باتت مؤسسات الدولة، تطارد الموظف المتعاطى للمواد المخدرة، وأصبح الفصل هو عقاب الموظف إلى حين أن القانون استعان بروحه القانونية فى إعطاء الموظف فرصة أخرى يمكنه من خلالها الشفاء ووقف تناول تلك المواد المخدرة، حتى يعود لعمله مره أخرى لاستكمال واجبات وظيفته على أكمل وجه، الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع، بمجلس الدولة، ردت على ما يشغل العديد فى فتوى قضائية انتهت فيها إلى أن إنهاء خدمة الموظفين الخاضعين لاحكام قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم (81) لسنة 2016، الذين يثبت تعاطيهم لمواد المخدرة رهين بثبوت إدمانهم لهذه المواد وعدم جدوى شفاؤهم من الإدمان، وذلك بعد استنفاد إجازاتهم المرضية وتقرير عدم لياقتهم الصحية، بموجب قرار يصدر من المجلس الطبى المختص دون إخلال بحق الجهة الإدارية فى مساءلتهم تأديبيًّا عن واقعة تعاطى المخدرات.
ويأتى ذلك تأسيسا على أن المشرع فى قانون الخدمة المدنية المشار إليه حدد بالمادة (69) منه الحالات التى تنتهى بها خدمة الموظف العام، وأورد من بين هذه الحالات حالة عدم لياقة الموظف صحيًّا للخدمة على النحو الذى يقرره المجلس الطبى المختص.
و تنهض المرافق العامة إلى تقديم الخدمات بانتظام واطّراد، وهو ما يستلزم تمتع موظفيها بلياقة صحية ملائمة للقيام بكافة الواجبات والمهام على أكمل وجه، حفاظا على سير هذه المرافق وانتظام رعايتها للمصلحة العامة على وجه مستمر
وإذا كانت لكل وظيفة عامة حقوقها وواجباتها، فإنه متى تأثرت اللياقة الصحية للموظف العام بنحو يخل بقدرته على أداء هذه الواجبات وتحمل هذه المسئوليات – التى تتغير بتغير الخدمة والوظيفة التى يشغلها، كان من اللزوم أن تنقضى علاقته القانونية بالمرفق العام وذلك بانتهاء خدمته لعدم اللياقة الصحية
فلاحظت الجمعية العمومية أن إنهاء الخدمة بهذا الطريق– وفقًا للتكييف القانونى السليم- ليس جزاء تأديبيًّا تفرضه السلطة المختصة على الموظف، بل هو التزام قانونى تقتضيه المصلحة العامة.
كما أن المشرع فى ختام المادة (69) المذكورة فوض اللائحة التنفيذية للقانون فى بيان قواعد وإجراءات إنهاء الخدمة الحاصل بأى من الأسباب التى تضمنتها، ومنها عدم اللياقة الصحية للخدمة، وتنفيذًا لذلك فقد بينت المادة (177) من اللائحة التنفيذية للقانون قواعد وإجراءات هذا الإنهاء، حيث نصت على أنه متى ثبت عدم لياقة الموظف للخدمة صحيًّا بقرار من المجلس الطبى المختص، تعين على إدارة الموارد البشرية أن تعرض الأمر على السلطة المختصة أو من تفوضه لإصدار قرار بإنهاء خدمته, وذلك دون الإخلال بأحقية الموظف فى استنفاد مدد إجازاته المرضية والاعتيادية قبل إصدار هذا القرار، ما لم يطلب الموظف نفسه إنهاء خدمته دون انتظار انتهاء هذه الإجازة.
وأفصحت الفقرة الأخيرة من المادة (177) المشار إليها عن انتهاء خدمة الموظف إذا ثبت عدم لياقته الصحية نتيجة إدمانه المخدرات، ويثبت ذلك بقرار من المجلس الطبى المختص، والذى يقرر بما له من صلاحيات طبية متخصصة أن الموظف تحققت فى شأنه خصائص إدمان المخدرات وأنه أصبح غير لائق صحيًّا للخدمة.
كما يجب وجوب مساءلة الموظفين الخاضعين لاحكام القانون المشار إليه تأديبيًّا حال امتناعهم عن إجراء التحليل الطبى اللازم للكشف عن تعاطيهم للمواد المخدرة، دون إخلال بحق الجهة الإدارية فى إحالتهم إلى المجلس الطبى لتوقيع الكشف الطبى لبيان مدى تعاطيهم المخدرات من عدمه، تأسيسا على أن المادتين (57) و(58) من قانون الخدمة المدنية السابقة الإشارة إليهما، تدلان على أنه يتعين على الموظف العام الالتزام بأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية وغيرهما من القوانين واللوائح والقرارات والتعليمات المنفذة لها، وما يصدر من قرارات تنظيمية أو تعليمات أو نشرات أو كتب دورية فى هذا الشأن، ومدونات السلوك وأخلاقيات الخدمة المدنية الصادرة من الوزير المختص.
وكل موظف يخرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته، أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يجازى تأديبيًّا، وأن سبل تحقق استمرارية حفاظ الموظف العام على كرامة الوظيفة العامة التى يشغلها متعددة، وأنه يرخص للجهة الإدارية دومًا اتخاذ ما يلزم من إجراءات وأعمال لاستبيان ذلك، ومن هذه الإجراءات طلب الجهة الإدارية توقيع الكشف الطبى الدورى على الموظف العام لبيان ما إذا كان يتعاطى مخدرات دون مسوغ طبى من عدمه، لما فى هذا السلوك من أثر على كرامة الوظيفة العامة، ومن المعلوم بالضرورة أن امتثال الموظف العام إلى تنفيذ الأوامر الإدارية الصادرة بالتوجه لإجراء التحاليل الطبية التى يقع عليه الالتزام بتنفيذها والانصياع لها.
وامتناع الموظف عن تنفيذ هذه الأوامر يشكل مخالفة تأديبية تستأهل مجازاته تأديبيًّا، وتوجب على الجهة الإدارية المختصة السير فى إجراءات هذه المساءلة، فى ضوء القواعد القانونية المقررة بالباب السابع من قانون الخدمة المدنية.