انتشرت خلال السنوات الماضية عمليات النصب على المواطنين والاستيلاء على أموالهم تحت مسمى "توظيف الأموال"، في محاولة من المتهمين والمجني عليهم للثراء السريع، هذا وقد نجحت الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة وفروعها على مستوى الجمهورية، خلال الفترة الأخيرة في ضبط المئات من قضايا الاستيلاء على الأموال بزعم توظيفها فيما يعرف بـ"المستريح".
هذه الجريمة أدت لظهور "المستريح"، وهى واحدة من أوجه النصب والاحتيال وانتشرت بكثافة مؤخرًا، وتتخذ من الثراء السريع فخًا لإسقاط الضحايا، وستارًا لجرائم الاستيلاء على أموال المواطنين، لجهل الضحايا واستغلال قلة منافذ الاستثمار المتاحة لهم، وطمع البعض الآخر في فائدة بنسبة كبيرة على أصل المبلغ المدفوع للجاني.
لماذا طفت على السطح ظاهرة المستريح؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على الفروق الجوهرية بين جريمتي النصب، وتوظيف الأموال، وفى مثل هذه الأحوال والجرائم يتحرر محضر بالنصب بينما الجريمة توظيف أموال ما يؤدى معه لإخلاء سبيل المتهم أو حصوله على حكم بالبراءة، فمنذ تجريم عملية تلقي وتوظيف الأموال بالقانون رقم 146 لسنة 1988، ونظرا لأن موضوعها تلقي أموال وعدم ردها الى أصحابها والخلط قائم بينها وبين جريمة النصب، بالشكل الذي أوقع الكثيرين في شرك الأخطاء الإجرائية، مما تسبب في إفلات المجرمين بذخيرة عمر الضحية – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض إبراهيم الحمامى.
الفرق بين جريمتى النصب وتوظيف الأموال
في البداية - إن هذه الجريمة قامت عليها كيانات تهرب أنشطتها من الرقابة القانونية، ولم تمد المادة 336 من قانون العقوبات مظلة تجريمها لمثل تلك الأنشطة، ولا تحمل الردع اللازم، لأنها عاقبت بعقوبة الحبس وأقصاها 3 سنوات عن التوصل للاستيلاء على أموال أو سندات أو منقول الغير عن طريق الإيهام بوجود مشروع وهمي، وهذه الجريمة تفترض أو وجود علاقة شخصية ما بين الجاني والضحية أساسها الثقة والاطمئنان، أما غالب تلك الشركات أن يقوم بنشاط حقيقي "غير وهمي"، وبالتالي ينحصر عنها التجريم، فضلا عن أن العقوبة كانت تقتصر على الحبس، وهي مدة قد لا تجبر المتهم على رد تلك الأموال – وفقا لـ"الحمامى".
هنا تدخل المشرع المصري بنص المادة 21 من القانون رقم 146 لسنة 1988 بتجريم تلقي الأموال لتوظيفها من الجمهور على خلاف أحكام القانون الذي أعطى هذا الحق فقط للشركات المساهمة المقيدة بالسجل المعد لذلك بالهيئة العامة لسوق المال، ومن ثم فإن أي شركة غير هذا النوع من الشركات يعمل في هذا النشاط يقع تحت طائلة العقاب، إلا أنه يتلاحظ أنه يشترط في جريمة توظيف الأموال لقيامه عدة شروط أوضحها مشروع القانون أهمها أن توجه الدعوى للجمهور بغير تمييز، أي أن تلقى المال لا يكون – كما هو الحال في جريمة النصب – على الاعتبار الشخصي بين الضحية والجاني أو بناء على أي رابط شخصي يربط بين الجاني والضحية ويبعث على اطمئنان الأخير للجاني فيسلمه المال بناء على تلك العلاقة، وإنما يشترط أن تكون الدعوة في جريمة توظيف المال موجه للجمهور الغالب دون تميز أو رابط بين موجه الدعوة ومتلقيها – الكلام لـ"الحمامى".
رفع عقوبة توظيف الأموال؟
وهنا شدد المشرع العقوبة لتناسب حجم الجرم بنص يسد ما اتسع من ثغرات جريمة النصب، إذ أن المادة 21 جعلت من جريمة التوظيف جنائية ينعقد الاختصاص فيها الى محكمة الجنايات الاقتصادية، ورفعت العقوبة إلى السجن الذي تصل مدته الى 15 عاما فضلا عن غرامة تبدأ من 100 ألف جنيه، وتصل إلى ضعفي الأموال التي تلقاها الجاني، مع الحكم برد الأموال المستحقة للمجني عليه، وهي إضافة لم يأت بها نص المادة 336 من قانون العقوبات الخاص بتجريم جريمة النصب.
وفى الحقيقة شهدت الأيام الماضية، انتشارا بشكل غير مسبوق لظاهرة "المستريحين"، ليضرب ذلك الوباء اللعين العديد من الأوساط والمجتمعات، الريفية منها قبل الحضرية، ورصدت محاضر الشرطة أرقاما لمبالغ طائلة قدرت بالمليارات نجح "الجناة" في استدراج مجموعات من المواطنين الكادحين والمعدمين أحيانا في الحصول منهم وبمحض إرادتهم على تلك المبالغ، وذلك مقابل وعود يسبقها أطماع، بجني أرباح شهرية ضخمة جدا تصل إلى مائة ضعف أحيانا، وعلى الرغم من ارتفاع حالة الوعي نتيجة التوعية المتلاحقة بخطورة تلك الممارسات، فإن وقائع تلك القضايا تكشفت عن أن هناك من لا يزال مقتنعا وهما بسلامتها، ليجد نفسه ضحية عملية نصب صريح، لا يبرره سوى الرغبة في الحصول على أرباح ضخمة بأقل مجهود – طبقا لـ"الحمامى".
ضحايا تلك العمليات هل هم مجني عليهم أم جناة؟ وكيف واجه القانون تلك الجرائم؟
ضحايا تلك العمليات هل هم مجني عليهم أم جناة؟ وكيف واجه القانون تلك الجرائم؟ فإن القانون رقم 146 لسنة 1988 نظم الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال واستثمارها، ووضع شروطا وإجراءات لتسجيلها وضوابط وأحكام الرقابة عليها ضماناً لحقوق المودعين، وحظرت المادة الأولى من هذا القانون على الأشخاص والشركات غير الشركات المقيدة في السجل المُعد لذلك بهيئة سوق المال أن تتلقى أموالاً من الجمهور بأى عُملة أو أى وسيلة، كما ذكرنا من قبل.
ونص القانون على أن يعاقب كل شخص أو شركة "غير الشركات المقيدة بهيئة سوق المال" تلقى أموالاً من الجمهور بأي عملة أو بأي وسيلة وتحت أي مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء كان هذا الغرض صريحاً أو مستتراً، بالسجن – من ثلاثة إلى خمسة عشر عاما – وبغرامة لا تقل عن مائة ألف ولا تزيد على مثلي ما تلقاه من أموال أو ما هو مستحق منها ويحكم على الجاني فضلاً عن ذلك برد الأموال المستحقة إلى أصحابها.
العقوبات المقررة لجرائم توظيف الأموال
كما يعاقب أي شخص أو شركة – غير الشركات المقيدة وفقاً لأحكام القانون– قام بتوجيه دعوة للجمهور بأى وسيلة مباشرة أو غير مباشرة لجمع الأموال لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها، بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، وتتحقق هذه الجريمة بمجرد توجيه الدعوة لجمع الأموال حتى لو لم تسفر هذه الدعوة عن تلقي أى أموال، والغاية الأساسية للدولة بعد اكتشاف هذه الجريمة هى رد الأموال المستحقة لأصحابها، لذلك نص القانون في المادة 21 على أنه: "تنقضي الدعوى الجنائية إذا بادر المتهم برد المبالغ المستحقة لأصحابها فى أثناء التحقيق ويجوز للمحكمة إعفاء الجاني من العقوبة إذا حصل الرد قبل صدور حكم نهائي في الدعوى الجنائية".
وطالب "الحمامى": بتشديد العقوبة المقررة لهذه الجريمة، والتوعية بما تقوم به الدولة من جهد لتحقيق الشمول المالي وهو من شأنه أن يقضي على هذه الظاهرة، و زيادة المشروعات القومية التي تجذب الأموال المُكدسة لدى بعض المواطنين من خلال منحهم أرباحا مرتفعة.
"أم عبده مستريحة المنوفية"
في غضون 15 مارس 2021 - تمكنت الأجهزة الأمنية بقنا، من ضبط مستريحة المنوفية التى قامت بالنصب على المواطنين فى مركز الباجور بمحافظة المنوفية وهربت إلى قنا.
تلقى اللواء محمد أبو المجد، مدير أمن قنا، إخطارًا يفيد القبض على "هالة. ز"، وشهرتها "أم عبده"، متهمة بالنصب على مواطنين والاستيلاء على أمولهم بعدما أوهمتهم بالقدرة على التوظيف، وأظهرت التحريات أن "أم عبده"، تمكنت من جميع الأموال الكبيرة بعدما أوهمت ضحاياها قدرتها على التوظيف مقابل أرباح تصل إلى 10% شهريًا، وقامت بالنصب على العديد من المواطنين الذين بحثوا عن الكسب السريع، ثم هربت.
"مستريح البيتكوين"
وبتاريخ 21 مارس 2021، ألقت الجهات الأمنية، القبض على مستريح البيتكوين، واثنين من شركائه من المحاسبين بالشركة لاتهامهم بالتورط والاشتراك فى واقعة اتهام مالك شركة بالاستيلاء على 200 مليون جنيه من حوالى 3 آلاف مواطن، بزعم توظيفهم فى الأجهزة الإلكترونية، والبرمجيات ومجال السوفت وير وتعدين البيتكوين، مقابل أرباح سنوية تفاوتت بين 56% إلى 80%.
وتواجه جهات التحقيق، المتهمين بمحضر التحريات الأمنية، حول الواقعة المقيدة برقم 205 عرائض فنى مكتب النائب العام والذى كشف أن إجمالى عدد الضحايا وصل إلى 3000 ضحية من عدد من محافظات مصر، وأن العدد الذى تقدم ببلاغات رسمية وصل لـ 150 مبلغا، وأن أموال الضحايا تراوحت بين 3 آلاف إلى 2 مليون جنيه، وأن النيابة استمعت لأقوالهم، وأن عددا كبيرا من الشاكين أعلنوا عن اتفاقهم مع المتهم على نسبة الأرباح، وأنه التزم مع بعضهم فى سداد الأرباح لفترات زمنية مختلفة وامتنع عن سداد الأرباح أو رد أصل المبالغ للشاكين والاستيلاء على تلك الأموال بالمُخالفة للقانون.
"مستريح الغربية"
تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط (أحد الأشخاص – له معلومات جنائية) لقيامه بالاشتراك مع آخر بالنصب والاحتيال على المواطنين والاستيلاء على أموالهم بزعم استثمارها وتوظيفها لهم فى مجال " تجارة الأدوية والمستلزمات الطبية " وتمكنا من خلال ذلك من الحصول على مبالغ مالية من المواطنين بلغ إجماليها (2 مليون جنيه مصرى – 800000 دولار أمريكى) تحت ذات الزعم مقابل أرباح سنوية إلا أنه توقف عن السداد ، وكذا التوقيع لهم على شيكات بنكية بالمبالغ المالية المتحصلة منهم والتى تم رفضها من قبل البنك لعدم كفاية الرصيد ، وبمواجهته إعترف بإرتكاب الواقعة، تم اتخاذ الإجراءات القانونية.. وجارى ضبط المتهم الهارب.
"مستريح القاهرة"
قدم 5 مواطنين من محافظة القاهرة، عدة بلاغات، باستيلاء أحد الأشخاص ومقيم بمحافظة القاهرة، على أموال منهم بزعم استثمارها في مجال تجارة الأدوية من خلال إحدى شركات تجارة الأدوية محل عمله، وأوهمهم "المستريح" بمنحهم أرباح كبيرة إلا أنه استولى على تلك الأموال وفر هاربًا، ونصب على المواطنين، وتم ضبط مستريح جديد استولى على 6 ملايين جنيه بزعم توظيفها في مجال الأدوية.
وأسفرت تحريات الإدارة، عن صحة الواقعة وقيام المتهم المذكور بتلقي مبالغ مالية من الشاكين وآخرين بلغت نحو 6 ملايين جنيه بغرض توظيفها واستثمارها فى مجال تجارة الأدوية مُقابل أرباح، التزامه مع بعضهم في سداد الأرباح لفترات زمنية، ثم امتنع عن سداد الأرباح أو رد أصل المبالغ للشاكين، وترك محل إقامته هربًا من مُطاردة ضحاياه.