بدأت الحكومة المصرية اتخاذ خطوات مهمة فى طريق إصلاح منظومة الدعم، من خلال وضع آليات جديدة لتوصيل الدعم للفئات المستحقة، وقد بلغ مخصصات الدعم فى موازنة 24/25 ما يُقدر بـ297 مليارا و806 ملايين جنيه للدعم، منها 134 مليارا لدعم السلع التموينية و154 مليارا للمواد البترولية، و5 مليارات للأدوية وألبان الأطفال، فضلا عن تخصيص 10 مليارات احتياطية لمواجهة زيادة القمح.
وفى وقت سابق أعلن الدكتور محمد معيط، وزير المالية، كشف محمد معيط، وزير المالية، أن الدعم النقدى أكثر فعالية وأقل فسادًا ويذهب مباشرة على المواطن، مشيرا إلى وجود فاقد فى الدعم العينى يقدر بنحو 25% إلى 35%، وهو ما دفع رئيس الحكومة لدعوة الحوار الوطنى لإجراء حوار مجتمعى حول هذه التوجه وآليات تنفيذه.
التحول للدعم النقدى خطوة متأخرة
وفى هذا السياق، اعتبر النائب أيمن محسب، مقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطنى، أن طرح الحكومة الاستعانة بالحوار فى وضع رؤية اقتصادية جديدة للدولة وفى هيكلة منظومة الدعم، هو اتجاه محمود ويؤكد أن الجمهورية الجديدة تقوم على مشاركة المواطن فى صنع القرار، خاصة عندما يكون هناك قرار يمس أكثر من 60 مليون مواطن، فيكون هناك حرص على توسيع دائرة الحوار بشأن كيفية تطبيقه، لافتا إلى أنه كان لابد من طرح الأمر على الحوار الوطنى المؤلف من كافه الأطياف فى المجتمع من أحزاب وخبراء وعمال وشباب وتمثيل للمرأة.
وقال "محسب"، فى تصريح خاص، إن الحوار فرصة للاستماع لأصحاب القضية وأصحاب الخبرة بما يضمن الوصول للتوصيات واقعية وحقيقيه وقابلة للتنفيذ، لافتا إلى أنه رغم ما تتحمله الدولة من أعباء كبيرة جدا لدعم السلع وتخفيف الأحمال عن كاهل المواطن، لكن لايزال فى نفس الوقت، يشعر المواطن بأن ما يصل إليه ليس كما تعلن عنه الحكومة فى البنود المخصصة للدعم فى الموازنة العامة للدولة، وذلك نتاجًا لا ستفاده غير المستحقين من الدعم العينى السلعى أكثر من المستحقين.
وعن اتجاه الحكومة للتحول إلى الدعم النقدى بدلا من العينى، أكد أن هذه الخطوة جاءت متأخرة، وفى علم الاقتصاد فالدعم العينى يمكن تسميته كدعم للسلع أما الدعم النقدى فهو دعم للمواطن، مشيرا إلى أن غالبية دول العالم المتقدم لا تقدم دعم عينى، كما أن الدعم النقدى سيغلق باب الفساد واهدار السلع فى رحله خروجها من الدولة إلى المواطن المستهلك، مشيرا إلى أنها ستكون بداية إصلاح منظومه الدعم بشكل أساسى والمستفيد الوحيد هو المواطن، خاصة وأن الدعم العينى يستفيد منه المواطن الغنى والمغتربين أكثر من المواطن المصرى البسيط.
واعتبر "محسب " أن الدعم النقدى سيعود على الدولى بشكل إيجابى بعد ما بقى لدينا بيانات دقيقه جدا من خلال تكافل وكرامه وحياة كريمة و100مليون صحة وكيان العمل الاهلى التنموى بالإضافة إلى بيانات وزاره التموين وجهاز التعبئة والإحصاء، مشددا أن الدولة أصبحت قادرة على التأكد من المستحقين وحالاتهم وإعدادهم مما يوكد أن الدعم النقدى سيصل لمستحقيه بالفعل.
توصيات الحوار الوطنى تستهدف الوصول لاستراتيجية محكمة تواجه أى صدمات دولية
فيما أكد الدكتور سمير صبرى، مقرر لجنة الاستثمار الخاص بالحوار الوطنى، أن إعلان الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، الاستعانة بالحوار الوطنى فى وضع رؤية اقتصادية للدولة المصرية، جاء فى إطار تكليف الحوار الوطنى بدراسة المشكلات الاقتصادية بشكل أكثر عمقا ووضع رؤية متكاملة بالتعاون مع كل أطياف المجتمع والخبراء الاقتصاديين، للخروج بروشته للحكومة للتنسيق والتشاور فى تطبيقها لضبط العملية الاقتصادية.
وأضاف فى تصريح خاص، أن ذلك يهدف التوصل لرؤية تسهم فى سد العجز بميزان المدفوعات من خلال التركيز على القطاعات الأكثر إنتاجية من الزراعة والصناعة والسياحة وتكنولوجيا المعلومات، منوها إلى أن الدولة تحرص على التعلم من كل دروس الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة خلال العامين الماضيين والتى وصفها ب"الخانقة " وتهدف من خلال التعاون بين الحوار الوطنى والحكومة لصياغة رؤية تبحث كيفية وضع أساليب عمل واستراتيجية محكمة لتفادى أى صدمات دولية خصوصا ما تشهده المنطقة من أزمات جيوسياسية واضطرابات تؤثر على أسعار السلع وسلاسل الإمداد.
واعتبر "صبري"، أن مناقشة هيكلة منظومة الدعم بالحوار الوطنى وطرحه على مائدته باعتباره ممثلا لكل أطياف المجتمع، خطوة مهمة للغاية، فى ظل ما تتحمله الدولة من أرقام ضخمة تتخطى ال 600 مليار جنيه، مشيرا إلى أنها ستكون فى إطار تأكيد الدولة على دعمها للمواطن وخاصة متوسط ومحدود الدخل وتهدف إلى تباحث كيفية إدارة رؤية جديدة للتحول من الدعم العينى للدعم النقدى وإيجاد خطة زمنية لترشيد الاستهلاك من بعض السلع التى نعتمد كثيرا على استيرادها من الخارج.
الحوار الوطنى يقود لخارطة طريق عملية تدعم بناء الدول
كما أكد الدكتور رائد سلامة، المقرر المساعد للجنة التضخم بالحوار الوطنى، أن إعلان الدكتور ضياء رشوان، المنسق العام للحوار الوطنى، عن اجتماع مجلس الأمناء يوم السبت القادم، هو أمر مهم للغاية كبداية لوضع الأولويات التى سيضطلع بها الأعضاء المشاركون بالثلاثة محاور فى سياق عام يؤكد استمرار الحوار الوطنى كحالة مستدامة فيما يشبه الديمقراطية التشاركية دون مأسسة ربما تعيق حيوية حالة الحوار بسبب البيروقراطية.
واعتبر فى تصريح خاص، أن عودة الحوار الوطنى فى هذا التوقيت الذى تمر به المنطقة بسبب حرب الإبادة الجماعية التى يشنها سفاح تل أبيب وحلفاءه من المتطرفين ضد أشقائنا فى غزة، إنما تشير إلى إدراك أهمية تلاحم كل القوى الحيوية بالمجتمع للوقوف أمام أى مخاطر وجودية تتهدده، موضحا أن المخاطر هنا لا تقتصر فقط على أية محاولات للاعتداء على حدودنا والتى سيقف جيشنا لها بكل حسم، ولن تقتصر أيضًا على ما تسهم به جهود الدبلوماسية المصرية فى وضع بدائل وحلول لوقف إطلاق النار والتوصل إلى هدنة من خلال الترتيب مع كل الشركاء الدوليين والإقليميين، لكنها أيضًا تمتد للمخاطر الاقتصادية وما يرتبط بها من تأثيرات اجتماعية.
ولفت إلى أنه فى نهاية الجولة الأولى من الحوار الوطنى، تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة من مجلس أمناء الحوار ومن الحكومة لمتابعة تنفيذ توصيات الجولة الأولى والتى وضعت الحكومة خطة زمنية وألزمت نفسها بتوقيتات محددة لتفعيلها، مشيرا إلى أن ما قدمناه من توصيات فى الجولة الأولى بالمحور الاقتصادى يصلح أن يكون خارطة طريق من خلال تقديم رؤية جديدة موضوعية وعملية وبعيدة تمامًا عن أى "دوجمائية" قد لا تكون ملائمة فى ظل الظروف الحالية.
وتابع قائلا: "ومن هنا فإن هناك مسئولية مشتركة بين الحكومة وبين إدارة الحوار الوطنى من خلال اللجنة المشتركة لتفعيل ما ألزمت الحكومة نفسها به من خلال الخطة التنفيذية الزمنية المكتوبة وكذلك تفعيل باقى التوصيات حسب توجيهات رئيس الجمهورية فى هذا الخصوص".
ونوه بأن ما يتعلق بمسألة الدعم، فإنه أمر مهم للغاية وبالذات فى ظل الظروف الحالية لما له من أثر اجتماعى كبير على تماسك المجتمع، وبالتالى فإنه لابد من أن يتجاوز رفاهية النقاش حول التحول من الدعم العينى للدعم النقدى، إلى الوسائل التى تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه سواء كان عينيًا أم نقديًا وأيضا إلى الطرق التى ستقوم الحكومة باستخدامها فى إيصال هذا الدعم، وكذلك المعايير المطلوب توافرها فيمن يستحق هذا الدعم خصوصًا مع التغيير الطبقى فى الشرائح الاجتماعية مؤخرًا لأسباب متعددة منها ما هو هيكلى ومنها ما هو غير ذلك.
وأشار إلى أنه يمكن للحكومة أن تعتمد على قواعد بيانات المبادرات الاجتماعية مثل حياة كريمة وغيرها وذلك بعد تحديثها بالمعايير التى أشرت إليها، استشهادا بتجربة "بولسا فاميليا" للدعم النقدى فى دولة البرازيل وهى تجربة ملهمة للغاية، مؤكدا أنه من المهم للحكومة المصرية أن تدرسها لا بغرض استنساخها لكن لاستلهام الدروس فيما يتعلق بمعايير خضوع الأسر لها وكذلك فيما يتعلق بشروطها التى كانت تقضى بأن تتسلم الزوجة (لا الزوج) لقيمة الدعم وتشترط كذلك لاستمراره أن تستمر الأسر فى تعليم أبنائها وحصولهم على الرعاية الطبية الواجبة بحيث ينقطع الدعم لو خرجوا من التعليم وتوقفوا عن الحصول على تلك الرعاية الطبية.
وشدد "سلامة" أن رقم الدعم بالموازنة العامة الجديدة زاد عن موازنة العام 2023-2024 بنحو 20% تتركز أغلبها فى الدعم السلعى والمنح الاجتماعية، لافتا إلى أنه يتعين على الحكومة مراعاة الاختيار ما بين العينى والنقدى لحماية الشرائح الاجتماعية بحيث لا تتأثر قدراتها الشرائية الهشة بالأساس والتى تدهورت بصورة ملموسة خلال الفترة الأخيرة، مشيرا إلى ضرورة تغيير النمط الاقتصادى من استهلاكى - ريعى إلى إنتاجي - تنموى من خلال الرؤى والخطط والمبادرات التى تقدمنا بها فى الحوار الوطنى، سيكون هو مؤشر استدامة عملية التنمية بمفهومها الشامل الذى يضمن عدالة التوزيع وكفاية الدعم ووصوله لمستحقيه.
التحول إلى الدعم النقدى يحمل العديد من الإيجابيات والتحديات
وفى ذات الصدد، أكد الدكتور كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن التحول إلى الدعم النقدى بدلًا من السلعى يحمل العديد من الإيجابيات كما تم الإعلان عنه إلا أن تطبيقه محفوفًا بالمخاطر والتحديات على المواطن والاقتصاد، وبالتالى لابد من اتخاذ مجموعة من الإجراءات التمهيدية والتحوطات الاستباقية فضلًا عن اختيار توقيت التطبيق قبل الاتجاه إلى التحول بصورة كاملة.
وقال "عادل"، فى تصريح خاص، إن التحول إلى الدعم النقدى قد يُعرض الاقتصاد إلى صدمة تضخمية كبيرة كونه يتعارض حاليًا مع إجراءات السياسة النقدية التقييدية الحالية بالدولة المصرية والتى تعمل على سحب السيولة وتجفيف منابعها بهدف كبح جماح التضخم والسيطرة عليه، وبالتالى منح السيولة إلى أفراد الأسر المصرية المستحقة للدعم وإن كان سيخفف العبء على ميزانية الدولة والمؤسسات المعنية بمنظومة السلع التموينية والرقابة عليها وسيخلق توحيد لأسعار كافة السلع فى الأسواق فلا وجود لسعرين آنذاك ( سعر سلعة تموينية وسعر ذات السلعة فى السوق الحر دون دعم )، إلا أن توافر سيولة مع الأفراد وفى دورة الاقتصاد سيخلق طلبًا حرًا جديدًا على السلع الأساسية وسلع وخدمات أخرى بصورة يترتب عليها الزيادة التدريجية فى أسعار السلع الأساسية بالأسواق وغيرها ومن ثم ارتفاع معدل التضخم.
وطالب "عادل"، بدراسة الأثر واتخاذ إجراءات من شأنها الرقابة على الأسواق والتأكد من توجيه الدعم النقدى لمستحقيه وإنفاقه فى الأوجه المصروف من أجله، وأن يكون تطبيق الدعم النقدى بصورة تدريجية ولتكن البداية فى المحافظات الصغيرة من حيث التعداد السكانى كمحافظة بورسعيد كما حدث فى تطبيق منظومة التأمين الصحى بها، وذلك لدراسة العائد والأثر على السوق والاقتصاد، وتجنب سلبيات التطبيق والتعميم المطلق، مشددا على أن الهدف الأسمى من الدعم سواء النقدى أو العينى هو المساهمة فى تعزيز الحماية الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة الفقراء.
ودعا الخبير الاقتصادى، إلى الاستفادة من تجارب الدول المختلفة من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا فى تطبيق برامج الدعم النقدى المشروط (المكسيك نموذجًا) كخطوة أساسية فى سبيل التخفيف من حدة الفقر ومجابهة صعوبات إجراءات الاصلاح الاقتصادى فى هذه الدول، مشددا على أن الدعوة لصياغة وإعداد رؤية مصر الاقتصادية فى هذا التوقيت أمر هام إذا كانت ستتضمن إجابة على العديد من التساؤلات فى الفترة الأخيرة خاصةً فى ظل وجود تدفقات دولارية حالية من صفقة رأس الحكمة وصندوق النقد الدولى والاتحاد الأوروبى والأموال الساخنة وغير ذلك، فوجود رؤية ومستهدفات وآلية تنفيذ وتطوير أمر جيد ومفيد للاقتصاد والمواطن والمستثمر المحلى والأجنبى.
وشدد على أن الحوار الوطنى نجح فى جلساته العامة والمتخصصة فى خلق مساحات مشتركة وتوافق كبير بين الحكومة والخبراء والمختصين فى الاقتصاد، على أن تكون الرؤية واضحة المعالم والمستهدفات التنموية وآليات التنفيذ والمعنيين بتنفيذها ومعايير قياس المحقق منها على المدى القصير والمتوسط والبعيد، حتى تكون ذات أثر يدعم مستهدفات الدولة الاقتصادية والتنموية ويجذب استثمارات وموارد دولارية إليها بما ينعكس إيجابًا على اقتصاد الدولة والمواطن.