتفى دولة الاحتلال بمحو التاريخ والبيوت ولكنها أيضا سهلت ملاحقة الفلسطينيين في الداخل الاسرائيلى، من خلال إقرار قانون مكافحة الإرهاب، والذى صادق عليه الكنيست في يونيو 2016 بأغلبية 57 صوتا ومعارضة 16 نائبا، هذا التشريع الذى أطلق العنان لأذرع الأمن الإسرائيلية لقمع أي نشاطات احتجاجيّة شرعيّة ضد السياسات الإسرائيليّة، كما أنه يتيح أيضا اعتقال شخص لمدة 48 ساعة دون الحصول على استشارة قانونية أو عرضه أمام المحكمة لتمديد اعتقاله، ما يعرقل إمكانيّة الاعتراض على هذه القرارات القمعيّة أمام جهاز القضاء.
وعندما وجدت السلطات الإسرائيلية أن النواب العرب داخل الكنيست يقفون عائقا أمام تمرير قوانين العنصرية كما تشاء، لجأت إلى تمرير قانون "الإقصاء" وصادق الكنيست عليه في 2016 بأغلبية 62 عضوًا ومعارضة 47، وينص على إمكانية إقصاء أي نائب توجه له تهمة التحريض على العنصرية أو دعم الكفاح المسلح ضد إسرائيل، وذلك في حال صادق 90 عضو كنيست على الإقصاء، وهو قانون موجه خصيصا للنواب العرب.
وفى مارس 2011، صادق الكنيست على "قانون النكبة" و الذي سمح لوزير المالية الإسرائيلي بفرض الغرامات على مؤسسات تُموّلها الدولة، كالمدارس والجامعات والسلطات المحلية، إذا ما نظمت برامج يشار فيها إلى ما يسمى "يوم الاستقلال"، أو يوم "قيام إسرائيل"، كيوم حداد أو تنظم مناسبات تنفي تعريف دولة إسرائيل كدولة "يهودية وديمقراطية"، وذلك للحيلولة دون احياء الفلسطينيين ذكرى نكبتهم في عام 1948، وغيرها من المناسبات كيوم الأرض.
وفى نفس العام أقر البرلمان "قانون القبول" الذي يسمح للبلدات التي تضم أقل من 400 عائلة بتشكيل لجان لانتقاء المرشحين للسكن فيها، ورفضهم في حال كانوا "لا يتناسبون مع أسلوب الحياة الاجتماعي أو الثقافي للبلدة"، ويهدف القانون، على وجه الخصوص، إلى منع الفلسطينيين في إسرائيل من الانتقال إلى البلدات اليهودية في منطقتي النقب والجليل.
وفى عام 2009 استولت إسرائيل على أراضى الفلسطينيين من خلال قانون "دائرة أراضي إسرائيل" والذى أسس لخصخصة واسعة للأراضي، معظم هذه الأراضي بملكية اللاجئين الفلسطينيين ومهجري الداخل- التي تديرها الدولة تحت تعريف "أملاك الغائبين" - فيما تتبع ملكية بعضها إلى قرى عربية هُدمت وهُجرت، وأراض صودرت من المواطنين الفلسطينيين، ويمكن بيع هذه الأراضي وفقا للقانون لمستثمرين من القطاع الخاص كما يُمكن استثناؤها من أية مطالب مستقبلية باستردادها.
حتى لم شمل العائلات الحلم البسيط للشعب الفلسطيني محته إسرائيل بإقرارها في العام 2003 قانون منع لم شمل العائلات، والذي يمنع بموجبه منح أي جنسية أو مواطنة لفلسطينيين ممن يقطنون في المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967 والمتزوجين من فلسطينيين يعيشون داخل الأراضي عام 1948، حيث يحرم آلاف العائلات الفلسطينية من حق لمّ شمل عائلاتهم.
الترسانة التشريعية التي بنتها إسرائيل على مدار العقدين الآخيرين كرست لواقع واحد وهو أن السكان اليهود هم أصحاب الحق الطبيعي في البلد ولهم جميع الحقوق التي تمنحها الدولة لمواطنيها، أما السكان غير اليهود أي المواطنين العرب فليس لهم أي حقوق، بل إنه من السهل إبادتهم بالألة العسكرية الإسرائيلية التي لا تعرف معنى للإنسانية.