جدل واسع في الأوساط الطبية والأكاديمية ومنصات التواصل الاجتماعي، بشأن الإجابة على السؤال هل يستحق كل "طبيب" لقب "دكتور"؟ أو بمعنى أدق حول منح لقب "الدكتور" فقط لمن أكمل الدكتوراه في مجال اختصاصه حصرا، لطبيب الأسنان والصيدلاني والطبيب العام قبل الحصول على التخصص، فقد يرى العديد من رواد مواقع التواصل الإجتماعى أن لقب "دكتور" أصبح يطلق على من "هب ودب"، في حين أنه درجة علمية لا يمكن نيلها إلا عبر شهادة الدكتوراه، وأن هناك خلط ما بين كلمة دكتور باللغة الإنجليزية التي تعني طبيب، وبين لقب دكتور أكاديمي.
فيما يرى أخرون أن صفة دكتور هي استحقاق للطبيب والصيدلي، بغض النظر عن نيلهما لدرجة الدكتوراه في تخصصي الطب والصيدلة، على اعتبار أن مختلف المناهج والمصطلحات والتعاريف في العلوم الطبية والصحية تعتمد في جلها على اللغة الإنجليزية، فلماذا يستثنى من ذلك لقب الدكتور، الذي يعني الطبيب وفق تلك اللغة، ويستمر الجدل حول مدى أحقية كل من يماس مهنة "الطب" في لقب "دكتور"، ورغم المتعارف عليه بين العامة، أن كل من يمارس مهنة الطب فهو "دكتور"، لكن الوضع القانوني عكس ذلك، وهو ما أكدت عليه أحد الفتاوى القضائية الصادرة من مجلس الدولة.
رأى قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة
هذا وقد سبق وأكدت الفتوى القضائية الصادرة عن الجمعية العمومية لقسي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، على أنه لا يجوز إطلاق لفظ "الدكتور" سواء على الأطباء أو ممارسى وأخصائى العلاج الطبيعى إلا على الحاصل منهم على درجة الدكتوراه، فيما نشرت نقابة الأطباء، الأصل التاريخي لكلمة "دكتور" والتي تعود إلى اللغة اليونانية "doctoris"، وهي تعني "المعلم"، واستخدمت الكلمة واختصارها "DR" لأكثر من ألف سنة في أوروبا كدرجة جامعية، وكانت تعني حصريا حامل درجة الدكتوراة في الفلسفة.
وذكرت أنه بين القرنين التاسع والحادي عشر الميلادي، استخدمت درجة "الدكتوراة" وما يعادلها في العالم الإسلامي لمنح إجازة التدريس والإفتاء في العلوم الشرعية في الشرق، والتدريس القانون الروماني والكنسي في أوروبا، ثم دخلت كلمة "دكتور" إلى المعاجم العربية وجمعها "دكاترة"، وأوضحت أنه في العصر الحديث توسع استخدام لقب "دكتور" ليمتد إلى الكثير من العلوم، وصار يعبر عن من يحمل حق التدريس للطلبة الجامعيين، وذلك بعد إجازة رسالته العملية والتي تحمل اسم "الدكتوراة"، سواء كان ذلك في العلوم أو الآداب، ولا يفوقها إلا درجة "أستاذ دكتور، أو بروفسور"، والتي تطلق على من نالوا مكانة التخصص في علم ما، بعد حصولهم على درجة الدكتوراة فيه.
كلمة "دكتور" تطلق حرفيا على كل من نال الدرجة
وانتهت إلى أن كلمة "دكتور" تطلق حرفيا على كل من نال الدرجة سواء كان في الفلسفة أو الحقوق أو الطب على حد سواء، ويعني ما سبق كذلك أن خريج كلية الطب لا يكون دكتور بمجرد تخرجه، بل بعد حصوله على شهادة الدكتوراة من الجامعة، أما قبل ذلك فهو يحمل لقب "طبيب" فقط، يأتي هذا في الوقت الذى انتشرت فيه استخدام لقب "دكتور"، لدرجة أنك ترى من يحصل على دبلومة يلقب بـ"دكتور" أو فتح سنتر وأعطى عدد من الكورسات يعطى لنفسه حق أن يكتب – Dr – قبل ذكر اسمه، فما بالك بالطبيب الذى يعالج الناس ومن المعروف إنه دكتور ولكن تجد حصن الحقوق والحريات تؤكد أنه لا يجوز إطلاق لقب دكتور إلا من حصل على شهادة دكتوراة.
وفى عام 2011 سبق وأن حدثت أزمة بسبب تلك الإشكالية، فقد خرج حينها الدكتور حسين خالد، نائب رئيس جامعة القاهرة للدراسات العليا والبحوث الأسبق، إنه لا يستحق لقب دكتور إلا من يحصل على درجة الدكتوراه، وأضاف "الطبيب والصيدلى وطبيب الأسنان والعلاج الطبيعى لا يحق إضافة لقب دكتور لهم إلا بعد الحصول على درجة الماجستير والدكتوراه"، مستنكرا ما أسماه بـرغبة الجميع فى التفاخر بكلمة دكتور، ولفت النظر إلى أن كل اللافتات المعلقة فى الشوارع مخالفة للقانون، حيث يعلق كل طبيب لافتة بلقب "دكتور" رغم عدم قانونية ذلك.
رأى نقابة الأطباء
وكانت نقابة الأطباء طالبت بتجريد أخصائى العلاج الطبيعى من لقب "دكتور"، مع تأكيد إشراف أطباء الطب الطبيعى على الأخصائيين، وهو ما رد عليه الدكتور سامى سعد القائم بأعمال نقيب العلاج الطبيعى، وقال "نحن النقابة الوحيدة الحاصلة على لقب "دكتور" بحكم محكمة وفتاوى مجلس الدولة، وأضاف الدكتور حسين أن سبب الأزمة وقتها بين نقابتى الأطباء والعلاج الطبيعى هو عدم احترام تحديد الفواصل بين كل تخصص وآخر، وبالتالى يؤدى الطبيب شغل "العلاج الطبيعى، والعكس، داعيا إلى احترام التخصصات، وأن القطاع الطبى فى الجامعات يضم 6 قطاعات الطب والصيدلة والعلاج الطبيعى ومعاهد الأورام والتمريض، والفم والأسنان، واعتبر أنه ليس من حق ضم خريجى العلاج الطبيعى إلى نقابة المهن الطبية.
رأي قانوني حول لقب دكتور
يقول الخبير القانوني والمحامية رحاب سالم، أن لقب الدكتور يمنح حصريا لكل من حصل على شهادة الدكتوراه الأكاديمية في تخصصه يسبقها نيله شهادة البكالوريوس ثم شهادة الماجستير، وهذا التسلسل العلمي الصارم يفترض أن ينسحب على جميع التخصصات وحتى الطبية منها، بحيث يمنع على الطيب الحاصل على شهادة البكالوريوس استخدام لقب دكتور، إلا إذا كان حاصلا بالفعل على شهادة الدكتوراه في الطب، ذلك أن لقب الدكتور يمنح أساسا لكل من حصل على شهادة الدكتوراه الأكاديمية في تخصصه فقط.
وتضيف "سالم" في تصريح لـ"برلماني": علاوة على ما يتضمنه من احترام للتخصصات والتراتبيات العلمية وفق الشهادات التي تمنح في حقول الدراسات العليا، وما نسمعه الآن من تداول اللقب لا يغير من الحقيقة ولا يضفي المشروعية العلمية على استخدام الأطباء للقب الدكتور دون حصولهم على شهادة الدكتوراه الأكاديمية في الطب، وهنا فإن المطلوب من وزارة الصحة تعميم قرار نافذ احتراما للشهادات العلمية الرفيعة التي يقضي حملها سنوات طويلة من أعمارهم في سبيل نيلها.
رأي طبي حول لقب دكتور
يشار إلى أن العديد من الأطباء يرون أن بغض النظر عن جدل الألقاب والتعريفات، لكن المتعارف عليه في غالبية الدول العربية ومختلف بلدان العالم، هو أن خريجي كليات الطب والصيدلة على اختلاف فروعها واختصاصاتها يسبغ عليهم لقب دكتور والذي يعني بالإنجليزية الطبيب، وهو ما لا يشكل أي تجاوز على أصحاب شهادات الدكتوراه الأكاديمية، باعتبار أننا نتحدث عن ما بات أشبه بعرف عالمي سائد، كون اللغة الإنجليزية كما هو معلوم هي اللغة العالمية الأولى والأكثر تداولا في مجالات الطب وتخصصاته ومناهجه.
الخبير القانوني والمحامية رحاب سالم
فتوى قضائية من قسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة
وفى غضون 14 يونيو 2017 أصدرت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع، برئاسة المستشار يحيى دكرورى، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، عدد من الفتاوى القضائية الخاصة بأخصائى العلاج الطبيعى، كما أكدت فى فتوى أخرى على أن لفظ "الدكتور" لا يطلق على الأطباء أو ممارسى وأخصائى العلاج الطبيعى إلا على الحاصل منهم على درجة الدكتوراه.
وقال المستشار مصطفى حسين رئيس المكتب الفنى للجمعية العمومية للفتوى والتشريع إلى أن الجمعية انتهت إلى أنه ليس من اختصاص ممارسى وأخصائى العلاج الطبيعى تشخيص الحالات، أو إعطاء وصفات، أو شهادات طبية، أو دوائية، أو طلب فحوص معملية، أو إشعاعية، أو غيرها، وإنماء يقتصر دورهم طبقًا للقانون رقم (3) لسنة 1985 بشأن مزاولة مهنة العلاج الطبيعى على وضع وتنفيذ برامج العلاج الطبيعى بناء على تقرير الطبيب المعالج.
كما انتهت إلى أن ممارسى وأخصائى العلاج الطبيعى لا يخضعون أثناء ممارستهم لاختصاصاتهم، بوضع وتنفيذ برنامج العلاج الطبيعى للإشراف الفنى للطبيب المعالج، وأن لفظ الطبيب المعالج ينصرف إلى الأطباء البشريين على اختلاف تخصصاتهم الذين يناظرون الحالة ابتداء، ولا يدخل فى ذلك ممارسو وأخصائيو العلاج الطبيعى، وأنه لا يجوز إطلاق لفظ "الدكتور" سواء على الأطباء أم ممارسى وأخصائى العلاج الطبيعى إلا على الحاصل منهم على درجة الدكتوراه.
وصدرت فتوى كذلك أكدت فيها على مشروعية قرار وزير الصحة رقم (197) لسنة 2011 بإنشاء قسم للعلاج الطبيعى بالمستشفيات والمراكز يرأسه أحد أخصائى العلاج الطبيعى يتبع إدارة المستشفى وفقًا للشروط والضوابط المذكورة، وذلك باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل فى اعتماد الهيكل التنظيمى لوزارة الصحة فى مختلف قطاعاتها الرئيسة والفرعية.