كشفت دراسة حديثة للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن الدولة المصرية وفرت للمجتمع المدنى والعمل الأهلى بيئة قانونية وسياسية تمكينية؛ حيث انتبهت القيادة السياسية فى الجمهورية الجديدة لأهمية منظمات المجتمع المدنى فى صنع السياسات العامة المستنيرة، إذ إنها تلعب دورًا رئيسًا كوسيط بين المواطنين من جهة، من خلال الاتصال المستمر مع المواطنين بما فى ذلك الفئات المهمشة أو الضعيفة، ومنحهم دورًا رئيسًا فى الحوار المدنى وتمكين المواطنين البعيدين عن المشاركة من التعبير عن احتياجاتهم ومخاوفهم؛ والحكومة من جهة أخرى، من خلال الحوار المنظم ذى المغزى فى صنع القرار.
وأكدت أن الدولة المصرية وعلى رأسها القيادة السياسية تقدر الدور الحيوى للمجتمع المدنى فى تعزيز الحقوق والحريات، وتحث على تكوين الجمعيات من أجل مجتمع مدنى قوى نابض بالحياة، فنجد الدولة المصرية قد أعلنت 2022 عام “المجتمع المدني” وتعكف على خلق ظروف مواتية لتعزيز المجتمع المدني، بينما نجد البرلمان الأوروبى يعلن فى مارس 2022 تقلص مساحة المجتمع المدنى فى أوروبا بشكل متزايد.
وأوضحت الدراسة، أن الجمهورية الجديدة جاءت برؤى استباقية وتخطيط استراتيجى بعيد المدى؛ فوجدنا تنسيقًا جادًا بين أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدنى لتنظيم العمل الخيرى فى مصر، وتثمين القيادة السياسية لدور المجتمع المدني، حيث تراه شريكا أساسيا مهما فى عملية تعزيز وحماية حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونشر الوعى بحقوق الإنسان فى المجتمع ونشر ثقافة العمل التطوعي، والإسهام فى جهود مكافحة التطرف والتوجهات المناهضة لقيم مجتمعنا المصري”.
وأوضحت أن الدولة المصرية عملت على خروج “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، التى تَشارك فى إعدادها كافة منظمات المجتمع المدني، والتى تضمنت زيادة التنسيق والتكامل بين ثالوث التنمية “الحكومة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص” بالإضافة للجهات المانحة، وتوعية الجمعيات الأهلية بالأبعاد التنموية وفقا لرؤية مصر ۲۰۳۰، وإعلان القيادة السياسية عام 2022 عام “المجتمع المدني”، ثم بعد ذلك أعلن عن “التحالف الوطنى للعمل الأهلى والتنموي”. ثم مناقشة الحوار الوطنى لأوضاع العمل الأهلى فى مصر من أجل إعطائه مزيدًا من الصلاحيات.
وذكرت أنه فى عام 2017 قد تم إقرار القانون رقم (70) لسنة 2017؛ وأدى إلى حالة من التخبط نتيجة بعض المواد التى يتضمنها، وطالبت بعض منظمات المجتمع المدنى بعدم تفعيله وإعادة النظر فيه، وكان القانون محور نقاش فى منتدى شباب العالم عام 2018، حيث استجاب الرئيس عبد الفتاح السيسى لمطالب المجتمع المدني، وأعلن عدم تفعيل هذا القانون وفتح حوار مجتمعى لإعداد قانون يشارك فيه الجمعيات والمؤسسات الأهلية والشباب، وتم الانتهاء من قانون (149) لسنة 2019، الذى جاءت بنوده متوافقة مع نص دستور 2014 فى المادة (75) والتى تنص على أن “للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية ويكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار".
وبهذا فقد جاءت التشريعات داعمة لمنظمات المجتمع المدنى والعمل الأهلي، حيث يحقق قانون (149) لسنة 2019 بشأن تنظيم العمل الأهلي، عددًا من المكاسب المهمة تتمثل بالأساس فى معالجة الإشكاليات القانونية والدستورية التى صاحبت عملية تشريع وإصدار قانون (70) لسنة 2017، ومنها السماح بتأسيس الجمعيات الأهلية بمجرد الإخطار، ولم يقف الأمر عند صدور قانون (149) لسنة 2019.
المشاركة فى الحماية الاجتماعية
وسعيًا لدعم مبادئ الديمقراطية بالتنمية عن طريق توحيد الجهود والتنسيق والتعاون المستمر بين المؤسسات والجمعيات الأهلية، بعد معاناة المجتمع المدنى من العشوائية، وغياب الرؤية والتخطيط الاستراتيجي؛ تم توقيع ميثاق التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموي، فى ١٣ مارس ٢٠٢٢، من خلال التعاون بين مؤسسات المجتمع المدنى ومؤسسة حياة كريمة.
وانضم إلى التحالف حتى الآن 24 مؤسسة وجمعية أهلية تختص بالعمل المدني، حيث وضعت المؤسسات والجمعيات الأهلية مجتمعة، اللبنة الأولى للتحالف، وما زالت ترحب بانضمام العديد من المؤسسات والهيئات بعد توفيق أوضاعهم لتوحيد الجهود؛ بحيث يتم تكوين قاعدة بيانات موحدة تعمل عليها جميع المؤسسات فى التحالف، لضمان عدم تكرار المساعدات ووصولها لمستحقيها، فى ظل وجود مشروعات قومية فى الدولة وعلى رأسها المشروع القومى التنموى “حياة كريمة” الذى وحد جهود التنمية تحت مظلته.
ويستهدف التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموي: زيادة عدد الأسر المستهدف إخراجها من دائرة الفقر إلى الحال المتيسر بشكل نهائى ومستدام، واستكمال الجهود التنموية لتأمين مظلة حماية اجتماعية تسع الأكثر استحقاقًا بدون استثناء فى السنوات المقبلة، وزيادة أنشطة وبرامج التحالف خلال الـ5 سنوات المقبلة لتحقيق الثلاثة أهداف الأساسية برأس مال يتجاوز الـ200 مليار جنيه.
جهود التحالف الوطنى وحياة كريمة فى دعم الريف المصرى
ورصدت الدراسة، بعض المبادرات التى أطلقتها مؤسسة حياة كريمة، أحد أبرز كيانات التحالف الوطني: والتى استفاد منها ملايين من المواطنين الأكثر فقرًا واحتياجًا نجد منها: مبادرة “وصل الخير” والتى بلغ عدد المستفيدين منها 1.5 مليون مواطن، ومبادرة “راجعين نتعلم” والتى بلغ عدد المستفيدين منها 40000 طالب وطالبة، ومبادرة “التعليم حياة” التى استفاد منها 24000 طالب، ومبادرة “أنت الحياة” - وهى قافلة شاملة توعوية اجتماعية صحية ثقافية بيئية - والتى استفاد منها 52000 مواطن، ومبادرة “يدوم الفرح” والتى هدفت إلى الإرشاد الأسرى للمقبلين على الزواج وتجهيز الفتيات المقبلات على الزواج واستفاد منها 800 فتاة.
هذا إلى جانب مبادرة “قطار الخير”، ومبادرة “ستر وعافية” والتى استفاد منها 320 ألف مواطن، ومبادرة “مبادرة كتف فى كتف”. وإنشاء مطابخ على مستوى المحافظات لتوفير الوجبات الساخنة للمواطنين ضمن مبادرة “خيرك سابق” والتى استهدفت إطعام 5 ملايين مواطن من خلال الوجبات السخنة، وتوفير التحالف الوطنى كذلك الكثير من موائد الرحمن خلال شهر رمضان الماضى.
ومن الناحية التعليمية؛ فقد تم إنشاء 834 مدرسة، إلى جانب تطوير 1519 مدرسة، ولم تغفل حياة كريمة عن العدد الكبير للأميين فى القرى لذا تم محو أمية 74091 مواطنًا. ومؤخرًا ومن أجل تزويد طلاب الثانوية العامة بمراجعات منهجية، نفذت مؤسسة حياة كريمة “مبادرة تقدر فى 10 أيام” لكافة مواد الثانوية العامة بشقيها الأدبى والعلمي. ووقعت مؤسسة حياة كريمة مع بعض مؤسسات المجتمع المدنى يهدف إلى دعم 1200 مشروع تمكين اقتصادى فى محافظة بنى سويف بتكلفة 45 مليون جنيه، هذا إلى جانب بروتوكول تعاون بين المؤسسة ومؤسسة مصر الخير لفك كرب 2000 غارم وتمكينهم اجتماعيًا واقتصاديًا.
وفى إطار جهودها لبناء الإنسان المصري، أجرت حياة كريمة 215 حوارًا مجتمعيًا لأهالى قرى المبادرة، و154 ندوة طلابية فى الجامعات المصرية، مع توفير 100 جولة ميدانية لزيارة مشروعات حياة كريمة.
وفى المجال الطبي؛ أُنشئت 1101 وحدة طبية، وأُجريت 701 قافلة طبية، إلى جانب إنشاء 221 وحدة بيطرية، والقيام بـ 83 قافلة بيطرية. ولم تغفل حياة كريمة عن القيام بندوات لتوعية الفلاحين والمزارعين والتى وصل عددها 98 ندوة، هذا إضافةً إلى 353 نقطة إسعاف.
أما عن خدمة الأسرة والنشء؛ فأُنشئ 213 مركزًا للأسرة والطفل، و31 حضانة، و62 مكتبة، إلى جانب إنشاء 990 مركز شباب.
وأضافت أن النشاط البارز للمجتمع المدنى إلى تشجيع العمل التطوعي: حيث بلغ إجمالى عدد المتطوعين داخل مؤسسات التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى يبلغ نحو 76 ألف متطوع، وإجمالى عدد المتطوعين المسجلين داخل قاعدة بيانات مؤسسات التحالف 251 ألف متطوع مشارك موزعين على 27 محافظة بمتوسط عدد 3 ساعات تطوعية أسبوعيًا، وبإجمالى عدد ساعات 39.200.000 ساعة تطوع سنويًا.
ونتيجة دمج الجهود بين الجهات الحكومية والخاصة والمجتمع المدنى تراجعت معدلات الفقر فى مصر من 32.5 % فى عام 2017/2018 إلى 29.7 % فى العام 2019/2020، وهى المرة الأولى التى تنخفض فيها معدلات الفقر منذ 20 عامًا، وفقًا لتقرير التنمية البشرية الصادر عام 2021.
وإلى جانب الجهود الحكومية؛ شاركت الجمعيات الأهلية فى المبادرات الرئاسية مثل 100 مليون صحة، وفى التوعية والمساعدات والتجهيزات وفتح مقار للمبادرات وضخ بعض التمويلات، وتمت المشاركة فى مبادرة سكن كريم، كما أسهمت بـ 200 مليون جنيه لتوفير السكن فى أكثر من 5 محافظات بالصعيد.
كما أن نسبة مساهمة المجتمع المدنى فى القضاء على الفقر تخطت 5 مليارات جنيه سنويًا أثناء جائحة كورونا. علاوة على استجابة منظمات المجتمع المدنى بسرعة بالدعم المادى والعينى فى الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجًا جراء تأثر الوضع الاقتصادى نتيجة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.
المشاركة فى الدبلوماسية المصرية
وتطرقت الدراسة إلى دور المجتمع المدنى على مستوى ترسيخ مكانة الدبلوماسية المصرية، من خلال إصرار وتفاوض الدولة المصرية مع كافة الأطراف المعنية بدخول المساعدات لنجدة الأشقاء الفلسطينيين بعد عملية طوفان الأقصى التى تمت فى السابع من أكتوبر الماضي، فقد تدفقت المساعدات المصرية فى الدخول لقطاع غزة والتى كانت لمؤسسة حياة كريمة والتحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى جهودًا حاضرة وبقوة، حيث بلغت إجمالى المساعدات أكثر من 337 شاحنة مساعدات بحمولة 4760 طنًا، ضمت 6700 متطوع فى تجهيز الشاحنات، بإجمالى ساعات تطوعية بلغت 422 ساعة، هذا إلى جانب تقديم الدعم النفسى للمصابين بمنفذ معبر رفح البري، ومساعدة المصابين الفلسطينيين ومرافقيهم أثناء تلقى العلاج، وأيضًا القيام بأعمال التفريغ والتحميل للمساعدات وتسليمها للهلال الأحمر الفلسطينى.