تستعد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لاستقبال أقدس أصوامها وأطولها، الصوم الكبير، الذي يعد بمثابة موسم للتجديد الروحي والتوبة العميقة. يمتد هذا الصوم لمدة 55 يومًا، إذ يحمل في طياته أبعادًا روحانية فريدة. فهو رحلة روحانية طويلة تبدأ بأحد الكنوز وتنتهي بأحد القيامة
وتحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بعيد القيامة لعام 2025 يوم الأحد الموافق 20 إبريل. كما يبدأ الصوم الكبير يوم الإثنين الموافق 24 فبراير. وفي هذا التقرير، نسلط الضوء على أهمية الصوم الكبير، ألحانه وطقوسه الخاصة، وأسرار تسميته بـ"الكبير"، ومظاهر اهتمام الكنيسة والآباء الرهبان به.
تقسيم الصوم الكبير وطقوسه الخاصة
يشمل الصوم الكبير على ثلاثة أصوام، هما:
- الأربعين المقدسة في الوسط.
- يسبقها أسبوع أما أن يعتبر تمهيد للأربعين المقدسة، أو تعويضيًا عن أيام السبوت التي لا يجوز فيها الانقطاع عن الطعام.
- يعقب ذلك أسبوع الآلام. وكان في بداية العصر الرسولي صومًا قائمًا بذاته غير مرتبط بالصوم الكبير.
وتعتبر أيام الصوم الكبير هي أقدس أيام السنة، ويمكن أن نقول عنه إنه صوم سيدي، لأن يسوع المسيح قد صامه. وهو صوم من الدرجة الأولي، إن قسمت أصوام الكنيسة إلي درجات. فله ألحان خاصة، فترة انقطاع أكبر، قراءات خاصة، ومردات خاصة، وطقس خاص في رفع بخور باكر، وبالإضافة إلى مطانيات خاصة في القداسات. ولهذا يوجد للصوم الكبير قطمارس خاص. كما أنه تقرأ فيه قراءات من العهد القديم، وهكذا يكون له جو روحي خاص.
اهتمام الكنيسة بالصوم الكبير
جعلت الكنيسة للصوم الكبير أسبوعًا تمهيديًا يسبقه، حتى لا يدخل الناس إلي الأربعين المقدسة مباشرة بدون استعداد. وإنما هذا الأسبوع السابق، يمهد الناس للدخول في هذا الصوم المقدس، وفي نفس الوقت يعوض عن الإفطار في السبوت التي لا يجوز الانقطاع فيها.
كما أن الكنيسة مهدت له أيضًا بصوم يونان. فصوم يونان، أو صوم نينوى يسبق الصوم الكبير بأسبوعين، ويكون بنفس الطقس تقريبًا وبنفس الألحان، حتى يتنبه الناس لقدوم الصوم الكبير ويستعدون له بالتوبة التي هي جوهر صوم نينوى. بالإضافة إلى أن من اهتمام الكنيسة بهذا الصوم أنها اطلقت عليه الصوم الكبير فهو أكبر الأصوام في مدته التي هي 55 يومًا. وهو أكبرها في قدسيته، لأنه صوم المسيح مع تذكارًا لآلامه المقدسة.
اهتمام الآباء الرهبان بالصوم الكبير
قد اهتم الآباء الرهبان بالصوم الكبير، فحياتهم كلها كانت صومًا، ولكن أيام الصوم الكبير كانت لها قدسية خاصة في الأجيال الأولى، إذ كانوا يخرجون من الأديرة في الأربعين المقدسة ويتوحدون في الجبال.
أحاد الصوم الكبير بالترتيب
قسمت الكنيسة الصوم الكبير إلى 7 أسابيع يبدأ كل منها يوم الإثنين وينتهي يوم الأحد، وجعلت لكل أسبوع قراءات خاصة ترتبط بعضها البعض ويتألف منها موضوع عام واحد هو موضوع الأسبوع، ويرمز كلا من الأحاد على الترتيب إلى النحو التالي:
أحد الرفاع
يتكلم عن أركان العبادة المقبولة، الصدقة (العطاء) والصلاة والصوم، لأنها تمهيدا على فترة عبادة هامة، فالكنيسة توضح له في إنجيل أحد الرفاع أركان العبادة المقبولة وشروطها، حتى يكون الجهاد أثناء فترة الصوم مقبولًا.
الأحد الأول: أحد الكنوز
كانت رسالة السيد المسيح، هي: "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل أكنزوا لكم كنوزًا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون". وبهذا شجع المسيح على العطاء والرأفة بالفقراء كما تردد الكنيسة طيلة الصوم الكبير في مدائحها. كما ينصح بعدم الاهتمام بالعالميات والجسديات كالمأكل والمشرب والملبس. ففيه تبدأ الكنيسة بتحويل الأنظار عن عبادة المال إلى عبادة الله وإلى أن يكنزوا كنوزهم في السماء.
الأحد الثاني: أحد التجربة
تقدم الكنيسة السيد المسيح مجربًا من إبليس بتجارب ثلاث: شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، وقد انتصر المسيح فيها كلها، فتعلم الكنيسة فيه درسا وهو كيفية الانتصار والتغلب على الشيطان.
الأحد الثالث: أحد الابن الضال
الموضوع العام لقراءات الصوم الكبير هو التوبة، وتقدم الكنيسة نموذجًا عظيمًا للتوبة، الابن الضال الذي لما أطاع أفكاره وتبع مشورة الشيطان، فعاش حياة الذل، ولكن لما رجع إلى نفسه قرر العودة إلى أبيه وتقديم توبة صادقة. فتعلم الكنيسة الأقباط كيف يقبل الله الخاطئ.
الأحد الرابع: أحد السامرية أو أحد النصف
كانت قدمت الكنيسة في الأحد الثالث نموذجًا رجالي للتوبة تقدم في هذا الأحد نموذج نسائي للتوبة التى هى أم الحياة. وهو نموذج المرأة السامرية.
الأحد الخامس: أحد المخلع
تتلو الكنيسة إنجيل المخلع الذي يرمز للخاطئ الذي هدت قواه الخطية وشلت حركته وجعلته يرقد بلا إرادة ولا حراك، وكيف تشدد المخلع بإطاعته لكلمة المسيح وهكذا يمكن أن يتشدد ويتدعم الخاطئ، حينما يستمع إلى كلمة الله ويحاول أن يطيعها ويعمل بها.
الأحد السادس: أحد التناصير
سمي أحد التناصير لأن اعتادت الكنيسة والشعب تعميد أبنائهم في أحد التناصير، كما سمي أحد الاستنارة بالإنجيل أي الاستنارة كلمة الله لأن المعمودية هي استنارة روحية.
الأحد السابع: أحد الشعانين
يدخل ضمن أسبوع الآلام، فيه يستقبل السيد المسيح ملكاً، وتحتفل الكنيسة فى الأحد الثامن بعيد القيامة المجيد.