أصدرت الدائرة "2" مدنى – بمحكمة استئناف القاهرة – حكما فريدا من نوعه، يهم ملايين المتعاملين بالتوكيلات، بإلغاء توكيل رسمى "عام بيع + بنوك" حرره الابن لأبيه، وقد رفضت محكمة أول درجة الدعوى ثم تم استئناف الحكم، وتم الغاء الحكم والقضاء مجددا بإلغاء التوكيل، علما أن التوكيل مدون فيه جملة: "عدم جواز إلغاء تلك الوكالة إلا باتفاق الطرفين"، إلا أنه تم إلغاؤه بالفعل بإصدار ذلك الحكم.
صدر الحكم في الاستئناف المقيد برقم 359 لسنة 24 قضائية، لصالح المحامى رأفت فرج، برئاسة المستشار سيد العوام، وعضوية المستشارين وليد الطويل، ومحمد فتحى بكر، وأمانة سر شعبان سيد.
الوقائع.. الابن يحرر لوالده توكيلا رسميا "عام بيع + بنوك" لسفره خارج البلاد
تخلص وقائع النزاع أن أحاط به الحكم المستأنف الصادر في الدعوى رقم 2761 لسنة 2019 مدنى كلى شمال القاهرة الابتدائية بجلسة 30 نوفمبر 2019 من ثم تحيل إليه فيما ورد به من وقائع وألم به من مستندات وأوجه دفاع الخصوم منعا للتكرار غير أن المحكمة توجز منها بالقدر اللازم لحمل قضائها في أن المستأنف كان قد أقام الدعوى المستأنف حكمها بموجب صحيفة موقعة من – محام - أودعت قلم كتاب محكمة شمال القاهرة وأعلنت قانوناً للمدعى عليهما، طلب في ختامها الحكم بإلغاء التوكيل رقم 4704 حرف "م" لسنة 2006 مكتب توثيق الزيتون المؤرخ 28 نوفمبر 2006 إلزامهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وأورد شرحا للدعوى أنه بتاريخ 28 نوفمبر 2006 حرر توكيل رسمي عام شامل لوالده المدعى عليه الأول، وذلك لإدارة شئونه نظرا لإنتوائه السفر وأنه يرغب في الغاء التوكيل نظرا لإساءة المدعى عليه الأول استخدام التوكيل، حيث قام بسحب المبالغ المالية من حسابه وحساب أبناءه القصر من دفاتر التوفير دون علمه، ولعدم سفر المدعي وهو يتولى شئونه بنفسه، وقد رفض المدعي عليه الأول التوجه معه للشهر العقاري لإلغاء التوكيل، وقدم سندا لدعواه صورة ضوئية من التوكيل رقم 4704 حرف "م" لسنة 2006 رسمي عام شامل - بنوك، الأمر الذي حدا به إلى إقامة الدعوى ابتغاء القضاء بالطلبات سالفة البيان.
والأب يستغل "التوكيل" ويصرف من الأموال لصالحه دون الرجوع لابنه
وفى تلك الأثناء - تداولت الدعوى بالجلسات أمام محكمة أول درجة، ومثل المدعي بوكيل عنه محام، وقدم حافظتي مستندات اطلعت عليهما المحكمة، والمت بما حوتهما، وبجلسة 30 نوفمبر 2019 أصدرت محكمة أول درجة حكمها برفض الدعوى، والزمت المدعي المصاريف، الأسباب حاصلها أن العبارات الواردة بالتوكيل تدل بذاتها على أن الوكالة لصالح المدعي عليه الأول ولم يثبت موافقة المدعى عليه الأول على الغائه، وذلك إعمالا لنص المادة 715 من القانون المدني، وتحيل لذلك الحكم فيما ورد من أسباب ومنطوق منعا للتكرار.
وإذ لم يرتض المستأنف هذا الحكم، فرفع استئنافه بموجب صحيفة موقعة من محام استوفت أوضاعها الشكلية أو دعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 4 يناير 2020، وأعلنت المستأنف ضدهما قانونا طلب في ختامها الحكم بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بالطلبات الواردة بصحيفة الدعوى المبتدأة، مع إلزام المستأنف ضدهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي وأورد سبباً للاستئناف الخطأ فى تطبيق القانون
أولا: حيث إن الوكيل هو والد المستأنف ولم يكن الغرض من عمل التوكيل البيع أو الشراء، ولكن إدارة شئونه.
ثانيا: الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب حيث قدم مستندات تفيد إساءة استخدام المدعى عليه الأول للتوكيل.
ثالثا: مخالفة الثابت بالأوراق حيث التفتت المحكمة عن المستندات المقدمة منه، مما حدا به إلى إقامة الاستئناف ابتغاء القضاء بالطلبات سالفة البيان.
الابن يعود من السفر ويطلب من والده الذهاب معه للشهر العقارى لإلغاء التوكيل.. والأب يرفض
وبالفعل - تداول الاستئناف بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها حيث مثل المستأنف بوكيل عنه – محام - وقدم حافظة مستندات طالعتها المحكمة، وقدم نائب الدولة عن المستانف ضده الثانى بصفته مذكرة طلب فيها عدم الزامهما بأية مصروفات، وبجلسة المرافعة الختامية قررت المحكمة حجز الاستئناف للحكم.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: وحيث أنه وعن الموضوع فإنه ومن المستقر عليه قانونا أن النص في المادة 715 من القانون المدني على أن:
1- يجوز للموكل في أي وقت أن ينهى الوكالة أو يقيدها ولو وجد اتفاق يخالف ذلك.
2- غير أنه إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لصالح أجنبي فلا يجوز للموكل أن ينهي الوكالة أو بقيدها دون رضاء من صدرت الوكالة لصالحه.
وبحسب "المحكمة": يدل على أن إنهاء الوكالة في حالة ما إذا كانت صادرة لصالح الوكيل أو أجنبي لا يتم بالإرادة المنفردة للموكل بل لابد أن يشاركه في ذلك من صدرت لصالحة الوكالة وهو الوكيل في الحالة الأولى أو الأجنبي الذي صدرت الوكالة الصالحة في الحالة الثانية، كما أنه ومن المقرر قانونا أن المناط في التعرف على مدى سعة الوكالة من حيث ما تشتمل عليه من تصرفات قانونية حول الموكل للوكيل إجراءها يتحدد بالرجوع إلى عبارات التوكيل ذاته، وما جرت به نصوصه وإلى الملابسات التي صدر فيها التوكيل وظروف الدعوى وأن تحديد مدى سعة الوكالة يعد تفسيرا لمضمونها مما يضطلع به قاضي الموضوع بغير معقب عليه من محكمة النقض ما دام هذا التفسيرمما تحتمله عباراته بغير مسخ.
الابن يقيم دعوى قضائية بإلغاء التوكيل
وتضيف "المحكمة": ومن المقرر أيضا أن عقد الوكالة يلزم الوكيل بمقتضاء بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل، لما كان ذلك، وكان المقرر أن العبرة في تكييف الدعوى واعطائها وصفها الحق هي بحقيقة المقصود من الطلبات المقدمة فيها، وليس بالألفاظ التي تصاغ بها هذه الطلبات، وإذ كان المناط في تكييف العقود هي بحقيقة ما عناه المتعاقدون دون اعتداد بما أطلقوه عليها من أوصاف أو ضمنوها من عبارات تخالف حقيقة التعاقد وما قصده المتعاقدون وتخضع محكمة الموضوع في تلك الرقابة محكمة النقض.
محكمة أول درجة ترفض إلغاءه لأنه مدون فيه "لا يجوز إلغاؤه إلا بحضور الطرفين"
لما كان ذلك، فإنه وبالتطبيق المطلق والمجرد لنص المادة 715/2 سالف الإشارة إليها حسب عباراتها الظاهرة قد يؤدي إلى قتل النص وتقديسه وعدم اقتراب منه بما يترتب عليه اختلال التوازن في العلاقة بين الطرفين ويجعل إلغاء التوكيل على هذا النحو رهن بمشيئة الطرف الآخر المطلقة، وأقرب إلى عقود الإذعان منها إلى عقود التراضي، فما كان من محكمة النقض إلا أن إتجهت في حكم حديث لها كان من شأنه فك غموض هذا النص والعودة به إلى رقابة قاضية المنوط بتطبيقه ورفعا لما قد يمتزجه من جور أو تعسف أو سوء استغلال وتعدي على حقوق الآخر تحت مظلته ويشكل عثرة في المعاملات بين اطرافها وعدم استقرارها اجتماعيا و اقتصاديا بأن أجازت الغاء التوكيل بالبيع للنفس والغير حتى ولو تضمن شرطا بعدم جواز الغاوه إلا بحضور الطرفين، وبهذا فتحت الباب أمام قاضى الموضوع للبحث في الظروف والملابسات التي أحاطت بإصدار تلك الوكالة من حيث سعة إصدارها الوعي، ومدى إلغائها أو بقائها حسب ظروف كل دعوى ووقائعها والمصلحة في بقائها ونفاذها فإذا ما انتفت المصلحة والحاجة لإستمرارها فيكون من الموكل الغائها والتحلل من هذا القيد – وفقا للطعن المقيد برقم 4999 لسنة 71 قضائية.
الابن يستأنف الحكم.. ومحكمة ثانى درجة تنصفه وتلغى التوكيل
ولما كان الثابت بالأوراق ومن التوكيل رقم 4704 حرف "م" لسنة 2006 رسمي عام شامل + بنوك أنه قد صدر من المستأنف الصالح المستأنف ضده الأول، وقد تضمن وفق عباراته العامة الحق في البيع للنفس والغير، ولم يحدد التوكيل عقارا أو منقولا يقع عليه التصرفات، وقد عمل المستأنف سبب إصدار هذا التوكيل للمستأنف ضده الأول (والده) هو إدارة شئونه حال عزمه السفر خارج البلاد أما وأنه لم يغادرها فإنه الأولى بإدارة شئونه بنفسه ولم تعد هناك حاجة لبقاء هذا التوكيل، فإنه من ثم لا يمكن اعتبار هذا التوكيل مقرراً لصالح المستأنف ضده الأول ولا يتصور أن يبقي وسيله تهديد فعاله له في ممتلكاته وأمواله خاصة، وقد أثبت المستأنف استخدام التوكيل فى صرف مبالغ مالية خاصة به وبأبنائه القصر من حساب البريد دون علمه أو رغبته، وبالتالي يجوز طلب إلغاء، بالإرادة المنفردة الموكل، وإن خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ووقف عند ظاهر عبارات تلك الوكالة، وقضى برفض الدعوى بمقولة "عدم جواز إلغاء تلك الوكالة إلا باتفاق الطرفين"، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون متعينا القضاء بالغائه والقضاء للمستأنف بطلباته.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة أولا: بقبول الاستئناف شكلا.
ثانيا: وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به والقضاء مجددا بإلغاء التوكيل رقم 4704 حرف "م" لسنة 2006 مكتب توثيق الزيتون المؤرخ 28 نوفمبر 2006 وفى مواجهة المستأنف ضده الثانى بصفته.