الإثنين، 24 فبراير 2025 03:30 م

"جرائم الإزعاج".. إشكاليات الإيذاء النفسى بإزعاج الغير بأدوات الاتصال.. 3 قوانين تتصدى للأزمة.. العقوبات وتنظيم الاتصالات والجرائم الإلكترونية.. والمشرع أنهى الخلط بين جرائم الاتصالات والـ"سوشيال ميديا"

"جرائم الإزعاج".. إشكاليات الإيذاء النفسى بإزعاج الغير بأدوات الاتصال.. 3 قوانين تتصدى للأزمة.. العقوبات وتنظيم الاتصالات والجرائم الإلكترونية.. والمشرع أنهى الخلط بين جرائم الاتصالات والـ"سوشيال ميديا" جرائم السوشيال ميديا - أرشيفية
الإثنين، 24 فبراير 2025 12:00 م
كتب علاء رضوان

جرم المشرع إزعاج الغير بحسبان الإزعاج من جرائم الايذاء النفسى فى 3 قوانيين على التوالى الأول قانون العقوبات، والثانى قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003، والثالث قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، غير أن هذا التجريم جاء متواضع للغاية، إذ اقتصر على تجريم الإزعاج أن تم من خلال وسائل الاتصال بمختلف صورها ليفلت من التجريم الإزعاج الذي يتم بغيرها كالإزعاج المباشر وأن كان يمكن ملاحقة الجانى عندئذا بمقتضي المادة 379 عقوبات التى تعاقب بالغرامة تحت وصف المخالفة كل من حصل منه فى الليل لغط أو ضجيج مما يكدر راحة السكان.      

وسوف نتناول جرائم الإزعاج فى أربع مطالب الأول فى الأحكام العامة للإزعاج، والثانى فى الإزعاج التليفونى، والثالث الإزعاج من خلال أدوات الإتصال، وفى الأخير الإزعاج من خلال الرسائل الإلكترونية، أما تعريف الإزعاج وحكمة تجريمة، فالإزعاج نقيض الهدوء وهو بوجه عام كل فعل أو قول أو ايماءات أو حركات يتعمدها الجانى ليضيق به صدر المجنى عليه، كما ورد في العديد من أحكام محكمة النقض، هذا ومن الثوابت أن الراحة والاسترخاء الذهنى والهدوء جزء لا يتجزء من الصحة النفسية للإنسان، ولا شك فى أن تلك الراحة، وهذا الاسترخاء يتطلب تفادى اقلاق الإنسان نفسيا من خلال منع ازعاجه بأى وسيلة أو أداه.    

 

للمتضررين.. إشكاليات الإيذاء النفسى بإزعاج الغير بأدوات الإتصال

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكاليات الايذاء النفسى بإزعاج الغير بأدوات الإتصال في قوانيين العقوبات وتنظيم الاتصالات ومكافحة جرائم تقنية المعلومات، فلما كان الإنسان فى خلوته واسترخائه لا يتخلى مطلقا عن أدوات الإتصال بالعالم الخارجي من هاتف وبرامج وسائل التواصل الاجتماعي، لذا حرص المشرع على تجريم ازعاجه من خلالها لتفادى إقلاقه حين يتلقى إتصال أو رسائل الكترونية غير مرغوب فيها أو حتى عند مجرد سماع رنين الهاتف أو صوت رنه الرسالة، لذا فان كافة حالات الإزعاج المجرمة تشترك فى حكمه العقاب وهى تفادي الاقلاق النفسى لمستخدم الهاتف وبرامج التواصل الاجتماعي – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.   

في البداية - يلاحظ أن جرائم الإزعاج تختلف عن جرائم السب والقذف من خلال التليفون أو وسائل الاتصال التى عالجها المشرع بالمادة 308 مكرر عقوبات، لأن تلك الجرائم هدف المشرع من تجريمها حماية شرف المجنى عليه واعتباره وليس راحته النفسية غير أن العمل يجرى على غير ذلك، إذ عند حصول القذف والسب بطريق التليفون ترى محكمة النقض أن المتهم عندئذا يرتكب جريمتى القذف والسب والازعاج التليفونى وتوقع عليه عقوبة الجريمة الأشد، طبقا لأحكام محكمة النقض – وفقا لـ"فاروق".

 

إشكالية تعدد نصوص تجريم الإزعاج  

تجريم المشرع للإزعاج فى النطاق المار ذكره جاء بمقتض 3 نصوص تجريم الأول فى قانون العقوبات بمقتضى المادة 166 مكررا والثانى بالمادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 والثالث بالمادة 25 من قانون الجرائم الإلكترونية رقم 175 لسنة 2018 بما أحدث ارتباك وخلط لدى القضاء حال أن لكل نص مجاله الذي يعمل فيه كما سوف نرى فى حينه – هكذا يقول أستاذ القانون الجنائى.  

وبدا هذا الخلط واضح فى أحكام القضاء، إذ ذهبت محكمة النقض إلى أن قيام أحد الأشخاص بإستعمال أجهزة الاتصالات بطريقة يزعج بها الطرف الآخر أو يضايقه مجرم إذا ما وقع عن طريق أي جهاز اتصالات سواء كان التليفون أو جهاز الحاسب الآلي المستقبل للبيانات والمعلومات أو البريد الإلكتروني أو الرسائل الإلكترونية أو الإنترنت أو الاتصال التليفزيوني أو غيرها من وسائل الاتصالات الأخرى فأي إزعاج أو مضايقة يتم عبر جميع هذه الأجهزة يشكل جريمة طبقاً للمادة 76 في فقرتها الثانية من قانون الاتصالات، وبالتالى فان من يقوم بإرسال رسائل عبر شبكة الإنترنت أو على التليفون المحمول تتضمن إزعاجاً أو مضايقة لمستقبلها يكون مرتكباً لهذه الجريمة وعلى القاضي تحديد ما إذا كان الفعل المرتكب يشكل إزعاجاً أو مضايقة للمتلقي من عدمه، فهي مسألة موضوعية تختلف من حالة إلى حالة أخرى، طبقا للطعن رقم 11505 لسنة 88 قضائية، الصادر بجلسة 2 نوفمبر 2019.

ويقول "فاروق": هو قضاء محل نظر، إذ نص المادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات لا يتسع أبدا للرسائل الإلكترونية أو النشر من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعى وأن تضمنت إزعاج، وإنما قد يطبق بشأنها نص المادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018. 

 

العلاقة بين نص المادة 166 مكررا عقوبات والمادة 76 من القانون رقم 10 لسنة 2003

جرم المشرع بموجب القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات فى المادة 2/76 ازعاج الغير بأى جهاز إتصال، إذ نص على أن مع عدم الإخلال بالحق في التعويض المناسب يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد إزعاج أو مضايقة غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، هذا وقد ثار تساؤول حول وضع نص المادة 166 مكررا عقوبات فى ضوء نص المادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات وهو قانون لاحق، لأنه جرم ذات الفعل وهو الإزعاج بأى أداة إتصال بما يندرج تحته من التليفون كأداة إتصال – طبقا لـ"فاروق". 

فذهب رأي إلى أن وجوب تطبيق نص المادة 76 على أساس أنه تضمن عقوبة أشد، إذ فرضت عقوبة الحبس وهي حسب القواعد العامة يجوز أن يصل مدته إلى 3 سنوات في حين أن المادة 166 مكرراً من قانون العقوبات لا يجوز أن يزيد فيها مدة عقوبة الحبس على سنة، ومن ثم فإن العقوبة الأشد – سالفة البيان – هي الواجبة التطبيق دون غيرها، وبهذا الرأى أخذ المكتب الفني لمحكمة القاهرة الاقتصادية وصار عليه العمل.   

فى حين ذهب رأى آخر إلى أن نص المادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات قد ألغى ونسخ نص المادة 166 مكررا عقوبات ليس فحسب، لأنه قانون لاحق جرم ذات الفعل، وإنما أيضا لأن هذا القانون فى المادة من مواد إصداره نص على أنه يلغي كل نص مخالف، والواقع أن المشكلة لا تتعلق بإرتباط بين جرائم يوجب توقيع عقوبة الجريمة الأشد، ولا أيضا تتعلق بنسخ المادة 166 مكررا عقوبات بموجب قانون تنظيم الاتصالات، وإنما تنصرف المشكلة إلى فض تنازع ظاهرى بين النصوص.

ويضيف "فاروق": وما نراه أن نص المادة 166 مكررا عقوبات هو نص خاص بالنسبة لنص المادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات إذ احتوى على كل العناصر التى قررها نص المادة 76 وهي تعمد إزعاج الغير من خلال وسيلة إتصال وزاد عليه عنصر وهو أن تكون وسيلة الإتصال هى التليفون، وهذا مناط الخصوصية، ولما كان النص الخاص يقيد العام سواء أكان سابق أو لاحق على النص العام، لذا فإن نص المادة 166 مكررا عقوبات يكون واجب التطبيق حين يستخدم التليفون الثابت أو المحمول فى الإزعاج، أما حين يتم هذا الإزعاج من خلال أدوات الإتصال الأخرى كبرامج الوات ساب والتيلجرام والماسنجر الخ فإن نص المادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات هى التى تكون واجبه التطبيق طالما تضمنت إتصال صوتى من خلال تلك البرامج، أما إذا تم الإزعاج من خلال تلك البرامج فى صورة رسائل الكترونية كان نص المادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018 هو الواجب التطبيق أن توافرت شروطه.

 

مدى لزوم انتفاء شرط العلانية  

قد يقال وقد قيل بالفعل أن جرائم إزعاج الغير يجب لتحققها أن يتم فعل الإزعاج بغير علانية ليس فحسب لأن وسائل الاتصالات سرية، إذ تقتصر على أطرافها وإنما أيضا لأن التطور التاريخى لنص المادة 166 مكررا عقوبات والذى جرم فيه فعل الازعاج لأول مرة فى قانون العقوبات بموجب القانون رقم 96 لسنة 1955 يؤكد هذا المعنى، إذ جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أن الغاية الحقيقة من وضع نص المادة 166 مكررا هي خلو التشريع الجنائي من نص قانوني يعاقب على ارتكاب جرائم السب والقذف في غير علانية، واستنادًا إلى ذلك استحدث المشرِّع المادة 308 مكرر من قانون العقوبات لتجريم كل سلوك يتضمن سب أو قذف في غير علانية عن طريق التليفون بما يفهم منه ان سبب وضع نص المادة 166 مكررا كان بهدف تجريم كل إزعاج يتعرض له المجني عليه باستخدام وسائل الاتصال في غير علانية.

وقد يؤيد ذلك أن المشرِّع حينما استحدث جريمة تعمد الإزعاج باستخدام التليفون بالمادة 166 مكررا  لم يكن ثمة أساس قانوني لتنظيم مسألة مراقبة المحادثات الهاتفية، كما خلى قانون الإجراءات الجنائية آنذاك من أي تنظيم قانوني للمراقبة التي تسمح بكشف هذه الجريمة التي تقع في غير علانية، بما جعل من تطبيق أحكام المادة 166 مكرر وكذلك المادة 308 مكرر أمرًا غير قابل للتطبيق لاستحالة إثبات ارتكاب أي جريمة من الجريمتين اللتين لا تتحقق أي منهما إلا في غير العلانية بما دفع ذلك المشرِّع إلى إضافة مادة رقم 95 مكرر إلى قانون الإجراءات الجنائية الخاصة بمراقبة المكالمات الهاتفية في حالة ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد 166 مكرر و308 مكرر بما يؤكد قصد المشرع فى انحسار العلانية عن جرائم الإزعاج.  

ومقتض هذا الرأى إن المعيار المشترك والأهم في جرائم الإزعاج هو أن يحدث السلوك في غير علانية ولا يدركه أحد سوى الجاني والمجني عليه، وبالتالي إذا حدث أي سلوك من هذه السلوكيات في علانية فلا ينطبق عليه النموذج القانوني لجرائم الازع، وذلك سواء أدركته مجموعة مميزة أو غير مميزة من الأفراد، فالعبرة بانتفاء العلانية، وهذا الرأى محمود الدوافع، إذ يهدف إلى الحد من نطاق التجريم، ولكننا لا نؤيده لأنه ولو كان الأصل أن وسائل الاتصالات تتسم بالسرية إلا أنه فى بعض الأحيان تضحى علنية، كمن يحادث المجنى عليه تليفونيا فيفتح الأخير مكبر السماعة الخارجية للهاتف حال وجود مجموعة من الأشخاص معه أو العكس وكذلك الشأن فى تطبيقات الفيس بوك بشأن الصفحات العامة أو حتى المقصورة على الأصدقاء.

أما الاستناد إلى التطور التاريخى للنص والمذكرات الإيضاحية اللذان كانا السبب فى وضع نص المادة 166 مكررا عقوبات فمحل نظر، إذ انه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فلا يجوز الخروج عليها بدعوى تفسير النص استهداء بأى منهما، لأن العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب.  

ولهذا قضت محكمة جنح النقض بتحقق الإزعاج فى حق شخص قام بكتابة تعليق على بوست نشره المجنى عليه على صفحته الشخصية فى تطبيق فيس بوك متى كان من شأن كتابة هذا التعليق إزعاج المجنى عليه وقالت النقض"من المقرر أن الإزعاج وتعمد مضايقة المجني عليه لا يقتصر على السب والقذف المعاقب عليهما بالمادة 308 مكرراً من قانون العقوبات، بل يتسع لكل قول أو فعل تعمده الجاني يضيق به صدر المجنى عليه، وكان الحكم المطعون فيه بين مضمون ما وجهته الطاعنة من عبارات للمجني عليها عن طريق تدوينها في تعليق موجه للمجني عليها على موقع التواصل الاجتماعى الخاص بها، ويمكن لها مطالعته والاطلاع على ما دون به من عبارات حاصلها: (أنك مش حتسمعي الكلام وبتعملي برده كده)، بما أثلج صدرها وهو ما يكفى لتحقق جريمة الإزعاج المنصوص عليها بالمادة 76 من قانون تنظيم الاتصالات، طبقا للطعن رقم 11456 لسنة 90 قضائية، الصادر بجلسة 11 سبتمبر 2021.

 

مدى لزوم الكيدية   

عاقب المشرع الفرنسى فى المادة  222 - 16 من قانون العقوبات على الازعاج التليفونى، ولكنه اشترط تكرار المكالمات الهاتفية وكونها كيدية في طبيعتها، ولهذا رأت محكمة النقض أن تكرار الإتصال بشخص لمحادثته لأ يوفر فى حد ذاته الجريمة، وإنما يلزم بالإضافة إلى ذلك أن يكون الإتصال كيدى أى لاسبب ولا مبرر له سوى مضايقة المنادى وأضافت المحكمة أن تلك الكيدية لأ يمكن الاستدلال عليها من مجرد تكرار الإتصال، وألغت النقض أحكام الإدانة التى خالفت هذا النظر واكتفت بتكرار الإتصال.

وذات الحل يجب إتباعه فى مصر إذ الاتصال بأخر لا جريمة فيه حتى وأن تكرر أكثره من مرة، وإنما تجريمة يتأتى أن لم يكن هناك هدف من وراء الإتصال سوى ازعاج المنادى فهذا الإزعاج هو ما يجعل الإتصال كيدى، وبالتالى تتحقق الجريمة وإلا فلا ولقد أوضح المشرع المصرى ذلك حين قرن الإتصال بتعمد الإزعاج والمضايقة فدل على أن انتفاء المضايقة أو بالأحرى الكيدية عن الإتصال لا يحقق الجريمة.    


الأكثر قراءة



print