من المعلوم أن قانون الإجراءات الجنائية خول لمأمور الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات العديد من السلطات، وهذه السلطات بوجه عام لا تتضمن أي مساس بحرية المتهم، ومن هذه السلطات تلقى التبليغات والشكاوى، والتحري عن الجرائم ومرتكبيها، وسماع أقوال المتهم فيما أثير حوله من شبهات، ونظم القانون هذه السلطات في المواد 21 و24 و29 إجراءات جنائية غير أن العمل جرى منذ زمن على تقييد حرية المتهم من قبل الشرطة إبان جمع الاستدلالات لمجرد شبهة ارتكاب جريمة أو لمجرد تقديم شكوى أو بلاغ ضده.
وفى الواقع يتم حجز المتهم لعرضه رفق محضر الاستدلالات المتضمن الشكوى أو البلاغ على النيابة العامة، بل في بعض الحالات ينتقل رجل الضبط القضائي إلى محل إقامة المتهم لسؤاله بشأن ما حام حوله من شبهات، ثم اقتياده إلى قسم الشرطة، وتحرير محضر ضده، ثم إرسال المتهم رفق المحضر للنيابة العامة، ولا شك في بطلان هذا الحجز والاقتياد مادام أنه لم تتوافر حالة تلبس أو إذن قضائي بالقبض، وهو ما أكده الفقه الفرنسي قبل التعديلات التي ادخلت على قانون الإجراءات الجنائية بإجازة الحجز التحفظى للتحقق من شخصية المقيمين على الأراضي الفرنسية.
علشان نفهم.. هل يجوز حجز المتهم عقب استدعائه؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية حجز المتهم عقب استدعائه في ضوء قضاء النقض، فقد جرى قضاء النقض منذ زمن علي نفى وصف القبض عن اجراء الحجز المار ذكره، وأطلقت عليه تارة إسم استدعاء، وتارة أخرى إسم طلب حضور، وعللت لذلك بأن الغرض منه هو مجرد سماع أقوال المتهم، وهو من صميم اختصاصات رجل الضبط القضائي طبقا للمادة 29 إجراءات جنائية ولا تثريب على رجل الضبط القضائي أن تحفظ على المتهم لعرضه على النيابة العامة خشية هربه، ولكي تنفى النقض وصف القبض عن هذا الإجراء اشترطت لصحته أن يتم هذا العرض خلال المدة القانونية وألا يكون مصحوب بإكراه أو قوة أو بالأحرى ألا يتضمن تعرضا ماديا للمتهم بما يختلط عندئذ بالقبض وفقا لمنطق النقض – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - جرى قضاء النقض على أن المادة 24 إجراءات تفرض على مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم أن يقبلوا التبليغات والشكاوى التي ترد إليهم بشأن الجرائم، وأن يقوموا بأنفسهم أو بواسطة مرؤوسيهم بإجراء التحريات اللازمة عن الوقائع التي يعلمون بها بأي كيفية كانت وأن يستحصلوا على جميع الإيضاحات والاستدلالات المؤدية لثبوت أو نفى الوقائع المبلغ بها إليهم أو التي يشاهدونها بأنفسهم كما أن المادة 29 قانون الإجراءات الجنائية تخول مأموري الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات أن يسمعوا أقوال من يكون لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبيها، وأن يسألوا المتهم عن ذلك – وفقا لـ"فاروق".
تطبيقات محكمة النقض في تلك الإشكالية
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لتلك الإشكالية في العديد من أحكامها أبرزها الطعن المقيد برقم 6840 لسنة 60 القضائية، والذى جاء في حيثياته: ولما كان استدعاء مأمور الضبط القضائي للطاعن بسبب اتهامه في جريمة قتل لا يعدو أن يكون توجيه الطلب إليه لسؤاله عن الاتهام الذي حام حوله في نطاق يتطلبه جمع الاستدلال والتحفظ عليه منعاً من هروبه حتى يتم عرضه على النيابة العامة في خلال الوقت المحدد قانوناً، فإن الدفع المبدي من الطاعن ببطلان القبض عليه لا يكون له محل مادام أن محكمة الموضوع رأت في حدود سلطتها التقديرية أن استدعاء الطاعن لم يكن مقروناً بإكراه ينتقص من حريته.
وكذا الطعن المقيد برقم 19647 لسنة 89 قضائية، فقد قضت بمثل ذلك الحكم سالف الذكر في واقعة انتقل فيها رجل الضبط القضائي إلى مكان تواجد المتهمين بارتكاب جريمتي الانضمام لجماعة إجرامية منظمة لتهريب المهاجرين بطريقة غير شرعية مقابل الحصول على منفعة مادية واقتيادهم إلى قسم الشرطة، ثم النيابة العامة، وقالت إن ذلك لا يعدوا طلب حضور إذ إنه من واجبات رجال الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم عند إبلاغهم عن الجرائم ولم يكن مقرونًا بإكراه، وقضت بمثل ذلك أيضا في جناية أحداث عاهة مستديمة في الطعن رقم 4952 لسنة 81 قضائية، وأيضا في قضية سرقة مبالغ نقدية، وكذلك في واقعة ضرب أفضي إلى موت، وأيضا في واقعة خطف فتاة مقترن باغتصاب.
موقف الفقه من حجز المتهم عقب استدعائه
ويؤكد "فاروق": والغريب أن محكمة النقض لا تفتأ أن تردد أن ذلك الاستدعاء وما يعقبه من حجز وتحفظ واقتياد لا يعد تعرضا ماديا للمتهم ولا ينطوي على إكراه ينتقص من حريته فلا يختلط بالقبض المحظور في غير حالات التلبس والاذن القضائي، كما ورد في العديد من الطعون منها الطعن رقم 28494 لسنة 85 قضائية، أما جمهور الفقه يردد أحكام القضاء في أن الاستدعاء ليس قبضا دون أن يفطن إلى ما تضمنته هذه الأحكام من تحفظ وحجز واقتياد قد يعقب الاستدعاء.
تقدير موقف قضاء النقض
قضاء النقض محل نظر إذ إقامته محكمة النقض علي حجة لا تحمله ذلك أن مقتض المادتين 24 و29 إجراءات هما فحسب جمع الاستدلالات، وسؤال المتهم دون التعرض لحريته الشخصية بأي صوره كانت، ومن ثم فنحن نسأل كيف سوغت محكمة النقض لرجل الضبط عقب استدعاء المتهم وسماع أقواله التحفظ عليه لإرساله إلى النيابة العامة؟ وكيف نفت وصف القبض عن هذا التحفظ؟ إن كل تقييد لحرية المتهم في الحركة والتجول هو قبض وأن تسمي بأسماء أخرى كالتحفظ أو الاقتياد أو الحجز، لأن العبرة بالمقاصد والمباني وليس بالألفاظ والمعاني، ومن الثوابت القانونية أنه فيما عدا حالة التلبس لا يجوز لمأمور الضبط القضائي القبض على المتهم إلا بأمر قضائي مسبب، فكيف تسوغ محكمة النقض لرجل الضبط القضائي سلطة القبض أو كما أسمته التحفظ كآثر للإستدعاء دون توافر حالة التلبس؟ ثم إن القانون لا يعرف مده تعقب الاستدعاء يتعين عرض المتهم خلالها على النيابة العامة وإنما يعرف مده للقبض – هكذا يقول "فاروق".
أما مسألة خشية هرب المتهم فلا تصلح مبررا للقبض عليه خارج الإطار الذي رسمه القانون ولا يملك القضاء تقريره بمحض تقديره وإلا خرج عن دوره في تطبيق القانون إلى الاستدراك على المشرع بسن القانون، ويبدو أن مثار اللبس لدى النقض هو أنها ولت وجهها شطر الاستدعاء وصرفت النظر عما يعقبه من حجز وتحفظ واقتياد، وفات النقض بذلك أنها تكون أجرت قياس الاستدعاء على القبض وهو ممتنع، إذ لا قياس علي النصوص المقيدة للحرية لأنها استثناء معدول به عن أصل الحرية والاستثناء لا يقاس عليه – طبقا لأستاذ القانون الجنائى.
الأصل بطلان الحجز أو الإقتياد بدون توافر حالة تلبس أو إذن قضائى بالقبض
ولهذا فنحن نرى أنه إذا قام أحد رجال الضبط القضائي باستدعاء متهم، وأتى إليه طوعا واختيارا أو انتقل إليه فإنه لا يملك سوي سؤاله وتسجيل أقواله في المحضر وعليه أن يُخلي سبيله في الحال، فلا يصح له حجزه أو التحفظ عليه بذريعة عرضه على النيابة العامة رفق محضر الاستدلال، إذ ليس عليه سلطان، لأن البلاغ ومجرد الشبهات أو حتى الدلائل الكافية على الاتهام لا تبرر القبض، إذ يلزم دوما لصحة القبض أو تقييد الحرية بأي قيد توافر حالة تلبس أو إذن قضائي مسبب وهو ما أكده الدستور في مادته 54 وقانون الإجراءات الجنائية 34، ومن البديهى أن سلطة الإستدعاء لسماع أقوال المتهم تختلف عن سلطة رجل الضبط القضائي فى إتخاذ الإجراءات التحفظية ضد المتهم التى توافرت قبله دلائل كافية علي ارتكاب جناية أو جنح محددة حصريا طبقا لنص المادة 35 إجراءات، وهذا له شأن أخر وحديث قانونى أخر – بحسب "فاروق".