في الفترة الأخيرة انتشرت استخدامات تقنيات الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات، وفي أكثر مجالات الحياة، كان من الواجب بيان التكييف الفقهي والقانونى لهذه الاستخدامات، والتفريق بين المشروع منها وغير المشروع والمُجرم منها وغير المُجرم، ومن ذلك تقنية التزييف العميق "Deep fake"، نظرًا لانتشارها مع استخداماتها السيئة المؤدية إلى مفاسد متعددة، كالتلاعب بالأدلة الجنائية، وإثارة الفوضى، والإضرار بالأمن القومي للدول، ومن ذلك استخدامها في قذف الغير، وما يتبعه من الابتزاز الجنسي والمالي لضحايا هذه التقنية.
فقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في معدل استخدام التزييف العميق في مختلف المجالات بما فيها السياسة والصراعات في العالم، وتُشير التوقعات إلى أن هذه الاتجاه سيتصاعد في السنوات المقبلة، والتزييف العميق هو تقنية تُستخدم في تزييف مقاطع الفيديو، من خلال الذكاء الاصطناعي، بصورة يصعب على البشر التفرقة فيها بين ما هو حقيقي ومزيف، ومع انتشار الذكاء الاصطناعي، انتقلت تقنية التزييف العميق من البدائية إلى الاحترافية، وأصبح تمييزها أكثر صعوبة، مما قد يوفر فرصاً للحكومات لاستخدام التزييف العميق، لكن وفقاً لضوابط كي تتجنب الاستخدامات السلبية لتلك التقنية.
التزييف العميق للشخصيات بواسطة تقنية DeepFake وما تخفي وراءها من آثار
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على التزييف العميق للشخصيات بواسطة تقنية DeepFake وما تخفي وراءها من آثار، فمع انتشار تلك التقنية التي صاحبت التطور التكنولوجى، تجد هناك العديد من المخاطر والسلبيات أبرزها التزييف المستتر - الـ Deepfake - للصورة وتكنولوجيا الذكاء الإصطناعى، والنظام القانونى لحماية حق الفرد فى الصورة عبر الإنترنت، فتخيل معى أن تستيقظ يومًا لتجد مقطع فيديو أو صورا لك مزيفة بدقة تقوم فيه بممارسة بعض الألعاب السحرية، فماذا سيكون شعورك؟ تخيل مرة أخرى، ماذا سيكون شعورك إذا انتشر هذا المقطع بسرعة فيروسية؟ - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي.
في البداية - تعد تقنية التزييف العميق (Deepfake) هى تقنية تعتمد على الذكاء الاصطناعي حيث تقوم هذه التقنية باستبدال صورة وجه شخص بوجه شخص آخر مستهدف، أو استبدال صوت شخص بصوت شخص آخر مستهدف، لتبدو مقاطع الوسائط المرئية أو السمعيّة المزيفة حقيقية، وفي واقع الأمر تُستخدم تقنية التزييف العميق في الأساس للأفلام السينمائية، ولكن مع تقدم التكنولوجيا وتقنية البرمجيات الحديثة، تزداد قدرة الأفراد غير المختصين بإنتاج مقاطع مرئية وصوتية مشابهة – وفقا لـ"العزاوى".
صنع محتويات مقاطع صوتية أو مرئية مسيئة أو مزيفة
وهذا يفتح المجال لأصحاب النوايا السيئة باستغلال هذه التقنيات لصنع محتويات مقاطع صوتية أو مرئية مسيئة أو مزيفة تمس المستهدفين من الأفراد والمجتمعات بهدف التحريض وخلق المشاكل الاجتماعية والأمنية أو التي قد تصل إلى إخلال بالعلاقات الدبلوماسية من خلال تزييف محتويات وسائط صوتية ومرئية لدبلوماسيين وأشخاص ذوي أهمية مجتمعية، لذلك يجب الأخذ في الحسبان أن التزييف العميق يشكل خطراً على الأمن القومي واستقرار المجتمع، في حال لم يُضبَط – الكلام لـ"العزاوى".
وفي تقرير نشرته مجلة "سايبر سيكيورتي" Ciber Security الأمريكية، وأعدته كاليب تاونسيند، تم إبراز أن معدلات تداول مقاطع الفيديو تشهد نموًا متزايدًا مع استمرار السماح بتوزيع برامج كمبيوتر وتطبيقات إلكترونية للتزييف العميق، وحذر التقرير من أن إنشاء مقاطع الفيديو المزيفة بات من أسهل الممارسات، مثل برامج فوتوشوب لتحرير وإدخال تعديلات على الصور الفوتوغرافية، موضحًا أن السبب يرجع إلى تزييف مقاطع الفيديو يعتمد إلى حد كبير على تقنية التعلم الآلي بدلا من مهارات التصميم اليدوي، علاوة على أن مثل هذه البرامج والتطبيقات تكون عادة بما يجعله في متناول الكثير من المستخدمين العاديين – هكذا يقول "العزاوى".
فيديوهات مزيفة للتأثير في الأوضاع المجتمعية
ومن الأسباب التي تجعل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في نشر المحتوى المزيف والتي يأتي في مقدمتها ومن أبرزها، التلاعب بالانتخابات من خلال نشر مقطع فيديو يظهر مرشح يشارك في فعل شائن أو يدلي ببيان مثير للجدل، وأيضا زرع الانقسامات الاجتماعية، ومحاولة نزع الثقة في مؤسسات الدولة أو السلطات العامة، وأيضاً تقويض الصحافة والمؤسسات الإخبارية البارزة ومصادر المعلومات الجديرة بالثقة – طبقا لـ"العزاوى".
وفي الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد ولاية تكساس عام 2019، أصدرت قانوناً من شأنه أن يجعل من غير القانوني توزيع مقاطع فيديو مزيفة تهدف إلى إيذاء مرشح أو التأثير على نتيجة الانتخابات في غضون 30 يوماً من الانتخابات، وذلك على مستوى الولايات الأمريكية كافة، ومن زاوية أخرى ففي الصين فقد دخل حيّز التنفيذ قانوناً جديداً لضبط تقنية "ديب فايك" (التزييف العميق) الذي يقوم على إجراء تلاعبات رقمية إلى حد التطابق مع الواقع ويمثل تحدياً في مجال مكافحة المعلومات المضللة.
التزييف العميق في فرنسا
أما بالنسبة لدولة فرنسا والنرويج فكان لهم رأي آخر، فبلنسبة للأولى وبموجب القانون الجديد المحتمل، فإنه يجب الإعلان عن الصورة أو مقطع الفيديو الذي تم تعديله، بينما سيتم حظر جميع العروض الترويجية لجراحة التجميل، ويأتي ذلك في إطار سعي الحكومة إلى الحد من الآثار النفسية المدمرة لهذه الممارسات على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
أما بالنسبة للعقوبات المتوقعة والتي قد يؤدي انتهاك اللوائح الصارمة، التي اقترحها وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، إلى السجن لمدة تصل إلى عامين وغرامات قدرها (32515) دولارًا (30 ألف يورو)، بل والأسوأ من ذلك أنه لن يُسمح للمؤثرين المسيئين الذين ثبتت إدانتهم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو مواصلة حياتهم المهنية على المنصات.
الإفصاح عن التعديلات التي يجرونها على صورهم الشخصية التي ينشرونها
أما بالنسبة للثانية، فالأمر ليس محصورا فقط في الأولى بل سبقتها دولة النرويج قبل ذلك، حيث أقرت حكومة النرويج قانونا يجبر "المؤثرين" على منصات مواقع التواصل الاجتماعى، على الإفصاح عن التعديلات التي يجرونها على صورهم الشخصية التي ينشرونها، ووفقا للقانون الجديد، سيجبر مشاهير وسائل التواصل الاجتماعى على وضع "علامة حكومية"، على الصور التي تم تعديلها، التي لا تعكس الحقيقة بنسبة 100 بالمئة.
فلا شك ولا غبار بأن مثل هذه الخطوة هي مفيدة جداً للحد من عمليات التزييف العميق للشخصيات، والأهم من ذلك هو وضع علامة تفيد بأن هذه الصورة قد تم تعديلها، ومن خلال هذه الشروط بحيث يمكن للشخص العادي معرفة أن هذا الفيديو أو هذه الصور قد تم التلاعب بها بواسطة تقنية التزييف العميق إذا لم يتم وضع تلك العلامة.
التعرف تلقائيا على التزييف العميق عن طريق تحليل انعكاسات الضوء في العين
وفي ضوء ذلك فقد طورت علماء الحاسب في جامعة بوفالو أداة تتعرف تلقائيًا على التزييف العميق عن طريق تحليل انعكاسات الضوء في العين، وأثبتت الأداة فعاليتها بنسبة 94% مع الصور الشبيهة بالصور في التجارب الموضحة في ورقة تم قبولها في المؤتمر الدولي IEEE حول الصوتيات والكلام ومعالجة الإشارات الذي يعقد في مدينة تورنتو.
والسؤال الذي يثار هنا كيف يمكن أن أحمي نفسي من هذه التقنية، بداية لابد من أن هذه التقنية تعتمد على مجموعة كبيرة من البيانات، وهذه البيانات يمكن الحصول عليها من خلال ما ينشره الشخص من صور وفيديوهات ومقاطع مسموعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فكلما زادت بيانات الشخص كلما زادت فرصة التعرض للتزييف العميق بحيث يكون قريباً من الواقع، ولعل ما وضعه المشرعان النرويجي والفرنسي من خلال تشريعهما الذي يجبر المستخدمين بوضع علامة تبين أن الصورة أو الفديو قد تم التعديل عليه هو أمر مستحسن للحد من هذه الحالة الخطرة.
جرم المشرع المصرى فعل التزييف العميق فى قانون جرائم تقنية المعلومات
جرم المشرع المصرى فعل التزييف العميق فى قانون جرائم تقنية المعلومات، حيث جاء فى الفصل الثالث منه بعنوان الجرائم المتعلقة بالإعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتى غبر المشروع حيث نص فى الفقرة الأخيرة من المادة (25) من القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات إليه على أن:
"يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من إعتدى على المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى أو إنتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكترونى لتوريد السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما فى حكمها، تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة".
كذلك كانت المادة 26 من ذات القانون أكثر دقة فى توصيف بعض صور التزييف العميق حيث نصت على أنه: "كل من تعمد إستعمال برنامج معلوماتى أو تقنية معلوماتية فى معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه".
نص المادة 178 من القانون رقم 82 لسنة 2002
كما تنص المادة 178 من القانون رقم 82 لسنة 2002 على أنه: "لا يحق لمن قام بعمل صورة لآخر أن ينشر أو يعرض أو يوزع أصلها أو نسخاً منها دون إذنه أو إذن من في الصورة جميعاً مـا لـم يتفق على خلافه. ومع ذلك يجوز نشر الصورة بمناسبة حوادث وقعت علناً أو إذا كانت الصورة تتعلق بأشخاص ذوي صفة رسمية أو عامة أو يتمتعون بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام، ويشترط ألا يترتب على عرض الصورة أو تداولها في هذه الحالة مساس بشرف الشخص أو سمعته أو اعتباره. ويجوز للشخص الذي تمثله الصورة أن يأذن بنشرها في الصحف وغيرها من وسائل النشر حتى ولـو لم يسمح بذلك المصور ما لم يتفق على غير ذلك، وتسري هذه الأحكام على الصور أيا كانت الطريق التي عملت بـهـا مـن رسـم أو حفر أو أية وسيلة أخرى".
خلاصة القول:
إن مثل هذه التقنيات لا شك بأنها تزعزع الأمن القومي للبلاد، فلابد من إحاطتها بجدار قانوني ينظم عملية استخدامها، كما وأن من البديهي أن يُلزم القانون الجديد الشركات التي توفر مثل هذه الخدمات في التزييف العميق على ضرورة الحصول على هويات المستخدمين، يجب على مطوري التكنولوجيا الإسراع بإنشاء أنظمة تقفي وتكشف التزييف مثل تلك المستخدمة في مختبرات الطب الشرعي، على غرار طريقة التثبت من تزييف الصور الفوتوغرافية عبر عدد وحدات البكسل المستخدمة، ولعل من المفيد أن نؤكد أنه يجب أن تستثمر الشركات والبرامج الحكومية في حملات التوعية ضد التزييف العميق، ومن الضروري أيضاً وضع خط ساخن بالتعاون مع وزارة الداخلية للمحافظة على الحياة الرقمية، بالإضافة إلى الإبلاغ عن حالات التزييف العميق من خلال الهاتف المجاني.