أصدرت الدائرة المدنية "ب" – بمحكمة النقض – حكما قضائيا يهم ملايين الملاك والمستأجرين، يرسخ لعدة مبادئ قضائية بشأن فسخ عقد الإيجار بقوة الاتفاق، قالت فيه: " 1-الفسخ بقوة الاتفاق يتحقق بمجرد الإخلال ببنود العقد دون اللجوء الي القضاء لإستصدار حكم بالفسخ وشرطه أن يكون عبارات العقد واضحة قاطعة الدلالة
2-يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالإلتزامات الناشئة عنه
3-يجوز عرض الأجرة ولو بعد انقضاء الأجل المحدد لها بالعقد".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 16132 لسنة 92 قضائية، لصالح المحامى بالنقض مجدى مراد بسطا، برئاسة المستشار محمد محسن غباره، وعضوية المستشارين علي مرغني الصادق، وعبد الحميد نيازي، وأمين طنطاوي محمد، وهشام جلال موسي، وبحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض كريم الزقرد، وأمانة سر طارق عبد المنعم.
الوقائع.. نزاع بين المالك والمستأجر حول الطرد من "العين"
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا على الطاعنة الدعوى رقم 242 لسنة 2020 مدنى محكمة بني سويف الابتدائية بطلب الحكم بطردها من الحانوت محل عقد الإيجار المؤرخ 1 سبتمبر 2001 بالصحيفة مع تسليمه خالياً، وقالوا بياناً لذلك إنه بموجب العقد المذكور استأجرت ذلك الحانوت من المالكة السابقة نظير أجرة مقدارها 400 جنيه شهرياً خلاف نسبة الزيادة المقررة بالعقد ثم آلت العين المؤجرة للمطعون ضدهم بالشراء، وأعلنوا الطاعنة بحوالة العلاقة الإيجارية وأنذروها بسداد الأجرة المتأخرة منذ 1 يناير 2015 حتى 31 ديسمبر فلم تمتثل، ومن ثم فقد أقاموا الدعوى، وقضت المحكمة بالطلبات وهو الإخلاء وتسليم العين.
محكمتى أول وثانى درجة تقضيان بالإخلاء للتأخر في سداد الإيجار
وفى تلك الأثناء – قامت الطاعنة بالإستئناف على الحكم أمام محكمة استئناف بني سويف، وبتاريخ 22 مايو 2022 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، ثم طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على المحكمة - في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
المستأجر يطعن على الحكم لإلغاءه
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك أنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف بسدادها كامل الأجرة المستحقة منذ 1 يناير 2015 حتى 30 يونيو 2022 قبل قفل باب المرافعة في الدعوى، وقدمت تدليلاً على ذلك إنذاراً للمطعون ضدهم بعرض تلك الأجرة بتاريخ 14 مارس 2022 تسلمها الأخيرين وبما يفيد قبولهم العرض وإبراء ذمتها - الطاعنة - منها، إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع الجوهري، وانتهى إلى القضاء بتأييد حكم أول درجة بالفسخ والتسليم تأسيساً على أن عرض الأجرة تم بتاريخ لاحق لقيد الدعوى وتحقق الإخلال بما يعيبه ويستوجب نقضه.
المستأجر يستند على عرضه الإيجار المـتأخر لسداده
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: إن هذا النعي في محله، ذلك بأنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة – أن الالتزام قاعدة الفسخ الوارد بنص المادة 157 من القانون المدني غير آمرة تسري على العقود الملزمة للجانبين - ومنها عقود الإيجار التي تخضع لأحكامه وتخرج عن نظام قوانين الإيجار الاستثنائية ومقتضاها وجوب الالتجاء للقضاء لاستصدار حكم بفسخ العقد جزاء إخلال الطرف الآخر بالتزاماته، وقد منح القانون المدني في المادة 158 منه للمتعاقدين حرية الاتفاق على وقوع الفسخ بقوة الاتفاق بمجرد تحقيق الإخلال دون حاجة للجوء للقضاء لاستصدار حكم بالفسخ.
وبحسب "المحكمة": وبالتالي وحتى تنصرف إرادة المتعاقدين إلى وقوع الفسخ بقوة الاتفاق فإنه يتعين أن تكون عبارات الشرط واضحة قاطعة في الدلالة على وقوع الفسخ حتما ومن تلقاء نفسه بمجرد حصول الإخلال بالالتزام الموجه إليه، وأن النص في العقد على أنه إذا تأخر الطرف الثاني في دفع القيمة الإيجارية يحق للطرف الأول فسخ هذا العقد وتصبح حيازة الطرف الثاني للعين بلا سند قانوني وبغير حاجة إلى تنبيه بالسداد، لا تؤدى إلى فسخ العقد حتماً ومن تلقاء نفسه فور تراخى المستأجر في الوفاء بالأجرة في مواعيدها، إذ جاءت قاصرة على مجرد تخويل المؤجر حق فسخ العقد وهو ذات الحق المقرر له في القانون في العقود الملزمة للجانبين.
النقض تضع ضوابط فسخ عقد الإيجار بقوة الاتفاق
ووفقا لـ"المحكمة": إذ إنها لا تعدو أن تكون ترديداً للشرط الفاسخ الضمني المنصوص عليه في المادة 157 من القانون المدني، ولا يغير من ذلك ما ورد بعبارة الشرط من أن حيازة المستأجر تصبح بلا سند قانوني، إذ إن ذلك أثر محقق لوقوع الفسخ اتفاقاً أو قضاء فلا تنصرف لأحدهما دون الآخر، كما أن تقرير حق المؤجر في الفسخ دون تنبيه ليس إلا مجرد إعفاء من الإعذار دون إعفاء من اللجوء إلى القضاء في طلب الفسخ بحكم منشئ له، وهو أمر بدوره جائز في حالتي الفسخ الاتفاقي أو القضائي، وأن من شأن الفسخ المبنى على الشرط الفاسخ الضمني أن يخول المدين الحق في أن يتوقى الفسخ بالوفاء بالدين ولو بعد انقضاء الأجل المحدد في العقد، بل وبعد رفع الدعوى بطلب الفسخ وإلى ما قبل صدور الحكم النهائي فيها.
النقض: يجوز عرض الأجرة ولو بعد انقضاء الأجل المحدد لها بالعقد
لما كان ذلك - وكان البين من الأوراق أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى استناداً للفسخ القضائي وليس الاتفاقي، وأن الطاعنة قد تمسكت أمام محكمة الاستئناف ببراءة ذمتها من مبلغ الأجرة المستحقة متوقية الفسخ بعرضها على المطعون ضدهم بالإنذار الموجه لهم بتاريخ 13 مارس 2022وإيداعها خزانة المحكمة واستلام الأخيرين لها، وقدمت المحكمة الاستئناف صورة إنذار العرض والإيداع والتي لم يجحدها المطعون ضدهم، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بتأييد الحكم الابتدائي بفسخ عقد الإيجار سند الدعوى وبالتسليم على ما ذهب إليه من أن السداد الحاصل تم بعد رفع الدعوى المستأنف حكمها وبما يعد تقاعساً منها عن سداد الأجرة في مواعيدها.
وتضيف "المحكمة": وكانت تلك الأسباب التي ساقها الحكم عماداً لقضائه، فضلاً عما تنطويه من خطأ في تطبيق القانون، غير سائغة ولا تنبئ بذاتها عن بحث وتمحيص كافيين لأدلة الدعوى والدفاع بها، ولا تنطوي على رد سائغ كاف عليها وعلى الدفاع الجوهري آنف البيان المبدى من الطاعنة، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وران عليه القصور، بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
لذلك:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف بني سويف وألزمت المطعون ضدهم المصاريف، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.