الجمعة، 07 فبراير 2025 01:40 ص

الموقف التشريعى من "الحبس الاحتياطى" فى مشروع قانون المسئولية الطبية.. إجراء استثنائى "بغيض" يلجأ إليه حينما تستفحل خطورة الجانى.. ومقترح بـ"الأسورة الإلكترونية" لحل الأزمة.. وخبير يُجيب عن الأسئلة الشائكة

الموقف التشريعى من "الحبس الاحتياطى" فى مشروع قانون المسئولية الطبية.. إجراء استثنائى "بغيض" يلجأ إليه حينما تستفحل خطورة الجانى.. ومقترح بـ"الأسورة الإلكترونية" لحل الأزمة.. وخبير يُجيب عن الأسئلة الشائكة الحبس الاحتياطى بمشروع قانون المسئولية الطبية - أرشيفية
الخميس، 06 فبراير 2025 10:00 م
كتب علاء رضوان

ما زالت عملية تواصل الجهود المكثفة لنقابة الأطباء مع كافة الجهات المعنية في الدولة، من أجل الخروج بمشروع قانون عادل للمسئولية الطبية، يحمي الطبيب ويراعي طبيعة مهنة الطب، ويضمن حق المريض - وتشير النقابة العامة للأطباء - إلى أن قرارها تأجيل انعقاد الجمعية العمومية غير العادية للنقابة بشأن مشروع القانون لمدة شهر، أو لحين صدور المسودة النهائية لمشروع القانون.

جاء بعد استجابة مجلس النواب لبعض مطالب النقابة، وانفتاحه على مناقشة باقي مطالب النقابة الضرورية والأساسية التي ترى ضرورة تضمينها في مشروع القانون وعلى رأسها تعريف الإهمال الطبي الجسيم بشكل واضح ودقيق لا يقبل التأويل، وإلغاء عقوبة الغرامة في حالات الخطأ الفني الوارد حدوثه، وعدم التحقيق مع الطبيب قبل صدور تقرير اللجنة العليا للمسئولية الطبية، وأن يتحمل صندوق التأمين التعويض كاملا. 

 

202210241059145914

 

الموقف التشريعى من "الحبس الاحتياطى" في مشروع قانون المسئولية الطبية 

 

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على الجدل الدائر حول مشروع قانون المسئولية الطبية، وبالأخص فيما يتعلق بالحبس الاحتياطى للطبيب حال الأخطاء الطبية، فالأصل فى إجراء "الحبس الاحتياطي" أنه إجراء استثنائي بغيض لا يلجأ اليه إلا حينما تستفحل خطورة الجانى، فيتمكن من تشويه الدليل وطمس وقائع الدعوى بما ينال من قدرة المحكمة على الفصل فى الدعوى فصلا يحقق معنى العدالة، ورغم نص المشرع فى قانون الإجراءات الجنائية الحالى (والمشروع المرتقب) على بعض البدائل التى لا احسبها ناجعة إلا أنه قلما ما تلجأ النيابة العامة الموقرة إلى إعمالها بحجة عدم القدرة العملية على مراقبة فاعلية تطبيقها – بحسب الدكتور أسامة عبيد، أستاذ القانون الجنائي ووكيل كلية الحقوق جامعة القاهرة والمحامى بالنقض، خلال تصريح له عبر حسابه الشخصى على "فيسبوك".

في البداية - رغم دعوتى مؤخرا تحت قبة البرلمان المصرى فى مشروع قانون الإجراءات الجنائية المرتقب إلى ضرورة تبنى آلية "المراقبة الجنائية الإلكترونية"، أو ما اصطلح على تسميته علميا بـ"الإسورة الإلكترونية" إلا أن اقتراحى لم يحظ حتى تاريخه بترحيب من صانع القرار التشريعى، وأتساءل هنا، إذا كانت رؤية المشرع المصرى غض الطرف عن الاقتراح الحديث الذى حظى بتبنى عدد كبير من القوانين الغربية بل والعربية وعلى رأسها القانون الاتحادي الإماراتى فى الجرائم الاعتيادية، فما هو الداعى إلى الإصرار على عدم تبنيه حال مناقشة مشروع قانون جديد يكرس وينظم المسئولية الجنائية للطبيب، إلا يستحق الطبيب - و لو كان مخطئا - نوع مختلف من التعامل القانونى؟ - وفقا لـ"عبيد".  
 

ججي

 

إجراء استثنائي "بغيض" لا يلجأ اليه إلا حينما تستفحل خطورة الجانى

 

إذا كان من الجائز والمقبول قانونا محاكمة الطبيب جنائيا عن وقائع اتجار بالأعضاء البشرية، فتلك جريمة جنائية جسيمة بمعنى الكلمة تستاهل وتسوغ لسلطة الإتهام حبس الطبيب احتياطيا إذا ثبت أنه جزء من شبكة اجرامية منظمة، أما ونحن نتحدث عن أخطاء "مهنية" محتملة لطبيب متخصص عجزت قدراته العلمية عن متابعة حالة المريض أو حتى ارتكب خطأ جسيما، فلا مجال للقياس بين الحالتين، وردد "عبيد" قائلا: "أن العدالة يا سادة عدالة نسبية وليست عدالة مطلقة، وأتذكر هنا قالة محكمتنا الدستورية العليا أن (ضابط المساواة وحدة المراكز القانونية)، فأين المساواة فى المراكز القانونية بين الجريمتين السابقتين؟".

 

فعادة ما يشيد القاضى الجنائي عقيدته فى الإدانة فى قضايا الخطا الطبى على ثبوت "علاقة السببية" بين سلوك الطبيب الخاطئ والنتيجة التى تحققت من ورائه، أى أن يكون سلوك الطبيب هو السبب المباشر الذى أسس وفاة المريض او عاهته المستديمة، وهى مسألة شديدة التعقيد على العقلية القانونية، فمهما بلغت الخبرة العملية للقاضى الموقر أو نبوغه العلمى "القانونى"، فلن يستطيع الإلمام بالسبب المباشر الذى أحدث الوفاة أو العاهة من الناحية الطبية، وسط عدد كبير من العوامل الطبية المتداخلة كحالة المريض قبل التدخل الطبى أو الجراحى ودور التمريض ودور التخدير ودور الرعاية المركزة بعد التدخل الطبي – طبقا لـ"عبيد".    

 

625561-ططسطسط

 

مقترح بـ"الإسورة الإلكترونية" لحل الأزمة

 

وعلى ذلك فإن الإصرار على التشبث بالقاعدة الأصولية بأن "المحكمة الموقرة هى الخبير الأعلى" لا تجد لها مكانا وسط هذا التشابك الطبى الدقيق؛ لذا فإن عمل اللجنة الطبية العليا لا يجب أن يقف عند مرحلة كونه رأيا استشاريا للمحكمة بقدر ما هو إجراء ملزم يرسم على نحو قطعى حدود التجريم والإباحة آن به الأوان لإعادة النظر فى الطبيعة القانونية لأعمال الخبرة كما تبناها المشرع المصرى منذ مائه عام – هكذا يقول "عبيد".

 

ثمة اجراء جوهرى يعين النيابة العامة على استجلاء وجه الحقيقية فى حالات الوفاة الناتجة عن الأخطاء الطبية، هو "تشريح جثمان المتوفى إلى رحمه الله وإعداد تقرير بالصفة التشريحية"، وعادة ما تكون نتيجة هذا التقرير شافية للقاضى الجنائي فى رسم مبررات الإدانة (أو البراءة)، وهنا تختلط الاعتبارات الاجتماعية مع المقتضيات القانونية، فالكثير من الأسر المصرية ترفض مثل هذا الإجراء وتستعجل تصريح الدفن، فيتماحى الدليل الذى تحسبه المحكمة بقينيا فى استجلاء وجه الحقيقة، وينتهى الحال إلى الزج باسم وسمعة الطبيب "أو الجراح" دون أساس علمى قبل القانوني.  
 

زززيززيي

 

القانون المقارن ينظم تجارب علمية رائدة فى المسئولية المهنية للأطباء

 

وفى الأخير يقول أستاذ القانون الجنائى: ينظم القانون المقارن تجارب علمية رائدة فى المسئولية المهنية للأطباء، تستند بالأساس إلى التأمين على اخطاء المهنة (بما فيها الاخطاء الجسيمة)، فيبذل الطبيب قسطا ليس بالقليل من دخله المادى فى التأمين على أخطائه، فإن أصاب فله أجر النجاح وأن اخطأ تحملت شركة التأمين عبء خطئه فضلا عن مسؤليته التأديبية النقابية، فإما التأمين على اخطاء المهنة وإما مواجهة المحاكمة الجنائية على النحو الذى يمكن معه القول بأن التأمين "بدرجاته المتفاوتة" يشكل حصنا للطبيب من محاكمة جنائية تتوه فيها سمعته ويفقد فيها شرفه المنهى حتى وأن حكم ببراءته ولو بعد حين، هكذا يأمن الطبيب على نفسه فى مباشرته لعمله المهنى آمانا معلقا على فداحة الخسارة المادية التى يتكبدها شهريا وفقا لعقد التامين دون الخضوع لسيف الحبس الاحتياطي أو المسئولية الجنائية تسليطا يهدر قيمة هذه المهنة المقدسة وتنزح معه كفاءات كبيرة إلى دول أخرى أكثر تنظيما لأسلوب مواجهة الأخطاء الطبية.  

 

images
 
 
ج
 
ططيي
 

الدكتور أسامة عبيد، أستاذ القانون الجنائي ووكيل كلية الحقوق جامعة القاهرة والمحامى بالنقض


print