"منع المحكوم عليه غيابيا من التصرف فى أمواله".. نص تمت الموافقة عليه فى قانون الإجراءات الجنائية الجديد، ما أدى لإثارة لغطا كبيرا بين الدستوريين والقانونيين حول وجوده في القانون الحالي أي منذ 75 سنه من عدمه، فتبارى الفريقان بتحليات متباينة بشأن تلك المادة 368 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والتي توجب حرمان المتهم من أن يتصرف في أمواله أو يديرها أو أن يرفع أية دعوى باسمه، في حالة صدور حكم بالإدانة في غيبته.
وجاء نص المادة 368، كما وافق عليها المجلس، كالتالي: "كل حكم يصدر بالإدانة في غيبة المتهم يستلزم حتماً حرمانه من أن يتصرف في أمواله أو أن يديرها أو أن يرفع أية دعوى باسمه، وكل تصرف أو التزام يتعهد به المحكوم عليه يكون باطلاً من نفسه، وذلك كله مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسن النية، وتحدد المحكمة الابتدائية الواقع في دائرتها أموال المحكوم عليه حارساً لإدارتها بناء على طلب النيابة العامة أو كل ذي مصلحة في ذلك، وللمحكمة أن تلزم الحارس الذي تنصبه بتقديم كفالة، ويكون تابعاً لها في جميع ما يتعلق بالحراسة وتقديم الحساب".
"خناقة" منع المحكوم عليه غيابيا من التصرف فى أمواله
قانونيون وصفوا تلك المادة بأن العوار الدستوري متعلق بحق التقاضي فيها، وأن نص المادة 24 و25 من قانون العقوبات - العقوبات التبعية - نفس المعنى، وأن النص الحالي خاص بالجنايات فقط، بينما يرى آخرون أن النص ليس جديد فى قانون العقوبات وقانون الإجراءات، والدليل على ذلك كود قانون الإجراءات الجنائية مادة 390 هى المقابلة للمادة 368 فى المشروع الحالي، الأمر الذى أدى بدوره لقيلة عدم دستوريته، على الرغم من أن مسألة عدم دستورية المواد أو القوانين لا تتطرح بمجرد كلمات من ظاهر الأمر، دون بحث، ودون الرجوع للمذكرة الشارحة للقانون .
وحول هذا الأمر – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض صالح جمال عمار، للتوضيح وحتى تُوضع الأمور في نصابها الصحيح، فإن هذه المواد من أهم أدوات الضغط على المحكوم عليهم غيابيا للتنفيذ أولا، وثانيا هذه المواد من أهم المواد التي نستعين بها في محاولات استيداء حقوق الدولة من المعتدين على المال العام الذين يرتكبون جرائمهم ويلوذون بالفرار، وأما عن النص الدائر بشأنه اللغط، فإنه موجود منذ 75 سنه، فكم شخص أو متخصص تحدث عنه، ولا انتقده مبينا عواره؟ وفى الحقيقة النص ليس مستحدثا ومشروع قانون الإجراءات في أغلب مواده نقل حرفي عن القانون الحالي بما فيها المواد التي أثارت جدلا مثل المادة التي تحدثت عن التشويش في الجلسة.
قانونيون يؤكدون: النص ليس بجديد وموجود في القانون الحالي لكنه "غير مفعل"
وبحسب "عمار" في تصريح لـ"برلماني": أشك أن يكون السواد الأعظم من المعترضين قد قرأ النص قبل ذلك، أو عرف بأنه موجود من الأساس، مع العلم أن نصوص المشروع أيضا تخص الجنايات دون الجنح أولا، طارحا عدد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجبات أبرزها: ما علاقة درجة التقاضي بآثار الحكم؟ وما هي النصوص الدستورية التي أتى بها الدستور الجديد لم تكن في سابقيه حتى تكون شبهة عدم الدستورية قائمة؟ ومقطع النزاع في الموضوع أن النصوص موجة فعليا وقائمة في ظل قانون الإجراءات الحالي وليست نصوص مستحدثة؟ وهذه المادة والشرح ينطبق على الحكم الغيابي في جناية فقط، فهل النص الجديد بقى كما هو أم أضيف إليه كل حكم غيابي ولو صادر في جنحة؟ لكن عمل قانون جديد فرصة لتخليص القانون الحالي من نصوصه المعيبة حتى لو كانت نصوصا لم تأخذ حظا من التطبيق العملي حتى لا تكون سيفا مسلطا على الحريات.
فيما علق الدكتور أحمد السيد، أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض – بقوله: أعلنت مرارا وتكرارا أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد مرفوض شكلا وموضوعا، لأنه قانون إجرائي أو شكلى لابد أن يبنى على قانون موضوعى جديد، وهو قانون العقوبات الذى يحدد الجريمة ويحدد العقوبة، ولكن ما يحدث "فيه نظر"، لأنه بمثابة التلاعب بعقول المواطنين ورجال القانون فى مصر والوطن العربي – على حد زوصفه - والمثال الأكبر على ذلك وجد فى هذه المادة الخاصة بالمتهم فى الأحكام الغيابية، لمخالفتها لمواد الدستور النافذ، الذى تم النص عليه بأن، كل متهم برئ حتى تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي.
الخبير القانوني والمحامى بالنقض صالح جمال عمار
المادة مُهددة بعدم الدستورية
وبحسب "السيد" في تصريح خاص له: والحكم الغيابى ليس من الأحكام النهائية، وما زال المتهم برئ حتى إذا صدر ضده الحكم الغيابى، فله الحق فى المعارضة والاستئناف والنقض، كما له الحق أيضا فى التمسك بالتقادم المسقط للعقوبة فى حالة توافر شروطها، بالإضافة إلى جريمة حرمان المواطن من التصرف فى أمواله، وحرمانه من الحق في التقاضي، وكأنه محجور عليه أو سفيه أو ذى غفلة، أو مفلس، المادة 390 تخص الجنايات ومخالفة لمواد دستور 2014 المعدل فى 2019، قبل تعديل القانون وتفعيل مواد الدستور، وتطبيق مبدأ التقاضى على درجتين، وفى جميع الأحوال المتهم برئ حتى تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي، ويحق للمتهم المعارضة والاستئناف والنقض، والتمسك بتقادم العقوبة إذا توافرت الشروط، وأخيرا ردد قائلا: "انتبهوا أيها السادة نحن فى حالة اسهال تشريعى ليس له محل من الإعراب، ومخالف للدستور الذى أقره الشعب ووافق عليه، فمن المستفيد من مثل هذه التشريعات؟
نص المادة 368 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد
يشار إلى أنه قد وافق مجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، خلال الجلسة العامة للمجلس اليوم الاثنين، على المادة 368 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والتي توجب حرمان المتهم من أن يتصرف في أمواله أو يديرها أو أن يرفع أية دعوى باسمه، في حالة صدور حكم بالإدانة في غيبته.
الدكتور أحمد السيد، أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض
وجاء نص المادة 368، كما وافق عليها المجلس، كالتالي: "كل حكم يصدر بالإدانة في غيبة المتهم يستلزم حتماً حرمانه من أن يتصرف في أمواله أو أن يديرها أو أن يرفع أية دعوى باسمه، وكل تصرف أو التزام يتعهد به المحكوم عليه يكون باطلاً من نفسه، وذلك كله مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسن النية، وتحدد المحكمة الابتدائية الواقع في دائرتها أموال المحكوم عليه حارساً لإدارتها بناء على طلب النيابة العامة أو كل ذي مصلحة في ذلك، وللمحكمة أن تلزم الحارس الذي تنصبه بتقديم كفالة، ويكون تابعاً لها في جميع ما يتعلق بالحراسة وتقديم الحساب".
ورفض المجلس طلبات من بعض النواب بحذف هذه المادة أو تعديلها، حيث طالب النائب عاطف المغاورى، بحذف المادة لأن فلسفة القانون في كل المواد أكدت على التقليل من الأحكام الغيابية، لأن الحكم الغيابي لم يصدر في مواجهة المتهم، ورأى حذف الثلاثة مواد لأنه لا يجوز إصدار أحكام في غياب المتهم - بحسب قوله - بينما اقترح النائب أحمد حمدي خطاب حذف المادتين 368 و369 من مشروع القانون، معترضا على النص على حرمان المتهم الصادر بحقه حكما غيابيا من أن يتصرف في أمواله أو أن يديرها أو أن يرفع أية دعوى باسمه.
المادة 368 بين الرفض والتأييد
وفى السياق ذاته، قال النائب محمد عبد العليم داود، إنه يطلب حذف المادة لأنها ضد حقوق المتهم، والتصرف في أموال المتهم الغائب، كما أكدت النائبة سحر بشير: هذه المادة غير دستورية، لأن المادة 35 من الدستور تنص على أن الملكية الخاصة مصونة، وأنه لا عقوبة إلا بنص، كما أن الحكم مؤقت وليس نهائي، بينما قالت النائبة أميرة أبو شقة، إن التعديل المقترح منها أن تتحول المادة من حكم وجوبي إلى جوازي، مشيرة إلى أن التشريعات الحديثة لا تعترف بتلقائية تطبيق القانون وأصبحت تحد من فكر المشرع وألا يجور على السلطة التقديرية للقاضي، وأنه هذه المادة تجور على حق الدفاع.
وعقب المستشار عمرو يسري، عضو اللجنة الفرعية لإعداد وصياغة مشروع القانون: هذه المادة توفق بين الاعتبارات المختلفة، غاية الحكم الجنائي تحقيق العدالة الجنائية وإعلاء مبدأ سيادة القانون، عقوبات مؤقتة بمجرد أن يسلم نفسه تنتهي هذه الإجراءات، وفكرة أن النص يوجد قيد على المتهم ليتقدم من تلقاء نفسه للمحكمة حتى تجرى محاكمته مع ضمانات حق الدفاع، وإجراء محاكمته بشكل عادل، وضمان حق المجتمع.