أصدرت الدائرة الجنائية – بمحكمة النقض – حكما قضائيا يهم ملايين المتقاضين، يضع العديد من الضوابط والمبادئ حول التقارير الطبية، قالت فيه: "التقرير الطبي بذاته دليل إصابة وليس دليل إدانة، حيث إن التقارير الطبية لا تدل بذاتها على نسبة إحداث الإصابات إلى المتهم، والاستناد إليها كدليل مؤيد لأقوال الشاهد جائز، أما المجادلة في ذلك، غير مقبولة".
صدر الحكم في الطعن رقم 11199 لسنة 99 قضائية، برئاسة المستشار بدر خليفه، وعضوية المستشارين الأسمر نظير، وممدوح فزاع، وهانى صبحى، ومصطفى سيد.
الوقائع.. القبض على شخص لاتهامه بالتعدى على ضابط شرطة
اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجناية رقم 18 لسنة 2017 قسم الرمل ثان (والمقيدة بالجدول الكلي برقم 5 لسنة2017)، بأنه في يوم الأول من أكتوبر سنة 2017 بدائرة قسم الرمل أول - محافظة الإسكندرية: 1- استعمل القوة والعنف مع موظف عام وهو النقيب "......" ضابط مرور بقطاع أبيس، وذلك لحمله بغير حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته وهو سحب رخص تسيير الدراجة الآلية رقم السير قائدها بدون رخصة قيادة بأن تعدى عليه بالضرب محدثاً إصابته الواردة بالتقرير الطبي المرفق بالأوراق محاولاً منعه بالقوة من تحرير المخالفة ولم يبلغ بذلك مقصده بأن تم تحريرها وضبطه على النحو المبين بالتحقيقات.
محكمة أول درجة تقضى على المتهم بالحبس 6 أشهر
2- كما أهان بالقوة موظف عام هو النقيب / "......" ضابط مرور بقطاع أبيس أثناء وبسبب تأدية وظيفته بأن، وجه إليه ألفاظ السباب على نحو يحط من قدره وكرامته على النحو المبين بالتحقيقات، وأحالته إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في 3 من فبراير سنة 2018 عملاً بالمادتين 133، 137 مكرر 1/1 من قانون العقوبات، مع إعمال المادة 32 من القانون ذاته، بمعاقبته بالحبس لمدة 6 أشهر، فطعن المحامي بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في الأول من إبريل سنة 2018، وبذات التاريخ أودعت مذكرة بأسباب الطعن عن المحكوم عليه موقعاً عليها من المحامى.
المتهم يطعن على الحكم لإلغائه
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم، حيث ذكرت أن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون، وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي استعمال القوة والعنف مع موظف عام لحمله بغير حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته ولم يبلغ مقصده والتعدي عليه بالقول قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، وانطوى على الإخلال بحق الدفاع؛ ذلك بأن خلا من بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دانه بها، وبيان الأدلة التي استخلصت منها المحكمة الإدانة ومؤداها، وجاءت أسبابه قاصرة، مما يدل على أن المحكمة حين استعراضها لأدلة الدعوى لم تمحصها التمحيص الكافي ولم تلم بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، ولم يستظهر أركان جريمة استعمال القوة بركنيها المادي والمعنوي ملتفتاً عن دفع الطاعن بانتقائها، سيما وقد خلت الأوراق من ثمة دليل مادي على ارتكابه للواقعة.
واستند الحكم إلى أقوال ضابط الواقعة - المجني عليه - واعتنق تصويره لها رغم عدم معقوليتها وتلفيقها، بدلالة الإصابات التي بالطاعن والمثبتة بالتقرير الطبي والتي أغفلها الحكم، كما عول على أقوال شهود الإثبات رغم تناقضها بعضها مع البعض، وقد اتخذ من تحريات الشرطة دليلاً على إدانة الطاعن رغم أنها جاءت منقولة من مصادر مجهولة وتعتبر من قبيل الشهادة السماعية، كما أنها لا تصلح دليلاً لأنها لا تعبر إلا عن رأي صاحبها، كما اتخذ من التقرير الطبي دليلاً رغم كونه دليل إصابة وليس دليل إدانة، ولم تستمع المحكمة لأقوال شهود الإثبات والمصدر السري للتحريات للتأكد من جديتها، والتفتت عن قالة شهود النفي، كما أن الحكم أغفل تناول دفع الطاعن بعدم معقولية الواقعة وكيدية الاتهام وتلفيقه بالرد، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه، ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها إلى الطاعن أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت من تقرير الطبي الخاص بالمجني عليه.
النقض تؤكد: التقرير الطبي دليل رغم كونه دليل إصابة وليس دليل إدانة
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: لما كان ذلك، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت المحكمة منها ثبوت الواقعة ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي استعمال القوة والعنف مع موظف عمومي لحمله بغير حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته ولم يبلغ مقصده والتعدي عليه بالقول وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة.
وبحسب "المحكمة": وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطأ يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما ورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن منعى الطاعن بالقصور لا يكون له محل - لما كان ذلك - وكان المقرر أن الركن الأدبي في الجناية المنصوص عليها في المادة 137 مكرر "أ" من قانون العقوبات لا يتحقق إلا إذا توافرت لدى الجاني نية خاصة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينة هي أن يؤدي عملاً لا يحل له أن يؤديه أو أن يستجيب لرغبة المعتدي فيمتنع عن أداء عمل كلف بأدائه، وأن الشارع قد أطلق حكم هذه المادة لينال بالعقاب كل من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف العام أو الشخص المكلف بخدمة عامة على قضاء أمر غير حق أو اجتناب أداء عمله المكلف به ويستوى في ذلك أن يقع الاعتداء أو التهديد أثناء قيام الموظف بعمله لمنعه من المضي في تنفيذه أو في غير فترة قيامه به لمنعه من أدائه في المستقبل.
محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد من وقائع الاعتداء الحاصل من الطاعن ما يكفي التوافر الركن المادي للجناية المذكورة وقد استظهر استظهاراً سليماً من ظروف الواقعة أن نية الطاعن مما وقع منه من أعمال مادية صوب الضابط قد انصرفت إلى منع الضابط - شاهد الإثبات الأول - من أداء أعمال وظيفته لعدم تمكينه من تحرير إيصال سحب الرخصة ولم يبلغ الطاعن مقصده، فإن جناية استعمال القوة والعنف تكون متوافرة الأركان ولا على الحكم إن هو لم يعرض لدفاع الطاعن بانتفاء أركان الجريمة، لما هو مقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها ما يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها المتهم لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة بيان علة اطراحها إياها، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن بما أورده من أدلة منتجة تتوافر بها كافة العناصر القانونية لجناية استعمال القوة والعنف، فإن النعي على الحكم بقالة القصور في التسبيب يكون غير سديد.
لما كان ذلك - وكان ما أورده الحكم ودلل به على مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها كاف وسائغ ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلي والمنطقي، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات بقالة خلوها من ثمة دليل لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض - لما كان ذلك - وكان من المقرر أن المحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهى متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان لا يعيب الحكم تناقض رواية الشهود - بفرض حصوله - في بعض تفاصيلها ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً.
وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال ضابط الواقعة - شاهد الإثبات الأول وشهود الإثبات واقتناعها بحدوث الواقعة على الصورة التي شهدوا بها، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة أو في تصديقها لأقوال شهود الإثبات أو محاولة تجريحها بقالة تناقضها وتلفيقها أو اختلاقها من قبل الضابط لعدم مسألته عن إصابات الطاعن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض - لما كان ذلك - وكان ما يثيره الطاعن من إغفال الحكم إصابات الطاعن مردوداً بأن الحكم لم يكن بحاجة إلى التعرض لتلك الإصابات طالما أنها لم تكن محل اتهام ولم ترفع بشأنها دعوى ولم يبين الطاعن وجه علاقتها بواقعة الدعوى المطروحة، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن هذا الشأن لا يكون له محل.
المحكمة تحسم النزاع
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة ما دامت قد عرضت على بساط البحث، وكانت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية قد اطمأنت إلى سلامة التحريات والإجراءات التي قام بها مأمور الضبط وصحتها، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تين قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل الناتج عن تلك التحريات وإنما استندت إليها كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها، فإنه لا جناح على الحكم إن عول على تلك القرينة وأقوال مجربها تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام لم يتخذ من تلك التحريات دليلاً على ثبوت الاتهام قبل الطاعن، كما أنه لا ينال من صحتها أن تبقى شخصية المرشد غير معروفة وأن لا يفصح عنها رجل الضبط القضائي الذي اختاره المعاونته في مأموريته، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من تعويله عليها ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض.
لما كان ذلك - وكان من المقرر أن التقارير الطبية وإن كانت لا تدل بذاتها على نسبة إحداث الإصابات إلى المتهم، إلا أنها تصلح كدليل مؤيد لأقوال الشهود في هذا الخصوص، فلا يعيب الحكم استفاده إليها، ومن ثم فإن مجادلة الطاعن في أن المحكمة عولت على التقرير الطبي في نسبة إحداث إصابة المجني عليه إليه لا يكون لها محل - لما كان ذلك - وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة الأخيرة أن المدافع عن الطاعن قد اختتم مرافعته بطلب الحكم ببراءته مما أسند إليه دون التمسك بسماع شهادة شهود الإثبات أو المصدر السرى أو أي من طلبات التحقيق التي أثارها في طعنه، فلا على المحكمة إن هي التفتت عنها، لما هو مقرر من أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه، ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية، فإن منعاه في هذا الصدد لا يكون سديداً.
لما كان ذلك - وكان لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق فيما شهدوا به، وهى غير ملزمة بالإشارة إلى أقواله ما دامت لم تستند إليها، وفي قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن إلى أقوال هؤلاء الشهود فاطرحتها، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن غير مقبول - لما كان ذلك - وكان من المقرر أن الدفع بتلفيق الاتهام وكيديته وبعدم معقولية تصوير الواقعة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزيئات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ما تقدم، فإن الطعن - برمته - يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.
النقض: التقرير الطبي بذاته دليل إصابة وليس دليل إدانة 2
النقض: التقرير الطبي بذاته دليل إصابة وليس دليل إدانة 3
النقض: التقرير الطبي بذاته دليل إصابة وليس دليل إدانة 4
النقض: التقرير الطبي بذاته دليل إصابة وليس دليل إدانة 6