دأب المشرع الإجرائي على التدخل بين فترة وأخرى في تعديل الاختصاص القيمي للمحاكم ونصاب الطعن، وذلك نظراً لتدهور قيمة النقود منذ وضع قانون المرافعات عام 1968 حتى الآن، وكان قد صدر آخر تعديل من قبل بالقانون 191 لسنة 2020 والذي عدل النصاب القيمي، وها قد أصدر المشرع القانون رقم 157 لسنة 2024، بتعديل قانون المرافعات، والقانون 156 لسنة 2024 بتعديل قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية، وتم نشرهما بالجريدة الرسمية في العدد 27 مكرر (د) في 5 يونيو 2024 ويعمل بالقانون الأول من أول أكتوبر 2024؛ ويعمل بالقانون الثاني من اليوم التالي لتاريخ نشره.
وفى هذا الإطار يرى البعض أنه مع الانخفاض الشديد لقيمة العملة وارتفاع الأسعار، من الطبيعي أن يكون نصاب المحاكم الجزئية 200 ألف جنيه وتختص المحاكم الكلية فيما جاوز هذا النصاب، بينما يرى آخرون أنه من الناحية الشكلية من الممكن تطبيق هذا الأمر ولكن للأسف المحاكم الجزئية مكونة من قضاة ليست لديهم الخبرة الكافية بحكم انتقالهم من النيابة العامة الي القضاء، وبالتالي في توسيع اختصاصتها خطر وقلق، والغريب أيضا أن المشرع محدد الحد الأقصى لما تتحمله شركات التأمين بـ40 ألف جنيه من عام 2007، وذلك في الوقت الذى يرفض فيه تعديل المبلغ رغم تدهور قيمة العمل، حيث يصف بعض المختصين أن المشرع يكيل بمكيالين في هذا المضمار.
هل يصبح القضاء لمن استطاع إليه سبيلا؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على تعديلات هامة على النصاب القيمي في قانون المرافعات وقانون المحاكم الاقتصادية بالنسبة للقانونين رقمى 156 و157 لعام 2024، وذلك من خلال رصد 10 نقاط تتعلق بالتعديلات، خاصة أن القانون هو مرأة للحالة الاقتصادية للدولة وللزمن الذى يصدر فيهما النص ورفع نصاب المحاكم الجزئية لهذا الحد غير مبرر بالمرة، لأن ذلك يعنى أن هذا الحق غير جدير بإسباغ الحماية القانونية الكاملة عليه من وجهة نظر الدولة والمشرع، وهو ما ترتب عليه بعد ذلك رفع النصاب الانتهائى للأحكام ورفع نصاب الطعن بالنقص، ومؤدى ما سلف أن القضاء بتدرجه الطبيعى سيصبح لمن استطاع إليه سبيلا، والحل يتمثل في تغيير تشكيل المحاكم الجزئية أو رفع كفاءة العاملين بها – بحسب أستاذ القانون والمحامى بالنقض الدكتور وائل أنور بندق.
في البداية - في رأيي المتواضع القانون كله لابد من تغيره من خلال عمل صياغة من آلاف للياء باستخدام أدوات القانون المقارن ليواكب التطور، فمن غير المفهوم وجود قانون إجرائى تم صياغته منذ عام 1968 يتم تطبيقه في عام 2024 خاصة وأن هذا الأمر يعطى انطباع لأى مستثمر أننا نعيش في حقبة مختلفة تماما، والعكس بالعكس فلو أننا قما بسن وتشريع إصدار جديد آخذين بعين الاعتبار أحدث ما انتهت إليه النظم القضائية الحديثة، فإن هذا الأمر سيعطى انطباعا أننا نعمل بشكل متطور على تحديث نظامنا القضائي بجدية، وسيحد بطريقة أو بأخرى من الفساد – وفقا لــ"بندق".
تعديلات على النصاب القيمي في قانونى المرافعات والمحاكم الاقتصادية
كما أن تعديل النصاب القيمي للمحاكم أخر هم أي مستثمر، لكن التعديل علي طرق الإعلان مثلاً أو القيد الإلكتروني للدعاوى أمور في غاية الأهمية كل الدول أصبحت تطبق نظام الإعلانات عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، والتقاضي عن بعد اعتقد أن هذه التعديلات أهم بكثير من تحريك نصاب الاختصاص القيمي للمحاكم، كما أن المشرع لم يراع حتي الآن ضرورة ثقل مواهب القضاة خاصة القضاء الحزئى لاكتساب الخبرات اللازمة التي تؤهله للقضاء في القضايا – الكلام لـ"بندق".
وسوف نلقي أضواء سريعة على هذا التعديل – هكذا يقول "بندق":
أولاً: أصبح نصاب الاختصاص لمحاكم الدرجة الأولى مائتي ألف (200 ألف) جنيه بحيث تختص المحاكم الجزئية بما لا يجاوز هذا المبلغ؛ وتختص للمحاكم الابتدائية بما يجاوزه؛ وذلك دون إخلال بالاختصاص النوعي لكل من المحكمتين الجزئية والابتدائية، وكان هذا النصاب قبل التعديل 100 ألف جنيه.
ثانياً: نصاب استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية أصبح ثلاثين ألف (30 ألف) جنيه بعد أن كان 15 ألف جنيه؛ وعلى ذلك فالأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية ولا تجاوز هذا النصاب تكون نهائية إلا ما استثني بنص القانون.
ثالثاً: أصبح نصاب استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية مائتي ألف (200 ألف) جنيه إلا ما استثني بنص القانون بعد أن كان 100 ألف جنيه.
رابعاً: إذا كانت الدعوى غير قابلة التقدير تعتبر قيمتها أكثر من مائتي ألف (200 ألف) جنيه؛ ومن ثم تختص بها المحاكم الابتدائية.
خامساً: أصبح نصاب الطعن بالنقض خمسمائة ألف (500 ألف) جنيه بعد أن كان مائتين وخمسين ألف جنيه.
سادساً: تختص الدوائر الابتدائية بالمحاكم الإقتصادية بنظر الدعاوى بشأن تطبيق القوانين الخاضعة لاختصاصها والتي لا تجاوز قيمتها خمسة عشر مليون (15 مليون) جنيه، وتختص الدوائر الاستئنافية بما يجاوز ذلك أو بالدعاوى غير مقدرة القيمة.
سابعاً: من الطبيعي أن يكون هناك تنازع في القوانين بشأن الاختصاص من حيث الزمان وهو ما تعرضت له المادة الثانية من تعديل قانون المرافعات والمادة الثالثة من تعديل قانون المحاكم الاقتصادية، ونشير للمتخصصين عموماً على بحث قيم في هذا الصدد لأستاذنا المرحوم الدكتور أحمد أبو الوفا بعنوان "التنازع الزمني لقوانين المرافعات ".
ثامناً: هناك تعديلات أخرى هامة بشأن المحاكم الاقتصادية، تحتاج تفاصيل كثيرة لا يمكن استيعابها في تلك السطور، وقد وضعنا نصوص التعديلات في المرفقات.
تاسعاً: للمرة الثانية لا يتدخل المشرع لتعديل النصاب القيمي للإثبات الوارد في قانون الإثبات، وكانت قد جرت العادة من قبل أن يصدر قانون واحد لتعديل النصاب القيمي في المرافعات، ونصاب الإثبات الوارد في قانون الإثبات.
عاشراً: من المؤسف أن يترتب على هذا القانون اتساع نطاق اختصاص المحاكم الجزئية، وهو أمر يدعو للقلق نظراً لتشكيلها، ومن الأكثر أسفاً أن تزداد قيمة نصاب الطعن بالنقض إلى 500 ألف جنيه، مع أن من المفترض أن محكمة النقض محكمة قانون تراقب صحة تطبيقه وتوحيد الحلول القانونية بغض النظر عن قيمة النزاع، وإذا كان المشرع قد وضع من قبل نصاباً للطعن بالنقض لاعتبارات عملية (وهو أمر فيه نظر)، فكان من الأجدر به ألا يرفع قيمته من بعد ذلك.