أصدرت الدائرة الرابعة مستأنف – بمحكمة المنيا الإبتدائية – حكما فريدا من نوعه، يتصدى لعملية الاستسهال فى التوقيع على بياض لأي شخص، ويراعى لمسألة رد الحقوق لأصحابها، أرست فيه لمبدأ قضائى قالت فيه: " التوقيع على بياض يعتبر بمثابة تفويض من الموقع لإستعمال المحرر بعد ملأ بياناته".
صدر الحكم في الاستئناف المقيد برقم 185 لسنة 2024 مدني كلي مستأنف المنيا، لصالح المحامى بالنقض محمد عبدالصبور، برئاسة المستشار محمد صبحي أبو طالب، وعضوية المستشارين أحمد مختار، وأحمد حسن عتريس، وأمانة سر ممدوح إبراهيم.
الوقائع.. نزاع قضائى بسبب إيصالات أمانة
بعد مطالعة الأوراق وسماع المرافعة الشفوية والمداولة قانوناً: حيث أن الوقائع سبق وأن أحاط بها الحكم المستأنف الصادر في الدعوى الرقيمة 451 لسنة 2024 مدني جزئي بندر المنيا الصادر بتاريخ 22 يناير 2024، والذي تحيل إليه المحكمة منعا للتكرار، أن المستأنف ضده بصفته استهل الخصومة الراهنة بموجب طلب استصدار أمر أداء تقدم به إلى رئيس محكمة المنيا الجزئية قاضي الأمور الوقتية وقيد برقم 119 لسنة 2023 أداء جزئي بندر المنيا، وطلب فيه إلزام المدعى عليه أن يؤدي له مبلغ 50000 جنيه (خمسون ألف جنيه) قيمة إيصال الأمانة سند الطلب مع إلزامه المصاريف وأتعاب المحاماة .
وذلك على سند من القول أن المدعى عليه تسلم منه المبلغ المذكور على سبيل الأمانة لتوصيله إلى آخر بموجب إيصال الأمانة المقدم بالأمر، إلا أن المذكور لم يقم بتوصيل ذلك المبلغ أو رده إليه، مما حدا بالطالب التقدم بهذا الطلب لإلزامه بالوفاء بالدين، وقدم سندا لدعواه أصل إيصال الأمانة سند الدعوى، أصل الإنذار الموجه من المدعى للمدعى عليه السداد المبلغ محل إيصال الأمانة، وأرفق أصل أمر الأداء سالف الذكر.
رفض أمر الأداء
وفى تلك الأثناء - تداولت الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها ومثل المدعي بوكيل عنه محام، ولم يمثل المدعى عليه، وقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم أصل الإنذار الموجه من المدعى للمدعى عليه السيار العطلة محل إيصال الأمانة، هذا وقد تأشر على الطلب من السيد رئيس المحكمة برفض إصدار الأمر، وتحديد جلسة 20 نوفمبر 2023 لنظر الموضوع، وبجلسة 22 يناير 2024 صدر قضاء المحكمة الجزئية والقاضي منطوقه بإلزام المدعى عليه بأن يؤدى للمدعى مبلغ خمسون ألف جنيه قيمة إيصال الأمانة سند الدعوى، والزمته المصاريف ومبلغ خمسين جنيها مقابل أتعاب المحاماة.
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا لدى المستأنف، فطعن عليه بموجب صحيفة مودعة بتاريخ 21 أبريل 2024 طلب في ختامها اولا قبول الاستئناف شكلا للتقرير به في الميعاد، ثانيا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستانف فيما قضى به، والقضاء مجدداً برفض الدعوى واحتياطياً احالة الدعوى للتحقيق واحتياط على توجية اليمين الحاسمة للمستأنف ضده مع الزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي على أسباب حاصلها: 1- الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت في الأوراق، 2- الآثر الناقل للاستئناف - الفساد في الاستدلال.
شطب الإستئناف وتجديد الشطب
وإذ تداول الاستئناف بالجلسات على النحو المبين بمحاضره، وبجلسة 26 مايو 2024 لم يمثل طرفى الإستئناف لا بأشخاصهما ولا بوكلاء عنهما، فقررت المحكمة شطب الإستئناف، وبتاريخ 20 يوليو 2024 أودع المستأنف صحيفة تجديد الإستئناف من الشطب وأعيد تداول الدعوى بالجلسات، وبجلسة 1 سبتمبر 2024 مثل وكيل المستانف وقدم إعلان بتجديد الاستئناف من الشطب غير منفذ وطلب أجل، وبجلسة 22 سبتمبر 2024 مثل وكيل المستأنف وقدم إعلان غير منفذ للمستانف ضده وطلب أجل للمستندات ومثل وكيل المستانف ضده وطلب أجل للإطلاع، وبجلسة 13 أكتوبر 2024 مثل وكيل المستأنف وصمم على طلباته وومثل وكيل المستأنف ضده وطلب رفض الإستئناف، فقررت المحكمة حجز الاستئناف للحكم.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت عن شكل الاستئناف - ولما كان الثابت للمحكمة أن الحكم المستأنف قد صدر من محكمة أول درجة بجلسة 22 يناير 2024 بينما أودع المستأنف صحيفة الطعن عليه بالاستئناف بتاريخ 21 أبريل 2024، وكان الثابت للمحكمة أيضاً من مطالعة الأوراق خلوها مما يفيد حضور المستأنف بأي من جلسات محكمة أول درجة أو تقديمه مذكرة بدفاعه أمامها، وخلوها أيضاً مما يفيد إعلانه بالحكم المستأنف فضلا عن عدم إبداء المستأنف ضدها لثمة دفع أو دفاع يخالف ذلك، ومن ثم فإنه عملا بنص المادة 213 من قانون المرافعات يكون ميعاد الاستئناف مفتوحاً بالنسبة للمستأنف بصفته ويكون استئنافه قد تم في الميعاد مستوفيا لكافة أوضاعه القانونية وتقضي المحكمة بقبوله شكلا.
وبحسب "المحكمة": وحيث أنه عن طلب المستأنفان بأحالة الاستئناف للتحقيق، فإن المحكمة تمهد لقضائها بما هو مقرر في قضاء النقض من أن: لمحكمة الموضوع السلطة التامة في استخلاص وفهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة إليها والأخذ بما تطمئن إليه منها وإطراح ما عداه، وهي غير ملزمة بأن تتبع الخصوم في كل قول أو طلب أو حجة أثاروها ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لكل ما عداها ولا عليها بعد ذلك إن هي التفتت عن دفاع لا يستند إلى أساس صحيح أو لم يقترن به دليل يثبته وأنها غير ملزمة بإجابة طلب ندب أو إحالة الدعوى إلى التحقيق متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفى لتكوين عقيدتها، طبقا للطعن 410 لسنة 73 قضائية.
ولما كانت المحكمة وجدت في أوراق الاستئناف ما يكفي لتكوين عقيدتها، فمن ثم هو طلب وارد على غير محل وترفضه المحكمة وتكفى بإيراده بالأسباب دون المنطوق، وحيث إنه عن طلب المستأنف توجيه باليمين الحاسمة للمستأنف ضده فإن المحكمة تمهد لقضائها بالمقرر بنص المادة 114 من قانون الإثبات أنه ويجوز لكل من التسمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر، على أنه أنه ي يجوز للقاضي أن يمنع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفا في توجيهها، ولمن وجهت إليه اليمين أن يردها على خصمه، على أنه لا يجوز الرد إذا انصبت اليمين على واقعة لا يشترك فيها الخصمان بل يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين".
لما كان ما تقدم - وكان الثابت بالأوراق أن المستأنف طلب توجيه اليمين الحاسمة للمستأنف على سبيل الاحتياط الكلى بصحيفة استئنافه ولم يعلن الصيغة المراد حلف اليمين بها، وحيث إنه وطبقاً لنص المادة 114/2 من قانون الإثبات والتي تنص على أنه ولمن وجهت إليه اليمين أن يردها على خصمه...."، ولما كانت اليمين بتلك الصيغة التي طلب المستأنف توجيهها للمستأنف ضده تعد محلا لجريمة جنائية وهي جريمة خيانة الأمانة فأداء المستأنف ضده اليمين أو نكوله عن أدائها مؤداه ثبوت أو نفى جريمة التبديد بالنسبة للمستأنف، كما أنه في حالة رد المستأنف ضده اليمين على خصمه المستأنف، فإنها تشكل جريمة خيانة الأمانة وهو الأمر الذى يعد مخالفاً للنظام العام ومما لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة فيه، وهو ما يكون معه طلب المستأنف بتوجيه اليمين الحاسمة قد جاء على غير سند صحيح من الواقع أو القانون ويتعين رفضه مع النص على ذلك بالأسباب دون المنطوق.
وأما عن موضوع الإستئناف: فالمقرر بقضاء محكمة النقض - أن التوقيع على بياض من شأنه أن يكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية، بإعتبار أن هذه الحجية تستفد من التوقيع لا الكتابة، فيستوى أن تكون البيانات قد حررت قبل التوقيع أو بعده، إذ يعد التوقيع على بياض بمثابة تفويض بملء بيانات المحرر، ما دام قصد الموقع أن يرتبط بالبيانات التي سترد بالمحرر وسلمه اختياريا، ولم يثبت أنه أخذ منه خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأي طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري"، طبقا للطعن رقم 9869 لسنة 84 قضائية، الصادر بجلسة 5 أكتوبر 2020.
ولما كان ما تقدم - وكان الثابت للمحكمة من مطالعة أوراق الدعوى المستانف حكمها أن الحكم المستأنف قد رد على ما آثاره المستأنف من أسباب الاستئناف الراهن ردا سائغا كافيا الأمر الذي ترى معه المحكمة أن الحكم المستانف قد صدر صحيحاً مستندا لأسباب كافية لحملة وأن هذه المحكمة تعتنقها وتأخذها أسبابا لقضائها ولا سيما أن المستأنف لم يأتى بثمة جديد الأمر الذى يكون معه حكم محكمة أول درجة قد بنى على أسباب صحيحة وسائغة متعينا على المحكمة أن تأخذ به محمولا على اسبابة وتقضى على هدى ما ورد به برفض الاستئناف، وتأييد الحكم المستأنف على نحو ما سيرد بالمنطوق .
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة - بقبول الاستئناف شكلا، وفى الموضوع برفضه، وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف بالمصاريف، ومبلغ خمسون جنيها مقابل أتعاب المحاماة.
من جانبه، يقول المحامى بالنقض محمد عبدالصبور، أن القصة من أولها تتمثل في موكل بائع شقته، وتبقى من ثمنها 35 ألف جنيه، والمشترى كتب بهم إيصالات أمانة على نفسه على بياض، إلا أن المشترى ظل يماطل في السداد شهر وراء الأخر دون سداد، فقام الموكل (البائع) بمطالبتى بإقامة دعوى قضائية عن طريق إيصالين أمانة، فقمت برفع واحد منهما فقط جنائى، وبعد مداولات في المحكمة لمدة عاملين محكمة جنح مستأنف بندر المنيا حكمت حضورياً ببراءة المتهم (المشتري) مما هو منسوب إليه.
ويضيف "عبدالصبور" في تصريح لـ"برلماني": في مثل هذه الأحوال حينما يكون أصل الدين غير ثابت، المتضرر يضطر للسكوت وعدم استكمال المشوار أو عملية التقاضى، إلا أننى قمت برفع أمر أداء بعد ما استرديت إيصال الأمانة المقدم أمام محكمة الجنح، وقاضي الأمور الوقتية حدد جلسة موضوعية لنظر أمر الأداء، بعد سجال قانوني أمام القاضي المدني حكم لصالح موكلي بإلزام المدعي عليه (المشتري) أن يؤدي لخصمه المبلغ الثابت في إيصال الأمانة، ثم لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى المشترى فطعن عليه بطريق الإستئناف وساق أسباب أهمها حصوله على حكم بالبراءة، وإن حكم أول درجة أخطأ في تطبيق القانون، وإنه بيطلب أصلياً إحالة الدعوى للتحقيق واحتياطياً توجيه اليمين الحاسمة لموكلي.
وتابع: "فيشاء الله إن محكمة مدني مستأنف المنيا ترسى عدة مبادئ قانونية من خلال الحكم، ومن خلال منازعة هي شديدة الخصوصية، وكثيرة التكرار في المحاكم، وأعتقد أن هذا الحكم سيصبح حجة في القضاء المدني مستقبلاً بالذات فيما يخص أوامر الأداء، والمبادئ القانونية التي أرستها محكمة المنيا الابتدائية يمكن إجمالها فيما يلي:
أولا: ميعاد الاستئناف مفتوح أمام الخصم طالما لم يُعلن بالحكم ولم يحضر في أي جلسة من جلسات أول درجة.
ثانيا: أن المحكمة الاستئنافية غير ملزمة بإجابة طلب المستأنف بإحالة الدعوى للتحقيق طالما رأت فى أوراق الدعوى ومستنداتها ما يكفى لتكوين عقيدتها.
وأهم المبادئ على الإطلاق تمثلت فيما يلي:
ثالثاً: أن اليمين الحاسمة لا يجوز توجيهها على واقعة شكلت من قبل جريمة، وهي خيانة الأمانة، ومن ثم لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة للمستأنف ضده، ولا إثم عليه إن هو نكص عن أدائها فلا يجوز إجباره على الشهادة وحلف اليمين أمام المحاكم المدنية طالما أن الواقعة سبقها جنحة.
رابعاً: أن التوقيع على بياض من شأنه أن يكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية باعتبار أن هذه الحجية تثبت من التوقيع لا من الكتابة فيستوي أن تكون البيانات قد حررت قبل التوقيع أو بعده، إذ يُعد التوقيع على بياض بمثابة تفويض من الموقع لملأ بيانات المحرر مادام قصد الموقع أن يرتبط توقيعه بالبيانات التي سترد بالمحرر وسلمه إختيارياً، ولم يتم اختلاس توقيعه منه بطريق النصب أو التحايل.
وفى الأخير يقول "عبدالصبور": وبمناسبة إيصالات الأمانة فقد توقفنا عن تحريكها بالطريق الجنائي منذ سنتين أو أكثر رغم قوة هذا الطريق لكنه طويل جداً وغير مأمون العواقب، فغالباً ما يكون للمحاكم الجنائية فيه نظرة خاصة تؤدي في النهاية إلى براءة المتهم وضياع الحقوق المرتبطة.
"الإستئناف" ترسى 5 مبادئ للتصدى للتوقيع على بياض 3