200 يوما من الحرب على قطاع غزة، خسرت فيها إسرائيل خسائر اقتصادية واجتماعية ودولية لم تشهدها في تاريخها، حتى صنف المراقبون تلك الفترة بالأسود في تاريخ تل أبيب التي تقف على حافة الهاوية بقيادة رئيس الوزراء المتطرف بنيامين نتنياهو.
وخلال الـ200 يوما أصبح نتنياهو إلى شخصية مرفوضة سياسيا وشعبيا في إسرائيل، بعد فشله في الوفاء بوعوده تجاه أهالى الرهائن لدى حركة حماس، فلا يزال 132 أسيراً إسرائيلياً محتجزين في غزة، وأصبح مشهد المتظاهرون وهم يحاصرون منزل نتنياهو مطالبين برحيله مشهد معتاد، كان آخرها اليوم حيث أشعل المتظاهرون النيران في الإطارات أمام منزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في قيسارية، ورددوا هتافات تتهم رئيس وزراء الاحتلال بأنه العائق في طريق التوصل إلى اتفاق مع حركة حماس، وأن الحكومة تتخلى عن الأسري الإسرائيليين.
وتأتي هذه الاحتجاجات في ظل استمرار التوتر والتصعيد بين الحكومة والمعارضة في إسرائيل، حيث تشهد مظاهرات متنامية تطالب بإجراء انتخابات مبكرة، وعبّر زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد عن اعتقاده بأن "هذه الحكومة كارثة على الدولة"، مشيرا إلى ضرورة إجراء انتخابات مبكرة كخطوة أساسية لإنقاذ إسرائيل من الأزمات المتفاقمة.
فضلا عن الخسائر الاقتصادية، حيث من المتوقع أن يرتفع عجز الميزانية من 2.25% إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري، حيث أدت الحرب إلى تراجع النمو الاقتصادي للعام الجاري بمقدار 1.1 نقطة مئوية بعد خسائر متوقعة قدرها 1.4 نقطة مئوية العام الماضي، فيما قدر الأثر المالي للحرب بنحو 150 مليار شيكل (40.25 مليار دولار) في الفترة 2023-2024، وأدت إلى انخفاضات حادة بنسبة 22.5% بالصادرات، و26.9% بالإنفاق الخاص، و67.9% بالاستثمار في الأصول الثابتة، و42.4% بالواردات، في الربع الأخير.
وارتفع معدل التضخم السنوي بأكثر من المتوقع إلى 2.7% في مارس من 2.5% في فبراير، وقالت وزارة المالية الإسرائيلية، إن الحرب زادت الديون إلى المثلين العام الماضي، وأفادت الوزارة -في تقرير- بأن الديون بلغت 160 مليار شيكل (43 مليار دولار) عام 2023، من بينها 81 مليار شيكل (21.6 مليار دولار) منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، في حين اقترضت إسرائيل 63 مليار شيكل (16.78 مليار دولار) خلال عام 2022 بأكمله.
إلى ذلك، غصت العديد من العيادات النفسية في البلاد بمرضى سواء من الجيش أو غيره، وفق ما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية. فيما قُتل 605 جنود من الجيش الإسرائيلي وأصيب أكثر من 5 آلاف آخرين، ولم يتمكن الاحتلال من استعادة سوى 120 أسيرا عبر صفقة تبادل مع المقاومة ضمن هدنة إنسانية استمرت أسبوعا.
وتأكيدا على حالة الغضب داخل جيش الاحتلال استقال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون حاليفا بعد إقراره بـ"مسؤوليته" عن إخفاقات إبان عملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها كتائب "القسّام" في 7 أكتوبر الماضي.
وقال جيش الاحتلال في بيان، إنّ رئيس الأركان هرتسي هاليفي قبل استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون حاليفا، الذي قرّر التنحّي عن منصبه بالتنسيق مع رئيس هيئة الأركان، لمسؤوليته القيادية كرئيس لشعبة الاستخبارات عن الفشل في كشف هجوم السابع من أكتوبر".
كذلك، تواجه إسرائيل في محكمة العدل الدولية اتهاماً بتنفيذ إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وإن كان ليس لقرارات تلك المحكمة أثر تنفيذي إلا أنها تحمل في طياتها إدانة معنوية وأخلاقية مهمة دولياً، هذا بالإضافة إلى الرأي العام الدولى الذى انقلب على إسرائيل بعد مجازرها بحق المدنيين والأطفال والنساء، وكذلك تراجع الدعم من الحكومات الحليفة.
ونشرت منظمة "لاتيت" الإسرائيلية استطلاع رأي حول تداعيات الحرب على قطاع غزة على المجتمع الإسرائيلي من الناحية الاقتصادية، والاجتماعية، وموقف الجمهور من أداء حكومة بنيامين نتنياهو، بكل ما يتعلق في سير الحرب، وتقديم الخدمات والمساعدات للمواطنين في حالة الطوارئ، وثقة الإسرائيليين بالمؤسسات الرسمية والوزارات الحكومية خلال القتال.
ومنظمة "لاتيت" هي منظمة إغاثة تكافح الفقر في إسرائيل وبناء مجتمع أكثر "عدلا" من خلال تقديم المساعدة للشرائح الضعيفة بالمجتمع الإسرائيلي، ودفع المجتمع المدني نحو التكافل والعطاء، وتنشط المنظمة في جميع أنحاء البلاد بالتعاون مع 150 جمعية محلية.
وتظهر بيانات الاستطلاع أن ما يقارب من ثلث الإسرائيليين أفادوا بأن وضعهم الاقتصادي تدهور مقارنة بالعام الماضي، وأن 41% من الجمهور يخشون المزيد من التدهور نتيجة الحرب، في حين يعتقد أقل من الثلث ممن شملتهم العينة أن الحكومة الإسرائيلية لديها القدرة على التغلب على التداعيات.
كما نشرت القناة الثالثة عشرة الإسرائيلية استطلاعًا للرأي آخر بخصوص إجراء انتخابات مبكرة وإمكانية نشوء تحالفات سياسية جديدة، إضافة لتوجه الرأي العام حول وعود نتنياهو بنصر قريب مزعوم في غزة.
وأهم ما يلفت الانتباه في استطلاع الرأي الذي نشرته هذه القناة الإخبارية الإسرائيلية هو أن أكثر من ثلثيْ الإسرائيليين (68% بالتحديد) لا يصدقون وعود رئيس وزراء بلادهم بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل على بُعد خطوة واحدة فقط من "الانتصار" على حركة حماس في غزة.
وبالتالي فإنه على الرغم من أن الخسارة الفلسطينية كبيرة ولا يوجد وصف لها إلا أن إسرائيل تمر بوقت عاصف قد يغير من وضعها لسنوات قادمة، بعد الخسائر الاقتصادية التي منيت بها خلال الـ200 يوما، وكذلك ضعف موقفها الدولى بعد الخلافات التي ظهرت بينها وبين حلفاؤها للعلن وفى مقدمتهم واشنطن، وخلق رأى عام عالمى داعم للقضية الفلسطينية.