دخلت الحرب على غزة يومها الـ78 في ظل استمرار جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات القصف والتدمير لمحافظات شمال وجنوب قطاع غزة، جوًا وبرًا وبحرًا، مُخلفًا آلاف الشهداء والجرحى، 8% منهم من الأطفال والنساء وكبار السن، فيما لا يزال آلاف الشهداء والجرحى لم يتم انتشالهم من تحت الأنقاض، بسبب تواصل القصف وخطورة الأوضاع الميدانية، وذلك في ظل حصار خانق للقطاع وقيود مُشددة على دخول الوقود والمساعدات الحيوية العاجلة للتخفيف من الأوضاع الإنسانية الكارثية.
وفى اليوم الـ78 من الحرب ارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى أكثر من 20 ألف شهيد وأكثر من 53 ألف جريح منذ السابع من أكتوبر الماضي، وبلغ عدد الجرحى 53 ألفا و320 مصابا، وحسب الإحصاءات الفلسطينية، لا يزال هناك 6700 مفقود تحت الأنقاض، فضلًا عن تدمير 70% من الوحدات السكنية في غزة، كل ذلك وسط اشتباكات عنيفة مع حركة المقاومة حماس على جميع محاور القتال، في ظل سقوط قتلى ومصابون في صفوف جنود الاحتلال الإسرائيلي خلال الساعات الماضية داخل قطاع غزة.
لماذا تستخدم إسرائيل القوة الغاشمة ضد سكان غزة؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية إباحة القضاء الإسرائيلى لقوات الاحتلال في عام 2018 استخدام القوة المميتة ضد سكان غزة فى قواعد الاشتباك، خاصة وأن استخدام قوات الإحتلال الإسرائيلي للقوة المميتة في غزة يخالف معايير الضرورة والتناسب المعترف بها دولياً، كما أن الحكم مخالفة لمفهوم "إنفاذ القانون" بمدونة الأمم المتحدة لقواعد سلوك المكلفين بإنفاذه وفقاً للمعايير الدولية، كما أن إسرائيل تخالف اتفاقية جنيف الرابعة التى وضعت آلية لإنفاذ القانون بواجب المعاملة الإنسانية – بحسب الدراسة التي اعدها القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بعنوان: "أحكام القضاء الإسرائيلى الغائبة عن العالم بشرعنة جرائم الإحتلال غير الإنسانية ضد الفلسطينيين بقطاع غزة بالمخالفة للحقوق الإنسانية للبشرية".
في البداية - يتساءل العالم وشعوبه وقاداته عن الأسباب التى أدت إلى العنف الدموى فى الجرائم المرتكبة على أرض غزة، والنزاع المسلح الشرس منذ أكتوبر 2023 الدائر بين قوات الإحتلال الإسرائيلى والمقاومة الفلسطينية حماس بقطاع غزة وراح ضحيتها الاف المدنيين خاصة الأطفال والنساء والشيوخ، وهو نزاع مسلح لم يقم بين عشية وضحاها بل كان بسبب ماض ٍ طويل من الممارسات الإسرائيلية الخارقة للقانون الدولى وللحقوق الإنسانية لسكان غزة – وفقا لـ"خفاجى".
وهنا نستطيع أن نفك طلاسم الأسباب السابقة على مدار عدة عقود زمنية أدت إلى النزاع المسلح الاَن وما خلفه من جرائم الإبادة الجماعية بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وتكشف عن مدى المعاناة التى عاشها الفلسطينيون خلالها على أيدى قوات الإحتلال من أفعال غير إنسانية أدت إلى ما نحن فيه، وتبين للعالم غياب العدالة الإنسانية حتى من القضاء الإسرائيلى ذاته الذى احتكم الفلسطينيون إليه من تصرفات الإحتلال البغيض، وهو ما نعرض له فى 7 نقاط فيما يلى – هكذا يقول "خفاجى":
أولاً: وقائع القضية المرفوعة ضد رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي
ترجع وقائع الموضوع أنه بتاريخ 30 مارس 2018 أثناء احتجاجات فلسطينية حاشدة نُظمت في عدة أماكن مختلفة على طول السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل استخدمت قوات الأمن الإسرائيلية القوة المميتة ضد سكان غزة المحتجين بالقرب من السياج، وطلب المدعون، وهم عدد من منظمات حقوق الإنسان – 5 منظمات غير حكومية إسرائيلية ومنظمة غير حكومية فلسطينية واحدة - إبطال أي قواعد اشتباك تمكن قوات الأمن الإسرائيلية من استخدام القوة المميتة ضد سكان غزة المحتجين بالقرب من السياج ما لم يشكلوا تهديدًا وشيكًا وفعليًا لحياة الإنسان – الكلام لـ"خفاجى".
وأضافوا فى دعواهم أن قواعد الاشتباك تسمح لقوات الإحتلال باستخدام الذخيرة الحية ضد "المحرضين الرئيسيين"، الذين يدعون المتظاهرين إلى التحرك نحو السياج، حتى لو لم يشكل المحرضون خطرًا مباشرًا، وترتب على تطبيق قواعد الاشتباك، قتل العشرات من المتظاهرين وأصيب الآلاف، وطلبوا فى ختام دعواهم أنه يجب التعامل مع الاحتجاجات في غزة على أنها احتجاجات مدنية، على الرغم من دور حماس في تنظيم الاحتجاجات وانتماء عدد من المشاركين فيها إليها، والعديد منهم من القتلى والجرحى خلال الاشتباكات.
وأن مواجهة هذه الاحتجاجات يجب أن يخضع لمعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان المتعلقة بتطبيق صلاحيات إنفاذ القانون من قبل الأجهزة الأمنية، والتي تعد أكثر تقييداً بكثير من قانون النزاعات المسلحة فيما يتعلق باستخدام القوة، وخلص المدعون إلى أن العدد الكبير من الضحايا دليل قاطع على تطبيق جيش الدفاع الإسرائيلي لقواعد الاشتباك بما يخالف القانونين الدولي والإسرائيلي.
ثانياً: الحكومة الإسرائيلية نستخدم القوة المميتة لسكان غزة للنزاع المسلح مع حماس
وقالت الحكومة الإسرائيلية رداً على الدعوى إن استخدامها القوة المميتة في غزة يحدث في إطار النزاع المسلح بين حماس وإسرائيل، وبالتالى يحكمه قانون النزاع المسلح وليس القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي تعترض إسرائيل تقليدياً على تطبيقه على حالات النزاع المسلح، وأضافت أنها تستخدم القوة المميتة كملاذ لكل من يشارك بشكل نشط في الأعمال العدائية.
وقد طلبت الحكومة الإسرائيلية أن تظل قواعد الاشتباك سرية وغير متاحة للرأى العام، وعرضت الحكومة تقديم المعلومات الاستخبارية المتعلقة بالاشتباكات والنسخة السرية من القواعد من طرف واحد في جلسة مغلقة، ولكن رفض الملتمسون السماح بتقديم مواد سرية من طرف واحد، وطلبواعرض قواعد الاشتباك، واعترضوا على عرض الحكومة لمواد استخباراتية إضافية، وترتب على ذلك أنه لم يتم تقديم قواعد الاشتباك ولا المواد الإضافية إلى المحكمة، بيد أن المحكمة تلقت معلومات – في جلسة علنية – حول جوهر قواعد الاشتباك وحول المخاطر الأمنية التي تمثلها الاشتباكات من العقيد "عيران شامير بورير" بهيئة المدعي العام العسكري في جيش الدفاع الإسرائيلي، وكذلك من اللواء "نيتسان ألون" رئيس فرع العمليات في جيش الدفاع الإسرائيلي.
ثالثاً: المحكمة العليا الإسرائيلية رفضت القضية ومنحت قوات الإحتلال استخدام القوة المميتة ضد سكان غزة فى قواعد الاشتباك
ويضيف "خفاجى": بجلسة 26 مايو 2018 رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية القضية المرفوعة ضد رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي ومنحت قوات الإحتلال استخدام القوة المميتة ضد سكان غزة فى قواعد الاشتباك، تأسيساً على دور حماس في الاحتجاجات التى تضمنت أعمال عنف ومحاولات لاختراق السياج الحدودي، والغطاء الذي قدموه للهجمات الإرهابية – على حد تعبير المحكمة - على الحدود وعبرها، وشملت إطلاق النار والقنابل اليدوية، ووضع أجهزة متفجرة على طول السياج أو رميها عبر الحدود، وإشعال النيران في الأراضي الإسرائيلية، مما يتيح لها استهداف "مثيري الشغب الرئيسيين" و"المحرضين الرئيسيين"، بالرصاص الحي الموجه إلى النصف السفلي من أجسادهم.
رابعاً: استخدام قوات الإحتلال الإسرائيلي للقوة المميتة في الأراضي المحتلة يخالف معايير الضرورة والتناسب المعترف بها دولياً
وفى الحقيقة استخدام قوات الإحتلال الإسرائيلي للقوة المميتة في الأراضي المحتلة يخالف معايير الضرورة والتناسب المعترف بها دولياً، حيث يستخدم نوع من القوة الغاشمة الهائلة التي يمارسها الجيش في ساحة المعركة ضد منتفضين فى مظاهرة للمطالبة بحقوقهم ضد كيان محتل، فالمعاملة الإنسانية غائبة على الأراضي المحتلة التى تعبر عن حقها فى تقرير المصير من خلال المظاهرات ورشق الحجارة التي أصبحت سمة الانتفاضة .
وأن اختلال التوازن في الأسلحة يؤكد عدم ملاءمة التعامل مع الانتفاضة باعتبارها ثورة مدنية وليس حرباً، إذ يحمل كل جندي بندقية هجومية من طراز M-16، فإن الفلسطينيين المشاركين في الانتفاضة لا يحملون سوى فتات الحجارة، وأن قواعد الاشتباك تسمح صراحة للجنود باستخدام القوة المميتة ردًا على مواقف معينة لا تهدد حياة الجنود أو المارة فى جرائم لا تنطوي على تهديد للحياة.
خامساً: التحقيقات في أعمال القتل التي يرتكبها جنود جيش الدفاع الإسرائيلي تفتقر إلى المحاكمة الفعلية لتقديم المسئولين عن أعمال القتل غير المبررة إلى العدالة
ويشير أن التحقيقات في أعمال القتل التي يرتكبها جنود جيش الدفاع الإسرائيلي تفتقر إلى المحاكمة الفعلية لتقديم المسئولين عن أعمال القتل غير المبررة إلى العدالة، إذ يفشل محققو الجيش الإسرائيلي في الحصول على شهادة الشهود الفلسطينيين، ولا يطلعون على السجلات الطبية التي من شأنها تسليط الضوء على ظروف القتل، ويتجاهلون عروض الشهود لتقديم الأدلة ذات الصلة، مما يقلل من نجاح الملاحقة القضائية، ويعزز انعدام الثقة في نظام القضاء العسكري الإسرائيلي، وهذا الفشل في التحقيق والملاحقة القضائية بشكل صارم يعنى أن الجنود لديهم حرية تجاوز فى أوامرهم بإطلاق النار مما ترتب عليه ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين .
وينشر جيش الدفاع الإسرائيلي قواته – قبل الحرب - في الأراضي المحتلة كما لو كانت منخرطة في القتال، ويستخدمون الأسلحة الفتاكة بدلاً من الاَلات الأكثر ملاءمة للسيطرة على الحشود، ومثالها الدروع البلاستيكية والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، فضلا عن أن جيش الدفاع الإسرائيلي وضع قواعد الاشتباك ونظام المساءلة الذي سيكون مناسبا لإنفاذ القانون في سياق الصراع المدني حول ملكية الأرض التى تخضع لسلطان فلسطين .
سادساً: إسرائيل تخالف اتفاقية جنيف الرابعة التى وضعت آلية لإنفاذ القانون بواجب المعاملة الإنسانية، والتمنع عن التحقيق ومعاقبة المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة
ويذكر تنشئ اتفاقية جنيف الرابعة آلية لإنفاذ واجب المعاملة الإنسانية من خلال مطالبة سلطة الاحتلال بالتحقيق ومعاقبة المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة لهذا الواجب، وتتطلب المادة 146 من الاتفاقية قوة الاحتلال التحقيق في "الانتهاكات الجسيمة" للاتفاقية ومقاضاة مرتكبيها. وهو يُلزم سلطة الاحتلال "بالبحث عن الأشخاص الذين يُزعم أنهم ارتكبوا أو أمروا بارتكاب مثل هذه الانتهاكات الجسيمة، وتقديم هؤلاء الأشخاص، بغض النظر عن جنسيتهم، أمام محاكمها"، وتنص المادة 147 على أن "القتل العمد" و"التسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير لجسم أو صحة الأشخاص المحميين" يشكل "انتهاكات جسيمة" للاتفاقية، في حين أن متطلبات اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بالمعاملة الإنسانية والحماية من العنف تشكل ضمانة هامة للسكان الخاضعين للاحتلال.
سابعاً: الحكم مخالفاً لمفهوم "إنفاذ القانون" بمدونة الأمم المتحدة لقواعد سلوك المكلفين بإنفاذه وفقاً للمعايير الدولية
ويذكر الدكتور محمد خفاجى هذا الحكم ينطوى على مخالفة لمفهوم "إنفاذ القانون" دوليا، والتدوين الموافق للمعايير الدولية بشأن ممارسات الشرطة وهو مدونة الأمم المتحدة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون لعام 1979، وتنص المادة 3 منها على ما يلي: "لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون استخدام القوة إلا عند الضرورة القصوى وبالقدر اللازم لأداء واجبهم"، ويوضح الإنفاذ الرسمي للقانون ما يلي: "يعتبر استخدام الأسلحة النارية إجراءً متطرفًا.... بشكل عام لا ينبغي استخدام الأسلحة النارية إلا عندما يُظهر الجاني المشتبه به مقاومة مسلحة أو يعرض حياة الآخرين للخطر بشكل آخر، وتكون التدابير الأقل تطرفًا لا يكفي لتقييد الجاني المشتبه فيه أو القبض عليه"، وفي تطبيق هذه المعايير على وضع الانتفاضة، فإن استخدام القوة المميتة ليس متناسباً مع الضرر الواقع، التى يقتصر استخدامها على المواقف التي تتعرض فيها الأرواح للخطر.
ويختتم الدكتور محمد خفاجى فكم من ظلم وقهر وطغيان عايشه الفلسطينيون من سكان قطاع غزة منذ سنوات طوال من قوات الإحتلال الإسرائيلى وسائر سلطات إسرائيل حتى القضاء منه، ولا يعلم العالم أجمع شيئاً مفصلاً عن أحكام القضاء الإسرائيلى التى شرعنت جرائم الإحتلال وخرقت الالتزامات والواجبات الدولية واغتصبت أرض فلسطين وثرواتها وجعلت من إسرائيل نفسها كياناً متجبراً سامياً مستعلياً مستكبرا فوق البشر والدول، وإن سكان غزة تعرضوا لطغمة فاجرة على مدار سنوات مضت ظلت دفينة فى النفوس هديراً مدوياً لا يتحمله بشر حتى تاريخ 7 أكتوبر 2023 .