بمناسبة أداء الرئيس عبدالفتاح السيسي اليمين الدستورية غداً أمام مجلس النواب في جلسة خاصة في العاصمة الإدارية الجديدة لفترة رئاسية جديدة تالية مدتها 6 سنوات (2024-2030)، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في ديسمبر الماضى بنسبة 89.6 %، فهناك بروتوكولات معينة لتلك الجلسة، اختلفت تلك البروتوكولات من حقبة لأخرى، والتي بدأت منذ العصر الملكى وصولا للعهد الجمهورى، فقد عرفت مصر خلال التاريخ المعاصر أداء اليمين الدستورية من قبل الحاكم، ملكا كان أو رئيسا.
وفى الحقيقة اختلف أداء هذا القسم وما صاحبه من مظاهر احتفالية حسب الظروف السياسية التى مرت بها البلاد، لنصل إلى يومنا هذا الذى يشهد حلف اليمين وتنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسى، لفترة رئاسية جديدة تالية مدتها 6 سنوات (2024-2030)، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الماضية، ما يجعلنا نتطرق للحديث حول تاريخ القسم الرئاسي لليمين الدستورى وإجراءاته وطقوسه، وتواريخ أداء القسم لليمين الدستورية لزعماء مصر منذ العهد الملكى حتى الجمهورى.
بالتواريخ والأرقام.. القسم الرئاسى لليمين الدستورية من العصر الملكى لـ"الجمهورى" لجميع زعماء مصر
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على التساؤل حول القسم الرئاسي لليمين الدستورى وإجراءاته وطقوسه، تاريخ أداء القسم لليمين الدستورية لزعماء مصر، بداية من الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان الذى أدى القسم الدستورى أمام مجلسى الشيوخ والنواب بناء على دستور 1923، والرئيس محمد نجيب الذى أدى القسم الرئاسى أمام هيئة التحرير، حيث لم يكن هناك أى تنظيم مؤسسى حينذاك، والرئيس جمال عبد الناصر الذى أدى القسم الرئاسى عام 1956 أمام الجماهير قبل تأسيس مجلس الأمة ثم أدى القسم الأول عام 1958 أمام مجلس أمة الوحدة بين مصر وسوريا، ثم بعدها أمام مجلس الأمة وكان غرفة واحدة، وغيرها من الوقائع – بحسب الدراسة التي أعدها المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان: "القسم الرئاسى لليمين الدستورية من العصر الملكى حتى العصر الجمهورى".
في البداية - لم يؤد الملك فؤاد الذى يعد أول ملك للبلاد والذى خلف والده السلطان حسين كامل، اليمين الدستورية أمام الجمعية التشريعية التى كانت تمثل البرلمان آنذاك، لأنها كانت معطلة منذ قيام الحرب العالمية الأولى فى عام 1914، ولكن تم الاحتفال بتنصيبه يوم 11 أكتوبر سنة 1917، حيث انتقل موكبه من قصر البستان بوسط القاهرة إلى سراى عابدين لاستقبال المهنئين، وظل الملك فؤاد على عرش مصر إلى أن توفاه الله فى 28 أبريل 1936 ليخلفه ابنه الملك فاروق ملكا على مصر، وكان الملك فؤاد ينادى باسم سيد النوبة وكردفان ودارفور، وفى عهده اندلعت ثورة 1919 ورفعت بريطانيا الحماية عن مصر، واعترفت بها مملكة مستقلة ذات سيادة، فأعلن فؤاد الاستقلال في 12 مارس 1922، وفى عهده صدر دستور سنة 1923 – وفقا لـ"خفاجى".
أما أداء القسم الدستورى لزعماء مصر فى العهد الملكى الملك فاروق أول ملك يتم تنصيبه إعمالاً لقوة دستور 1923، ثم رؤساء الجمهورية محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسنى مبارك، ثم لمرسى الذى أدى ثلاثة يمين دستورية أمام جهات مختلفة استهانة بالقسم أقرب للسيرك السياسى منه إلى الالتزام الدستورى، ثم لمجلسين يمتنع عنهما أداء القسم الدستورى هما مجلس الوصاية على العرش، لأنه يمثل سلطة العرش وليس سلطة السيادة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى حصل على سلطة السيادة بأمر الشعب – الكلام لـ"خفاجى".
أولاً: الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان أدى القسم الدستورى أمام مجلسى الشيوخ والنواب بناء على دستور 1923.. والسنة الهجرية أنقذته من السنة الميلادية فيما يتعلق بالسن القانونية
إن أول ملك دستورى يتم المنادة بجلالته به ملكاً على مصر عام 1936 هو الملك فاروق الأول، لأنه تمت ولايته بناء على دستور 1923 الذى وضعه الملك أحمد فؤاد الأول الذى أصدره كسلطان ثم صحح وضعه فى دستور 1923 وجعل تنصيبه ملكاً، ومن ثم يمكن القول أن أول ملك تمت ولايته بناء على الدستور هو الملك فاروق الأول ملك مصر أضيف إليه عام 1936 لقب ملك مصر والسودان، والحكومة برئاسة مصطفى النحاس باشا حصلت على اعتراف دولى من الدول ذات التمثيل الدبلوماسى بأن الملك فاروق الأول هو ملك مصر والسودان – هكذا يقول "خفاجى".
الملك فاروق
والمادة 50 من دستور 1923 تنص على إنه: "قبل أن يباشر الملك سلطته الدستورية يحلف اليمين الآتية أمام هيئة المجلسين مجتمعين: "أحلف باالله العظيم أنى احترم الدستور وقوانين الأمة المصرية وأحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه"، علماً بأن المجلسين هما ما يتكون بهما البرلمان مجلس الشيوخ ومجلس النواب وفقا للمادة 73 من ذلك الدستور، وهو الأمر الذى خلا منه دستور عام 2014 وتعديلاته الدستورية عام 2019 حيث يؤدى رئيس الجمهورية أداء اليمين الدستورية أمام مجلس النواب فقط دون مجلس الشيوخ وفقاً لنص المادة 144 من ذلك الدستور والتى لم تعدل وفى المجال الدستورى لا اجتهاد مع صراحة النص، فالنص فى معرض الحاجة بيان – طبقا لـ "خفاجى".
ومعيار تنصيب الملك فاروق الأول هو الوراثة وولاية العهد، وله نصاب سنى ببلوغها حيث كان دستور 1923 لا يشترط فى أن يكون السن بالسنة الميلادية أو الهجرية بالنسبة لولاية العرش، ولكن على ماهر باشا وهو سياسى داهية قام بصياغة توفيقية أرضت التوازنات داخل العائلة المالكة، وتم تنصيب الملك فاروق الأول لأنه وصل إلى السن القانونية بالتاريخ الهجرى وليس الميلادى الذى لم يكن فى صالحه، وهذه الفكرة أضاعت ولاية العهد على الأمير محمد على توفيق وأصبح فقط وليا للعهد، ثم نزعت منه بعد أن انجب الملك فاروق الأول ولى عهده الأمير أحمد فؤاد الثانى عام 1951.
إذن فالوحيد الذى أدى القسم أمام مجلسى الشيوخ والنواب هو الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان، وكان يعتبر يوم أداء الملك فاروق الأول اليمين أمام مجلسى الشيوخ والنواب من قبيل الأعياد الرسمية فى البلاد ويسمى عيد جلوس الملك على العرش، بينما فى ظل النظام الجمهورى لا يوجد ذلك العيد ولا يعتبر إجازة رسمية فى الدولة.
ثانياً: الرئيس محمد نجيب أدى القسم الرئاسى أمام هيئة التحرير حيث لم يكن هناك أى تنظيم مؤسسى حينذاك
حينما قامت ثورة يوليو 1952 وتم إلغاء الملكية وتحول نظام الحكم إلى نظام جمهورى بقرار من مجلس قيادة الثورة حينذاك، تولى الرئيس محمد نجيب رئاسة البلاد، لكنه لم يؤد اليمين الدستورية أمام أى تنظيم مؤسسى فى ذلك الوقت سوى هيئة التحرير.
ثالثاً: الرئيس جمال عبد الناصر أدى القسم الرئاسى عام 1956 أمام الجماهير قبل تأسيس مجلس الأمة ثم أدى القسم الأول عام 1958 أمام مجلس أمة الوحدة بين مصر وسوريا.. ثم بعدها أمام مجلس الأمة وكان غرفة واحدة
الزعيم الرئيس جمال عبد الناصر أنتخب عام 1956 طبقاً لاستفتاء شعبى وأدى اليمين الدستورية أمام الجماهير حينذاك، وليس أمام البرلمان لأنه فى هذا الوقت لم يكن قد صدر قانون تأسيس مجلس الأمة طبقاً لدستور 1956، ثم اُنتخب مجلس الأمة فى صيف عام 1957 فأقسم الرئيس جمال عبد الناصر بعد ذلك القسم الأول عام 1958 كرئيس أمام مجلس أمة الوحدة بين مصر وسوريا، الذى ضم النواب المصريين والنواب السوريين نتيجة الإعلان الدستورى للوحدة بين مصر وسوريا، وبناء عليه أقسم اليمين الدستورية عام 1958، ثم أقسم عبد الناصر بعد ذلك أمام مجلس الأمة وكان غرفة واحدة.
رابعاً: الرئيس أنور السادات أدى القسم الرئاسى أمام مجلس الأمة عقب وفاة عبد الناصر وفقاً لدستور 1956 ثم أمام مجلس الشعب دون الشورى وفقاً لدستور 1971
يقول الدكتور محمد خفاجى عندما جاء أنور السادات كان نائباً للرئيس الراحل جمال عبد الناصر وعقب وفاة ناصر فى 28 سبتمبر 1970 جاء السادات بعد إجراءات نص عليها الدستور المؤقت 1956 حيث يستلزم ترشحه من المؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى العربى وهو التنظيم السياسى الوحيد على المؤتمر العام، ثم اللجنة المركزية ثم يطرح على مجلس الأمة بأغلبية الثلثين ويطرح الاسم على الاستفتاء العام، وبهذا فاز الرئيس بالرئاسة وأقسم أمام مجلس الأمة بنظام الغرفة الواحدة عن طريق الاستفتاء.
ثم قام الرئيس السادات بإصدار دستور جديد فى 11 سبتمبر 1971 الموافق 21 رجب سنة 1391 هجرية هو دستور 1971 وانشأ بموجبه غرفتين للبرلمان، وتم تعديل مسمى مجلس الأمة إلى مجلس الشعب والغرفة الأخرى تم انشاء مجلس الشورى، ونصت المادة 79 من دستور 1971 على أن: "يؤدى الرئيس أمام مجلس الشعب قبل أن يباشر مهام منصبه اليمين الآتية :أقسم باللَّه العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه"، وكان البرلمان حينذاك مكون من مجلسى الشعب وفقا للمادة 86 من الدستور ومجلس الشورى وفقا للمادة 194 منه، لكن الرئيس يؤدى القسم الرئاسى أمام مجلس الشعب فقط دون مجلس الشورى.
خامساً: صوفى أبو طالب لم يقسم القسم حيث تولى الرئاسة بصفة مؤقتة
وبعد اغتيال السادات فى أكتوبر 1981 تم انتقال السلطة انتقالاً هادئاً، وتولى الدكتور صوفى أبو طالب رئيس مجلس الشعب اَنذاك رئيساً مؤقتا للبلاد، لكنه لم يقسم القسم أمام البرلمان، حيث تولى الرئاسة بصفة مؤقتة إعمالاً للألية التى نص عليها الدستور.
سادساً: الرئيس مبارك أدى القسم الرئاسى أمام مجلس الشعب مدة استفتاء عقب اغتيال السادات وثلاث مدد بالاستفتاء ومدة بالانتخاب وأخرى لم تكتمل بقيام ثورة 25 يناير 2011
وعقب اغتيال الرئيس السادات طرح اسم نائب رئيس الجمهورية وهو حسنى مبارك على الاستفتاء العام فور إعلان النتيجة التى كانت تتم بمعرفة وزارة الداخلية تحت إشرافها، وطوال عهده ظل نص المادة 79 من دستور 1971 سارياً بأن: "يؤدى الرئيس أمام مجلس الشعب قبل أن يباشر مهام منصبه اليمين الآتية: أقسم باللَّه العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه"وأدى الرئيس مبارك اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب وتقلد الرئاسة عقب اغتيال السادات باستفتاء شعبى مدة منذ عام 1981 ثم ثلاث مدد أخرى بالاستفتاء 1987 و و1993 و1999، ثم مدة بالانتخاب عام 2005 ثم مدة أخرى بالانتخاب عام 2010 لم تكتمل حتى قيام ثورة 25 يناير 2011.
سابعاً: مرسى أدى 3 يمين دستورية أمام جهات مختلفة استهتارا بالقسم أقرب للسيرك السياسى منه إلى الالتزام الدستورى:
وحينما تولى الدكتور محمد مرسى رئاسة البلاد بالانتخاب قام ولأول مرة فى تاريخ مصر بتأدية 3 يمين دستورية أمام جهات مختلفة حيث قام أولاً بأداء اليمين الدستورية فى ميدان التحرير فى مؤتمر شعبى عقب إعلان نتائج الانتخابات، ثم قام ثانياً بأداء قسم اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، وذلك بعد مداولات عنيفة داخل التنظيم الإخوانى ومكتب الإرشاد، حيث كانوا يرفضون فكرة أداء القسم الدستورى أمام تلك المحكمة، ثم قام ثالثاً بأداء اليمين الدستورية أمام حشد قيادى فى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة، وهو ما يعد مخالفاً مخالفة صارخة لأحكام الدستور ويعد استهانة بالقسم أقرب للسيرك السياسى منه إلى أى التزام دستورى.
ثامنا: الرئيس المؤقت عدلى منصور أدى القسم الرئاسى أمام المحكمة الدستورية بعد ثورة 30 يونيو 2013
حينما قامت ثورة 30 يونيو 2013 تم اعمال النص الخاص بأن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا الرئاسة المؤقتة للبلاد، وبعد قرابة العام من حكم مرسى الذى ثار الشعب عليه، وحمى الجيش ثورة 30 يونيو 2013، و أعلن خريطة الطريق فى 3 يوليو وبموجبها تم عزل مرسى عن رئاسة الجمهورية وبتاريخ 4 يوليو 2013، أدى الرئيس المؤقت اليمين الدستورية أمام أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية، وقام المستشار عدلى منصور بتلاوة القسم ثم أعقب حلف اليمين خطاباً أكد فيه أن الشعب هو الذي كلفه بالرئاسة في الفترة الانتقالية بحسبانه مصدر السلطات.
بروتوكول تأدية الرئيس للقسم ومحتوى نص اليمين
وأما عن تأدية الرئيس عبدالفتاح السيسى اليمين الدستورية لبدء مهام ولايته الجديدة، فمن المنتظر أن يحضر أعضاء البرلمان بالإضافة إلى أعضاء الحكومة وشخصيات دينية من المسلمين والمسيحيين، لحضور تأدية القسم، الذي يتضمن نصه القسم التالي: "أقسم بالله العظيم أن أحافظ مُخلصًا على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه".
وستبدأ مراسم أداء الرئيس لليمين بمجرد وصوله لمقر البرلمان، حيث يكون في انتظاره أمام قاعة المجلس الرئيسية كل من رئيس مجلس النواب، ونائبيه، وأمين عام مجلس النواب حيث يقف الجميع قبل الدخول إلى المجلس لاستعراض حرس الشرف وعزف السلام الجمهوري، وعقب ذلك يتوجه الرئيس للاستراحة الخاصة برئيس الجمهورية داخل المجلس، في حين يتوجه رئيس مجلس النواب والوكيلان للقاعة ليفتح رئيس المجلس الجلسة أولا، ويدعو رئيس الجمهورية للدخول إلى قاعة البرلمان، حيث يجلس على المنصة الرئيسية، وعلى يمينه رئيس مجلس النواب.
كما سيقف أمين عام مجلس النواب على الباب الأيمن للقاعة، ويعلن بصوت مرتفع عن قدوم الرئيس ويقول "السيد رئيس الجمهورية"، وعقب ذلك يقف النواب لتحية الرئيس حتى صعوده إلى منصة المجلس التي تضم مقعدين أحدهما لرئيس المجلس والثاني لرئيس الجمهورية، ويلقي بعدها رئيس المجلس كلمة ترحيبية من المنصة ويدعوه لحلف اليمين، ويتوجه الرئيس إلى منبر المجلس لحلف اليمين، وبعدها يلقي الرئيس خطابا للأمة ثم يعلن رئيس مجلس النواب رفع الجلسة ويغادر الرئيس منفردا.