تسير تل أبيب بثقة وثبات إلى الفشل فى قطاع غزة، فكل يوم يحمل معه نكسة جديدة لأجهزة إسرائيل الأمنية والعسكرية، مما يجعلها تفقد رصيدها الشعبى بالتزامن مع تآكل الدعم الدولى لعمليتها العسكرية، مما يضع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فى مهب عاصفة ستطيح به وحكومته المتطرفة.
وخلال اليومين الماضيين تعرضت إسرائيل إلى إحراج كبير لها على المستوى الداخلى بعد أن تورط جيشها فى قتل ثلاث رهائن بالخطأ، مما أثار غضب شعبى فى تل أبيب وانطلقت مظاهرات الغضب ضد نتنياهو خوفا على مصير بقية الرهائن نتيجة القصف العشوائى لقطاع غزة، وهذا الفشل العسكرى يصاحبة تراجع للدعم الدولى، حيث تغيرت نبرة الحلفاء، وتعالت خلال الساعات الماضية الأصوات فى فرنسا وبريطانيا وحتى واشنطن بضرورة وقف إطلاق النار.
وقال الجيش الإسرائيلى، إن الرهائن الثلاث الذين قتلوا فى حى الشجاعية شرق مدينة غزة هم يوتام حاييم وألون شامريز، اللذان اختطفا من تجمع كفار عزة السكنى، وسامر الطلالقة، الذى اختطف من تجمع نير عام السكنى القريب، وقال مسئول فى الجيش الإسرائيلي، إن تحقيقاً مبدئياً خلص إلى أن الرهائن الثلاث الذين قتلتهم قوات إسرائيلية عن طريق الخطأ فى غزة كانوا يرفعون راية بيضاء.
وأضاف المسئول، أن جنديا شاهد الرهائن يظهرون على بعد عشرات الأمتار من القوات الإسرائيلية فى الشجاعية، وأشار إلى أنها منطقة قتال عنيف فى شمال غزة، حيث ينفذ مقاتلو حركة حماس عمليات بالزى المدنى ويستخدمون أساليب خداعية.
وقال المسئول "كانوا جميعا بلا قمصان ومعهم عصا عليها قطعة قماش بيضاء. شعر الجندى بالتهديد وفتح النار، وأعلن أنهم إرهابيون، ففتحت (القوات) النار وقُتل اثنان منهم على الفور"، وذكر المسئول أن الثالث أصيب وتراجع إلى مبنى مجاور، حيث طلب المساعدة باللغة العبرية.
وأضاف "على الفور أصدر قائد الكتيبة أمراً بوقف إطلاق النار، لكن مرة أخرى حدث إطلاق نار آخر باتجاه الشخص الثالث ومات أيضا.. كان هذا مخالفاً لقواعدنا فى الاشتباك".
فى حين قال المحلل العسكرى فى صحيفة "هآرتس" العبرية، إن قتل الأسرى الإسرائيليين الثلاثة فى حى الشجاعية شرقى مدينة غزة يدلل على شح المعلومات الاستخباراتية الواردة من قطاع غزة حول وضع الأسرى وأماكن احتجازهم.
وذكر المحلل العسكرى "عاموس هرئيل"، أنه "لم تكن لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية أدنى معلومة حول وجود الأسرى الثلاثة فى حى الشجاعية وإلاّ لاستعد لخيار لجوئهم إليه وإمكانية تحقيق إنجاز باستعادتهم أحياء، وهى خطوة كانت ستعتبر إنجازاً عسكرياً كبيراً على ضوء الفشل حتى الآن فى استعادة أى من الأسرى أحياء".
وأضاف "بدت المعلومات الاستخباراتية حول الأسرى فى القطاع ضئيلة وشحيحة خلافاً لما يروجه الجيش، وكانت النتيجة مأساوية"، وفيما يتعلق بأهداف الحرب التى وضعتها حكومة الاحتلال، وهى القضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى فى ذات الوقت، قال المحلل العسكرى إن أهداف الحرب تصطدم مع بعضها.
وتابع "ليس بالإمكان تصفية حماس من جهة، والحفاظ على حياة المختطفين واستعادتهم سالمين من جهة أخرى"، وأكد أن "ادعاءات نتنياهو وجالانت وكبار قادة الجيش بأن الضغط العسكرى سيساهم باستعادة الأسرى غير صحيحة"، وقال: "لم ينجح الجيش باستعادة أى من المختطفين أحياء بل بات يعد جثث المختطفين، حيث عثر خلال الأيام الأخيرة على 5 جثث لمختطفين".
وفى استمرار سياسة عدم الإعتراف بالخطأ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو علنًا للمرة الأولى منذ أن قتلت قوات الجيش الإسرائيلى الرهائن، وقال نتنياهو "بدون الضغط العسكري، لم نكن لننجح فى وضع الخطوط العريضة التى أدت إلى إطلاق سراح 110 من الرهائن، ولن يؤدى سوى الضغط العسكرى المستمر إلى إطلاق سراح جميع الرهائن".
ويعتبر قتل مدنيين فى حالة استسلام مخالفة للقانون الدولى، حيث تحظر قواعد الحرب وفق القانون الدولى الإنساني، استهداف المدنيين. ويعد استهدافهم جريمة حرب، وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وتوفر تلك القواعد اعترافا بحق المدنيين فى الحماية من أخطار الحرب، وبحقهم فى الحصول على المساعدة التى يحتاجون إليها. ويجب توخى جميع أسباب الحيطة الممكنة لتفادى إلحاق الضرر بهم أو بمنازلهم أو تدمير وإتلاف سبل بقائهم، مثل مصادر المياه والمحاصيل والماشية وغيرها.
وتنص أيضًا على حق حصول المرضى والجرحى على الرعاية، بغض النظر عن الجهة التى ينتمون إليها، بجانب عدم مهاجمة العاملين فى المجال الطبى والمركبات الطبية والمستشفيات المخصصة للعمل الإنسانى.
وقواعد الحرب والمندرجة تحت اتفاقيات جنيف، تحتم على الدول احترامها "سواء كانت قوات حكومية أو مجموعات مسلحة من غير الدول"، وتنص تلك القواعد على وجوب حماية الأشخاص الذين لا يشاركون فى القتال، مثل المدنيين أو الطواقم الطبية أو العاملين فى مجال الإغاثة، بجانب من لم يعودوا قادرين على القتال، مثل الجنود الجرحى أو الأسرى.
وشعبيًا كان لقتل الرهائن صدى داخلى حيث نزلت عائلات الرهائن الذين لا يزالون محتجزين الى شوارع تل أبيب، وطالبت حكومة الدولة العبرية بإعداد خطة فورية تتيح الإفراج عنهم، وقال الأهالى وفقًا لوسائل إعلام عبرية، "لا نتلقى سوى مزيد من جثث الرهائن"، وأضافوا "مطلبنا ليس معركة، إنه مطلب يرفعه أى شخص فقد والده. خذونا فى الاعتبار واقترحوا الآن خطة تفاوض".
ووفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، قام المتظاهرون وعائلات المحتجزين فى غزة بنصب خيام أمام مدخل وزارة الدفاع بتل أبيب، وعلقوا أسماء وصور المختطفين على جدار مجاور، واتهم "تجمع عائلات المحتجزين بغزة" الحكومة الإسرائيلية بـ"عدم الاهتمام بمصير أبنائهم فى ظل العملية العسكرية".
كما هددوا بأنهم سيلاحقون الحكومة الإسرائيلية (قضائياً) فى حال لم تستجب لمطالبهم، وقال أهالى الرهائن : "إذا لم يطرأ أى تغيير سيتم نقل اعتصامنا أمام وزارة الدفاع بمنطقة كرياه فى تل أبيب، سنقف وننتظرهم، سيحاولون التهرب حتى لا ينظروا إلى أعيننا، لكننا سننتظرهم حتى نحصل على صفقة تُبادر بها إسرائيل".
وبدأت الولايات المتحدة فى الأيام الأخيرة بـ"الضغط" على إسرائيل، بهدف الانتقال إلى مرحلة أقل حدة من الحرب التى تشنها ضد حركة حماس الفلسطينية فى قطاع غزة، حيث طالب الرئيس الأمريكى، جو بايدن، إسرائيل، بـ"التركيز على كيفية إنقاذ أرواح المدنيين".
وتناولت صحيفة "نيويورك تايمز"، "الأوراق" التى تمتلكها واشنطن ويمكن استخدامها للضغط على إسرائيل، من أجل الالتزام بتلك المطالب، فى ظل ضغط دولى متزايد، كان فى أوضح صوره حينما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يقضى بوقف إطلاق النار فى غزة، ولم يعترض عليه سوى 10 دول فقط.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن أستاذ الدراسات الإسرائيلية فى جامعة كاليفورنيا، دوف واكسمان، قوله: "رأينا تحولا من الضغط الذى تمارسه الإدارة الأمريكية من خلف الكواليس، إلى ما تمارسه حاليا.. المزيد من المناشدات العلنية والتسريبات"، وأضاف: "من الواضح أن صبر الإدارة الأمريكية بدأ فى النفاد".