قضية مشاركة المتحولين جنسيا في المنافسات الرياضية الدولية أثارت انتقادات كثيرة بسبب استفادة المشاركات المتحولات من قدرات جسمانية أكبر من نساء غير متحولات، ما أدى لرفض بعض المتسابقات في المشاركة، فلا زالت فرنسا تواصل إثارة الجدل في أولمبياد 2024، ما أدى لغضب كبير اجتاح العالم، بعد قرار اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية "باريس 2024"، بمشاركة ملاكمتين متهمتين بأنهما "متحولتين جنسيًا"، في مسابقة السيدات.
اللجنة المنظمة لأولمبياد "باريس 2024"، سمحت للجزائرية إيمان خليف والتايوانية لين يو تينج، بالمشاركة في منافسات فئة ملاكمة السيدات؛ بعد أن شاركتا في النسخة الماضية "طوكيو 2020"، ولكن تم استبعادهما من بطولة العالم 2023، والمتحولون جنسيًا "Transgender": هم الأشخاص الذين تكون هويتهم الجندرية "النوع الاجتماعي" مختلفة عن الجنس الذي تم تعيينه لهم عند الولادة على سبيل المثال، قد يكون الشخص مولودًا كذكر ولكنه يشعر ويعيش كأنثى، أو العكس.
عن الـ" Transition".. موقف القانون الرياضى من المتحولون جنسيا
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على موقف القانون الرياضي الدولي من المتحولين جنسيًا، خاصة وأن التحول الجنسي يشمل العديد من الخطوات، بما في ذلك التغيير الاجتماعي "مثل تغيير الاسم واللباس"، والتغيير الطبي "مثل العلاج بالهرمونات أو الجراحة"، والتغيير القانوني "مثل تعديل الوثائق القانونية"، ويتم ذلك بما يعرف طبيا واجتماعيا بالعبور الجنسي "Transition"، وهو العملية التي يقوم بها المتحولون جنسيًا للانتقال من الجنس الذي تم تعيينه لهم عند الولادة إلى الجنس الذي يشعرون بأنه يمثلهم، يمكن أن يكون العبور اجتماعيًا، طبيًا، وقانونيًا، فقد قد يختار البعض فقط العبور الاجتماعي أو الطبي بناءً على احتياجاتهم الشخصية وظروفهم – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض سامى البوادى.
في البداية - دائما ما يحتاج المتحولون جنسيًا إلى دعم المجتمع والأسرة والأصدقاء ليتمكنوا من العبور بنجاح ويعيشوا حياة سعيدة وصحية، وفي العديد من الدول، هناك قوانين تحمي حقوق المتحولين جنسيًا، بما في ذلك الحق في عدم التمييز في مكان العمل، والرعاية الصحية، والتعليم، وفي عالم الرياضة، حيث التنافس الشريف والتوازن الجسدي هما المعياران الرئيسيان للنجاح، تبرز إشكالية معقدة ومثيرة للجدل: مشاركة العابرين جنسياً في المنافسات النسائية الأولمبية – وفقا لـ"البوادى".
موقف القانون الرياضي الدولي من المتحولين جنسيًا
هذه القضية تمثل نقطة تقاطع حساسة بين حقوق الإنسان والمساواة وبين الحفاظ على نزاهة المنافسات الرياضية، بينما يسعى العالم نحو مزيد من الشمولية والتنوع، تواجه الهيئات الرياضية الدولية تحدياً غير مسبوق في وضع لوائح تنظم هذه المشاركة بما يضمن العدالة للجميع، فكيف يمكن تحقيق هذا التوازن الدقيق؟ وما هي التأثيرات المحتملة على الرياضة النسائية؟ تلك الأسئلة وأكثر نستعرضها بإمعان حول تعقيدات هذه الإشكالية التي تتصدر مشهد النقاشات الرياضية والاجتماعية في عصرنا الحالي – الكلام لـ"البوادى".
هنا نجد أن الموضوع معقد ومتطور، وقد تباينت السياسات والمواقف بين مختلف الهيئات الرياضية الدولية:
اللجنة الأولمبية الدولية (IOC):
-في عام 2003، وضعت اللجنة الأولمبية الدولية إرشادات للسماح للرياضيين المتحولين جنسيًا بالمشاركة في المنافسات الرياضية بناءً على الجنس الذي يمثلونه.
-في عام 2015، قامت اللجنة بتحديث إرشاداتها، حيث لم تعد تتطلب إجراء جراحة تغيير الجنس للمشاركة، ولكنها وضعت شروطًا تتعلق بمستويات الهرمونات - على سبيل المثال - يجب على الرياضيين المتحولين من ذكر إلى أنثى أن يحافظوا على مستوى "التستوستيرون" أقل من حد معين لفترة زمنية محددة قبل المشاركة في المنافسات.
الاتحادات الرياضية الدولية:
تتبع العديد من الاتحادات الرياضية الدولية إرشادات اللجنة الأولمبية الدولية، ولكن هناك اختلافات في التفاصيل، فكل اتحاد قد يضع شروطًا وإجراءات خاصة به للتحقق من مستويات الهرمونات والسماح بالمشاركة.
التحديات والجدل:
-هناك جدل مستمر حول كيفية تحقيق التوازن بين العدالة التنافسية وحقوق المتحولين جنسيًا، وبعض الرياضيين والمدافعين عن حقوق المتحولين يرون أن السياسات الحالية لا تزال غير عادلة، بينما يرى آخرون أن مشاركة المتحولين جنسيًا في الرياضات النسائية يمكن أن تؤدي إلى مزايا غير متكافئة.
-تشمل التحديات القانونية والعملية كيفية ضمان الامتثال للشروط الهرمونية، والحفاظ على الخصوصية والاحترام للرياضيين المتحولين جنسيًا.
أمثلة حديثة:
في الألعاب الأولمبية الصيفية 2020 في طوكيو، شاركت لوريل هوبارد، وهي رافعة أثقال متحولة جنسيًا من نيوزيلندا، لتصبح أول رياضية متحولة جنسيًا تنافس في الأولمبياد، وشاركت في فئة رفع الأثقال للسيدات، مما أثار نقاشات واسعة حول السياسات الرياضية المتعلقة بالمتحولين جنسيًا.
وعليه فيمكن أن تختلف السياسات من رياضة إلى أخرى ومن اتحاد رياضي إلى آخر، لذا من الضروري مراجعة اللوائح الخاصة بكل هيئة رياضية باستمرار وتطويرها لتحقيق منافسات متكافئة وعادلة بمراعاة التفاصيل الدقيقة.
جديرا بالذكر أن دورة الألعاب الأولمبية 2024 في باريس، تم تبني إطار عمل جديد من قبل اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) لضمان العدالة والشمولية وعدم التمييز على أساس الهوية الجنسية والتنوع الجنسي، هذا الإطار يهدف إلى تحقيق التوازن بين توفير بيئة آمنة وشاملة لجميع الرياضيين وضمان نزاهة المنافسات الرياضية، وهذا الإطار الجديد يترك تحديد معايير الأهلية للرياضات الفردية للجهات المنظمة لكل رياضة، حيث تتفاوت طبيعة الرياضات المختلفة في متطلبات القوة والمهارات البدنية.
اللجنة الأولمبية الدولية لم تصدر قوانين شاملة تنطبق على جميع الرياضات، بل قدمت مبادئ توجيهية للهيئات الرياضية لتطوير معايير الأهلية المناسبة.تهدف هذه المبادئ إلى حماية حقوق الإنسان والاعتراف بالاحتياجات والهوية لكل رياضي، مع الحرص على عدم وجود ميزة غير عادلة أو غير متناسبة لأي مشارك. وتتضمن الإرشادات ضرورة استناد القرارات إلى أدلة قوية واستشارة الرياضيين وأخذ الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والثقافية في الاعتبار عند بدء أي تنافسات.
هل هناك عقوبة عند مشاركة أحد العابرين جنسيا في منافسات الرياضات نسائية الأولمبية؟
يُجيب "البوادى": في سياق الألعاب الأولمبية والمنافسات الرياضية الدولية، نجد أن العقوبات المتعلقة بمشاركة الرياضيين العابرين جنسياً في منافسات النساء تتعلق بشكل أساسي بعدم الامتثال لمعايير الأهلية المحددة من قبل الهيئات الرياضية الدولية مثل اللجنة الأولمبية الدولية (IOC)، وبدراسة إطار اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) نجد أن اللجنة الأولمبية الدولية لا تفرض عقوبات محددة على العابرين جنسياً لمجرد مشاركتهم في المنافسات، لكن المشاركة تتطلب الامتثال لمعايير معينة، مثل مستويات "التستوستيرون" المحددة للرياضيين المتحولين من ذكر إلى أنثى، إذا لم يلتزم الرياضيون بهذه المعايير، قد يتم استبعادهم من المنافسة أو منعهم من المشاركة.
موقف الاتحادات الرياضية الدولية:
تختلف معايير الأهلية والعقوبات من رياضة إلى أخرى، حيث أن لكل اتحاد رياضي دولي معاييره الخاصة، وقد تشمل العقوبات الاستبعاد من المنافسة أو إلغاء النتائج إذا تبين أن الرياضي لم يلتزم بالمعايير المطلوبة.
موقف القوانين الوطنية: على المستوى الوطني، قد تختلف اللوائح والعقوبات، ففي حالة مصر، لا توجد قوانين واضحة ومحددة تنظم مشاركة العابرين جنسياً في المنافسات الرياضية النسائية حتى الآن، بشكل عام، العقوبات الرئيسية تتعلق بعدم الامتثال لمعايير الأهلية بدلاً من مجرد الهوية الجنسية للرياضي.
ولضمان الامتثال، ينصح الرياضيون بالتحقق من اللوائح المحددة للرياضة التي يشاركون فيها ومن الهيئات الرياضية الوطنية والدولية المعنية، فعلي الجانب المحلي ففيما يتعلق بمشاركة المتحولين جنسياً في المنافسات الرياضية في مصر، لا يوجد حتى الآن قوانين أو لوائح محددة تنظم هذا الأمر بشكل واضح ومحدد كما هو الحال في بعض الدول الأخرى أو في الإطار الدولي الذي وضعته اللجنة الأولمبية الدولية (IOC).
ومع ذلك، هناك بعض النقاط العامة التي يمكن أخذها في الاعتبار:
-التشريعات العامة: القوانين المصرية التي تتعلق بالمنافسات الرياضية بشكل عام تشمل اللوائح المتعلقة بالتساوي في الفرص ومنع التمييز، لكن هذه القوانين قد لا تحتوي على بنود خاصة تتناول قضايا المتحولين جنسياً.
الهيئات الرياضية: المنظمات الرياضية المصرية، مثل اللجنة الأولمبية المصرية أو الاتحادات الرياضية الوطنية، قد تعتمد على الإرشادات الدولية وتطبقها بشكل يتماشى مع السياق المحلي.
التوجيهات الدولية: بالنظر إلى الإطار الذي وضعته اللجنة الأولمبية الدولية، نجد أن الهيئات الرياضية المصرية تتبع إرشادات مماثلة لضمان النزاهة والشمولية وعدم التمييز في الرياضات التي تشرف عليها.
التطورات المستقبلية:
مع تزايد الوعي بالقضايا المتعلقة بالمتحولين جنسياً، لابد وأن يتم تطوير لوائح وقوانين أكثر تحديداً في المستقبل لمواكبة التغيرات الدولية وحماية حقوق جميع الرياضيين، لذا فلا شك ان إصدار لوائح تنظم مشاركة العابرين جنسياً في المنافسات الأولمبية يعد أمراً حتمياً وضرورياً لعدة أسباب:
1-العدالة التنافسية: لضمان منافسة عادلة بين جميع الرياضيين، يجب وضع معايير تضمن عدم وجود أي ميزة غير عادلة لأي طرف، هذا يشمل التحكم في مستويات الهرمونات مثل التستوستيرون، حيث يمكن أن تؤثر على الأداء البدني .
2-حماية حقوق الرياضيين: اللوائح تضمن أن جميع الرياضيين، بما في ذلك العابرين جنسياً، يتمتعون بحقوقهم الأساسية في المشاركة الرياضية دون تمييز أو تحيز، مما يعزز الشمولية والتنوع في الرياضة.
3-التوجيه والوضوح: وجود لوائح واضحة يساعد الهيئات الرياضية على تطبيق السياسات بطرق متسقة وشفافة، مما يقلل من النزاعات والجدل حول الأهلية والمشاركة.
4-الامتثال للمعايير الدولية: العديد من الهيئات الرياضية الوطنية تعتمد على الإرشادات الدولية مثل تلك الصادرة عن اللجنة الأولمبية الدولية.
5-وجود لوائح وطنية: متماشية مع هذه المعايير يساعد في الحفاظ على انسجام السياسة الرياضية على مستوى العالم.
6-الدعم النفسي والاجتماعي للرياضيين: توفير بيئة رياضية داعمة وشاملة يساعد الرياضيين العابرين جنسياً على الأداء بأفضل ما لديهم دون الشعور بالتمييز أو الرفض، مما يعزز الصحة النفسية والاجتماعية.
7-الاستجابة للتطورات العلمية: مع تقدم الفهم العلمي حول تأثير العبور الجنسي على الأداء الرياضي، من الضروري تحديث اللوائح بشكل دوري لتعكس هذه المعرفة الجديدة وضمان أنها تستند إلى الأدلة العلمية.
رأى محكمة التحكيم الرياضية
يشار إلى أن محكمة التحكيم الرياضية قد سبق وأن رفضت طعن السباحة الأمريكية العابرة جنسيًا، ليا توماس، في استبعادها من المسابقات النسائية من قبل الاتحاد الدولي للسباحة، ورحب الاتحاد الدولي للسباحة، في بيان له، بالقرار الذي وصفه الرياضيين بأنه: "خطوة كبيرة إلى الأمام في جهودنا لحماية الرياضة النسائية"، ففي الحكم الذي أصدرته محكمة التحكيم الرياضية، لم تبت في صحة لوائح الاتحاد الدولي، لكنها اعتبرت أن ليا توماس ليس لديها "مصلحة في التحرك" للطعن في هذا النص أمام العدالة.
وحسب وكالة رويترز، فإن السباحة ليا توماس "مصرح لها حاليًا فقط بالمنافسة في مسابقات السباحة الأمريكية التي لا تندرج ضمن أحداث النخبة، ولهذا السبب، فهي ليست معنية بشكل مباشر بقواعد الاتحاد التي تحكم المسابقات الدولية"، ولم تشارك توماس في منافسات النخبة للنساء، منذ أن أقر الاتحاد الدولي للسباحة قواعد جديدة تحظر على الرياضيين المتحولين جنسيًا المشاركة في المسابقات النسائية لفئة النخبة، بعد أن كانوا سابقًا قادرين على المنافسة، بشرط تخفيض مستوى هرمون التستوستيرون لديهم.
السباحة الأمريكية العابرة جنسيًا "ليا توماس"
واتخذت توماس إجراءات قانونية في محاولة للمنافسة مرة أخرى في رياضة النخبة النسائية، بما في ذلك الألعاب الأولمبية، وقالت إن الأحكام ليست فقط "غير صالحة وغير قانونية"، لكنها تمثل أيضًا تمييزًا ضدها، لكن لجنة مكونة من ثلاثة أعضاء في محكمة التحكيم الرياضية رفضت القضية، وخلصت إلى أنه بما أن توماس لا يحق لها المشاركة في منافسات النخبة للسباحة بالولايات المتحدة، "فإنها ببساطة لا يحق لها المشاركة في المنافسة" ضمن بطولات الاتحاد الدولي للسباحة.
وأثارت قضية تنافس الرياضيين المتحولين جنسيًا ضد النساء اللواتي ولدن إناثًا جدلًا واسعًا بالولايات المتحدة، وباتت ليا توماس وجهًا للقضية، و كانت ليا توماس بدأت تحولها في عام 2019، وأصبحت في مارس/آذار 2022 أول سباحة عابرة جنسيًا تفوز بلقب جامعي في الولايات المتحدة، وأدت نتائجها إلى جدل، حيث يعتقد منتقدوها أنها تنافست كرجل في الماضي، واستفادت من ميزة فيزيولوجية غير عادلة.
إنشاء "فئة مفتوحة" للأشخاص العابرين جنسيًا
وقرر الاتحاد الدولي بعد ذلك إنشاء "فئة مفتوحة" للأشخاص العابرين جنسيًا، بالإضافة إلى مسابقات النساء والرجال، مع حصر فئاتها النسائية على السباحات اللواتي أصبحن نساء قبل البلوغ، وهو معيار اعتمده أيضًا الاتحادان الدوليان للدراجات وألعاب القوى، وفي حين سمحت اللجنة الأولمبية الدولية للاتحادات الدولية بتنظيم مشاركة الرياضيين العابرين جنسيًا في مسابقاتها منذ 2021، وأوصت بوضع توازن بين العدالة الرياضية من ناحية ورفض التمييز من ناحية أخرى، و قال الاتحاد الدولي للسباحة إنه مقتنع بأن "سياسة إدراج الجنسين لديه تمثل نهجًا عادلًا".
اللوائح المتطورة المواكبة للتغيرات المستحدثة
في النهاية، اللوائح المتطورة المواكبة للتغيرات المستحدثة سوف تساعد في تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على النزاهة التنافسية وضمان حقوق الإنسان، مما يجعلها أساسية لضمان بيئة رياضية عادلة وشاملة للجميع، حيث تظل إشكالية مشاركة العابرين جنسياً في المنافسات النسائية الأولمبية موضوعاً معقداً يتطلب موازنة دقيقة بين المبادئ الأساسية للعدالة التنافسية وحقوق الإنسان حيث إن التطورات العلمية والتغيرات الاجتماعية المستمرة تدفع باتجاه إيجاد حلول أكثر شمولية وتوازن.
ومع أن الطريق لا يزال طويلاً، إلا أن الحوار المفتوح والتشريعات المتجددة يمكن أن تسهم في بناء بيئة رياضية أكثر إنصافاً للجميع، كما إن نجاح هذا التوجه يعتمد على تعاون جميع الأطراف المعنية – من الهيئات الرياضية إلى الرياضيين أنفسهم والجماهير – لضمان أن الرياضة تبقى ساحة للتنافس الشريف والتنوع والاحترام المتبادل.