تحتفى الأمة الإسلامية، خلال الشهر الهجرى الحالي بذكرى المولد النبوى الشريف، ويختلف شكل الاحتفال من بلد لآخر، وفى مثل هذه الأوقات تعلن المشيخة العامة للطرق الصوفية عن اقتصار احتفال المجلس الأعلى للطرق الصوفية على أمسيات دينية متتالية بمسجد سيدنا الحسين عقب صلاة العشاء بحضور لفيف من القيادات الدينية والمسئولين، حيث تشهد مصر في مثل هذه الأيام الاحتفالات ويعم السرور والبهجة بين المواطنين.
تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي
واختلف الفقهاء والعلماء فى تحديد أول من احتفل بالمولد النبوى الشريف، فقد ذكر الإمام أبو شامة أن أول من احتفل بالمولد النبوى بشكل منظم هو "معين الدين الإربلي" المعروف بالملاء شيخ الموصل فى عصره، المتوفى سنة 570 هجرية، وقيل: إنه كان يحتفل بها سنويا بحضور الشعراء والأمراء فى زاويته، بينما ذكر الإمام السيوطى أن أول من احتفل بالمولد النبوى هو حاكم أربيل "شمال العراق" ابن بكتكين، وفى مثل هذه الأيام يكون الشغل الشاغل هو السؤال المعتاد والمتكرر الاحتفال بالمولد النبوى حلال أم حرام؟، حيث ينتظر الجميع هذا الموعد من كل عام حتى يتابعون عن كثب وصلة الجدال السنوية بين الأزهر الشريف والدعوة السلفية، حول حرمانية الاحتفال بالمولد النبوي، وحلالها.
محكمة القضاء الإدارى تتصدى للسلفيين
محكمة القضاء الإداري، منذ ما يقرب من 20 سنة تصدت للأمر ليس فقط لإقامة المولد النبوى الشريف، ولكن لمسألة إقامة الموالد فى العموم والتى تعتبر من المسائل الشائكة داخل المجتمع المصرى المعروف عنه أنه "شعب متدين بطبعه"، فلا توجد صغيرة ولا كبيرة فى الدين أو الأمور الحياتية إلا ويسأل عنها خاصة وأن هناك فريقاَ ممن يطلق عليهم أبناء الدعوة السلفية يحرمون العديد من الأمور والأفعال حتى يذهب البعض منهم إلى تكفير الناس والعوام بحجة أن الاحتفال بالمولد النبوى مثلا بدعة محرمة، وذلك لأن السلف لم تفعلها.
محكمة القضاء الإداري، فى الطعن رقم 15232 لسنة 53 القضائية عليا، تصدت لمسألة الاحتفال بالمولد وتحريم البعض لها، حيث ناط المشرع للطرق الصوفية وغيرها من الناحية الدينية بإقامة الموالد وعلى رأسها المولد النبوى الشريف وتنظيم الاحتفال والإشراف عليها بكافة أنحاء الجمهورية على أن تتولى المشيخة الصوفية العامة أو وكيلها المختص إخطار السلطات الإدارية المختصة للترخيص أيضاَ بذلك.
المحكمة اعتمدت فى حيثيات الحكم فى جواز الاحتفال بالمولد النبوى الشريف وإقامة الموالد بصفة عامة على شروط الترخيص لإقامة الموالد المتمثلة فى المواد "1" و"2" و"4" و"16" و"40" من القانون رقم "118" لسنة 1976 بشأن نظام الطرق الصوفية، والمادة "10" من اللائحة التنفيذية لقانون الطرق الصوفية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 54 لسنة 1978، فقد اشترطت المحكمة فى مسألة الاحتفال بالمولد على مراقبة حسن الآداب العامة بما يكفل وقار الاحتفاء وطهارة السبل لإحياء عاطر الذكريات.
خبير يؤكد علاقة الحكم بدار الإفتاء
من جانبه، قال الخبير القانوني والمحامى محمد شليل، إن المحكمة فى حيثيات حكمها أقرت بأن الترخيص بإقامة هذه المظاهر والاحتفالات الدينية منوط بكل من مشيخة الطرق الصوفية والجهة الإدارية المختصة ممثلة فى الجهات المختصة، فى حدود اختصاص كل منهما، وبموافقتهما يتم الترخيص بها وإقامة التصاريح بإقامة الموالد وتنظيمها ومجالس الذكر وسير مواكب الاحتفال، كما اعتمدت المحكمة فى حيثيات الحكم على الفتوى الصادرة من دار الإفتاء المصرية بشأن الاحتفال بمولد النبى صلى الله عليه وسلم الذى وصفته بأنه يعد من أفضل الأعمال وأعظم القربات.
ويُضيف "شليل" فى تصريح لـ"برلمانى" أن هذا الحكم يؤكد أن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف ليس بدعة كما ادعى بعض الدعاة، حيث أنه من الأجدر والأحرى أن نتذكر قصة ميلاد نبينا الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - ونتخذها أسوة وقدوة لنا حتى نسير على دربه ونتشبه به، ونسخة فتوى دار الإفتاء بشأن حكم الاحتفال بالمولد النبوى، من خلال الطلب المُقيد برقم 489 لسنة 2007 م المتضمن الآتى: ادعى بعض خطباء الجُمع ببلدتنا أن الاحتفال بالمولد النبوى غير مشروع، والسير بالموكب وحمل الأعلام والضرب بالدف من أجل المولد غير مشروع، وعمل ليلة احتفالية بالمولد غير مشروع، وشراء الحلوى وإهداؤها لمناسبة المولد غير مشروعة، والوقوف فى حلقات الذكر والتمايل فيها غير مشروع، وإطلاق لفظ سيدى على الأولياء غير مشروع فما حكم ذلك.
خطباء السلفيين يفتون بحرمة المولد
إلا أن دار الإفتاء المصرية ردت على تلك الإشكاليات والأسئلة التى تدور فى القرى والنجوع والمحافظات بصورة حاسمة من خلال إباحة الاحتفال بالمولد من قبيل الاحتفاء به المقطوع بمشروعيته، وأن شراء الحلوى والتهادى بها فى المولد الشريف أمر جائز فى ذاته، فإذا انضم إلى ذلك مقصد صالح صار مستحباَ، وكذا سير المحتفلين بالمولد فى موكب وحمل الأعلام والتغنى بالمدائح النبوية والقصائد الزهدية لا حرج فيه طالما خلا عما ينافى الشرع، والضرب بالدف لإظهار الفرح بمولد خير الأنام جائز بشرط مراعاة الأداب، والوقوف أو الحركة أثناء الذكر لم ينه عنه الشرع وهو على الأصل من الإباحة، طالما التزم الذاكر السكينة والوقار، ويتأكد الجواز إذا كانت الحركة قد صدرت عن الذاكر قهراَ وغلبة، وأن إطلاق السيادة على أهل البيت وأولياء الله الصالحين أمر مشروع.
الفتوى قالت إن الاحتفال بذكرى مولد النبى – صلى الله عليه وسلم – يُعد من أفضل الأعمال وأعظم القربات، لأنها تعبير عن الفرح والحب له – صلى الله عليه وسلم – الذى هو أصل من أصول الإيمان، وقد صح عنه أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"، والمراد من الاحتفال المشروع بذكرى المولد النبوى هو تجمع الناس على الذكر، والإنشاد فى مدحه والثناء عليه، وإطعام الطعام صدقة لله، واعلاناَ بالفرح بيوم مجيئه الكريم.
تاريخ الاحتفال بالمولد لدى المصريين
ووفقا لـ"الفتوى" – فإن الاحتفال بيوم المولد جاء منذ القرن الرابع والخامس الهجري، ونص على مشروعيته غير واحد من الأئمة والعلماء فى مصنفات مستقلة أو فى ثنايا كتبهم، منهم: أبو شامة المقدسى شيخ الإمام النووى، وابن الحاج فى كتابه المدخل، والحافظ ابن حجر العسقلانى شارح البخاري، والجلال السيوطى فى رسالة مستقلة سماها حسن المقصد فى عمل المولد، وقد نقل الصالحى فى ديوانه الحافل فى السيرة النبوية سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد عن بعض الصالحين: أنه رأى النبى – صلى الله عليه وسلم – فى منامه فشكى إليه بعض الناس يقول ببدعة الاحتفال بالمولد الشريف، فقال له النبى: "من فرح بنا فرحنا به"، والرؤيا وأن كان لا يثبت بها حكم شرعى إلا أنها يستشهد بها فيما وافق أصول الشرع الشريف – وفقا لـ"الفتوى".
الرد على تحريم شراء الحلوى
وأما عن شراء الحلوى، أكدت الفتوى أنها أمر جائز فى ذاته، لم يقم دليلا على المنع منه أو إباحته فى وقت دون وقت، لا سيما إذا انضم إلى ذلك مقصد صالح كإدخال السرور على أهل البيت أو صلة الأرحام، فإنه يكون حينئذ أمراَ مستحباَ ومطلوباَ يثبت الشرع على مثله، والقول بتحريمه أو المنع منه ضرب من التنطع المذموم.
الرد على تحريم سير المواكب
وأما ما جرى عليه العمل فى بعض الأنحاء من عمل موكب يسير فيه المحتفلون بالمولد حاملين رايات يثنتقش عليها بعض الشعارات الدينية، ويتغنون فيها بالمدائح النبوية والقصائد الزهدية فلا حرج فيه طالما خلا عما ينافى الشرع من الاختلاط المذموم أو تعطيل المصالح العامة ونحو ذلك، وإذا كان الضرب بالدف فى اعلان النكاح أمر اجازه الشرع من باب إظهار الفرح بالنكاح، وفيه حديث الترمذي: "أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه فى المساجد، واضربوا عليه بالدفوف"، فاستعمال الدف لإظهار الفرح بمولد خير الأنام أولى وأحرى، وجواز كل ذلك مشروط بمراعاة الأدب المطلوب شرعاَ.
الرد على تحريم التمايل أثناء الذكر
أما بخصوص الوقوف فى حلقات الذكر والتمايل فى اثنائه، فأكدت "الفتوى" إن الله تعالى طلب الذكر من المسلمين مطلقاَ، فقال: "يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكراَ كثيرا"، فالحث على الذكر جاء على لسان الشرع الشريف مطلقاَ، فالأصل انه لا يُقيد بحال دون حال أو بوقت دون وقت، ولما كان الشرع لم ينه عن الوقوف أو الحركة أثناء الذكر، كان ذلك على الأصل من الإباحة، طالما التزم الذاكر السكينة والوقار أثناء الحركة، ولم يأت بما يتنافى والأدب المطلوب فى حضرة الله تعالى أثناء الذكر، وكان على مدعى المنع أو التحريم إقامة الدليل على دعواه التى تخالف الأصل.
ويتأكد الجواز – وفقا لـ"الفتوى" – إذا كانت الحركة قد صدرت عن الذاكر قهراَ وغلبة، كأن يندمج فى الذكر فيصيبه حال من الوجد، فتصدر منه الحركة دون قصد لها، كما قال الشاعر وإنّى لتعرونى لذكراكِ رعدة ٌ.. كما انتفض العصفور بلله القطر، وقد روى الحافظ أبو نعيم فى الحلية عن الإمام على – رضى الله تعالى عنه – انه قال فى وصف الصحابة رضى الله عنهم: "إذا ذُكر الله مادوا كما تميد الشجرة فى يوم ريح، فانهملت أعينهم حتى تُبل ثيابهم"، وهذا الأثر صريح فى أن الصحابة رضى الله عنهم – كانوا يتحركون حركة شديدة فى الذكر، والخلاصة طالما أنه انضبط الذكر بالأدب، وعدم تحريف ألفاظ الذكر بما يفسد معناها فلا يظهر معنى فى المنع.
لو عايز تعمل فرش لبيع حلوى المولد.. اعرف الإجراءات القانونية × 7 خطوات
وخلال هذه الأيام وأثناء الاحتفال بالمولد النبوى الشريف تشهد الشوارع المصرية رواجًا فى بيع حلوى المولد النبوى، حيث تكثر المحال والفروشات الخاصة ببيع الحلوى فى الشوارع والميادين، وإذا كنت صاحب محل وأردت إقامة فرش لبيع حلوى المولد النبوى الشريف – يوضح الخبير القانوني والمحامى محمد ميزار - فى النقاط التالية كيفية الحصول على ترخيص فرش مناسبات موسمية كما يلى:
1- يمكن لمالك المحل المرخص أو المستأجر أو وكيل أعمالهما بتوكيل رسمى موثق فى الشهر العقارى الحصول على هذا الترخيص.
2- يشترط للحصول على الترخيص عدم وجود أى مخالفات أو مستحقات متأخرة.
3- يحضر طالب الترخيص صورة بطاقة الرقم القومى وإيصال سداد رسم النظر مستوفيًا الدمغة.
4- فى حالة طلب الترخيص بإشغال الطريق تقدم أيضًا صورة ترخيص المحل، ورسم هندسى أو كروكى لموقع الإشغال،وصورة البطاقة الضريبية.
5- سداد الرسوم المحددة للخدمة حسب ما ورد بجدول التنظيم والإدارة بالإضافة إلى دمغات هندسية بواقع 1.5% عن قيمة الأعمال.
6- فى حالة طلب تجديد الترخيص يتم تقديم الرخصة أو الإيصال الدال على سداد رسوم ترخيص الإشغال أو تجديده.
7- ملء النموذج الخاص بالخدمة وتقديمه مع المستندات السابقة واستلام ترخيص إشغال الطريق خلال 15 يومًا من تقديم الأوراق.
احتفال مصر بالمولد النبوى الشريف
وفى هذا السياق – تقول الخبير القانوني والمحامية رحاب سالم - تختلف مظاهر الإحتفال بالمولد النبوي الشريف، من دولة إلي أخري، حسب العادات والتقاليد، لكن يتفق المسلمون علي أن هذا اليوم فرحة وبهجة وسرور للجميع، من المقرر أن يكون المولد النبوي، يوم 16 سبتمبر المقبل، حيث يتميز الاحتفال في مصر، بشراء حلاوة المولد، بالإضافة إلي حلقات ذكر سيد خلق الجميع، حيث يبدأ التجار بإقامة الشوادر، قبل موعد المولد، بحوالي شهر، ويتم عرض الحلوى بكل أشكالها وألوانها، يزين الشادر بعرائس المولد، التي يحرص المصريون على شرائها، وتقديمها كهدايا لبعضهم البعض، وبالتالي تظهر القاهرة الكبرى وكافة محافظات مصر في أبهى صورة لها.
وتضيف "سالم" في تصريحات صحفية: وكانت بداية حلوى المولد في مصر، أن الحاكم بأمر الله، كان يحب أن تخرج إحدى زوجاته معه فى يوم المولد النبوي، فظهرت في الموكب بثوب ناصع البياض، وعلى رأسها تاج من الياسمين، فقام صنّاع الحلوى برسم الأميرة، والحاكم فى قالب الحلوى، على هيئة عروس جميلة، و فارسا يمتطي جواده، وعندما جاءت الحملة الفرنسية لمصر، لم تسمح الظروف الاقتصادية والسياسية، الإحتفال بالمولد، فأحب نابليون أن يتودد ويستعطف المصريين، فلجأ لحيلة حلاوة المولد وأمر بتصنيعها وتوزيعها على المصريين حتى يعيد للشوارع بهجتها بالاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
احتفال عدد من الدول العربية بالمولد النبوى الشريف
وتابعت: أما عن السودان، فُعرفت بمجالس الذكر والإنشاد الديني، وتقديم الطعام للمحتفلين، وعلى رأسه "الثريد"، وتقام الشوادر في مدينة أم درمان، لبيع الحلوى وأشهرها هناك "السمسمية"، وكذا دولة الأردن يُعد "المشبك" هو الحلوى الأشهر، التي يتم توزيعها خلال الاحتفال، كما تبدأ تلاوة القرآن وحضور حلقات الذكر والابتهالات الدينية، منذ بداية شهر ربيع الأول، في المساجد المزينة بالأنوار الخارجية، كما يحتفل الإماراتيون بالمولد، بالإكثار من العبادات والطاعات، مثل: "الصيام، وتلاوة القران والذكر".
واستطردت "سالم": تتزين شوارع مدينة سلا المغربية، ليلة المولد النبوي بالشموع، وفيها تصتف النساء والأطفال، على جنبات الطرقات، لمتابعة مرور موكب الشموع، مرديين الابتهالات الصوفية، ويمر الموكب الذي وضعت فيه الشموع، على هياكل خشبية مزخرفة، يحملها شبان يرتدون ملابس ملونة وسط فرق موسيقية تستخدم الدفوف وعبارات الصلاة على رسول الله - صلوات الله عليه .