الأقباط في مصر يتابعون ويترقبون عن كثب مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين فهم يسعون لسن قانون يحافظ على بنيان الأسرة المصرية وترابطها ويحقق مصالح كل الأطراف وخصوصاً المصلحة الفضلي للأطفال، وأن تكون التعديلات المرتقبة متوافقة مع الدستور، حيث ترجع تشريعات المسيحيين في مصر إلى سنة 1902 وهو تاريخ أول تشريع للطائفة الإنجيلية، تلتها تشريعات أخرى خاصة بكل الطوائف الأرثوذكسية وفروع كنائسها، والكاثوليكية وفروع كنائسها أيضاً.
كما توالت على مصر عدة مشروعات قوانين لم يجد واحداً منها النور حتى الآن بداية بمشروع عام 1955، وآخر عام 1980، وثالث عام 1998، وهناك كم هائل ومتراكم من القضايا في محاكم الأحوال الشخصية وخصصت للمسيحيين دوائر في محاكم الأسرة لا تنظر سوى القضايا الملية، وتصل هذه القضايا الآن إلى بضعة آلاف، ومن المشكلات أمام حل قضايا الأحوال الشخصية ما يرتبط بمواد التشريع واللوائح الخاصة، ومنها ما يرتبط بضرورة الاتساق مع الشريعة العامة للبلاد، وانعكاس ذلك على الكثير من المعضلات القانونية.
بالتزامن مع مشروع قانون الأحوال الشخصية للأقباط
المستشار عمر مروان، وزير العدل، في غضون ديسمبر من عام 2023 خرج ليؤكد إنه تم الانتهاء من قانون الأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين، وأنه لأول مرة في مصر يكون هناك قانون أحوال شخصية للمسيحيين، يحتوي اختلافات كل الطوائف ولا يوجد تعارض، فضلا عن أنه تم اتخاذ آراء كل الطوائف المسيحية في وضع القانون، وتم تلبية احتياجات 6 طوائف مسيحية باختلافاتها لإخراج القانون الجديد، وذلك بفضل تعاون البابا والقادة الدينيين بالطوائف المسيحية المختلفة مع وزارة العدل والخروج على قانون متفق عليه من الجميع.
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية وجود رقابة أو سلطان للشريعة الاسلامية على لائحة 1938 للمسيحيين الأرثوذكسيين، ورأى محكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا والقوانين واللوائح الكنسية في تلك الأزمة حيث يتكلمً الكثير فى الاعلام من رجال القانون أو الشريعة - وللأسف من غير دارسي القانون - بقول مزعوم وهو أن المادة الثانية من الدستور والنظام العام مانع من تطبيق مواد لائحة 1938 لاسيما فى التبنى والميراث قولا واحدا، إلا أن هذا يسمى الجهل بصحيح القانون والدستوروأحكام المحكمة الدستورية العليا المستقرة من سنوات عديدة – بحسب الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى نبيل غبريال .
هل هناك رقابة للشريعة الإسلامية على لائحة 1938 للمسيحيين؟
في البداية – على الجميع أن ينتبه فلا نريد انتقاص من حقوقنا القانونية كأقباط في المشروع المزعوم صدوره في القانون الجديد، حيث أننا لنا شريعة خاصة بها ميراث وتبني، ولا رقابة أو سلطان للشريعة الاسلامية على لائحة 1938 للمسيحيين الأرثوذكسيين، وذلك بالتأصيل القانونى السليم للأحكام الدستورية، وسوف نبدأ بتحطيم أشاعة كاذبة منذ 43 سنة مثل عبادة الأصنام نعيشها وللأسف نساعد على استمرارها بترديدها ونحن غافلين إنها شائعة، ولكن هذا اللغط القانوني سيزول، كما يجدر بنا أيضا التنويه بضرورة الأخذ فى الأعتبار أن المجلس الملي حل مكانه المحكمة المختصة تعديل 2008 بلائحة 1938 وكذلك يوجد تبني لمجهولي النسب – وفقا لـ"غبريال".
فقد استقرت أحكام المحكمة الدستورية على أنه: "فى مجال تطبيقها للمادة الثانية من الدستور لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها 22 مايو 1980 وكذلك كل نصوص لائحة 1938 برمتها"، فقد أقرها المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس وعمل بها قبل تعديل المادة الثانية من الدستور، فلا تتناولها الرقابة القضائية على الدستورية من هذا الوجه، والنصوص الآمرة التي تضمنتها اللائحة المطعون عليها، صدرت قبل تعديل نص المادة الثانية من الدستور، ولا يتأتى بالتالي إعمالها في شأن تشريع سابق على تعديلها – الكلام لـ"غبريال" .
المادة الثانية من الدستور حسمت النزاع بعدم وجود رقابة ولا سلطان على شريعة الأقباط
ومن ثم يتحتم علينا أن نفهم أن الشـريعـة الإسـلامـيـة ذاتها تخول أهل الذمـة الاحتكام إلى شرائعهم الدينية، ومن بينها لائحة الأقباط الأرثوذكس والتي تعتبر أحكامها من القواعد الآمرة التي لا تجوز مخالفتها، وأن لائحة 1938 التى أقرها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس، وعمل بها قبل تعديل المادة الثانية من الدستور، فلا تتناولها الرقابة على الدستورية، أيا كان وجه الرأي في أتفاقها أو تعارضها مع الأصول الكلية للشريعة الإسلامية – هكذا يقول الخبير القانوني.
أما إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع - بعد تعديل المادة الثانية من الدستور بتاريخ 22 مايو سنة 1980 - لا ينصرف سوى إلى التشريعات التي تصدر بعد التاريخ الذي فرض فيه هذا الإلزام بحيث إذا انطوى أي منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ فلا يتأتى إنفاذ حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها لصدورها فعلاً من قبله، أي في وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائماً واجب الإعمال، ومن ثم فإن هذه التشريعات تكون بمنأى عن هذا القيد، وهذا هو مناط الرقابة الدستورية – طبقا لـ"غبريال".
لا سيما في الميراث ولا التبنى
وحيث إن لائحة 1938 صدرت ونشرت قبل 1980 وهو تاريخ سابق علي تعديل المادة الثانية من الدستور التي لم يجر تعديلها بعد هذا التعديل للدستور إلا فى تعديل 2008 وهى مواد بعيدة عن الميراث والتبنى، ومن ثم فإن النعي على هذه المواد بمخالفتها حكم المادة الثانية من الدستور - وأياً كان وجه الرأي في تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية - يكون في غير محله، ومن ثم يتحتم علينا أن نفهم بوضوح أن المحكمة الدستورية أكدت هذا المعنى فى العديد من الأحكام المتوالية من جلسة 4 أبريل 1987 حتى أحدث الأحكام بتاريخ 8 مايو 2021 وقد تواترت أحكام الدستورية العليا، وهو ما سبق وأن تناولناه في كتاب "المفيد الأحوال الشخصية للمسيحيين الأرثوذكس" فى ظل أحكام القانون 1 لسنة 2000 والمادة الثالثة من دستور2014 – الكلام لـ"غبريال".
الأزمة في ضوء آراء الفقهاء وأحكام القضاء ومحكمة النقض وأحدث أحكام المحكمة الدستورية العليا
وهنا نضع بين أيدى رجال القضاء والقانون لبنة فى هذا العلم خصوصا فى ظل قصور التشربعات وقلة السوابق القضائية بعد دستور 2014 ولا يزال هناك الكثير من دقائق الأمور فى هذا الشأن نتجه صوبها بالكشف والرصد والتحليل والنقاش، وربما النقد والتطوير بقدر الإمكان، وقد حاولنا من خلال جمع شتات الموضوع المتناثر فى عدة قوانين للتنسيق بينهما وتحديد ملامحها عبر إطار قانونى متكامل، أخذين بعين الاعتبار ندرة المراجع المتخصصة فى هذا الموضوع، ونهيب بالمشرع السعى قدما لإنهاء حالة التشتت هذه، لأن القواعد الموضوعية التى ينبغى تطبيقها على منازعاتهم فى شئون أحوالهم الشخصية لا تزال غير موحدة وتشتتها وبعثرتها بين عدة قوانين وغموض بعضها أحيانا لذلك يجب الاتجاه نحو الاستقرار التشريعى ليتواكب مع قانون الأحوال الشخصية العام لأبناء الوطن الواحد مصرنا الحبيبة – الكلام هنا للخبير القانوني.
موقف المشرع "مجلس النواب" وأحكام الدستورية للقوانين الخاصة المزمع صدورها للأحوال الشخصية للمسيحيين فى ظل دستور 2014
في غضون 18 يناير 2014 وضع المشرع الدستوري بعد موافقة الشعب المصدر الأصلى للسلطة المادة الثالثة بالدستور التى تنص على أن: "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية"، ويجدر بنا التنويه بأن مجلس النواب وهو المشرع للقوانين عند وضع قوانين خاصة بالمسيحيين بعد 18/1/2014 يجب أن تكون هذه القوانين متوافقة مع هذه المادة الثالثة ولا تخالفها دستوريا تطبيقا للنظام العام وحرية العقيدة حتى لو كان فى هذه القوانين ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
والنعي على هذه المواد بمخالفتها حكم المادة الثانية من الدستور - وأياً كان وجه الرأي في تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية - يكون في غير محله، ويستفاد ذلك من نص المادة الثالثة من الدستور ولاسيما أن الشريعة الإسلامية ذاتها تخول أهل الذمـة الاحتكام إلى شرائعهم الدينية يعنى أنها تأمر باحترام مشاعر المسحيين، وبناء على ذلك لا يقبل الدفع بعدم دستورية أى قوانين تصدر فى المستقبل خاصة بالأحوال الشخصية للمسيحيين بما يتعارض مع المادة الثانية من الدستور، لأن المادة الثالثة فقط من الدستور هى مناط الرقابة الدستورية لهذة القوانين الخاصة بالمسيحيين – بحسب "غبريال".
القوانين واجبة التطبيق والسارية والقواعد الأمرة دستوريا
كما يجدر بنا أيضا التنويه بضرورة الأخذ فى الأعتبار أنه من عام 2000 طبقا للمادة الثالثة من أصدار القانون 1 لسنة 2000 ولاسيما من تاريخ 18/1/ 2014 بعد صدور القواعد الأمرة دستوريا بالمادة الثالثة من الدستور المصري كل إشهاد وفاة ووراثة للمسيحيين لم يصدر طبقا لنصوص لائحة 1938 مخالف لصحيح القانون والدستور، ونكولاً عن الخضوع للقانون ووجوب تطبيق لائحة 1938 وتعديلات 2008 بكل نصوصها وخاصة أحكام الميراث والتبني أستنادا لصحيح القانون والمادة الثالثة من دستور2014 ولأحكام المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض ونصوص القوانين.
وما ورد في القانون المدني الصادر 29 يوليو عام 1948 فى المواد 875 و915 بشأن الميراث والوصية وقانون الطفل المعدل 2008 فى المادة 4 التى تحظر التبنى، يتحدث عن غير المسيحيين ولم يأتي في هذة القوانين إلغاء ما ورد في لائحة 1938 وهي نصوص خاصة فلا سبيل إلى الغاء أحكامها إلا بتشريع خاص ينص على هذا الإلغاء، لأن النص العام لا يلغى ضمنا النص الوارد فى قانون خاص وبصدور القانون 1 لسنة 2000 باصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية والمنشور فى الجريدة الرسمية 29 يناير 2000 وتم نفاذه بعد شهر من هذا التاريخ.
ونصت المادة الثالثة: "ومع ذلك تصدر الأحكام فى المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية بين المصريين غير المسلمين المتحدى الطائفة والملة الذين كانت لهم جهات قضائية ملية منظمة حتى 31 ديسمبر سنة 1955ـ طبقا لشريعتهم ـ فيما لا يخالف النظام العام"، وهذا تشريع خاص أستثناء ويمنع تطبيق المواد 875و915 من القانون المدنى والمادة 4 من قانون الطفل على قضايا المسيحيين، والنظر بعين ثاقبة يؤكد أنه من تاريخ 1 مارس 2000 وقبل صدور المادة الثالثة من دستور 2014 كل قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين تطبق شريعتهم ولائحة 1938 الوارد فيها أحكام الميراث والوصية بالتفصيل وأحكام التبنى وليس الكفالة أوالأسر البديلة، فالفاصل المميز بينهما يبدو جد دقيق.
موقف محكمة النقض من التبنى قبل المادة الثالثة من دستور 2014
أما عن موقف محكمة النقض من التبنى قبل المادة الثالثة من دستور 2014، فقد تصدى لذلك الطعن المقيد برقم 176 لسنة 63 قضائية، والذى جاء فيه: "التبنى وإن كان يصلح سبباً لإثبات البنوة إلا أنه لا يصلح سبباً للإرث"، وهذا الحكم – وفقا لـ"غبريال" - يثبت بالقطع أن التبنى موجود وتعترف به محكمه النقض، وإن كانت لا تجعله سببا للتوريث لأن هذا الحكم قبل القانون 1 لسنة 2000 والمادة الثالثة من دستور 2014.
عدم جواز الاستناد على حكم المادة 875 و915 من القانون المدنى في الميراث والتبنى منذ تاريخ العمل بالدستور علة وأساس ذلك؟
يُجيب "غبريال" بقوله: "لأنها نسخت ضمناً بقوة الدستور لأنه لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغى أو تعدل أو تخالف تشريعاً صادراً من سلطة أعلى تعين على المحكمة أن تلتزم تطبيق التشريع صاحب السمو والصدارة ألا وهو الدستور وإهدار ما عداه من أحكام متعارضة معه أو مخالفة له إذ تعتبر منسوخة بقوة الدستور، فقد نسخت بالمادة 3 من الدستور فإنه أي حكم يخالف ذلك يكون قد خالف صحيح القانون - والقول بغير ذلك - يفضى إلى إمكان تعديل نص وضعه الشارع الدستورى - بإرادة الشارع القانونى وهو مجلس النواب أو الشعب سابقا وهو ما لا يفيده نص المادة 3 من الدستور، فإن ما قضى به الدستور فى المادة 3 منه يكون حكماً قابلاً للإعمال بذاته، ولا محل لإعمال أحكام الشريعة الإسلامية إذا تعارضت مع جوهر العقيدة المسيحية.
الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى نبيل غبريال