في كثير من الأحيان تُرتكب اليوم العديد من الجرائم الشديدة الخطورة ضد آحاد الناس وقد تصيبهم في مالهم أو شخصهم أو عرضهم، وهذه الجرائم قد تتمثل في القتل أو السرقة والتي يحترفها البعض لتكون مهنتهم، في العصر الراهن ومصدر رزقهم الملوث، إلا أن التشريعات الجنائية الحديثة تهدف بكل توجهات رغم اختلاف وتباين مرجعياتها الفلسفية والفكرية، وقد سبقها الإسلام إلى الحفاظ على حياة الناس وأعراضهم وممتلكاتهم.
وفى الحقيقة عندما تتعرض للاعتداء، من الطبيعي أن تلجأ لأية وسيلة تراها ضرورية لإيقافه، لكن هل يجيز القانون لك ذلك؟ وهل يسمح لك باستخدام القوة لإيقاف الاعتداء الموجه إليك؟ حيث إن دفاعك عن نفسك أو مالك أو عِرضك إذا ما تعرضت للاعتداء، هو ارتداد طبيعي لما يقع عليك، وليس من المنطق أن يمنعك القانون من الدفاع عن نفسك، بأن تقف مكتوف اليدين أمام المعتدي، بل يمنحك هذه الرخصة لمنع وقوع الأذى عليك أو لمنع استمراره إذا وقع، ولكن هذا الحق مقيد بعدم التجاوز أو التعدي المفضي إلى إيذاء الآخر بدون وجه حق.
الدفاع الشرعى يجب أن يتناسب مع جسامة العدوان
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على موقف قانون العقوبات من مسألة الدفاع الشرعى، وشروط الإعتداء، وشروط الدفاع، وقيود حق الدفاع الشرعي، وآثار الدفاع الشرعي، و تجاوز حدود الدفاع الشرعي، والذى يسمى من الناحية الشرعية بـ"دفع الصائل"، التي يجب أن يكون حين تحقق الاعتداء لا مجرد التوهم وأن يتناسب مع جسامة العدوان، وما هي الشروط الواجب توافرها في ذلك الحق حتى لا يقع الشخص في المحظورة وتعرضه للاتهام ليصبح هو المتهم بدلاَ من المجني عليه في مثل هذه الحالات – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض عبدالرحمن الشريف الشهابى.
في البداية - نصت المادة 245 من قانون العقوبات على: "لا عقوبة مطلقًا على من قتل غيره أو أصابه بجراح أو ضربه أثناء استعمال حق الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس غيره"، فالدفاع الشرعي لم يشرع لمعاقبة معتدٍ على اعتدائه بل شرع لرد العدوان، ولابد من توافر شروط معينة في الاعتداء والدفاع وهي – وفقا لـ"الشهابى":
أولا: شروط الاعتداء:
1- وجود خطر بإرتكاب جريمة.
2- أن تكون الجريمة من الجرائم الواقعة علي النفس أو علي المال.
3-أن يكون الخطر حال ولا يجوز دفعه بالالتجاء الي السلطات العامة.
ثانيا: شروط الدفاع:
1- أن يكون لازم لدفع الإعتداء.
2-أن يكون متناسبا مع الاعتداء.
ويشترط لقيام حق الدفاع الشرعي أن يكون المتهم قد اعتقد علي الأقل وجود خطر علي نفسه أو ماله أو علي غيره أو ماله، وأن يكون لهذا الاعتقاد سبب معقول، ويشترط أيضا وقوع فعل إيجابي يخشي منه المتهم وقوع من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي ولابد أيضا أن يكون الدفاع لازم ومتناسب – هكذا يقول "الشهابى".
قيود حق الدفاع الشرعي:
هناك قيدان يبطلان الحق في الدفاع الشرعي على الرغم من تحقق شروطه بمعنى أن سلوك المدافع حينئذ يكون غير مشروع .
القيد الأول:
يتعلق بحظر مقاومة مأموري الضبط القضائي أثناء تأديتهم لواجبات وظائفهم مع توافر حسن النية، ولو تخطى هذا المأمور حدود وظيفته، والمقصود برجال الضبطية القضائية أعضاء النيابة العامة والشرطة والجهات المختصة ممن يستخدمون القوة الجبرية في ممارسة اختصاصاتهم، ويشترط هنا أن يكون العمل الذي يقوم به مأمور الضبط القضائي داخلا في اختصاص وظيفته، وأن يكون مأمور الضبط حسن النية – طبقا لـ"الشهابى" .
ملحوظة: وإذا كان مأمور الضبط القضائي سئ النية أى يعلم بأن ما يقوم به غير مشروع ومخالف لواجبات الوظيفة فليس له الحق في استعمال حق الدفاع الشرعي، وإذا اعترض المعتدى عليه، ومنعه من إتمام ذلك العمل المخالف، فيحق له منعه باستخدام حق الدفاع الشرعي.
القيد الثاني:
حظر القتل العمد في إطار الدفاع الشرعي إلا في حالتين:
1️-القتل دفاعا عن النفس سواء ضد القتل أو الإصابة، وإتيان المرأة كرها أو هتك عرض إنسان بالقوة أو اختطاف إنسان .
2️-القتل عمدا دفاعا عن المال في جرائم الحريق العمد، السرقات، دخول منزل مسكون ليلا، الإتلاف العمدى.
آثار الدفاع الشرعي:
وأما عن آثر الدفاع الشرعى فإنه يترتب على توافر وتحقيق الشروط في كل من فعلى الاعتداء والدفاع، وانتفاء القيود على استعماله صار فعل المدافع مباحا، أما إذا لم تتوافر هذه الشروط، وخاصة شرط التناسب بين الفعلين فان العمل لا يكون مباحا ويدخل في دائرة التجريم.
تجاوز حدود الدفاع الشرعي
وهو استعمال قدر من القوة يزيد ولا يتناسب على ما كان كافيا لمنع الضرر، أى أن استخدام القوة في الدفاع الشرعي لا يتناسب إما مع الضرر الواقع على المعتدى عليه، ولا مع الوسيلة المستخدمة في التعدي، هنا يجب أن نفرق بين نوعين من التجاوز.
النوع الأول: النية السليمة في استعمال الحق
أى التجاوز غير العمدى بمعني أن المدافع لا يقصد إحداث ضرر أشد مما يستلزمه الدفاع، فيجوز للقاضي سلطة تخفيف العقوبة، فينزل بالعقوبة من الجناية إلى الجنحة.
النوع الثاني: التجاوز العمدى
الذي يتعمد فيه المدافع تخطى حدود الدفاع فيكون التجاوز غير مقترن بنية سليمة فهنا يسأل عن ارتكابه لجريمة عمدية، ويمكن للقاضي أن يخفف عنه العقوبة إذا التمس له ظرفا مخفف.