الضرائب.. تعد إحدى أقدم المصادر المالية للحكومات وأهم الإيرادات العامة للدول ولا يمكن الاستغناء عنها في كثير من الأحيان، الضريبة في الأساس هي مبلغ نقدي تتقاضاه الدولة الممثلة في الحكومة سواء كانت محلية أو إقليمية أو وطنية من الأشخاص والمؤسسات بهدف تمويل نفقاتها، أي تمويل القطاعات التي تصرف عليها الدولة، مثل الأنشطة الحكومية من الأشغال والخدمات العامة مثل الطرق، أو لتمويل برامج محددة مثل برامج الضمان الاجتماعي أو الرعاية الصحية، أو نفقاتها تبعاً للسياسات الاقتصادية للدولة كدعم سلع وقطاعات معينة أو الصرف على البنية التحتية أو التأمين على البطالة.
وفي الأنظمة الديمقراطية تحدد قيمة الضريبة بقوانين يصادق عليها ممثلو الشعب، وعادة ما تعهد وظيفة جمع الضرائب وتوزيعها على القطاعات المختلفة إلى وزارة المالية بعد تحديد الموازنات، وتكون الضريبة بحسب نوعها جزءاً من أرباح أو أموال دافعي الضرائب الذين يستوفون شروطاً محددة حتى تفرض الضرائب عليهم، فتؤخذ منهم وتحول إلى الحكومة من خلال إدارة أو وكالة لتحصيل هذه الضرائب، ويعد دفع الضريبة بالمعدلات التي تفرضها الحكومة إلزامياً لمن تستوجب عليه الضريبة، ويعاقب القانون على التهرب الضريبي.
قواعد فرض الضريبة وتحصيلها فى ضوء الدستور والقانون وأحكام القضاء
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على قواعد فرض الضريبة وتحصيلها فى ضوء الدستور والقانون وأحكام القضاء، الضريبة هي فريضة نقدية تجبر الدولة أو إحدى الهيئات العامة المحلية، الفرد على دفعها إليها بصفة نهائية مساهمة منه في تحمل التكاليف والأعباء العامة لتمكينها من تحقيق منافع عامة، ودون أن يحصل على نفع خاص مقابل دفع الضريبة، حيث تتباين الضريبة من دولة إلى أخرى، وقد تطلق أسماء تختلف بين الدول على الضريبة عينها، لكنها بشكل عام تقسم إلى 3 فئات، وهي "الضريبة على الدخل" و"الضريبة على الممتلكات" و"الضريبة على السلع والخدمات" - بحسب خبير الضرائب والمحامى بالنقض جمال الجنزورى.
القاعدة الأولى:
في البداية – هناك القاعدة الأولى تتمثل في فرض الضرائب وتحصيلها له نظام، وقد أطلق عليه الدستور صراحة لفظ "النظام الضريبي"، ومعلوم أن أى نظام هو عبارة عن منظومة مجموعة الأوامر والنواهي والقواعد والإجراءات والإرشادات التي تحدد الطريقة التي يجب إتباعها وصولا الى هدف أو تصرف معين – وفقا لـ"الجنزورى".
القاعدة الثانية:
فرض الضريبة هو تكليف قانونى في أطار التكاليف العامة وفى إطار القانون العام والذى يهدف المشرع الى تحقيق مصلحة عامة وليس في أطار القانون الخاص لتحقيق مصلحة خاصة، فلا يوجد رابطة تعاقدية بين المتهم ومصلحة الضرائب المصرية، وبالتالي لا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب، أو الرسوم، (إلا في حدود القانون)، وإذا كان مقررا للسلطة التنفيذية المختصة أن تصدر اللوائح والقرارات اللازمة لتنفيذ قوانين الضرائب، فإنها مقيدة بما ليس فيه تعديل أو تعطيل فإن تجاوزت هذه الحدود وجب على المحاكم اعتبارها باطلة والامتناع عن التطبيق – الكلام لـ"الجنزورى".
وهو ما عبرت عنه المحكمة الدستورية حين قضت بأن: " الالتزام بالضريبة ليس التزاما تعاقدياً، ناشئاً عن التعبير المتبادل عن إرادتين متطابقتين، بل مرد هذا الالتزام إلى نص القانون وحده، فهو مصدره المباشر، ولكنها- تفـرض – فى إطار القانون العام- الأسس الكاملة لعلاقة قانونية ضريبية، لا يجوز التبديل أو التعديل فيها، بالاتفاق على خلافها، ولضرورة تقتضيها"، طبقا للدعوى المقيدة برقم 35 لسنة 13 قضائية "دستورية" - 7 نوفمبر سنة 1992.
القاعدة الثالثة:
هذا النظام يهدف الى تحقيق تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن أجل تحقيق هذا الهدف جعل الدستور إنشاء الضرائب العامة، أو تعديلها، أو إلغاؤها، (لا يكون) إلا بقانون، ولا يجوز الاعفاء منها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون، ولتحقيق هذا الهدف عمد الدستور الى أيجاد توازن بين (حق الجباء) وبين (حق الأداء) بين مصلحة الضرائب والمكلف والتي عبرت عنه المحكمة الدستورية فيما صدر عنها من مبادئ – هكذا يقول "الجنزورى".
فقد سبق للمحكمة الدستورية العليا التصدي للأزمة في الدعوى رقم 58 لسنة 17 قضائية "دستورية" – جلسة 15 نوفمبر 1997 – والتي جاء في حيثياتها: "أن جباية الأموال ليس هدفا فى حد ذاته يحميه الدستور حتى ولو كانت الغاية مشروعة تتمثل فى حصول الخزانة العامة على الموارد المالية اللازمة للنفقات العامة، وهدف الدستور هو حماية حق الخزانة العامة فى الحصول على مواردها المالية، وحق – المتهم- الممول أو المكلف أن تجبى منه وتحصل فى إطار من العدالة وفق الحدود المبينة فى القانون".
القاعدة الرابعة:
وضع الدستور قيدا تشريعيا على سلطة التشريع وهى بصدد أصدار أي تشريع ضريبي بأن يعمد الى تنظيم شامل لفرض وتحصيل أي ضريبة من خلال النص على أن "(يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب) وهو ما عبرت عنه المحكمة الدستورية فيما أستقر لديها من مبادئ على أن "السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها متضمنا تحديد وعائها، وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلا بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها، وتوريدها، وكيفية أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من طعون اعتراضا عليها، ونظم خصم بعض المبالغ أو إضافتها لحسابها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة"، وذلك في الدعوى رقم 18 لسنة 8 قضائية "دستورية" – جلسة 3 أبريل 1996.
القاعدة الخامسة:
وهي الأداة والوسيلة التشريعية وصولا الى فرض الضريبة وتحصيلها والمتمثلة في مجموعة الإجراءات الضريبية والمستمدة من النص الدستوري على أن: " (يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب) والتي بموجبها جعل لمصلحة الضرائب سلطة تحصيل الضريبة لكنها مقيدة بأجراءات ومواعيد حتمية وجعل على المكلف، الممول (المتهم بالتهرب) مجموعة من الالتزامات الى جانب الحق في الطعن على أي تصرف أو أجراء تقوم به مصلحة الضرائب المصرية.
الامر الذي أدى الي استقرار فقهى واجماع قضائي على قاعدة لم تجد لها تبديلا ولا تحويلا وهي أن: التشريعات الخاصة بتنظيم إجراءات معينة بربط الضريبة تعد من القواعد القانونية الآمرة المتعلقة بالنظام العام، فلا يجوز مخالفتها أو التنازل عنها، ومن ثم فهي إجراءات ومواعيد حتمية رتب الشارع البطلان على مخالفتها دون حاجة للنص عليه وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، طبقا للطعن رقم 1720 لسنة 64 القضائية - جلسة 13 من ديسمبر سنة 2001.
ملحوظة:
ويمتنع على القضاء التطبيق حال مجاوزة مصلحة الضرائب المصرية حد تلك القواعد، طبقا للطعن 224 لسنة 29 قضائية - جلسة 30/3/1959 – وأيضا في دعوى أخرى جاء فيها: وترتب على ذلك أن صدر حكم غاية في الأهمية عن المحكمة الدستورية العليا أذ قضت" وحيث إن الضريبة التي يكون أداؤها واجبا وفقا للقانون - وعلى ما تدل عليه المادتان 61 و119 من الدستور - هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية"، طبقا للدعوى رقم 43 لسنة 17 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية" - جلسة يوم السبت 2 يناير سنة 1999.
القاعدة السادسة:
وقوع عبء الإثبات على مصلحة الضرائب المصرية بصفتها الدائن بدين الضريبة أذ أن: " الأصل هو براءة الذمة وانشغالها عارض وأن الاثبات يقع على عاتق من يدعى خلاف الثابت أصلا مدعيا كان أو مدعى عليه"، وذلك من خلال وسائل الإثبات الخاصة المقررة قانونا لإثبات المسائل الضريبة وتلتزم المحكمة الطريق الذي رسمه المشرع، ويتقيد فيها القاضي الجنائي بما يتقيد به القاضي المدني حيث لا يملك القضاء أمام تلك القواعد أي سلطة تقديرية فى مجال الاثبات لخضوعه لمبدأ الأدلة القانونية، ولا يجوز تغير القانون بحسب الجهة التي تفصل في الدعوي، وهي وسائل واجراءات لا تدخل في ولاية السلطة القضائية، وتلتزم في أثباته المحكمة (مدنية) أو (جنائية) - عملا بالمادة 225 قانون الإجراءات الجنائية- الطريق الذي رسمه المشرع.
القاعدة السابعة:
تحديد دين الضريبة، يتطلب التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع لها، باعتباره شرطاً لازماً لعدالة الضريبة، ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة، ويتعين في هذا الإطار، أن يكون وعاء الضريبة، ممثلاً في المال المحمل بعبئها، محققاً ومحدداً على أسس واقعية، يكون ممكناً معها الوقوف على حقيقته على أكمل وجه، ولا يكون الوعاء محققا إلا إذا كان ثابتاً بعيداً عن شبهة الاحتمال أو الترخص، ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها، إنما يتحدد مرتبطاً بوعائها، كما ورد في الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 75 لسنة 26 قضائية "دستورية" - بجلسة 1/6/2014، وكذا الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 291 لسنة 30 قضائية "دستورية" - بجلسة 2/11/2019.
القاعدة الثامنة:
عدم المباغتة ليكون فرضها والمطالبة بتحصيلها، نوعاً من المداهمة التي تفتقر لمبرراتها، طبقا لحكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 65 لسنة 17 قضائية "دستورية"، الصادر بجلسة 1/2/1997.